int(2022) array(0) { }

أرشيف المقالات

الدعاة بين التأهيل والتدريب

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الدعاة بين التأهيل والتدريب
 
الذين اعتنَقوا الإسلامَ، والذين يَسَعُهم مخاطَبةُ الرأي العامِّ الأمريكيِّ بلُغةٍ يفهمها، وأسلوبٍ يَخرُج مِن مشكاة الحضارة الغربية وثقافتها، ولم يَبقَ هناك شعور بالدونية، أو المواطنة مِن الدرجة الثانية، تلك الحال التي لاحقتْ جيلَ المهاجرين الأوائل مِن الآباء والأجداد، واستطاعَت الجاليةُ مِن جديد أن تفرض وجودَها، وتؤكِّد أهميتَها السياسيةَ على الساحة الأمريكية، وتُبرْهنَ أنَّ العرب والمسلمين قد أصبحوا رقمًا ملحوظًا في المعادلة السياسية والديموغرافية، وغدَا التعبيرُ عن وجودِهم له أكثرُ مِن مَغزًى سياسي وثقافي وإعلامي.
 
فالمفردات التي يتمُّ تناوُلها على ألسنة المسؤولين عند الحديث عن ثقافة المجتمع الأمريكي، أصبحتْ لا تَستَثني ذِكْر المسجد بصفته أحدَ المكوِّنات الرئيسة لبنية المجتمع، وهذا ظهر جليًّا بعد أحداث الحادي عشر مِن سبتمبر، وأثبتَت القياداتُ الإسلاميةُ بمجموع جهودها - وإنِ افتَقرَتْ في كثير مِن الأحوال إلى التنسيق التامِّ أو المرجعية العُليا - أثبتَتْ قُدرةً على إدارة الأزمات، وتثبيت الوجود تثبيتًا جذريًّا، لا يمكن اقتلاعُه أو تَجاوُزُه.
 
بَيْدَ أن الأمر لا يخلو مِن مساحات قصورٍ وتهاوُن، ومِن تحدِّياتٍ ومتطلَّبات تحتاج إلى جهود مُرَكَّزة واعية، نابعة من رؤية واضحة، وخطَّة مرسومة المعاِلم، نُورد منها على سبيل المثال:
تحدِّيات في مجال الدعوة:
مثل الحاجة إلى مركز معلوماتي إسلامي خاصٍّ بأعمال الدَّعوة، وما يتعلَّق بها مِن تنسيق الجهود، وإعادة النظر في الموادِّ الدعوية المتوافرة، وإعادة صياغة ما يحتاج منها إلى إعادة صياغة؛ لزيادة مُناسبَتها للعقلية الأمريكية، وتخليصها مِن المضامين السياسية، والحاجة إلى الإشراف على تدريب الأئمَّة والخطباء المُجيدِين للغة الإنجليزية، ومِن ذوي منهج الوسطية والاعتدال، والفهم للواقع والمجتمع المحيط، والحاجة إلى دراسات فقهية تُخاطِب معنى كَونِنا مسلمين أمريكيين، وتبحث في فقه الأقلِّيَّات والمواطنة، والولاء والبراء، وغيرها.
 
تحديات في مجال الإعلام:
كالحاجة إلى التطوير المستمرِّ لنِقاطِ الخِطاب الإعلاميِّ الإسلاميِّ، والتركيز على فصل الإرهاب عن الدِّين، وتناوله بصفته ظاهرةً دولية لها شواهدُ مِن جميع المجتمعات، ومِن سائر الخلفيَّات الدِّينية والعرقية والثقافية، والحاجة إلى توسيع منافذ وآفاق الصَّوتِ الإسلامي الإعلامي في وسائل الإعلام الأمريكيَّة، واختراق مؤسَّسات الإعلام الحاليَّة، واستغلال قنوات التلفزيون العامَّة.
 
تحدِّيات في المجال السياسي:
كالحاجة إلى مخاطبة مخاوفِ الحكومة وتَشَكُّكاتِها في المسلمين، والتعامُل مع المسلمين مِن مُنطَلَق الملفِّ الأمنيِّ، والتصدِّي لمحاولات العَزْل والتهميش مِن قِبَل المجموعات المتطرِّفة، والحاجة إلى عرْضٍ متوازنٍ بين أولويَّات الجالية المحلِّيَّة وقضاياها الدولية مِن منظور إسلامي أمريكي، وربْط ذلك بمصلحة أمريكا الحقيقية، والحاجة لتحدِّي وإبطال مفهوم "إما أن تكون معنا أو ضدَّنا" الذي طرَحَه الرئيسُ بوش، والدخول الحقيقي في تحالُفات إستراتيجية.
 
إيصالُ الهداية إلى الناس، والإحسان إليهم هدفٌ نبيل، وغاية يَنبَغي أنْ يَسعَى إليها كلُّ مسلم، ومع توسُّع العالَم اليومَ في وسائل الاتصال، فقد سهُلتْ مهمَّة إيصال الهداية إلى الناس في كل مكان، وعلى المسلمين أن يقُوموا بإيصال الدَّعوةِ إلى الناس كلِّهم بكلِّ وسيلة مشروعة مُتاحة.
 
والمؤسَّسات الإسلامية لها النصيبُ الأكبر في تبليغ هذا الدِّين إلى كلِّ أحد، وإذا كانت كلُّ مؤسَّسة جادَّة تَسعَى إلى جودة إنتاجها، وحُسْن عَرْضه، وإقناع الناس به، وتقيس كلَّ ذلك باقتناء الناس لِمَا تُنتِجُه، وتقوِّم أعمالَها ونشاطاتِها تبعًا لذلك، فإنَّ المؤسَّسات الإسلامية لها نصيبُها مِن ذلك، مع اختلاف في المضمون، وطريقة العَرْض والاقتِناء؛ ولذلك كان مِن المهمِّ الاستفادةُ مِن الطرائق والأساليب المتاحة لإنجاح أعمالها؛ فالحكمة ضالَّة المؤمن، أنَّى وَجدَها فهو أحقُّ الناس بها.
 
والدعاة إلى الله تعالى هم القائمون بعَرْض سلعة المؤسَّسة التي يَنتَمُون إليها، فإذا صحَّ مصدرهم وغاياتهم، وأحسَنوا عَرْض ذلك، واستمالوا الناسَ إلى الغاية التي يَسْعَوْن إليها، تحقَّقَت أهدافُهم بإذن الله، وإنما يَدخُل النقصُ على الدعوة بفَقْد أحد هذه الأمور، فقد يكُون مصدر الداعية مخالفًا للكتاب والسُّنَّة بوجهٍ من الوجوه، أو قد يكون للداعي أغراضٌ غير مشروعة، أو قد لا يستطيع الداعية استمالةَ الناس إلى دِين الله؛ لضعفٍ في تحصيله أو مهارته.
 
وهنا ينبغي أن نقف على الأسباب المُعِينة على تجاوُز ذلك، في زمنٍ تعيش فيه الدعوة الإسلامية تحدِّياتٍ كبيرةً، حيث تعدَّدتْ وسائلُ الاتصال وتشابكَتْ، وتعدَّدت أساليبُه وطرائقه، مما يسهِّل على المدعوِّين في كل مكانٍ التلقِّيَ مِن مصادرَ متعدِّدةٍ، وستبقى الأساليب المؤثرة، والطرائق المقنعة تستميل المدعوِّين، وتؤثِّر فيهم.
 
وإذا كان غيرُ المسلمين اليومَ قد بلغوا درجةً عظيمة في الاستفادة مِن وسائل الاتصال لتحقيق أهدافهم، ونشْر مبادئهم، فإنَّ المسؤولية على المسلمين عظيمةٌ في أن يَنهَضوا بقوَّة، ويُدرِكُوا أهميةَ الأخْذ بزمام الأمر؛ لأنهم يملكون أعظمَ هداية عرفتْها البشرية.
 
إنَّ الدَّعوة بشكل عامٍّ - ودعوة غيرِ المسلمين على وجهِ الخصوص - تحتاج إلى جهدٍ كبير في تأهيل الدُّعاة وتدريبهم، فتأهيلُ الدُّعاة وتدريبُهم على طريق الدعوة وفنونها، وتدريبهم على التنظيم في الأداء، وإكسابهم المهارات اللازمة التي تُعِينهم على حُسْن العَرْض للمبادئ التي يحملونها، وكذلك توفير الأسباب المُعِينة للدَّاعية على أداء دعوته، كلُّ ذلك ينبغي أن يكون الهاجسَ الأكبر للمؤسَّسة الإسلامية.
 
ومن المسلَّمات في دعوة غير المسلمين أنَّ هناك العديدَ مِن الأسئلة التي يحتار المدعوُّ في الإجابة عنها، وكثير مِن غير المسلمين ممَّن قرؤوا كُتبًا عن الإسلام، أو سمعوا عنه، ظلَّتْ لديهم أسئلةٌ حائرة، لم يجدوا مَن يروي غليلَهم فيها؛ ولذلك فلا غِنًى للمدعوِّ عن الداعية بحال من الأحوال، وإنَّ الداعية المؤهَّل عِلميًّا وعمليًّا يُغني عن ألفِ كتابٍ وكتاب.
 
ودعوة غير المسلمين اليومَ بين صنفين مِن الدعاة: فصنفٌ لديهم القدرة على عرض الدعوة؛ ولكنهم لا يملكون العِلم الشرعيَّ الذي يمكِّنهم من ذلك، وآخرون لديهم العِلم الشرعيُّ؛ ولكنهم قد يفتقدون القدرة على عرضه، وكلا هذين الصنفين يحتاج إلى التأهيل والتدريب للقيام بالدعوة على الوجه الأكمل.

شارك المقال

ساهم - قرآن ٣