الأم غالية فلا تهملها - أم سارة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهالأم غالية لا يعرف قيمتها إلا من فقدها، وحُرم من دعائها حنانها، فيجب أن نكون عند قدميها، فالجنة في ذلك الموضع، ويجب التواصل معها بالدعاء والصدقة إن كانت فارقت الحياة، وما جعلني أقول ذلك ما شاهدته من عذاب سيدة هانت عليها الأم..
تلك السيدة مثلها كأي ابنة أو ابن تحتاج دائما لأمها لتعينها وتساعدها، وتحتاج لدعائها ولرضاها، ولكن هذه احتاجت لأمها بطريقة مختلفة، فعندما تزوجت وأصبح لها بيت وأولاد كانت تطلب من والدتها أن تأتي إليها لتعتني بالأولاد أثناء العام الدراسي لأنها تعمل، وفي الإجازة تطلب منها العودة إلى بيتها لأنها ستقضي الإجازة في المصيف، وظلت على هذا الحال طوال دراسة الأبناء تُحضرها أيام الدراسة وتتركها تعود لبيتها؛ لتستمتع هي بالإجازة والمصيف والتنزه -كما يقول المثل المصري: "في الهم مدعية، وفي الفرح منسية"-!
والأم بكل رحابة صدر وحب لمساعدة ابنتها كانت تقوم بهذا دون تذمر، ودون أن تشتكي لأحد بأنها بالنسبة لابنتها ما هي إلا دادة -أي مربية للأطفال- تقوم على الخدمة في وقت العمل، فهذا قلب الأم فما أحنه من قلب! تمر الأيام ويكبر الأبناء ولم يعد للابنة حاجة في أن تُحضر والدتها للعناية بالأبناء، وفي أحد الأيام كانت الأم متعبة فذهبت لابنتها لتجلس عندها بعضًا من الوقت ، وكان ذلك مع بداية فصل الصيف، ولكن الابنة بعد عدة أيام طلبت من أمها الذهاب لأنهم سيسافرون للمصيف، وجهزت حقيبتها وقالت لها: "خليكِ في بيتك أحسن.."!
وإذا بالأم الجريحة وهي تهبط سلالم المنزل تسقط وتنكسر قدمها، فذهبت الابنة بها لمشفى خاص وبعد أن قاموا بعمل جبيرة لساقها وعلاج الكدمات وغيره أثر السقوط تركتها هناك كي يعتنوا بها فكما يقولون: "كله بحسابه"، وحيث أن الأم كانت من ميسوري الحال أتت بممرضة معها للبيت، وأتت بخادمة لتباشرها وتقوم على خدمتها، وتنهار الحالة الصحية للأم وتسوء يوم عن يوم، في هذه الأثناء كانت الابنة مشغولة بالتجهيز لعرس ابنتها ولم يهن عليها أن تقوم بزيارة أمها لتطمئن عليها وتخبرها أن حفيدتها ستتزوج، أو حتى تطلب دعائها ورضاها، وعندما اتصلوا بها ليخبروها أن أمها في حالة سيئة، فما كان جواب الابنة إلا أن قالت: "ماشي بعدين لما أفضى سأحضر لزيارتها.."!
وتمر الأيام وصحة الأم من أسوأ لأسوا، وأخيرًا زارتها ابنتها بعد أن تم الزفاف، ثم انقطعت عن الزيارة..
وبعد مرور حوالي شهر على تلك الزيارة يتصلوا بها ويخبروها بوفاة الأم، وهنا تهرع تلك الابنة ومعها ابنتها العروس، وكأنهم وصلهم خبر أن القيامة قامت، لترتسم على وجهها علامات الحسرة والفزع، والتأوهات الأليمة وكأن مسها الجان، وبالكاد استطعنا أن نجعلها تقف على قدميها في المسجد وقت صلاة الجنازة ، وعندما أعلن الرجال بخروج النعش أحسسنا بأن روحها تخرج منها، وكانت تهوي وراء النعش وكأنها تريد أن تدفن مع أمها، لولا أن استطاعت النساء إجلاسها مكانها وعدم تمكينها من الخروج وراء أمها..
يقول الحبيب عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام: «رغمَ أنفُ، ثم رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ قيل: من؟ يا رسولَ اللهِ! قال: من أدرك أبويه عند الكبر ِ، أحدَّهما أو كليهما فلم يَدْخلِ الجنة َ» ( صحيح مسلم :2551)، وجاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسولَ اللهِ، من أحقُّ الناسِ بحُسنِ صَحابتي؟ قال: أُمُّك.
قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك.
قال: ثم من؟ قال: ثم أُمُّك.
قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك» (صحيح البخاري :5971).
أخواتي أعتقد أن تلك السيدة ستظل العمر كله معذبة الضمير، تلاحقها الكوابيس لما فعلته بأمها، وما قامت به من تقصير ناحيتها، وخاصة في أيامها الأخيرة التي كانت أحوج ما تكون لوجود ابنتها بجوارها، لتسترها ولا تكشف عورتها على أحد غريب مثل الممرضة والخادمة، فهلا وعينا الدرس؟ هلا اهتممنا بأبوينا إن كانوا على قيد الحياة أو أحدهم؟ هلا طلبنا رضاهم وسعينا لمباركتهم لنا في كل خطوة؟ هلا شاركناهم أفراحهم وأحزانهم وألا نتركهم للوحدة والعوز..؟
يا من تلقون بأبائكم وأمهاتكم في دور العجزة والمسنين، متى تفيقون من سباتكم؟ متى تعلمون أنكم فرطتم في جنة ربكم بأبخس الأسعار؟ يا من تصرخون في وجوه أبائكم متى تسترضونهم وتطلبون منهم السماح، فالأيام دول وكما تدينُ تُدان؟
اللهم بارك لنا في أمهاتنا وآبائنا واحفظهم من كل سوء وارزقنا برهم، وارحم من فارقونا وأدخلهم جناتك، ولا تحرمنا صحبتهم في الجنة..
سبحانك ولي ذلك والقادر عليه.