من يُعيد بسمة العيد لأطفال سوريا؟
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
هذا هو العيد الخامس الذي يمرّ على السوريين عموماً والأطفال خصوصاً، دون أن يعرفوا للعيد معنى من معاني فرحته، أو يلامس شغاف قلوبهم لوناً من ألوان بهجته، خامس عيد وصوت المدافع لا يعلو عليه صوت، وأزيز الطائرات لم تهدأ هناك، خامس عيد وصوت الرصاص أزاح عن السماء أصوات العصافير وضحكات الأطفال ولهوهم ومرحهم العفوي الملائكي البريء.
لم يَعد أطفال سوريا يحلمون ليلة العيد بالهدايا والألعاب كما كانوا يحلمون قبل القتل والتدمير والتهجير، لم يعودوا ينتظرون شروق شمس العيد في بلدهم، كأنهم على موعد مع السعادة بكل معانيها وحقائقها كما كانوا من قبل، لم يعودوا يحلمون باللباس الجديد الذي ينتظرهم في الصباح الباكر قبل أن يذهبوا برفقة والديهم إلى صلاة العيد، لم يعودوا ينتظرون اجتماع العائلة في أول أيام العيد على مائدة الإفطار، ولا ينتظرون أرحامهم من أولاد العم والخال بعد أن يأخذوا العيدية، ليطوفوا بها معهم في عالمهم الصغير المتمثل في الحي أو مدينة الألعاب كما كانوا من قبل، لأن معظم هؤلاء الأقارب والأرحام قد أصبحوا في ليلة العيد تحت التراب.
لقد أضحت أحلامهم اليوم لا تعدو النجاة من الموت المحتم، أو لقمة تسدّ وطأة الجوع الكاسر، أو مكاناً آمناً يُبعِدهم قدر الإمكان عن ذلك الجنون الذي يحصل في بلدهم، بينما غابت وتلاشت تلك الأحلام التي كانت تتراقص في خيالهم، عن المستقبل والنجاح والفرح والسرور.
لم يعد أطفال سوريا ككل أطفال العالم؛ فقد ملئت ذاكرتهم الصغيرة البريئة بكثير من مشاهد الخوف والرعب، مما ينبغي أن يبتعد عنه أمثالهم، وامتزجت رائحة الدم في أنوفهم برائحة الفل والياسمين، واختلطت في أذهانهم الكثير من المعاني والمعطيات، فلم يعد لشيء يمرّ بهم قيمة أو معنى، لم يعد لشهر رمضان حين يأتي رونقه وسحره، ولم يعد للعيد حين يقترب بهجته وفرحته، لقد أُصيب قاموس معاني الكلمات والمصطلحات عندهم في مقتل، فاختلطت المعاني والعبارات، وأصبحت جميعها تصب في اتجاه الحرب الدائرة هناك.
ومع كل هذه المآسي والآلام، ومع كل هذه الأوجاع والأحزان؛ لا ينبغي للمسلم أن ييأس أو يقنط من فرج الله ورحمته ونصره، فقد علّمنا الإسلام أن مع العسر يسرا، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لن يغلب عسرٌ يسرين، ومن المعلوم أن الأطفال ينظرون إلى أفعال الكبار ويقلدونهم، فإن رأوا منهم جزعاً وهلعاً ويأساً وقنوطاً، قلدوهم وحاكوهم بأقوالهم وأفعالهم، وإن رأوا منهم صبراً واحتساباً ورجاءً وتفاؤلاً، قالوا وفعلوا مثل قولهم وفعلهم.
لا ينبغي أن نري أطفالنا الجزع واليأس، بل لا بد أن نريهم رابطة الجأش وقوة العزيمة وعظيم التوكل على الله ، ولا ينبغي أن نُلغي من ذهن أطفال سوريا الفرح بليلة العيد والابتهاج بها، بحجة أن الوقت والظرف والمكان والزمان لا يتسعون لأي فرح أو بهجة تدخل إلى القلوب أو النفوس، فالأطفال لا يعرفون شيئاً من ذلك الحزن واليأس الذي قد يقع فيه الكبار، خاصةً في أوقات الفرح والمرح كليلة العيد وأيامه.
لا ينبغي أن نترك الطفولة السورية تموت دون أن نُقدِّم لها يد المساعدة، لا أقول المساعدة المادية فحسب -وإن كانت ضرورية- بل والمعنوية النفسية كذلك، فكم من طفل فقد والديه أو أحدهما، وهو بحاجة شديدة في ليلة العيد ليد حانية تمسح على رأسه، وتُطيّب خاطره، وتعوضه بعضاً من حنان الأب الذي افتقده.
كم نحن بحاجة في ليلة العيد لمن يقوم بكفالة أطفال سوريا ورعايتهم، حتى لا تضيع الطفولة السورية في حمأة الصراع الحاصل، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثواب وأجر كافل اليتيم الذي لا يدانيه ولا يقاربه أجر ولا مثوبه، فعن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى» (رواه البخاري ؛ برقم: [6005]).
كم نحن بحاجة للدعم النفسي لهؤلاء الأطفال في ليلة العيد، وبث روح الأمل والحب والتآلف في نفوسهم وعقولهم، حتى لا ينشؤوا على الكراهية والبغض للمجتمع الذي أهملهم ولم يعتن بهم، وقد نبّه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجانب النفسي للطفل اليتيم في حادثة استشهاد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مؤته، حيث واسى رسول الله صلى الله عليه وسلم عائلة جعفر، وكان له أطفال صغار، كدعمٍ نفسي لهم.
فقد ورد في سيرة ابن هشام أنه لما أُصيب جعفر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أسماء بنت عميس -زوجته- فقال صلى الله عليه وسلم: «ائتيني ببني جعفر»، فأتت بهم فشمهم وقبلهم وذرفت عيناه، فقالت أسماء رضي الله عنها: أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء؟ قال صلى الله عليه وسلم: «نعم أُصيبوا هذا اليوم»، فجعلت تصيح وتولول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تغفلوا عن آل جعفر أن تصنعوا لهم طعاماً، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم» ( السيرة النبوية لابن هشام؛ [4/28]).
نعم؛ لقد ركّز الرسول صلى الله عليه وسلم اهتمامه على الجانب النفسي للأطفال، وذلك لعظيم أهميته وخطورته، فالطفل إِمّا أن يكون ذخراً وكنزاً استراتيجياً لبلده ومجتمعه والمسلمين؛ إن اعتني به وأُنشِأ تنشئةً جسديةً ونفسيةً وروحيةً صحيحةً سليمة، وإما أن يكون قنبلة موقوتة ستنفجر عاجلاً أو آجلاً في وجه كل من أهمل تلك التربية والتنشئة الصحيحة.
إن العيد الذي يطرُق أبوابه على البيوت في هذه الليلة، يذكر رب كل أسرة وعائلة، بأن هناك من بين أطفال المسلمين، من يبيت في تلك الليلة في فراشه -إن كان له فراش- وليس في حضنه لعبة اشتراها له والده، لأن والده قد استشهد أو اعتقل أو اختفى، وليس له هدية أو عيدية، لأن عائلته لا تملك من المال ما تسدّ به حاجتها من الطعام والشراب، فضلاً عن هدايا العيد للأولاد.
تذكر أخي القارئ وأنت تستهل ليلة العيد هؤلاء الأطفال، ولنعمل جميعاً على إسعادهم وإدخال فرحة العيد وبهجته لقلوبهم، ولنحاول قدر ما نستطيع أن نجبر كسر قلوبهم، فقد قيل: "ما عُبِدَ الله بشيءٍ أفضل من جبر القلوب".
عامر الهوشان