أرشيف المقالات

الجيش المصري يتجاوز مرحلة الاشتغال بالسياسة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
  عكست التدريبات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري خلال الفترة الأخيرة رغبة من قاعدة القوات المسلحة على تجاوز مرحلة اشتغاله بالعمل السياسي، التي ظل عليها طوال إدارته للمرحلة الانتقالية، والتي استمرت لنحو 15 شهرا.

هذه الرغبة جاءت في ظل تغييرات جذرية وهيكلية داخل المؤسسة العسكرية، بدأها الرئيس الدكتور محمد مرسي بالإطاحة بعدد كبير من القادة خلال شهر أغسطس الماضي، بغية تحقيق الهدف الذي صار حاصلا أمام جميع المراقبين والمحللين بأن الجيش عاد بالفعل إلى ثكناته وأطلق رصاصة الرحمة على عمله بالسياسة، التي وجد نفسه مدفوعا إليها بحكم إدارته للمرحلة التي أعقبت تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة شهدت القوات المسلحة تدريبات مكثفة لمختلف التشكيلات بالمؤسسة العسكرية، كانت الأولى في العديد منها التي جرت بالذخيرة الحية، للدرجة التي جعلت مثل هذه التشكيلات تستحضر نموذجا لعبور قناة السويس في الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصارات أكتوبر، علاوة على التدريبات الجوية التي توصف بأنها الأولى من نوعها، والتي جرت أخيرا عندما قامت بعض الطائرات باختراق حاجز الصوت.

ومنذ تولي وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول عبدالفتاح السيسي لمهامه ظهرت رغبة جديدة من القائد الشاب في إحداث نقلة نوعية بداخل المؤسسة العسكرية برفع كفاءة جميع العناصر وزيادة الروح القتالية، ومواجهة أي استعدادات طارئة، للدرجة التي جعلته يقوم في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك بتفقد وحدات العناصر الخاصة "الصاعقة" بل وممارسة يوم تدريبي كامل معهم، بدأه منذ الصباح وانتهى مع غروب شمس هذا اليوم، وهي كلها دلالات تعكس رغبة قوية من قادة المؤسسة العسكرية برفع الروح المعنوية للعناصر من ناحية، ورفع الكفاءة القتالية لديها من ناحية أخرى، وهو ما عبر عنه القادة أنفسهم أكثر من مرة.

وربما يكون فهم رفع الروح المعنوية للعناصر نتيجة لما أثارته المرحلة الانتقالية من تداعيات، كانت نتيجتها المطالبة بإسقاط حكم العسكر، فضلا عما شهدته من شعارات ولافتات ضد إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذه المرحلة، وهي كلها تحركات تعكس رغبة القادة العسكريين بتجاوز المرحلة الانتقالية بكل تداعياتها، وأبرزها الاشتغال بالسياسة.

غير أن اللافت في هذا التجاوز، أنه قد لا يكون بالكلية، إذ يعرف أن المؤسسة العسكرية خلال حكم مبارك لم تكن مشتغلة بالعمل السياسي، غير أنها كانت تراقب كل ما يدور في هذا المعترك، وفق ما عبر عنه قادة عسكريون كانوا ممن أداروا المرحلة الانتقالية بأنه كان هناك رفض فيما بينهم لما يعرف بتمرير مشروع توريث الحكم من مبارك الرئيس إلى نجله جمال الابن، فضلا عن حالة الرفض العسكري لبعض سياسات نظام مبارك نفسه المتعلقة بالتوسع في إجراءات الخصخصة، وبيع مؤسسات القطاع العام، الأمر الذي يعكس أن المؤسسة العسكرية حاليا وهي تودع الاشتغال بالعمل السياسي على الأرض، أنها قد ترصد ما يدور في داخل مشهده بأعين قادته ترقبا لأي عارض قد يخفيه القدر .

واللافت في دور الجيش المصري الحالي في رفع معناوياته وتعزيز قدراته الدفاعية والهجومية، فإنه أصبح يتعرض لحملات تشويه واسعة من داخل أبناء الوطن أنفسهم، فخلال تدريباته المتقدمة والتي اخترقت حاجز الصوت بمقاتلات جوية، خرج من هو حانق على القوات المسلحة المصرية بأن هذه الطائرات لم تكن مصرية، وإنها كانت مقاتلات عسكرية صهيونية اخترقت المجال الجوي المصري واخترقت حاجز الصوت فيه، وإنها عبثت في القاهرة ومحافظات أخرى في ظل حالة ثبات عميق لأجهزة التحكم المصرية.

على هذا النحو يذهب المثبطون من دعاة كسر الإرادة العسكرية، وتثبيط الروح القتالية لدى عناصر وأفراد القوات المسلحة إلى إضعاف هذه الإرادة، وعدم إحداث أي تطور نوعي في داخل المؤسسة العسكرية، والسعي دائما إلى تشوية صورة ذات المؤسسة على الرغم من النقلة الكبيرة التي صارت عليها خلال الشهور الأربعة الأخيرة، منذ أن ودعت الاشتغال بالسياسة، وعاد عناصرها إلى ثكناتهم على الحدود لممارسة الدور الطبيعي لأفراد هذه المؤسسة، وهو نفس ما كان يطالب به من صاروا يروجون اليوم لدعايات مغرضة ضد الجيش المصري، والمطالبة بعودته إلى ثكناته، وهي كلها أمور تكشف مدى ازدواجية المطالبة بعودة المؤسسة العسكرية إلى ثكناتها أثناء المرحلة الانتقالية للجيش، وما بين حملات الإثارة والتشوية الجارية حاليا لإضعاف الروح المعنوية لأفراد المؤسسة العسكرية.

وتأتي هذه الحملات في الوقت الذي أصبحت فيه العناصر العسكرية في أشد الحاجة إلى رفع معنوياتها، بعدما عادت إلى ثكناتها وقد أعياها كثيرا الهتافات البذيئة التي كانت توجه إليها أثناء إدارة المرحلة الانتقالية من جانب بعض القوى والنشطاء، والذين ترجموا ذلك في شعارات ورسومات وتعبيرات على الجدران، وخاصة في وسط العاصمة المصرية.

وهنا يبدو التناقض بين دعوات صادقة كانت تطالب بعودة الجيش إلى مهامه الطبيعية وإنهاء اشتغاله بالسياسة، وأخرى كانت تثير ضجيجا بلا طحين وفق ما ظهر من تصريحاتها حاليا من تثبيط وإسقاط للهمم، ليضاف إلى تناقضها الذي كان بإعادة القوات المسلحة إلى مهامها قبل الاستحقاق الرئاسي، غير أنه وبعدما كانت نتيجة الانتخابات تولي رئيس من خلفية إسلامية مهام منصبه، حتى أبدى أمثال هؤلاء الندم، وعادوا أدراجهم ليطالبون الجيش بالتدخل، وإنهاء هيمنة الإسلاميين على مفاصل الدولة المصرية على حد زعمهم.

أمثال هؤلاء انكشفت أراجيفهم بأنهم لايرغبون في دولة مدنية، بل يرغبون في دولة عسكرية، أو غيرها شريطة ألا تكون إسلامية، أو حتى ديمقراطية تعكس رغبة شعبية، فالديمقراطية في عرفهم هي ما تسفر عن مصالحهم وفق ما يتفق مع آرائهم وأفكارهم البالية، على نحو ما تنادي به كثير من أصواتهم حاليا بضرورة غضبة الجيش ضد ما يزعمونه من أخونة أو أسلفة للدولة، ما يعني دعوة صريحة منهم لعودة العسكر إلى المشهد السياسي، وليس هذا وفقط، ولكن إعادة مصر إلى مفهوم الدولة العسكرية، وليست المدنية، بما يفضح مطالبهم السابقة بالدعوة إلى مدنية الدولة، وأنها دعاوي كاذبة، تتناقض مع واقع ما يدعون اليه، ولكنها فقط تتفق مع معاييرهم المزدوجة وسياساتهم المفصلة فقط على مقاساتهم.


علا محمود سامي
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١