إن الله تعالى لينصر هذا الدين بالرجل الفاجر
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
إن الله تعالى لينصر هذا الدين بالرجل الفاجروما زالت المعجزاتُ النبويَّة تتوالى في ظهورها معلنةً للنَّاس أنَّ الإسلام هو الحقّ، وأنَّ محمَّدًا - صلَّى لله عليه وسلَّم - رسولٌ من عند الله تعالى، وأنَّه أخبر عن غيْب لم يرَه، فصدق الله - تعالى - إذ يقول: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النَّجم: 4]، وأنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - صادِق في إخباره، وأنَّ ذلك الغيب متحقِّق الوقوع لا محالة، وكذلك فإنَّ الدَّلائل على صلاحية الإسلام لكلّ مكان وزمان، وإصلاحه لكلّ زمان ومكان، فما زالت تلْك الدَّلائل تقام وتظهر للنَّاس بما لا يدع مجالاً للشَّك في أنَّ الإسلام دين الله - تعالى - الَّذي يعلم من خَلَق وهو اللَّطيف الخبير، وأنَّه لا يُصلِح الناسَ إلاَّ الإسلامُ، ولا يحقّق العدلَ والقسط والحماية والأمن إلاَّ الإسلام، ولا يعلم خبايا النّفوس حتَّى يقوِّمها بالتَّوجيه الرَّادع إلاَّ الإسلام، وأنَّ الفطرة لا تقْبل إلاَّ الإسْلام، وأنَّه لا منجى ولا ملْجأ لقضايا العالم إلاَّ الإسْلام.
فقد طالعتنا وسائلُ الإعلام بخبرٍ له الكثيرُ من الدَّلائل والمبشِّرات والتَّحذيرات، ويترتَّب عليه لزومُ استِغلاله لنصرة هذا الدين العظيم، الَّذي منَّ الله - تعالى - عليْنا برحْمته وفضله وكرمه بالانتساب إليه، وشرَّفنا بذلك، فلِله - تعالى - الحمد والشُّكر.
وهذا الخبر هو ما نشرتْه شبكة المحيط العربية، وقالتْ فيه:
"خرجتْ أمسِ إلى شوارع موسكو جموعُ الشَّباب من نشطاء حركة "17 عربة" تجوب قلبَ المدينة دون إذنٍ رسمي من بلدية العاصمة، تحت شعارات تُنادي رغْم كونِهم غير مسلمين بقطْع يد السارق، وهي العقوبة التي قرَّرتها الشَّريعة الإسلاميَّة للسَّارق، ورفَعَ المتظاهرون لافتاتٍ تقول: "ستمتدُّ أيديكم إلى ما ليس لكم، ستمتدُّ أيدينا لقطعِها عقابًا لكم"، بما يشير إلى أنَّ المتظاهرين توصَّلوا بفطرتهم إلى عدالة التَّشريع الإلهي، وأنَّه الحلّ الأمثل لمواجهة جريمة السرقة".
فبمجرَّد أن قرأت هذا الخبر، لَم يجئ في ذهني إلاَّ قولُ النَّبيّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بالرَّجُلِ الفاجِر))[1]، وما هذا الذي فعله الروسُ إلا بيانٌ عملي معاصر لحديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وليُعلم أنَّ هذه الواقعة يجب ألاَّ تمرَّ بلا وقفة تدبّر ومراجعة للنَّفس، وليحذَرِ المرء من أن يندرج في قوله - تعالى -: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾ [يوسف: 105]، نعم، لأنَّ ما نطق به هؤلاء القوم من غير المسلمين آية من آيات لله تعالى؛ يبشر بها، وينذر بها، ويرشِد بها.
فأمَّا التَّبشير، فهو تبشير بالحقّ وظهوره، ورغْبة الفِطر فيه من خِلال هذه الصَّرخات التي تَخرج من أعماق النَّفس التي قُمِعَتْ في ظلمات الضَّلال والهوى والشَّهوات، وهو تبْشير بنصرة الحقّ وقيام دولته يومًا ما، وتَبشير بتطْبيق ما شرع من الزَّواجر للنّفوس لتستقيم وليصلح وجه الأرض بتقويم النّفوس الخبيثة والتخلّص منها، وتَبشير بصلاحية هذه النّفوس الَّتي طالبت بالحلّ الإسْلامي لقبول الإسْلام دون أن تعْرفه، فما بالك لو علِمَتْه؟ وما بالك لو علِمَتْ عظمته في العقائد والعبادات وغير ذلك من التَّشريعات الحكيمة المحكَمة الَّتي لا تصلح بها الأحوالُ المادّيَّة فقط؛ بل كلّ وجه لحياة من مُختلف الألوان السياسيَّة والاجتِماعية والرّوحيَّة؟
وأمَّا التَّحذير، فهو تحْذير للطَّواغيت من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى، وتَحْذير لهم من تعطيل للشَّريعة ومحاربتها ومحاربة مَن يدْعون لتطْبيقها، وتَحذير من مقاوَمَة الإصلاح الَّذي يَحمله التَّشريعُ الإسلامي للنّفوس والمجتمعات والنُّظُم والسِّياسات.
فالتَّحذير من الاندِراج في قول الله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، وقوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45]، وقوله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47]، وقوله - سبحانه -: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50]، وقوله - جلَّ ذِكْره -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ﴾ [النساء: 60 - 61].
والتَّحذير من عاقِبة الاستِمْرار على تنحِية تفعيل الشَّريعة من حياة المسلمين الخاصَّة والعامَّة.
فالحكام مطالَبون بتطْبيق الشَّريعة على ما ولاَّهم الله - تعالى - من بلاد وأفراد، والأفراد مطالبون بتطْبيق الشَّريعة فيما بيْنهم ولو لَم يحكم بها الحكَّام، فالشَّريعة يجب تطبيقُها في الحياة السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتِصاديَّة.
والتَّحذير من السَّلبيَّة الَّتي ضربت المجتمعاتِ، والاستِسْلام للتَّيَّارات والنُّظم المعادية للإسلام، سواء كان الاستِسْلام إيجابيًّا بتقبّل هذه التيارات ودعْمها والانتساب إليها، أو استسلامًا سلبيًّا بعدم الإنكار على هذه التيَّارات وأربابها، والسّكون عن الاعتراض على هذه الضلالات، وبيان بطلانها، وتحذير الناس منها، وتحذير المسلمين من التفريط في دينهم في الجملة، ومغبة ذلك من أن يلحقهم قولُ الله - تعالى -: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾ [هود: 57]، وقوله - جلَّ وعلا -: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، وقوله - سُبحانه -: ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
وأمَّا الإرشاد، فهو إرشاد إلى بيانِ بُطلان القوانين الوضعيَّة بالنَّماذج العمليَّة والتَّطبيقات الواقعيَّة، وإخفاقها الواضح في إقامة الحياة واستِقامتها على جميع المستويات، والإرشاد إلى سمو الشَّريعة الإسلاميَّة الَّتي هي من لدُن حكيم خبير، ومناسبتها للفطرة؛ لذلك صرخت فطرةُ هؤلاء الروس بحكم من أحْكام الله - تعالى.
وإرشاد الدُّعاة والعلماء إلى استغلال هذا الحدث الواقعي، وهذه المطالب؛ لصرْف النَّاس إلى الإسلام وشريعته، وأنَّ الإسلام له السبق في ذلك من خلال تشريعاته الحكيمة العادلة، ومناقشة هذه الواقعة في الإعْلام المقْروء والمسْموع، وبيان حاجة البشريَّة لهذه الشَّريعة وأحكامها، وبيان حاجة النفوس لعقيدة الإسلام وشريعة الإسلام اللَّتين بهما صلاحُ الأرواح والأبدان، ومقارنة هذه الشَّريعة وأحكامها العادلة التي تُصلِح الكون، بغيرها من الملَل الباطلة والمنسوخة والمحرَّفة والوضعيَّة، وبيان إخفاق هذه الأخيرة في إشْباع الحاجة الإنسانيَّة على الإطلاق؛ لقصورها ونقْصها وعجزها وخلَل نشأتها ومناهجها، ممَّا يؤدِّي إلى قبول النّفوس السليمة للحقّ والالتِزام به، والتقوّي على التخلُّص من النفوس الخبيثة، أو تقْييد وجودها بالحقِّ الَّذي تلتزمه الفرقة الأولى، ألا وهو الإسلام.
وفي هذه الواقعة إرشادٌ للدعاة إلى الاهتمام بهذه الجماعة من النَّاس، وبيان أنَّ مطالبهم هذه هي الإسلام، ويكْفلها لهم الإسلام، ويقومون بترْغِيبِهم في الدّين الَّذي فيه الحلولُ الدنيوية والأخروية لمشاكلهم.
فيجب ألاَّ يمرَّ هذا الحدثُ مرورَ غيره من الأحداث الَّتي كان الأحرى بالمسلمين حسن توظيفِها لنصرة دينهم، ونصرة شريعتهم، وبيان معجزات نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأنَّ الحقَّ الأوحد والمطْلق في الإسلام وشريعته، فالفوز كلّ الفوز، والفلاح كلّ الفلاح في الدُّنيا والآخرة في اعتِناق الإسلام، والتمسُّك به، وتطبيق شريعته.
[1] البخاري: (2897) ومسلم: (178).