أرشيف المقالات

مأساة إمارة الأحواز المحتلة ! - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .

بسم الله الرحمن الرحيم
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّـهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42].

كل بني آدم عليه السلام العقلاء فضلًا عن المسلمين الأتقياء يبغضون الظلم ، ويمجون العدوان، ولا يترددون في مقاومته على قدر استطاعتهم أيًا كان جنس المظلوم أو الظالم ودينهما، بل هم يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيهب القادر منهم لمساعدة الحيوانات العجموات إذا تعرضت لظلم الظالمين؛ يدفعهم إلى ذلك الإيمان العميق بالعدل وسموه في نفوسهم، وإدراكهم كذلك بأنّ الصمت إزاء ظلم جماعةٍ ما هو خطر يهدد كيان البشر جميعًا، فهو عامل كبيرٌ في تشجيع الظالمين على المضي في ظلمهم وعدوانهم، وربما أصبحوا هم الضحية المقبلة لهؤلاء الظالمين المعتدين إذا لم يفعلوا شيئا لمقاومته، وقبل هذا هو إثمٌ عظيم يبغضه الجبار سبحانه وتعالى ويعاقب فاعليه إذا لم يتوبوا.


ومن هنا يحز في نفسي كثيرًا الصمت الذي نعامل به قضية احتلال دولة بأسرها منذ ست وثمانين سنة، دولة عربية مسلمة ترزح تحت احتلال دولة الفرس الإيرانية، ولا منجد ولا مغيث!، إنها إمارة الأحواز المحتلة!

ولعله من المناسب أن أقدم للقارئ الكريم نبذة عن هذه الإمارة المحتلة المنسية.

يبلغ عدد سكان إمارة الأحواز المحتلة 10 ملايين أحوازي من المسلمين العرب الذين ينحدرون من قبائل عربية كثيرة مثل الزرقان، وآل نعمة، وبني كعب، وبني طرف، وبني تميم، وبني أسد، وبني عبس، وبني مرة، وبني عيد، والخزرج الكرام، وغيرهم.
مساحة الأحواز تبلغ 375 ألف كيلومتر مربع، ومن أسماء الأحواز المشهورة عربستان، ومن المفارقات العجيبة أن هذه التسمية أطلقها الفرس أنفسهم في عهد الشاه إسماعيل الصفوي اعترافًا منهم بأنها أرضٌ عربية لا حق لهم فيها، وأن شعبها شعبٌ عربيٌ، ومع ذلك احتلها الفرس الغزاة حين علموا بما تحتويه أرضها من نفط وخيرات كثيرة أخرى، تماما كما فعل كل المحتلين الغزاة عبر التاريخ، من رومان وفرنسيين وإنجليز.

ففي سنة 1925 داهمت جيوش دولة إيران إمارة الأحواز، فاحتلوها بقوة البارود والنار والإرهاب، ومع ذلك لم يفت في عضد المقاومين الأحواز الشجعان إرهاب وشدة تنكيل الغزاة بهم، فوقفوا في وجهه، وهبوا لمقاومته بالرغم من الفارق الكبير بينهم وبينه في العدة والعتاد، وتفجرت كثيرٌ من الثورات، وكانت أول ثورة هي ثورة الشهيدين -بإذن الله- (شلس) و(سلطان) رحمهما الله، بعد أشهر قليلة من بدء الاحتلال.


وقد أسرت القوات الفارسية، آخر أمير للأحواز المحتلة، وهو الأمير الشيخ خزعل بن جابر الكعبي -رحمه الله- ونور ضريحه، والذي مات مسموما بعد أسرٍ دام إحدى عشر سنة في سجون الصفويين القتلة، والله أعلم بأصناف التعذيب والإذلال الذي تعرض له قبل استشهاده -رحمه الله-.

واستمرت ثورة الشعب الإحوازي المسلم ضد إرهاب وقسوة المحتلين الفرس، فتفجرت ثورات كثيرة أخرى، كثورة الحويزة في عام 1928، وثورة بني طرف سنة 1936، وثورة بني طرف الثانية سنة 1945، وفي كل مرة كانت جيوش الفرس الغازية تقمع هذه الثورات باستعمال مفرط للقوة، وارتكاب مجازر دموية بشعة، آخرها ما حدث يوم الجمعة 15 من نيسان 2005 بعد انتفاضة نيسان المجيدة، وقبلها مجزرة المحمرة يوم 29 من أيار سنة 1979 بعد قدوم الهالك الخميني للحكم، وقد خلفت آلاف الشهداء والمعاقين والجرحى.

ولا تسأل عن عدد السجناء الأحوازين الأحرار -رجالا ونساءً- الذين يُسامون أصناف الهوان والتعذيب في سجون الصفويين، فوق أرضهم وأرض جمهورية إيران، جنبا إلى جنب مع إخوانهم سنة إيران الذين يُسجن بعضهم لإقامتهم صلاة الجمعة في بيوتهم! وهذا غيض من فيض جرائم الصفويين الجدد في العالم.

إن 90 في المئة من نفط جمهورية إيران يأتي من أراضي الأحواز المحتلة بامتلاكها ثالث أكبر احتياطي للنفط بعد كندا والمملكة العربية السعودية مع امتلاكها لثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا الاتحادية، وتتربع الأحواز أيضًا على ثلثي المياه العذبة التي تستخدمها إيران، ومع ذلك أفقرت شعب الأحواز، وضيقت عليه في رزقه، حتى شاعت بينهم مقولة "أفقر شعب على أغنى أرض!" ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ينبغي على كل حر من أحرار الدنيا أن يسعى قدر استطاعته للتعريف بقضية احتلال الأحواز، والمساهمة لرفع الظلم والإرهاب الذي تمارسه قوات جمهورية إيران فيها.


إنّ الصمت الذي نبديه تجاه هذه القضية مخجلٌ جدا، خاصة في وقتٍ ظهرت فيه الأطماع الإيرانية في المنطقة واضحة جلية لا يتعامى في النظر إليها إلا من طمس الله على قلبه، وتجذر الهوى في نفسه.

وليست إمارة الأحواز المحتلة الوحيدة التي غزتها جيوش فارس، ومارست فيها شتي أنواع الإذلال لأهلها العرب المسلمين في هذا العصر، مستغلة صمت المسلمين المشين، وتبلد إحساسهم المهين، وعدم رغبتهم في التحرش بهذه الدولة القوية التي تجيد فن الدعاية، ودغدغة المشاعر، وإظهار نفسها بمظهر المدافع عن حقوق الفلسطينيين، ولكن هناك مناطق أخرى ابتلعتها هذه الجيوش، مثل الجزر الإماراتية!

ولا تسأل عن مسلسل التآمر والفتن الذي تتولى كبره هذه الدولة في المنطقة بأسرها، فأصابعها تحرك عميلها في لبنان حزب الله كيفما أرادت وفق مصالحها، ووقوفها مع نظام بشار القمعي ضد أهل السنة لم يعد بالإمكان إخفاؤه، وتآمرها ضد البحرين أصبح واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار، والهوان والذل الذي تلحقه حكومة إيران -الشجاعة!- بملايين من مواطنيها السنة لا يبدو أنه سيتوقف قريبا.

ومما هو معلوم أن طهران هي العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد فيها مسجد واحد لأهل السنة، بينما رايات حسينيات الشيعة ترفرف في مناطق سنية كثيرة، ولا يجرؤ أحدٌ على الاعتراض!، فهل بعد هذا الذل ذل؟، والحوثيون لم يعُد من ينكر استلامهم لعونها، وتبنيهم لنهجها، حتى يكونوا شوكة في حلق دولة عربية مسلمة أخرى لا تدين بمذهبها، وقائمة الدول المستهدفة في المنطقة أحسبها طويلة، وقد يأتي اليوم الذي نقول فيه: أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض.


إن نشر التمرد والفتن في المنطقة العربية المسلمة من قبل إيران ما ينبغي أن يختلف فيه عاقلان يحتكمان إلى العقل والعدل، والرؤية الهادئة الفاحصة التي لم تؤثر فيها العواطف الهائجة بلا خطام ولا زمام، ولذا نراها جعلت من أولويات نشاطها الاستعماري نشر التشيع في المنطقة بشتى الوسائل، حتى تجعل لها مواطئ أقدام، فتستطيع تحريك المتشيعين الجدد لخدمة مصالحها في الوقت المناسب كيفما شاءت.

لقد أظهرت كثيرٌ من الوقائع أن ولاء السواد الأعظم من الشيعة في الدول العربية هو لإيران، وليس للدول التي يعيشون في كنفها وينعمون بخيرها، وما حدث في المغرب مؤخرا ليس منا ببعيد، فقد وجدت الدولة أنّ المتشيعين المغاربة يأتمرون بأوامر إيران، وآيات (قم) ضد مصلحة البلد مثلما يفعل حزب الله تماما في لبنان مستغلا شعار المقاومة الفضفاض، ومستغلا الضعف العربي الإسلامي استغلالا جيدا، وقديما قالوا: الأعور ملك في دولة العميان!


إنّ الذين يقولون لنا: دعونا من الخوض في موضوع الشيعة وإيران بالرغم من معرفتهم بكل جرائمها، منحرفون جهلة، يريدون منا أن نضع رؤوسنا في الرمال كالنعام، وعذرهم المخروم الواهي أن العدو الذي يفتك بنا يرتدي عباءة المسلمين، ويتمسح على عتبة الإسلام، وأن الوقت غير مناسب للخوض في هذه المواضيع، بمعنى آخر يريدون أن يقولوا لنا: دعوا الإيرانيين الذين نراهم مسلمين يحتلوا أرضكم، ويسبوا صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن صحابته، ويطعنوا في بعض عقائدكم لأنهم يواجهون الغرب!!

يريد المتحمسون لإيران أن يقولوا لنا: الزموا الصمت إزاء جرائمها في الأحواز والعراق -دعمها لفرق الموت -، مع أنها وقفت بجانب أرمينيا في صراعها مع إذربيجان المسلمة -أليس هذا دليل على أن عونها الظاهر للقضية الفلسطنية لا يمت للدافع الديني بصلة، بل هو من أجل استثمار ما لهذه القضية من ثقل في نفوس المسلمين، ومن أجل أهدافها التوسعية في منطقة الشرق الأوسط فحسب، وهو عون تراه هينا مقابل الفائدة العظيمة التي تجنيها من الدعاية؟ ولم تتفوه بكلمة ضد مجازر روسيا في الشيشان .

فهل رأيتم سقما في الرؤية، وطمسا على البصيرة، وانحرافا في السلوك كهذا الذي نراه عند مؤيدي إيران من أهل السنة!


وأخيرا يا أحرار العالم، ومحبي العدل فوق كل أرض وتحت كل سماء، لا يكيلن أحدٌ منكم بمكيالين، فهذه دولة عربية مسلمة تعاني مرارة الإحتلال ومرارة خذلان المسلمين لها، وصمتهم إزاء ما يجري في أرضها من جرائم، فهل أنتم فاعلون شيئا؟

وظلم ذوي القربى أشد مرارة *** على النفس من وقع الحسام المهند

تذكروا أن العدل سبحانه وتعالى سيسألكم يوم القيامة عن موقفكم تجاه إخوانكم أهل الأحواز، فبماذا ستجيبونه يا ترى، وهل تكون لكم صفحات بيضاء في نصرة المظلومين من بين إخوانكم وأخواتكم من أهل السنة في إيران، وفي أرض الأحواز المحتلة ضد دولة ماكرة تجيد فن الدعاية والكذب؟


سالم بن عمار

 

شارك الخبر

المرئيات-١