أرشيف المقالات

أدركوا السودان قبل أن يضيع - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : 28 دقائق .


60 يومًا ويداهمنا زلزال مروع سوف يصيب أمة العرب والإسلام ليس كما كان في الأندلس على أطراف الدولة الإسلامية بأوروبا وإنما في قلب أفريقيا بل وفي قلب دولة السودان نفسها.

60 يومًا ويتم ذبح دولة السودان العربية المسلمة بدم بارد وعلى مشهد من الجميع والعرب والمسلمون في سبات عميق كالموتي.

60 يومًا وينفصل جنوب السودان عن شماله، في سابقة لم تحدث من قبل وتحت سيف الاتفاقيات وخنجر العقوبات الدولية وتحت رعاية الشيطان الأكبر أمريكا، والصهيونية العالمية.

إن دولة جديدة صهيونية الهوى صليبية الهوية سوف تنشأ في 9/1/2011 كما قامت إسرائيل من قبل لتكون خنجرًا في قلب الأمة العربية والإسلامية، وفاصلاً بين شرق العالم الإسلامي وغربه كذلك دولة الجنوب يراد لها أن تفصل العالم العربي والإسلامي عن محيطة الأفريقي لتكتمل خطة حصار النفوذ العربي الإسلامي ومنع امتداده جنوبًا حيث مراكز السيطرة الغربية والتنصير.

وحتى لا نقول أُكلنا يوم أُكل الثور الأسود، نعرض هذه الصفحات حتى يعلم القاصي والداني ما يدور فكل الشعوب الحية تحاكم تاريخها، ولا يهرب من محاكمة تاريخه إلا المهزوم الذي يفزع من مواجهة حقائق التاريخ، هذه الصفحات نستعرض فيها أدوار كل من مصر وأمريكا وإسرائيل في السودان.

مصر والسودان

عندما احتلت بريطانيا مصر عام 1882م كانت مصر والسودان دولة واحدة تحت حكم التاج المصري التابعة للسلطنة العثمانية ثم أطلق عليها الخديوي إسماعيل في أحد فرماناته اسم "السودان المصري" واستمر الحال كذلك إلى أن اندلعت الثورة المهدية والتي حاولت التواصل مع مصر عن طريق إقامة دولة إسلامية متحدة بين مصر والسودان، وحين سقط مشروع الثورة المهدية فإنه أفسح الطريق أمام دولة الحكم الثنائي (المصري-البريطاني).

وفي عام 1899 الذي كان في حقيقته حكما إنجليزيًا روحًا وإدارة إذ لم يكن لمصر من نصيب في إدارة السودان إلا دفع تكاليف إدارة شئون البلاد من الخزينة المصرية، باعتبار ان السودان كان يعد آنذاك إقليمًا مصريًا، في حين أن الإدارة الإنجليزية كانت ترمي إلى هدف آخر هو أن يكون السودان للسودانيين حتى لا يقوم مشروع دولة وادي النيل التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى الأدغال السودانية.

كان الشعبان المصري والسوداني يؤمنان بأنهما شعبًا واحدًا وحّدت بينهما الطبيعية والنيل والحضارة واللغة والدين والتاريخ وكان هذا الإيمان يدفع الشعب السوداني إلى الثورة على الاستعمار البريطاني مطالبًا بعودة الوحدة مع مصر وبسبب السودان تعثرت جميع المفاوضات التي جرت بين مصر وبريطانيا والتي أجراها زعماء مصر منذ عام 1924 حيث كانت بريطانيا تتمسك دومًا باستمرار الحكم الثنائي في السودان الذي كان محل رفض المصريين، وجاء انقلاب الجيش في يوليو 1952 بقيادة محمد نجيب الذي ولد لأب مصري وأم سودانية وكان هذا الأمر صمام الأمان لوحدة البلدين.

الأمريكان ألغوا الملكية في مصر لفصل السودان عنها:

منذ ما يقرب من الستين عامًا سقطتت الملكية في مصر بقبول الملك فاروق التنازل عن العرش ومغادرة البلاد، وكان إلغاء الملكية بناء على اقتراح أمريكي كما شهد بذلك المرحوم فتحي رضوان (في كتابه 72 شهرًا مع عبد الناصر) وكان الأمريكان هم الذي دبروا خلع الملك فاروق لأسباب عديدة منها رفضه الاعتراف بإسرائيل، أما لماذا إلغاء الملكية فقد جاء ذلك في كتاب المفكر الإسلامي جلال كشك (كلمتي للمغفلين) ذكر أن حكومة الوفد عندما أصدرت مراسيم أكتوبر 1951 التي أعلنت فيها وحدة وادي النيل تحت التاج المشترك وتسمية ملك مصر ملكًا لوادي النيل قد قطعت الطريق علي أي تسوية ممكنة مع بريطانيا لا تضمن الوحدة مع السودان، فلما خُلِع فاروق انتقل اللقب إلى ابنه أحمد فؤاد ولم تكن هناك حكومة مهما كان بطشها قادرة على إصدار مرسوم يجرد ملك مصر من هذه الصفة، والإنجليز يرفضون أي تسوية لا تنص أولا تحقق انفصال السودان ويسخرون من القرار المصري عن التاج Crown المشترك فيسمونه "المهرّج" Clown المشترك!

وجاء المخرج الأمريكي بالحل للتخلص من المراسيم وذلك بإلغاء الملكية كلها بتاجها وألقابها وفرح الشعب وهلل لتحقيق أمل العمر ولم ينتبه أننا أضعنا معها السودان!!!


ثوار يوليو ودورهم في فصل السودان:

حدث تحول خطير في الموقف المصري تمثل في عودة المفاوضات مع بريطانيا وقبول ثوار يوليو لمبدأ الاستفتاء على تقرير مصير السودان وتم إسناد ملف السودان إلى الصاغ صلاح سالم دونما أي مؤهل أومسوّغ إلاأنه وُلد بالسودان وقتما كان والده موظفًا هناك وقد صرّح سالم بأنه قبل قيام الثورة لم يكن يعرف شيئًا قط عن قضية السودان ولم يقرأ عن السودان ومع ذلك أوفد مجلس قيادة الثورة صلاح سالم إلى جنوب السودان بهدف استطلاع الأحوال هناك ولدى وصوله إلى الجنوب شارك سالم بعض القبائل في رقصة كانت تؤدي تحية للضيوف حيث تجرد من ملابسة وأصبح عاريًا ونشرت الصحف العالمية صورته تحت عنوان "الكولونيل العاري" والأسوأ أنه ذهب إلى هناك موزعًا الأموال والهبات بسخاء شديد على زعماء الجنوب بغية شراء ولائهم لمصر وقد جاء فعله بالنقيض مما كان يريد إذ رفض الجنوبيون التصويت لصالح الاتحاد مع مصر خشية اتهامهم بالتربح وتعاطي الرشاوي على حساب مصالح القبائل الجنوبية.

وجاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الانفصال عن مصر وكان من أسباب ذلك:

ما فعله صلاح سالم في الجنوب.

خشية الشمال من الاتحاد مع مصر بعدما رأوه من سياسات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قبل توليه الرئاسة وتخلصه من محمد نجيب السوداني الأصل بالصورة التي تمت حيث جرى عزله ونفيه بطريقة قاسية ومهينة وهو الأمر الذي ترك أسوأ الأثر في نفوس السودانيين.

بطش العسكر بمعارضيهم في مصر كما بطشوا بنجيب والإخوان المسلمين.

ومن ثم كانت المحصلة هي انفصال السودان عن مصر عام 1954 وكان الانفصال بمثابة أو مسمار في وحدة السودان الإقليمية كدولة موحدة ففي عام 1955 أي بعد الانفصال بعام واحد ظهرت حركة "أنيانيا" وهي أول حركة انفصالية مسلحة في جنوب السودان، ومنذ ذلك الحين تتابع ظهورالحركات الانفصالية الجنوبية، وما أن يتم القضاء على حركة إلا وعاودت الظهور من جديد في شكل آخر وبمسمى آخر، وذكرت الكثير من الدراسات أن النظام الناصري كان أول من سلّح الحركات الجنوبية ضد الشمال السوداني، نكاية فيه وعقابًا له على تعاطفه مع نجيب والإخوان المسلمين ورفضه الوحدة مع مصر تحت حكم العسكر ومنذ ذلك الحين أخذت السياسة المصرية تنحو منحى التجاهل تجاه السودان ثم جاءت هزيمة 1967 لتنكفئ مصر على ذاتها وليتحول اهتمام القيادات المصرية إلى أولوية تحرير الأرض بالحرب أو التفاوض.

عهد السادات:

تطور الأمر على نحو أكثر إيجابية في عهد الرئيس السادات الذي توصل إلى اتفاق مع الرئيس جعفر نميري (1978-1985) حول صيغة "التكامل" التي أقامت مؤسسات عدة للتعاون بين البلدين، ولكن حكومة "الصادق المهدي" التي جاءت بعد ذلك ألغت التكامل وتبنت ما سمى في حينه بـ "ميثاق الإخاء" الذي كان بمثابة نكوص أدى إلى تراجع العلاقات خطوات إلى الوراء.

عهد مبارك:

كان السودان طوال تلك الفترة يمر بتحولات خطيرة وكانت القوى الاستعمارية تدفع الأمور فيه باتجاه التقسيم والتفتيت، ومع تأرجح العلاقات المصرية السودانية خلال فترة الحكم الحزبي الأخير (1986-الصادق المهدي) حتى (1989-البشير) تم الانهيار الكبير لهذه العلاقات خلال العقد الأول من حكم الرئيس السوداني عمر البشير وتورطت مصر بشكل علني في أزمة جنوب السودان، وانخرطت في تقديم المساعدات للحركة الشعبية لتحرير السودان، وجناحها العسكري (الجيش الشعبي) وأصبح جون جارانج ضيفًا دائمًا على مصر واحتضنت مصرالتحالف الشمالي المعارض للخرطوم في إطار المواجهة مع النظام السوداني ووصل الأمر إلى حد اتهام النظام المصري لنظيره السوداني بدعم أعمال العنف والإرهاب التي وقعت في مصر في عقد التسعينيات الماضية ووصل الأمر إلى حافة الحرب بين البلدين، وكانت قاصمة الظهر في العلاقات المصرية السودانية هي اتهام مصر للنظام السوداني بالضلوع في محاولة الإغتيال الفاشلة للرئيس مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في عام 1995م، والتي اندلع على أثرها سجال إعلامي حاد بين الطرفين كاد يتحول إلى حرب مسلحة.

وفي هذه الأثناء كانت المواجهات الدامية على أشدها بين الجيش السوداني والجبهة الشعبية لتحرير السودان بزعامة جون جارانج والتي كانت تسعى للسيطرة على كامل السودان وليس الجنوب فقط غير اقتسام السلطة والثروة مع حكومة جبهة الإنقاذ في الخرطوم وتعالت أصوات في مصر تقول بوجوب دعم مصر للجنوب ردًا على ما كانت تصفه القاهرة بدعم حكومة الإنقاذ لجماعات العنف في مصر.

وظلت العلاقة بين الجانبين في حيز القطيعة والتدهور حتى أطاح الرئيس "البشير" برفيقه في إنقلاب يونيو 89 الدكتور حسن الترابي زعيم جبهة الإنقاذ في ديسمبر من عام 1999 ووضعه قيد الإقامة الجبرية ثم الاعتقال الصريح، وعند ذلك بدأ تيار من الدفئ يسري في أوصال العلاقات بين الجانبين حيث كانت مصر ترى في وجود الترابي في سدة الحكم عقبة كأداء في طريق عودة المياه إلى مجاريها مع السودان، لأن النظام المصري كان يرى في جناح الترابي الجانب الإسلامي المتطرف في النظام السوداني.

وبدأت العلاقات في العودة إلى طبيعتها ولكن بعد أن دفع الطرفان الثمن غالبًا خاصة السودان ولكن التواجد المصري في المشاكل السودانية أخذ في الانحسار وقد بدا ذلك جليًا عند توقيع اتفاقية "مشاكوس" في نيروبي عاصمة كينيا في 20/7/2002 حيث بدا التواجد المصري رمزيا ودون أى فعالية بل إن مصر تركت الحبل على الغارب لأمريكا تحت إشراف مبعوثها للسلام في السودان في ذلك الحين "جون دانفورث" والتي تقرر فيها اقتسام الجنوبيين السلطة والثروة مع الشماليين، واستمرت اللامبالاة المصرية في التعامل مع الملف السوداني حتى وقعت الفأس في الرأس ونجحت الضغوط الأمريكية في إجبار السودان على توقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا في 9 يناير 2005 والتي تعتبر الجائزة الكبرى للجنوب حيث منحتهم فوق ما كانوا يتطلعون إليه في ظل الحكومات السابقة فأعطى الجنوب حق تقرير المصير بنهاية الفترة الانتقالية (6 سنوات) والتي تنتهي في 9 يناير 2011 القادم أي بعد شهرين من الآن عن طريق الاستفتاء بالوحدة أو الانفصال.


إن قيام دولة الجنوب السوداني يعني لمصر الآتي:

سوف يصبح الجنوب مرتعًا للصهاينة في حال انفصاله لأن قيام دولة في الجنوب معناه تمكين إسرائيل من الوجود هناك بما يعني تحويل جزء من امتداد الأمن القومي المصري بعيدًا عن السيطرة المصرية، ومركزًا للمؤامرات الأمريكية الصهيونية ضد المنطقة بأسرها.

عدم الاستقرار السياسي بالسودان سوف تكون له آثار اقتصادية وسياسية سيئة على مصر ومن المتوقع حدوث نزوح للاجئين الفارين في حالة قيام حرب تجاه دول الجوار وأولها مصر.

إن شمال السودان الذي يعد نقطة التماس المباشر مع الحدود المصرية مهدد بالانفصال أيضَا حيث أن إسرائيل وأمريكا تخطط لإنشاء دولة النوبة جنوب مصر وأمريكا الآن تلعب بهذه الورقة كما لعبت ولا تزال بورقة أقباط المهجر من أجل الضغط على النظام المصري للانصياع للتعليمات الأمريكية.

هناك احتمال قوى لانجراف الخرطوم في الانصياع للمخطط الأمريكي تحت الضغوط والتنسيق مع واشنطن بما يعني تجاوز لدور مصر وابتعاد تدريجي بين البلدين خصوصًا أن العلاقات لا زالت متوترة بينهما.

سوف يؤثر فصل الجنوب على إمكانية زيادة حصة مصر من مياه النيل مستقبلا فمصر تشهد حاليًا حالة من الندرة المائية وتعيش تحت خط الفقر المائي نظرًا لزيادة عدد السكان مع ثبات كمية المياه الواردة إلى مصر منذ اتفاقية 1959 (55 مليارم3) وهي مطالبة بتوطيد علاقاتها مع دول حوض النيل خلال الفترة القادمة ولكن أني لها ذلك وقد ظهر لاعب جديد هو دولة الجنوب الذي سترابط فيه أمريكا وإسرائيل، ومن ثم سيكون هناك صعوبة كبيرة في التفاوض المستقبلي حول زيادة حصة مصر من المياه.

والمعروف أن أخطر أماكن يمكن أن تؤثر على حصة مصر من مياه النيل هي شمال السودان وجنوبه حيث أنه عند مدخل النيل الأزرق يوجد مثلث عند خط عرض 12 وعنده يشيخ نهر النيل أو يهدأ وبالتالي فإن المنطقة المحيطة به تكون سهلة وممهدة لإقامةأي مشروعات ولا ننسى أن 85% من حصة مصر من مياه النيل تأتي من النيل الأزرق!!!

أيضًا فإن العمل في قناة جونجلي التي تم الإتفاق على شقها في الجنوب السوداني لتوفير قرابة الـ 5 مليارات م3 من المياه سوف يتوقف نهائيًا وبذلك سوف تخسر مصر حصتها من المياه التي كانت ستتقاسمها مع السودان.


إسرائيل وأمريكا والسودان

أدلي اللواء " عاموس يادلين " الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الاسرائيلية " أمان " بتصريحات خطيرة تمس المنطقة العربية منذ ايام خلال مراسم تسليم مهامه للجنرال " أفيف كوخاني " جاء فيها " لقد انجزنا عملا عظيما للغاية في السودان , نظمنا خط ايصال السلاح للقوي الانفصالية في جنوبه ودربنا العديد منها وقمنا اكثر من مرة باعمال لوجستية لمساعدتهم ونشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة علي الاستمرار بالعمل الي مالانهاية ونشرف حاليا علي تنظيم " الحركة الشعبية " هناك وشكلنا لهم جهازا امنيا استخباراتيا ".

وهذا التصريح للواء عاموس ينطبق عليه المثل "صدقك وهو كذوب" فقد تم نشر العديد من الوثائق والدراسات التي تؤكد ذلك من قبل ولعل ابرزها كان الكتاب الذي اصدره مركز ديان لابحاث الشرق الاوسط وافريقيا والتابع لجامعة تل ابيب حول " اسرائيل وحركة تحرير السودان " الذي كتبه ضابط الموساد السابق العميد متقاعد " موشي فرجي " والذي اوضح فيه استراتيجية اسرائيل تجاه السودان والتي تتلخص في السياسة التي اسمتها ( شد الاطراف ثم بترها ) علي حد تعبيرهم بمعني مد الجسور مع الاقليات وجذبها خارج النطاق الوطني ثم تشجيعها علي الانفصال وهذا هو المقصود بالبتر لاضعاف العالم العربي وتفتيته وتهديد مصالحه في الوقت ذاته وفي اطار تلك الاستراتيجية قامت عناصر الموساد بفتح خطوط اتصال مع تلك الاقليات والتي في المقدمة منها الاكراد في العراق والموارنة في لبنان والجنوبيين في السودان وكانت جبهة السودان هي الاهم لاسباب عدة في مقدمتها انها تمثل ظهيرا وعمقا استراتيجيا لمصر اكبر دولة عربية , وطبقا لعقيدة العسكرية الاسرائيلية فانها تمثل العدو الاول والاخطر لها في المنطقة ولذلك فان التركيز عليها كان قويا للغاية .

كتاب العميد " فرجي " شرح بتفصيل مدهش ما فعلته اسرائيل لكي تحقق مرادها في اضعاف مصر وتهديدها من الظهر وكيف انها انتشرت في قلب افريقيا (في الفترة من عام 56 الي عام 77 حيث اقامت علاقات مع 33 دولة افريقية ) لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه وكيف انتقت من زعماء الحركة الانفصالية واختارت " جون جارنج " فاعدته وساندته لكي يتحدي حكومة الخرطوم ويفرض نفسه عليها , ويدهش المرء حين يقرأ ان اسرائيل قررت احتواء افريقيا والانتشار في قلبها للاقتراب من السودان والاحاطة به لكي تتمكن من النفاذ الي جنوبه وقد اشار المؤلف الي ان هذا المخطط بدأ تنفيذه في اواخر الخمسينات واوائل الستسينيات اما مهندس العملية كلها فهو " اروي لوبراني " مستشار بن جوريون للشئون العربية وهو الذي قال بوضوح لابد من رصد وملاحظة كل ما يجري في السودان ذلك القطر الذي يشكل عمقا استراتيجيا لمصر بالاضافة لسواحله المترامية علي البحر الاحمر وهو ما يوفر للسودان موقعا استراتيجيا متميزا لذلك فمن الضروري العمل علي ايجاد ركائز إما حول السودان أو في داخله ولاجل ذلك فان دعم حركات التمرد والانفصال في جنوبه يغدو مهما لامن اسرائيل.


لقد بدأت الاتصالات مع الجنوبيين من القنصلية الإسرائيلية في أديس أبابا وكانت الشركات الإسرائيلية التي أنشأت في أثيوبيا هي الواجهةالتي استخدمت تلك الإتصالات وكان "أشير ناتان" رجل الموساد النشط الذي أصبح يدير شركة "أنكودا" هو أول من قام بالاتصال بالزعماء الجنوبيين، وبعد الدراسة لأوضاع الجنوب وقع الاختيار على قبيلة "الدينكا" أقوى قبائل المنطقة لكي تكون الباب الذي تتسلل منه إسرائيل إلى الجنوب وتتغلغل في شرايينه، أما الذي قام بالدور البارز في توسيع نطاق الاتصالات وتوثيقها فقد كان "دافيدكيمحي" رجل المهمات الخاصة في الموساد الذي عُين مديرًا عاما لوزارة الخارجية الإسرائيلية، ويمكن القول أن دعم إسرائيل للحركة الانفصالية في الجنوب السوداني قد مر بخمس مراحل هي:

المرحلة الأولى: طوال عقد الخمسينيات ركزت إسرائيل على أمرين: أولهما تقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين والأدوية والمواد الغذائية والأطباء)، وثانيهما استثمار التباين القبلي بين الجنوبيين أنفسهم وتعميق هوة الصراع بين الجنوبيين والشماليين.

المرحلة الثانية: في الستينيات حدث ما يلي: بدأت صفقات الأسلحة الإسرائيلية تتدفق على جنوب السودان عبر الأراضي الأوغندية، وكانت أول صفقة عام 1962م ومعظمها من الأسلحة الروسية الخفيفة التي غنمتها إسرائيل من مصر في عدوان 56 بالإضافة إلى الرشاش الإسرائلي عوزي، وقد اتسع نطاق تدريب الميليشيات الجنوبية في كل من أوغندا وأثيوبيا وكينيا وكانت أثيوبيا أكبر قاعدة لإيصال الأسلحة والزخائر إلى جنوب السودان، كما اتسع نطاق تزويد الجنوبيين بالسلاح من الدول المجاورة وحينما تولى "أوري لوبراني" مهندس عملية التطوير والاختراق منصب سفير إسرائيل في أوغندا ثم في أثيوبيا تطور ذلك الدعم إلى حد أن بعض ضباط القوات الإسرائيلية الخاصة كانوا ينتقلون لتدريب الانفصاليين في مناطق جنوب السودان.

المرحلة الثالثة: والتي تمتد من منتصف الستينيات حتى السبعينيات وفيها استمر تدفق الأسلحة من خلال وسيط إسرائيلي اسمه "جابي شفيق" كان يعمل لحساب الموساد وبعض هذه الأسلحة كانت روسية استولت عليها إسرائيل في حرب 1967، وقامت طائرات شحن بإسقاطها على المعسكر الرئيسي للانفصاليين في (أورنج كي بول) كما قامت إسرائيل بإنشاء مدرسة لضباط المشاه لتخريج الكوادر العسكرية لقيادة فصائل التمرد، وكانت عناصر إسرائيلية تشترك بالفعل في بعض المعارك مقدمة خبرتها للجنوبيين.

المرحلة الرابعة: التي امتدت من أواخر السبعينيات وطول عقد الثمانينيات وفيها جرى استئناف دعم التمرد المسلح بزعامة العقيد جون جارانج ابتداء من عام 1983م وكان الموقف قد هدأ نسبيًا بعد اتفاق لصالحه عام 72 والذي مُنح فيه الجنوب حكمًا ذاتيًا وفي تلك الفترة ظهر النفط في جنوب السوادان مما عزز دعم الجهات الأجنبية للحركة الانفصالية كما ألقت إسرائيل بثقل قوى إلى جانب "جون جارانج" فزودته بأسلحة متقدمة ودربت عشرة من طياريه على قيادة مقاتلات خفيفة للهجوم على المراكز الحكومية في الجنوب ووفرت له صورًا عن مواقع القوات الحكومية التقطتها أقمارها الصناعية، بل إن إسرائيل أوفدت بعض خبرائها لوضع الخطط والقتال إلى جانب الانفصاليين مما أدى إلى احتلال ثلاث مدن في الجنوب عام 1990 وهي (مامبيو واندارا وطمبوه).

المرحلة الخامسة: والتي بدأت في أواخر عام 1990 واستمرت حتى الآن وتعد مرحلة قطف الثمرة بعد نضجها، أو البتر بعد الشد إذا استخدمنا مصطلحات إسرائيل، وفيها وصل الدعم الإسرائيلي لجيش تحرير السودان وقائده جون قرنق ذروته وأصبحت كينيا هي جسر الاتصال بين الطرفين بدلا من أثيوبيا وقد أغرقت خلالها إسرائيل (جيش التحرير) بالأموال والسلاح لتعزيز موقف الحركة التفاوضي مع حكومة الشمال حتى أصبح ندًا عنيدًا لها بل وأقوى منها عكسريًا الأمر الذي أوصل الحركة إلى نقطة مخيرة فيها بين الانفصال أو الذهاب إلى أبعد وفرض شروطها على حكومة الخرطوم وقد نجحت في تحقيق الخيار الثاني بحيث مدت نفوذها من جوبا عاصمة الجنوب إلى الخرطوم عاصمة البلد كله.


لقد كانت إسرائيل تدفع مرتبات قادة وضباط جيش (تحرير السودان) وقدرت مجلة (معرجون) العسكرية أن مجموع ما قدمته إسرائيل لجيش تحرير السودان 500 مليون دولار، قامت الولايات المتحدة بتغطية الجانب الأكبر منه.

إن إسرائيل هي التي أقنعت الجنوبيين بتعطيل تنفيذ مشروع قناه (جونجلي) الذي تضمن حفر قناة في منطقة أعالي النيل لنقل المياة إلى مجرى جديد بين جونجلي وملكال لتخزين 5 مليارات متر مكعب من المياه سنويا والمفترض أن يسهم المشروع في انعاش منطقة الشمال والاقتصاد المصري، وقالت إسرائيل للجنوبيين إنهم أولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم.

ثم إنها ادعت أن هناك خطة لإرسال 6 ملايين فلاح مصري إلى الجنوب (كما حدث في العراق) لتغيير تركيبته السكانية لمصلحة كفة العرب والمسلمين، وبمجرد ظهور النفط في الجنوب أوفدت إسرائيل في النصف الأول من الثمانينيات واحدًا من أكبر خبرائها هو البروفسور (إيليناهو لونفسكي) لدراسة احتمالاته التي قدرها بسبعة مليارات برميل ونتيجة لذلك شرع الجنوبيون في المطالبة بحصتهم من هذه الثروة وعارضوا إنشاء مصفاة للنفط في منطقة كوستى بإحدى الولايات الشمالية، وبعدما أحكم "جون جارانج" سيطرته على الجنوب استعد لإعلان الانفصال وإقامة دولته المستقلة وأبلغ الولايات المتحدة وإسرائيل والدول المجاورة للسودان بذلك بل إنه طالب واشنطن رسميا التدخل إلى جانبه إذا ما هاجمه جيش السودان ثم بعد الاتفاق مع الشمال أصبح جون جارانج نائبًا لرئيس الجمهورية وصارت حركته جزءًا من النظام الحاكم في الخرطوم واقفة بالباب الجنوبي لمصر.

وتقول الدراسات إن "جارانج" بدأ يميل إلى الوحدة مع الشمال مما دعا بإسرائيل إلى التخلص منه عن طريق تحطيم الطائرة التي كانت تحمله.


لقد ذكر موقع دبكا debka أن أجهزة المخابرات في كل من أمريكا وإسرائيل وفرنسا تبذل جهودها من أجل تفكيك السودان لأربعة ولايات مستقلة وإسقاط النظام السوداني الذي يرونه أنه نظام إسلامي متطرف وهذه الولايات هي:

ولاية السودان الإسلامية وسط وشمال السودان.

ولاية دارفور في الغرب.

ولاية البجا في الشرق.

ولاية جنوب السودان المسيحية التي سيخضع لحكمها جنوب السودان حيث مناطق النفط الغنية ومصادر مياه النيل الأزرق.

يقول "فرجي" في كتابه: "إن دور إسرائيل في انفصال الجنوب وتحويل جيشه إلى جيش نظامي سيكون رئيسيًا وكبيرا ويكاد يكون تكوينه وتدريبه وإعداده صناعه إسرائيلية كاملة ولن يكون قاصرًا على مناطق الجنوب بل سيمتد إلى جميع أرجاء السودان ليحقق الحلم الاستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر ونزع مصادر الخطر المستقبلي ضدنا".

ولقد ذكرت صحيفة الحياة السودانية أن إسرائيل اتجهت إلى غرب السودان بعد نجاح مشروع جنوب السودان وإن وفدًا يهوديا من أصل أمريكي رفيع المستوى زار العاصمة البريطانية وعقد لقاءات مطولة مع قادة الحركات المتمردة في دارفور وبصفة خاصة حركة العدل والمساواة.

وهكذا يتضح لكل ذي عينين أصابع إسرائيل ليس وراء فصل الجنوب فحسب بل وراء تقسيم السودان كله وتفتيته.


أمريكا على الخط:

لقد دخل مخطط تقسيم العالم العربي الذي وضعه المستشرق الإنجليزي برنارد لويس حيزً التنفيذ في ثمانينيات هذا القرن حيث بدأ بالعراق واتهمه بحيازة الأسلحة النووية ثم مقاطعته وحصاره ثم ضربه وتقسيمه، أما السودان فقد كانت البداية لانطلاق مخطط التقسيم في أغسطس 1994 في المؤتمر الأفريقي السابع الذي انعقد بكمبالا بأوغندا وبإدارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للشئون الأفريقية "كوهين" والذي عرف باسم وثيقة كمبالا حيث تم التخطيط لتقسيم السودان إلى أربع دويلات دارفور (غرب) والبجا (شرق) وجنوب السودان، أما الرابعة فهي دويلة الشمال العربية.

والسودان في هذه الوثيقة هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي نالها التقسيم بل والتقطيع، فبينما تم فصل الجنوب عن الشمال تم استبعاد السوادان من جهة الشرق عن تجمع دول منطقة القرن الأفريقي بينما استبعد من ناحية الغرب عن تجميع دول الحزام السوداني وبذلك يتم تجريد السودان من كل مقوماته الحضارية والاقتصادية مع إبعاد حدوده عن مناطق السيطرة على منابع النيلين الأبيض والأزرق وبذلك لن تصلح أرض السودان إلا أن تكون تابعة للدول المحيطة به مثل (مصر) و(أثيوبيا) و(أوغندا) ويعود وسط السودان المعزول باقتصاده الزراعي المحدود (بعد السيطرة على مياه النيل) والرعوي المتخلف إلى العصور الوسطى.

ولم يكن إصدار المحكمة الجنائية الدولية أمر قضائي باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم تطهير عرقي في دارفور مفاجأة للمتطلعين على نوايا أمريكا تجاه السودان فقد باشرت أمريكا ضغوطها مستغلة الأحداث الجارية بما فيها قضية دارفور للضغط على حكومة السودان للتوقيع على اتفاق مشاكوس ثم نيفاشا والتي نجحت في إعطاء حق تقرير المصير للجنوب السوداني وبتوقيع تلك الاتفاقية تكون الإدارة الأمريكية قد حسمت المعركة لصالح سياسة تفكيك الدولة السودانية وعلى دفعه لتوقيع اتفاقات سلام مماثلة ومتعددة مع حركات التمرد في الشرق والغرب ثم في الشمال.


أمريكا تبدأ التقسيم من الآن:

لقد افتتحت أمريكا بعثة لجنوب السوادان (تقوم محل السفارة) وتعمل بطريقة مستقلة عن سفارة السودان في قلب واشنطن في منطقة Dupont Circle على بعد 30 متر فقط من المكتب الثقافي المصري، وذكرت مصادر صحفية أمريكية أن إدارة أوباما مثلها مثل إدارة بوش تقدم دعمًا ماليًا ضخمًا لجنوب السودان ضمن جهودها لمساعدته على الانفصال ووفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن تايمز" تقدم أمريكا دعمًا ماليا سنويًا يقَّدر بـ مليار دولار لجنوب السودان تصرف في إنشاء البنية التحتية وتدريب رجال الأمن وتشكيل جيش قادر على حماية المنطقة.

وذكرت الصحيفة أن وزارة الخارجية الأمريكية وفي أعقاب توقيع اتفاق 2005 منحت إحدى الشركات الأمريكية الخاصة عقدًا لتأهيل متمردي الجنوب وتحويلهم إلى قوة عسكرية محترفة إختارت الإدارة الأمريكية شركة "دين كورب" Dyn Corp التي فازت بالعقد المبدئي بقيمة 400 مليون دولار لإنجاز هذه المهمة.

كما ذكرت مصادر إعلامية أنه قبل أن يرفع الحظر عن الشركات الأمريكية للعمل في السودان عام 2006 عقب التوصل لاتفاق السلام حصلت شركة "بلاك ووتر" السيئة السمعة والتي تعمل في مجال الأمن على عقود أمريكية لتوفير حماية أمنية لكبار مسئولي حكومة جنوب السودان ولتدريب جيش الجنوب وذلك بمساعدة "ديك تشيني" نائب الرئيس الأمريكي السابق عن طريق معرفته الوثيقة برئيس الشركة "إيريك برنس".

وقد أشرف على مفاوضات مباشرة مع رئيس حكومة جنوب السودان "سيلفاكير" نائب رئيس الشركة "كريستوفر تايلور" في جوبا عاصمة الجنوب.

كما كشفت التقارير الإعلامية الأمريكية عن قيام رجل الأعمال الأمريكي "فيليب هالبيرج" بشراء 400 ألف فدان من الأراضي في جنوب السودان لشركته التي تسمى "جيرشن" وهي مساحة أكبر من مساحة إمارة دبي بهدف الاستثمار الزراعي.

 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢