صلاة أهل الأعذار - صالح بن فوزان الفوزان
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: أهل الأعذار: هم المر ضى والمسافرون والخائفون الذين لا يتمكنون من أداء الصلاة على الصفة التي يؤديها غير المعذور فقد خفف الشارع عنهم وطلب منهم أن يصلوا حسب استطاعتهم، وهذا من يُسر هذه الشريعة وسماحتها فقد جاءت برفع الحرج: قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [ الحج :78]. وقال تعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ} [البقرة:185]. وقال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286]. وقال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وقال النبي : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم..» إلى غير ذلك من النصوص التي تبين فضل الله على عباده، وتيسيره في تشريعه. ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو كيف يصلي من قام به عذر من مرض أو سفر أو خوف؟
أولاً: صلاة المريض إن الصلاة لا تترك أبداً، فالمريض يلزمه أن يؤدي الصلاة قائماً، وإن احتاج إلى الاعتماد على عصا ونحوه في قيامه فلا بأس بذلك لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فإن لم يستطع المريض القيام في الصلاة، بأن عجز عنه أو شق عليه أو خيف من قيامه زيادة مرض أو تأخر برء فإنه - والحالة ما ذكر - يصلي قاعداً.
ولا يشترط لإباحة القعود في الصلاة تعذر القيام، ولا يكفي لذلك أدنى مشقة بل المعتبر المشقة الظاهرة.
وقد أجمع العلماء على أن من عجز عن القيام في الفريضة، صلاها قاعداً ولا إعادة عليه، ولا ينقص ثوابه وتكون هيئة قعوده حسب ما يسهل عليه لأن الشارع لم يطلب منه قعدة خاصة فكيف قعد جاز. فإن لم يستطع المريض الصلاة قاعداً بأن شق عليه الجلوس مشقة ظاهرة، أو عجز عنه، فإنه يصلي على جنبه ويكون وجهه إلى القبلة، والأفضل أن يكون على جنبه الأيمن، وإن لم يكن عنده من يوجهه إلى القبلة، ولم يستطع التوجه إليها بنفسه؛ صلّى على حسب حاله، إلى أي جهة تسهل عليه. فإذا لم يقدر المريض أن يصلي على جنبه، تعين عليه أن يصلي على ظهره، وتكون رجلاه إلى القبلة مع الإمكان.
وإذا صلّى المريض قاعداً، ولا يستطيع السجود على الأرض، أو صلّى على جنبه أو على ظهره، كما سبق فإنه يوميء برأسه للركوع والسجود، ويجعل الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع.
وإذا صلّى المريض جالساً وهو يستطيع السجود على الأرض وجب عليه ذلك ولا يكفيه الإيماء. والدليل على جواز صلاة المريض على الكيفية المفصلة ما أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث عمران بن حصين قال: كانت بي بواسير، فسألت النبي ؟ فقال: «صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فصلِّ قاعداً، فإن لم تستطع، فعلى جنبك»، زاد النسائي: «فإن لم تستطع، فمستلقياً {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} » [البقرة:286]. وهنا يجب التنبيه على أن ما يفعله بعض المرضى ومن تجرى لهم عمليات جراحية، فيتركون الصلاة بحجة أنهم لا يقدرون على أداء الصلاة بصفة كاملة، أو لا يقدرون على الوضوء أو لأن ملابسهم نجسة، أو غير ذلك من الأعذار، وهذا خطأ كبير، لأن المسلم لا يجوز له ترك الصلاة إذا عجز عن بعض شروطها أو أركانها وواجباتها، بل يصليها على حسب حاله قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16].
وبعض المرضى يقول: إذا شفيت، قضيت الصلوات التي تركتها، وهذا جهل منهم أو تساهل، فالصلاة تُصلّى في وقتها فينبغي الإنتباه لهذا والتنبيه عليه، ويجب أن يكون في المستشفيات توعية دينية وتفقد لأحوال المرضى من ناحية الصلاة وغيرها من الواجبات الشرعية التي هم بحاجة إلى بيانها.
وما سبق بيانه هو في حق من ابتدأ الصلاة معذوراً، واستمر به العذر إلى الفراغ منها، وأما من ابتدأها وهو يقدر على القيام، ثم طرأ عليه العجز عنه، أو ابتدأها وهو لا يستطيع القيام، ثم قدر عليه في أثنائها، أو ابتدأها قاعداً، ثم عجز عن القعود في أثنائها، أو ابتدأها على جنب، ثم قدر على القعود فإنه في تلك الأحوال ينقل إلى الحالة المناسبة له شرعاً، ويتمها عليها وجوباً لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، فينتقل إلى القيام من قدر عليه، وينتقل إلى الجلوس من عجز عن القيام في أثناء الصلاة...
وهكذا. وإن قدر على القيام والقعود، ولم يقدر على الركوع والسجود؛ فإنه يوميء برأسه بالركوع قائماً، ويوميء بالسجود قاعداً ليحصل الفرق بين الإيماءين حسب الإمكان.
وللمريض أن يصلي مستلقياً مع قدرته على القيام إذا قال له طبيب مسلم ثقة: لا يمكن مداواتك إلا إذا صليت مستلقياً، لأن النبي صلى جالساً حين جحش شقه، وأم سلمة تركت السجود لرمد بها. ومقام الصلاة في الإسلام عظيم فيطلب من المسلم، بل يتحتم عليه أن يقيمها في حال الصحة وحال المرض فلا تسقط عن المريض لكنه يصليها على حسب حاله فيجب على المسلم أن يحافظ عليها كما أمره الله. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
ثانياً: صلاة الراكب ومن أهل الأعذار الراكب إذا كان يتأذى بنزوله للصلاة على الأرض بوحل أو مطر، أو يعجز عن الركوب إذا نزل، أو يخشى فوات رفقته إذا نزل، أو يخاف على نفسه إذا نزل من عدو أو سبع، ففي هذه الأحوال يصلي على مركوبه، من دابة وغيرها، ولا ينزل إلى الأرض، لحديث يعلى بن مرة: «أن النبي إنتهى إلى مضيق هو وأصحابه، وهو على راحلته، والسماء من فوقهم، والبلة من أسفل منهم، فحضرت الصلاة، فأمر المؤذن فأذن وأقام، ثم تقدم رسول الله على راحلته، فصلى بهم يوميء إيماءً، يجعل السجود أخفض من الركوع» [رواه أحمد والترمذي]. ويجب على من يصلي الفريضة على مركوبه لعذر مما سبق أن يستقبل القبلة إن استطاع، لقوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144]، ويجب عليه فعل ما يقدر عليه من ركوع وسجود وإيماء بهما وطمأنينة، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]. وما لا يقدر عليه لا يُكلف به.
وإن لم يقدر على استقبال القبلة لم يجب عليه استقبالها وصلى على حسب حاله وكذلك راكب الطائرة يُصلي فيها بحسب استطاعته من قيام وقعود وركوع وسجود أو إيماء بهما بحسب استطاعته، مع استقبال القبلة، لأنه ممكن.
ثالثاً: صلاة المسافر ومن أهل الأعذار المسافر، فيشرع له قصر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين، كما دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [ النساء :101]، والنبي لم يصل في السفر إلا قصراً، والقصر أفضل من الإتمام في قول جمهور العلماء، وفي الصحيحين: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر»، وقال ابن عمر: "صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر". ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده، لأن الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض وقبل خروجه من بلده لا يكون ضارباً في الأرض ولا مسافراً، ولأن النبي إنما كان يقصر إذا ارتحل، ولأن لفظ السفر معناه الإسفار: أي الخروج إلى الصحراء، يقال: سفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته، فإذا لم يبرز إلى الصحراء التي ينكشف فيها من بين المساكن لم يكن مسافراً.
ويقصر المسافر الصلاة ولو كان يتكرر سفره كصاحب البريد وسيارة الأجرة ممن يتردد أكثر وقته في الطريق بين البلدان. ويجوز للمسافر الجمع بين الظهر والعصر، والجمع بين المغرب والعشاء في وقت أحدهما فكل مسافر يجوز له القصر فإنه يجوز له الجمع وهو رخصة عارضة يفعله عند الحاجة كما إذا جد به السير؛ لما روى معاذ رضي الله عنه: «أن النبي كان في غزوة تبوك: إذا ارتحل قبل زيغ الشمس، أخر الظهر حتى يجمعهما إلى العصر ويصليهما جميعاً وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وكان يفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء» [رواه ابو داود والترمذي].
وإذا نزل المسافر في أثناء سفره للراحة فالأفضل له أن يصلي كل صلاة في وقتها قصراً بلا جمع. ويباح الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء للمريض الذي يلحقه بترك الجمع مشقة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن الأمة، فإذا احتاجوا الجمع جمعوا، والأحاديث كلها تدل على أنه يجمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ) أهـ. وقال أيضاً: ( يجمع المرضى كما جاءت السنة في جمع المستحاضة، فإن النبي أمرها بالجمع في حديثين ويباح الجمع لمن يعجز عن الطهارة لكل صلاة كمن به سلس بول أو جرح لا يرقأ دمه، أو رعاف دائم، قياساً على المستحاضة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام لحمنة حين استفتته في الاستحاضة: «وإن قويت على أن تؤخري المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافعلي» ) [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه].
ويباح الجمع بين المغرب والعشاء خاصة لحصول مطر يبل الثياب، وتوجد معة مشقة، لأنه عليه الصلاة والسلام جمع بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة وفعله أبو بكر وعمر. قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: ( يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك، وإن لم يكن المطر نازلاً في أصح قولي العلماء وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة، إذ السنة أن تصلى الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين، والصلاة جمعاً في المساجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع، كمالك والشافعي وأحمد ) انتهى. ومن يباح له الجمع، فالأفضل له أن يفعل الأرفق به من جمع تأخير أو جمع تقديم، والأفضل بعرفة جمع التقديم بين الظهر والعصر، وبمزدلفة الأفضل جمع التأخير بين المغرب والعشاء، لفعله عليه الصلاة والسلام، وجمع التقديم بعرفة لأجل اتصال الوقوف، وجمع التأخير بمزدلفة من أجل مواصلة السير إليها.
وبالجملة، فالجمع بين الصلاتين في عرفة ومزدلفة سنة، وفي غيرهما مباح يفعل عند الحاجة، وإذا لم تدع إليه حاجة، فالأفضل للمسافر أداء كل صلاة في وقتها، فالنبي لم يجمع في أيام الحج إلا بعرفة ومزدلفة، ولم يجمع بمنى، لأنه نازل، وإنما كان يجمع إذا جد به السير. هذا ونسأل الله للجميع التوفيق للعلم النافع والعمل الصالح.
رابعاً: صلاة الخوف تشرع صلاة الخوف في كل قتال مباح، كقتال الكفار والبغاة والمحاربين، لقوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [النساء:101]. وقيس عليه الباقي ممن يجوز قتاله، ولا تجوز عليه صلاة الخوف في قتال محرم. والدليل على مشروعية صلاة الخوف الكتاب والسنة والاجماع: قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102]. قال الإمام أحمد رحمه الله: ( صحت صلاة الخوف عن النبي من خمسة أوجه أو ستة كلها جائزة ) أ هـ. فهي مشروعة في زمنه عليه الصلاة والسلام، وتستمر مشروعيتها إلى آخر الدهر، وأجمع على ذلك الصحابة وسائر الأئمة ما عدا خلافاً قليلاً لا يعتد به. وتفعل صلاة الخوف عند الحاجة إليها سفراً وحضراً، إذا خيف هجوم العدو على المسلمين، لأن المبيح لها هو الخوف لا السفر، لكن صلاة الخوف في الحضر لا يقصر فيها عدد الركعات، وإنما تقصر فيها صفة الصلاة، وصلاة الخوف في السفر التي يقصر فيها عدد الركعات إذا كانت رباعية، وتقصر فيها الصفة.
وتشرع صلاة الخوف بشرطين: الشرط الأول: أن يكون العدو يحل قتاله كما سبق. الشرط الثاني: أن يُخاف هجومه على المسلمين حال الصلاة، لقوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} [النساء:101]، وقوله: {وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً} [النساء:102]. ومن صفات صلاة الخوف الواردة عن النبي في حديث سهل بن أبي حثمة الأنصاري رضي الله عنه، وقد اختار الإمام أحمد العمل بها؛ لأنها أشبه بالصفة المذكورة في القرآن، وفيها احتياط للصلاة واحتياط للحرب، وفيها نكاية بالعدو، وقد فعل عليه الصلاة والسلام هذه الصلاة في غزوة ذات الرقاع، وصفتها كما رواها سهل هي: «أن طائفة صفت مع النبي وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم» [متفق عليه]. ومن صفات صلاة الخوف ما روى جابر؛ قال: «شهدت مع رسول الله صلاة الخوف، فصففنا صفين ـ والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر رسول الله فكبرنا، ثم ركع فركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود، وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع فركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وكان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى السجود، وقام الصف الذي يليه؛ انحدر الصف المؤخر بالسجود، فسجدوا ثم سلم وسلمنا جميعاً» [رواه مسلم].
ومن صفات صلاة الخوف ما رواه ابن عمر قال: «صلى النبي صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة وسجدتين والأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة» [متفق عليه]. ومن صفات صلاة الخوف أن «يصلي بكل طائفة، ويسلم بها» [رواه أحمد وأبو داود والنسائي]. ومن صفات صلاة الخوف ما رواه جابر؛ قال: «أقبلنا مع رسول الله ، حتى إذا كنا بذات الرقاع، فنودي للصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا، فصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكان لرسول الله ركعتين، وللقوم ركعتان» [متفق عليه].
وهذه الصفات تفعل إذا لم يشتد الخوف، فإذا اشتد الخوف؛ بأن تواصل الطعن والضرب والكر والفر، ولم يمكن تفريق القوم وصلاتهم على ما ذكر، وحان وقت الصلاة؛ صلوا على حسب حالهم، رجالاً وركباناً للقبلة وغيرها يومئون بالركوع والسجود حسب طاقاتهم، ولا يؤخرون الصلاة؛ لقوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239]؛ أي: فصلوا رجالاً أو ركباناً، والرجال: جمع راجل، وهو الكائن على رجليه ماشياً أو واقفاً، والركبان: جمع راكب. ويستحب أن يحمل معه في صلاة الخوف من السلاح ما يدفع به عن نفسه ولا يثقله؛ لقوله تعالى: {وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102]. ومثل شدة الخوف حالة الهرب من عدو أو سيل أو سبع أو خوف فوات عدو يطلبه، فيصلي في هذه الحالة راكباً أو ماشياً، مستقبل القبلة وغير مستقبلها، يومئ بالركوع والسجود.
ونستفيد من صلاة الخوف على هذه الكيفيات العجيبة والتنظيم الدقيق: أهمية الصلاة في الإسلام، وأهمية صلاة الجماعة بالذات، فإنهما لم يسقطا في هذه الأحوال الحرجة؛ كما نستفيد كمال هذه الشريعة الإسلامية، وأنها شرعت لكل حالة ما يناسبها، كما نستفيد نفي الحرج عن هذه الأمة، وسماحة هذه الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان. نسأل الله أن يرزقنا التمسك بها والوفاة عليها، إنه سميع مجيب.