ما أشبه الليلة بالبارحة... - ملفات متنوعة
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
«..
وأحاطت العساكر بالمدينة ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج (....) وقطعوا الجالب عن البلد واحاطوا بها احاطة السوار بالمعصم، فعند ذلك اشتدت الحرب وعظم الكرب، واكثروا من الرمي المتتابع بالمكاحل والمدافع واوصلوا وقع القنابل من اعلى التلول والقلعات، خصوصا القنابل الكبار على الدوام والاستمرار، آناء الليل واطراف النهار، في الغدو والبكور والاسحار، وعدمت الاقوات وغلت اسعار المبيعات وعزت المأكولات وفقدت الحبوب والغلات...».
«..
واستمر الحال على ماهو عليه من اشتعال نيران الحرب وشدة البلاء والكرب، ووقوع القنابل على الدور والمساكن والهدم والحرق، وصراخ النساء من البيوت والصغار من الخوف والجزع والهلع، مع القحط وفقد المآكل والمشارب، وغلق الحوانيت والمخابز، ووقوف حال الناس من البيع والشراء، وتفليس الناس وعدم جود ماينفقونه ان وجدوا شيئاً، واستمر ضرب المدافع والقنابل والبنادق والنيران ليلا ونهارا حتى ان الناس لا يهنأ لهم نوم ولا راحة ولا جلوس لحظة واحدة من الزمن..».
«..
وجرى على الناس ما لا يسطر في كتاب، ولم يكن لاحد في حساب، ولا يمكن الوقوف على كلياته فضلا عن جزئياته، منها عدم النوم ليلا ونهارا وعدم الطمأنينة وغلو الاقوات وتوقع الهلاك في اي لحظة، والتكليف بما لا يطاق..».
«وهجم الجنود على المدينة من ناحية البحر والبر، وقاتل اهلها جهدهم ورموا بانفسهم في النيران، حتى غلب عليهم العدو وحصروا من كل جهة، وقتلوا منهم بالحرق والقتل..
(...) وفعلوا باهل المدينة ما تشيب له النواصي وصارت القتلى مطروحة في الطرق والأزقة واحترقت الابنية والدور..».
ما سبق لم يكن تقريرا صحافيا عن احداث غزة، بل ما سطره المؤرخ عبدالرحمن الجبرتي عن حصار وهجوم الجيش الفرنسي بقيادة كليبر على مدينة القاهرة في 15 ابريل عام 1802 والمذبحة التي تمت بعد ذلك بعد ان قاتل اهلها لثمانية أيام قتال الابطال وكبدوا الفرنسيين خسائر كبيرة، وكان الجبرتي شاهد عيان على تلك الفاجعة، وما لبث ان دفع المجرم كليبر ثمن ما فعل بعد اقل من شهرين اذ اغتاله الطالب الأزهري سليمان الحلبي ممهدا لنهاية الحملة الفرنسية على مصر ، وهي الحملة الدموية التي لا يزال غلاة العلمانيين عندنا يعتبرونها بداية عصر التنوير للمشرق العربي!
ما اشبه الليلة بالبارحة، سوى ان القاهرة البطلة لا تشارك المحاصرين في غزة معاناتهم ولا هي تنصرهم أو تنهي الحصار عنهم، فليت احفاد من صمدوا في وجه كليبر وجيشه واحفاد من قادهم صلاح الدين لتحرير المسجد الاقصى ومن واجهوا المغول وهزموهم في «عين جالوت» ينفضون عنهم غبار الرضوخ لمحور الشر الاسرائيلي - الامريكي، فمصر اكبر من كامب ديفيد، ولا يليق بأرض الكنانة ان تهمش أو تزاح عن موقع القيادة في مواجهة مشروع القهر الصهيوني للمنطقة.
ليش؟!
لدينا عتب كبير على قناة «العربية» في تغطيتها لاحداث غزة، ففي اليوم الاول للعدوان خصصت القناة معظم تغطياتها لقياديي سلطة محمود عباس امثال محمد دحلان وباقي العملاء من اجل تبييض صورتهم ازاء ما يجري، ثم في اليوم التالي ركزت تغطية العربية على تخطئة وتجريح موقف «حماس» من الخلاف مع مصر على مسألة خروج الجرحى الفلسطينيين! فهل القناة مع كل الاطراف ما عدا ضحايا العدوان؟!
ثم لماذا التركيز من قناة مثل «العربية» على القصص والاخبار التي تشوه صورة المرأة السعودية وتروج لاكاذيب الغرب ضد قضية المرأة في المملكة؟ ولمصلحة من تقوم باعادة بث لقطات مأخوذة من الفضائيات الأمريكية تهزأ وتسخر من علماء ومشايخ المملكة العربية السعودية؟
د.وليد الطبطبائي