أرشيف المقالات

ومضات تربوية وسلوكية (7)

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
ومضات تربوية وسلوكية (7)
 
تَزْخَرُ بطونُ الكتب بالعديد من الأفكار الذهبيَّة، والعبارات المحوريَّة، الجديرة برصدها وتدوينها؛ للوقوف على كنوزِ مُفكِّرينا وكُتَّابنا العِظام، وللانتفاع بالفائدةِ المرجوَّة منها؛ ولذلك حَرَصْتُ خلالَ جولتي بينَ دُفُوفِ الكتبِ أن أَرصُدَ هذه الثَّروات الفكريَّة والتربويَّة والتحليليَّة، وأنقُلَها بنصِّها كما وردت فيها، أو باختصار طفيفٍ في بعض الأحيان؛ هذا كي يستفيدَ منها القاصي والدَّاني، سائلًا المولى عزَّ وجل أن يَنْفَعَ بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجرَ والمثوبةَ، إنه نِعْمَ المَولى ونعْم النَّصيرُ.


الحكم: الحكم على المبدأ يجب أن ينفصل عن الحكم على الفعل، فالمبدأ يجب أن يظلَّ في حالته الطبيعية دون محاولة لإخراجه عن مكانته وقيمته ليوافق الأفعال البشرية، والحكم على الفعل البشريِّ يجب أن يكون في سياقه وظروفه وتحدياته ومرحلته وتاريخه، ومدى تحقُّق الإيجابية فيه، ومدى انتفاع الأمة منه.
 
مكمن الكارثة: أن يتحوَّل "الفعل البشري" حاكمًا على المبدأ، ويتحوَّل الخطأ البشريُّ أو الظروف التي نشأ فيها صاحب التجرِبة إلى "معالم هادية" بديلة عن المبدأ؛ بمعنى: أن يتحول مثلًا "الخداع السياسي" أو "المكر بالعدوِّ" أو "بعض الموازنات"...
إلخ إلى هدف في حد ذاته، ومنهج تُربَّى عليه الأجيال، فيحل الفعل البشريُّ محل المبدأ.
 
ويأتي الخطر التالي تباعًا، وهو "التعصب الجاهلي" الذي سيُعمي عن رؤية الحقيقة، ويُصِمُّ عن سماع الحق؛ فيؤدي إلى "التعصب للخطأ" أو "للفعل البشري"، والتبريرِ للأشخاص.
وبعد فترة من الزمن، اختلفت ظروفها، وسياقتها، وأحوالها، سيكون الحكم على الفعل البشريِّ قياسًا بالواقع المعاصر مسألةً جد معقدة.
والحل الذي يوفِّر علينا هذا الجهد هو: الشهادة لله، والقيام بالقسط؛ ولكنها عزيزة على أصحاب الأهواء والمتعصِّبين؛ [بين المبدأ والفعل، والظرف والحكم...
أحمد طه]
.


(الأسباب)
واعلموا أن الله جعل للحوادث أسبابًا، وفتح للمطالب أبوابًا، فاطلبوا الأمور بأسبابها، وادخلوا البيوت من أبوابها، فلا يقعد الطالب عن الدراسة ويطلبَ النجاح، ولا ينتظر الفلَّاح الحصاد من غير حرث ولا بذار، ولا ترقُب الأمة النصر بلا استعداد ولا جهاد، فإن الذي قال لنا: ادعوا، هو الذي قال لنا: اعملوا، ونحن نؤمن بالكتاب كلِّه، لا نؤمن ببعض ونكفر ببعض، والقدوة والأسوة في سيرة رسول الله، وأكرم الناس على الله صلى الله عليه وسلم، فمن استنفد الأسباب، وغُلِّقت في وجهه الأبوابُ، فليمدد يديه وليقل: "يا ألله"، يجد الله سميعًا مجيبًا كريمًا رحيمًا، وما خاب قط امرؤ قال: "يا ألله"؛ [كتاب (نور وهداية)؛ علي الطنطاوي؛ دار المنارة، ص 88].
 
(العلم والدين)
في وُسع العلم أن يمنح الإنسانَ الوسائلَ والآلات، ولكن ليس في وسعه ولا من اختصاصه أن يمنحه الأهداف والغايات، وما أتعسَ الإنسانَ إذا تكدَّست لديه الوسائل دون أن يعرف لنفسه هدفًا، ولا لحياته قيمةً إلا أهداف السِّباع في العدوان، وأهدافَ البهائم في الأكل والسِّفَاد (المتعة الجنسية)! أما هدف رفيع يليق بمواهب الإنسان، وخصائص الإنسان، وكرامة الإنسان، فلا.
إن الدين وحده هو الذي يمنح الإنسان أهدافًا عُليا للحياة، وغاياتٍ كبرى للوجود، ويجعل له فيها مهمةً ورسالةً، ولحياته قيمةً واعتبارًا، كما أنه يمنحه القيم الخلقية والمثل العليا التي تحبسه عن الشر، وتحفزه على الخير لغير منفعة مادية عاجلة؛ [الدين في عصر العلم؛ يوسف القرضاوي، ص: 42].
 
(بين الشيوعية والرأسمالية)
إن الشيوعية قد أخطأت السبيل، لا في إصرارها على العدالة الاجتماعية، ولكن في تضحيتها بالحرية من أجل العدالة.
والرأسمالية أيضًا قد أخطأت السبيل، لا في إصرارها على احترام فردية الإنسان وحريته، ولكن في تضحيتها بالعدالة في سبيل الفردية.
إن كلًّا منهما يؤيد جانبًا على حساب الآخر، وكلتا النظريتين مادية ...
ولما كان الإنسان لا يستطيع أن يحيا بالخبز وحده، فإن هذين التفسيرين الماديَّينِ للعدالة والحرية تفسيران خاطئان؛ [الدين في عصر العلم؛ يوسف القرضاوي، ص: 46].
 
(إلف رؤية الحرام)
إلف رؤية الحرام ودوام مشاهدته، يهوِّن على النفس اقترافه، ويُذهب منها هيبته، نعرف ذلك من نسائنا المسلمات، كان عهدنا بالواحدة من نسائنا أنها تضطرب وتجزع إنْ لمحها الأجنبيُّ من فتحة الباب، أو شقِّ النافذة، وتُسرع فتتوارى، فصارت ترى الرجل فتقابل وجهَه بوجهها، وتُثبت في عينيه عينيها، وكان الرجل إذا رأى الأجنبيَّ ينظر إلى زوجه، استكبر ذلك واستنكره، وهاج في نفسه تصونُ المسلم ونخوةُ العربي، فتراخى الحبل؛ [كتاب "مع الناس"؛ للطنطاوي].
 
(النفس البشرية)
النفس البشرية مفطورة على ابتغاء اللذة، وقصد الراحة، وترك العناء، ميالةٌ إلى الانطلاق، ولأن الانحدار إلى المعصية أهونُ من التسامي إلى الطاعة، كالماء أفلته يتحدَّر إلى قرارة الوادي، وأصعده لا يصعد إلا بمضخَّة؛ لذلك قلَّ في الناس الطائعون، وكثُر العاصون؛ [كتاب "مع الناس"؛ للطنطاوي].

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير