int(174) array(0) { }

أرشيف المقالات

الرغبة والرهبة في طلب العلم

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الرغبة والرهبة في طلب العلم
 
(فَصْلٌ): وقَالَ في منهاجِ اليَقينِ: (واعلمْ أنَّ لكلِّ مَطْلُوبٍ باعِثًا والباعثُ على المطلوبِ شيئآنِ: رغبةً، أو رَهْبةٌ، فليكنْ طالبُ العلمِ رَاغِبًا رَاهِبًا، أما الرَغبةُ ففي ثوابِ اللهِ تعالى لطالِبي مَرْضَاتِهِ وحافِظِي مُفْتَرَضاتِهِ بإقامَتِها وتعليمِها مَنْ لا يَعْلَمُها والأمْرُ بالمعروفِ، وأما الرَهْبَةُ فمِنْ عِقابِ اللهِ تعالى لِتاركِي أوامِرِهِ وَمُهْمِلي زواجِرِهِ، فإذا اجْتَمَعَتْ الرغبةُ والرهبةُ أدَّتَا إلى كُنْهِ العلمِ وحقيقةِ الزُهدِ بإِذنِ اللهِ؛ لأنَّ الرغبةُ في الثوابِ أقوَى الباعثَينِ على العلمِ والباعثُ الآخرُ حُبُّ النَّبَاهَةِ ونَحِوها، والَرهبةُ منَ العِقابِ أَقوَى السَّبَبَيْنِ في الزُهْدِ، وَقَدْ قَالَتِ الحُكماءُ: (أَصْلُ العِلْمِ الرَغبةُ وَثَمَرَتُهُ السعادةُ، وأَصْلُ الزُهْدِ الرَّهْبةُ وثَمَرَتُهُ العِبَادةُ)، فإذا اقتَرَنَ العِلمُ والزُهدُ فقدْ تمَّتْ السعادةُ الدِّينِيةْ والدُنْيَوِيَّةُ، وعمَّتْ الفَضِيلةُ، وقد رُوِيَ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قَالَ: «من ازْدادَ في العِلْمِ رُشدًا ولمْ يزدَدْ في الدنيا زُهْدًا، لم يزدَدْ مِن اللهِ إلا بُعْدًا»، وقَالَ مالكُ بنُ دينارٍ: مَنْ لم يُؤْتَ مِنَ العلمِ ما يَقْمَعُهُ، فما أُوتِي منهُ لا يَنفعُهُ، وقَالَ بعضُ الحُكماءِ: الفقيهُ بغيرِ وَرَع كالسِّراجِ يُضِيءُ البيتَ وَيَحْرِقُ نَفْسَهُ، وبالتالي فالعِلمُ فَضْلُهُ يَعْرِفُهُ كلُّ مُنْصِفٍ، والناسُ يَحتاجُونَ إليهِ في كُلِّ وقتٍ قَالَ حَرْبٌ: سمعتُ أحمدَ بن حَنبلٍ، يقولُ: الناسُ مُحتَاجُونَ إلى العِلْمِ قبلَ الخُبْزِ والماءُ؛ لأنَّ العِلْمَ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الإِنْسِانُ في كُلِّ سَاعَةٍ، وَالخُبْزُ وَالمَاءُ في اليومِ مرةً أو مرَّتيْنِ.
وقَالَ شيخُ الإسلامِ ابن تيميةَ في قصيدةٍ له حلَّ بها لُغْزًا لَفْظةَ عِلم:






والعلمُ بالرحمنِ أَولُ صَاحِبٍ
وَأَهمُّ فَرْضِ اللهِ في مَشْرُوعِهِ


وَأَخُو الدِّيَانَةِ طَالِبٌ لِمَزِيدِهِ
أَبَدًا وَلمَّا يَنْهِهِ بِقُطُوعِهِ


والْمَرْءُ حَاجَتُهُ إِلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ
فَقْرِ الْغِذَاءِ لِعِلْمِ حُكْمِ صَنِيعِهِ


فِي كُلِّ وَقْتٍ والطَّعَامُ فإنَّما
يَحْتَاجُهُ فِي وَقْتِ شِدَّةِ جُوعِهِ


وَهُو السَّبِيلُ إِلى الْمَحَاسِنَ كُلَّهَا
والصَّالِحَاتُ فَسَوْأةً لِمُضِيعِهِ






آخر:






كَمْ مِنْ حَيَاءٍ وَكَمْ عَجْزٍ وَكَمْ نَدَمٍ
جَمٍّ تَوَلَّدَ لِلإِنْسَانِ مِنْ كَسَلِ


[إِيَّاكَ عَنْ كَسَلٍ فِي الْبَحْثِ عَنْ شُبُهٍ
فما عَلِمْتُ وَمَا قَدْ شَذَّ عَنْكَ سَلِ]



وَإِذَا أَرَدْتَ مِنْ الْعُلومِ أَجَلَّهَا
نَفَعًا وَأَزْكَاهَا وَأَعْلَى الْمَطْلبَ


فَعُلُومُ تَوْحِيدِ الإِلهِ وَبَعْدَهُ
فِقْهٌ بِدِينٍ فَهُوَ أَعْلَى الْمَكْسَبِ






آخر:






حَدِيث رِجَالِ العلم أَهْوَى وَأشْتَهِي
كَمَا يشتهِى الماءَ المُبَرَّد شاربُهْ


وَأفْرَحُ أنْ ألْقَاهُمُوا فِي بُحُوثِهِمْ
كَمَا يَفْرَحُ المرءُ الذي آبَ غَائبُهْ






آخر:






كُلَّ العُلوم سِوَى الْقُرْآن مشغلةٌ
إلا الْحَدِيثَ وإلا الفقهَ في الدِّينِ


الْعِلْمُ مُتبعٌ مَا قِيلَ حَدَّثَنَا
وَمَا سِوَى ذَاكَ وسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ






واعْلم أنَّ الكَسَلُ مِن قِلَّةِ التأَمُّلِ في مَنَاقِبِ العِلْمِ وفَضَائِلِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتْعِبَ نفسُه على التَّحْصِيلِ والجدَ والمُواظَبَةِ بالتأملِ في فَضَائِل العِلم، فإن العِلمَ يَبْقَى [ببقاءِ المعلومات] والمالَ يَفْنَى، كَمَا قَالَ أَمِيرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب كرم الله وجهه:






رَضِينَا قِسْمَةَ الْجَبَّارِ فِينَا
لَنَا عِلْمٌ وَلِلجُهَّالِ مَالُ


فَإنَّ الْمَالَ يَفْنَى عَنْ قَرِيبٍ
وَإنَّ الْعِلْمَ يَبْقَى لا يَزَالُ






آخر:






فَتَعَلَّمُوا فَالْعِلْمِ مُفْتَاحُ العُلا
لَمْ يَبْقَ بَابًا لِلسَّعَادَةِ مُغْلَقًا


ثُمَّ اسْتَمِدُّوا مِنْهُ كُلَّ قُوَاكُمُ
إنَّ القَوِيَّ بكُلِ أَرْضٍ يُتَّقَى






آخر:






احْرَصْ عَلَى كُلَّ عِلْمٍ تَبْلُغ الأمَلا
وَلا تُوَاصِلُ لِعِلْمٍ وَاحِدٍ كَسَلا


فَالنَّحْلُ لَمَّا رَعَتْ مِنْ كُلَّ فَاكِهَةٍ
أَبْدَتْ لَنَا الْجَوْهَرَيْنَ الشَّمْعَ والعَسَلا


الشَّمْعُ باللَّيْلِ نُورٌ يُسْتَظَاء بِهِ
وَالشَّهْدُ يُبْرِي بإذِنْ البَارِئ الْعِلَلا






وَيُرْوَى عَنْ مُعاذٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: تَعَلَّمُوا العِلْمَ؛ فإنّ تعلُّمَهُ لِلّهِ خَشْيَةً، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ ومُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، والبَحْثَ عنهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيَمهُ مَنْ لا يَعْلَمُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لأهْلِهِ قُرْبَةٌ، وَهُوَ الأَنيِسُ في الوَحْدةِ، والصاحِبُ في الخَلْوَةِ، والدّلِيل على الدِّين، والمُصَبِّرُ على السرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والوَزِيرُ عِندَ الإخِلاء، والقَرِيبُ عندَ الغُرَباءِ، وَمَنارُ سَبيلِ الجَنّةِ يَرْفَعُ اللهُ بِهِ أقْوَامًا، فيجعلُهُمْ في الخَيْرِ قَادةً سادةً هُدَاةً، يُقْتَدَى بهم أَدِلِّةً لِلْخَيرِ تُقْتَفَى آثارُهمْ، وَتُرْمَقُ أَفْعالُهُمْ، وَتَرْغَبُ الملائكةُ في خُلَّتِهمْ، وبأَجنِحَتِهَا تمْسَحُهُمْ وَكُلُّ رَطْبِ ويابسٍ لهُمْ يَستغْفرُ حَتَّى حِيتَانُ البَحْرِ وَهَوامُّهُ، وَسِبَاع البَرِّ وَأَنْعامُهُ، والسَّماءُ وَنُجُومُها؛ لأنَّ العِلْمَ حَيَاةُ القُلُوب مِنَ العَمَى وَنُورُ الأبْصَارِ مِنِ الظُلَمِ وَقوَّةُ الأبْدانِ مِنَ الضَّعْفِ، يَبْلُغْ بِهِ العَبْدُ مَنَازلَ الأَبْرارِ والدَّرَجَاتِ العُلَى، وَمُدَارَسَتُهُ بالقيام به يُطاع اللهُ عزَّ وجلَّ وَبِهِ يُعْبَدُ، وَبِهِ يُوَحَّدُ، وَبِهِ يُمَجَّدُ، وَبِهِ يُتَوَرَّعُ، وَبِهِ تُوصَلُ الأَرْحَامُ، وَبِهِ يُعرفُ الحَلالُ والحرامُ، وهو إمامٌ والعَمَلُ تابعُهُ يُلْهَمُهُ السُعداءُ وَيُحْرَمُهُ الأَشْقِياءُ.
ووردَ عنْ خالدِ بن عبدِ الرحمنِ بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اغدُ عالِمًا أو متعلمًا أو مُسْتَمِعًا أو مُحِبًّا، ولا تكنْ الخامسة فَتَهْلِكَ».
وعن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الدُنيا مَلْعُونَةٌ مَلْعُوْنٌ ما فِيها إلا ذِكرُ اللهِ، وما وَالاه، أَوْ مُعَلِمٌ أَوْ مُتَعلّم».
وعن عطاءِ بن السائبِ عن الحَسنِ قَالَ: أُغْدُ عالِمًا أو متعلِّمًا أو مستمِعًا، ولا تكُنْ رابعًا فَتَهْلِكَ.
وعن الحسن أنّ أبا الدرداءِ قَالَ: كُنْ عَالِمًا أَوْ مُتَعلِّمًا أو مُحِبًا أو مُتَّبِعًا ولا تكنْ الخامسَ فتهْلِكَ.
قَالَ: قلتُ لِلْحَسَنِ وما الخامسُ؟ قَالَ: المُبْتَدِعُ.
شِعْرًا:






كَفَى بالعِلم في الظُّلُماتَ نُورٌ
يُبَيّنُ في الْحيَاةِ لَنَا الأُمُورَا


فَكَمْ نَالَ الذَّليلُ بِهِ اعْتِزَازًا
وَكَمْ لَبِسَ الْحَزِينُ بِهِ سُرُورًا


تَزِيدُ بِهِ الْعَقُول هُدَىً وَرُشْدَا
وَتَسْتَعْلى النُّفُوسُ بِهِ شُعُورَا






اللَّهُمَّ أَيْقِظْ قُلُوبَنَا، وَنَوِّرْهَا بِنُورِ الإِيمان، وَثَبِّتْ فِيهَا مَحَبَّتَكِ ومَحَبَّةَ أَوْلِيائِكَ وعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، وَارْزقْنَا المَعْرِفَةَ بِكَ على بَصِيرَة، وَأَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَشُكَركَ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلِمَةٍ نَتَكَلَّمُ بهَا كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ، وَثَبِّتْنَا عَلى قَولِكَ الثَّابِتِ في الحَياةِ الدُّنيا وَفي الآخِرَة، إِنَّك عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ، وبالإِجابَةِ جَدِيرٌ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

شارك المقال