أرشيف المقالات

شيخ الأزهر والنقاب!

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
شيخ الأزهر والنقاب!

لم يَعُد من المُجدِي الآن الإنكارُ القولي فحسب على شيخ الأزهر في مُحارَبته للنِّقاب، ولا على وزير الأوقاف، ولا على غيرهما من أصحاب الوظائف الدينيَّة الرسميَّة في مصر، فجميعنا يعلم علمَ يقين مَن وراء تحرُّك أولئك ضدَّ حكم الله - تعالى - وبَلاغ رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
بل حتى جماهِير المسلِمين في كلِّ مكان في مصر يعلمون حقائقهم، ويعرفون بَواطِن أمورهم، فالله أرحم من أن يهب نورَ الحقِّ مُبطِلاً، ولو كان عليم اللسان.
 
بل تفضحهم أعمالهم وأخلاقهم في الدنيا بين العباد، كما تشهَد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم يوم يقوم الأشهاد، فلا يوضع لهم القَبول في الأرض، ولا يلبسون هيبة أهل العلم والإيمان.
 
هم ليسوا بحاجةٍ لإقامة الحُجَّة عليهم؛ كجهَلَة العلمانيين والإعلاميين، وهم كذلك ليسوا مَظِنَّة قَبُول هداية الله - تعالى - بعد أن انسلَخُوا من آياته وحارَبُوها.
 
لقد جاء وقت عمل آخر، بعد أن ظللنا برهة من الزَّمان نوضِّح أحكام النقاب وأقل مراتبه في الشريعة الإسلاميَّة، حتى غدا الصغير والكبير يعلم حُكمَه ويُرَحِّب به.
 
لقد جاء وقت عمل آخر جديد، عمل مُستَمَدٌّ من فهْم الواقع، وآليَّات التحكُّم والسيطرة في الواقع، عمل يُسانِد عملنا الأوَّل وينتَصِر له على أرض الواقع.
 
واجب الدُّعاة:
لسنا أحوج إلى شيءٍ في هذه القضية اليومَ من حاجتنا لفهْم واقعنا، وبالأخصِّ ما يُحاك لنا، وبثه في الآفاق، حتى يعلمه الناس ويقفوا على منافذه.
 
لم تكن هذه الحملة الآثمة اليوم في مصر على النقاب؛ من إعلاميين، أو أصحاب مَناصِب عُليَا، أو رموز دينيَّة وغير دينيَّة - شيئًا غير مقصود أو غير مُرتَّب له، أو كما يُسَمِّيه الناس: (صدفة)!
 
بل حملة مُنَظَّمَة تُدِيرُها يَدٌ واحدة؛ بُغيَة هدف واحد، وهو إبعاد كلِّ ما هو إسلامي عن الواقع، وبمعنى آخر: تأخير أو إرجاع أصحاب القضيَّة، وعزلهم عن واقع عملهم، كرسل للدعوة في المجتمع، ومن هنا جاء قرار منْع النقاب في الجامعات والمعاهد الأزهريَّة وغيرها، وبدأ - مع الأسف - يُفَعَّل.
 
وإذا كان اليوم هو يوم مُحارَبة النقاب، فإنَّ غدًا حَتْمًا معركة أخرى، ربَّما أدارُوها في واقعٍ آخر أمرَّ من واقعنا، بوسائل أخرى أشد من تلك الوسائل.
 
فالنقاب ليس مُحارَبًا لذاته بقَدْرِ ما هو مُحارَب كشعارٍ أو رمز يُظهِر الهويَّة الإسلاميَّة في المجتمع، فإذا ما استَطاعوا منعه وتجريمه اليوم، وجرى الزمان على تقبُّل هذا، فإنَّهم حينئذٍ يتَّجهون لغيره من مظاهر الالتِزام الظاهرة.
 
وواجب العُلَماء والدُّعاة اليومَ هو تعريف الناس بما يُحاك لهم ولدينهم، وربطهم بأصل هذا المُخَطَّط، بعيدًا عن التركيز وحدَه على الرأي العلمي لشيخ الأزهر أو وزير الأوقاف في النقاب، وهل هو مُوافِق لحكم الله ورسوله أو لا، وبعيدًا عن موقف وزير التربية والتعليم وأسبابه، فإنَّ هؤلاء جميعًا أدوات في يد السُّلطة تحرِّكها كيف تشاء.
 
العمل الواجب:
العمل الواجب اليومَ تجاه مَنْعِ النقاب هو التصدِّي الكامل بكل مُمكِن في الواقع لهذه الحملة، من مُقاضَاة المسؤولين عن مَنْعِه، إلى الاحتِجاج، حتى يَتَصعَّد الموقف، ويظهر للجميع أنَّ ديننا ليس علينا رخيصًا أو زهيدًا.
 
وعادة الإنكار الفعلي - مع مراعاة المصلحة والمفسدة - في واقع مصر أنَّه يُجدِي ويُثمِر، وليس أدلَّ على هذا من تَراجُع بعض مَن أشعل هذه الفتنة ومُداهَنتهم للجماهير؛ لما رأوا من ردود أفعال غاضِبَة من تصريحاتهم ضدَّ النقاب.
 
ولو أنَّهم رأوا من أصحاب القضيَّة تسليمًا وإذعانًا لهم، لزادَتْ جرأتهم وتعدوا النقاب إلى غيره، كما هو معروفٌ في بعض البِلاد العربية الأخرى.
 
لا تحسَبُوه شرًّا لكم:
لقد علَّمَنا ربُّنا - تبارَك وتعالى - أنَّ بعض ما يُصِيبنا من ألم أو أذًى في ديننا، إنما هو خيرٌ لنا، فقال - عزَّ وجلَّ - بعد حادثة الإفك، حادثة قذف الطاهِرة المُطَهَّرة عائشة الصدِّيقة بنت الصدِّيق - رضي الله عنهما -: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 11].
 
فالذين يمنعون النقاب اليومَ إنما هم في الحقيقة يُعَرِّفون الناس به ويَدْعُونهم إليه، وهذا من مَكْرِ الله - تعالى - بهم وهم لا يشعرون.
 
ثم إنهم لا يَزِيدون المُنتَقِبات إلا تمسُّكًا بالنقاب، ولا غير المُنتَقِبات إلا اقتِناعًا به، وسعيًا وراء ركْب العفَّة والطُّهر.
 
وهم كذلك يُوقِظون فينا معاني النُّصرة والبَذل التي كادَتْ تموت؛ بل ويضَعُوننا على أُهْبَةِ الاستِعداد، فلا نشتَغِل بالدنيا عن أصل قضيَّتِنا.
 
وقفة لله:
يقول النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الناس إذا رأوا المنكر فلم يُغَيِّروه، أوشك أن يَعُمَّهم الله بعِقابٍ منه))؛ (أخرجه أحمد وغيره، وصحَّحه الألباني في "صحيح الجامع").
 
وأعظم المنكر القولُ على الله - تعالى - بلا علم، وأعظم المنكر تحريف دين الله - عزَّ وجلَّ - وأعظم المنكر الصدُّ عن أحكام الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وأعظم المنكر إشاعة الفاحِشة في المجتمَع المسلم، والرِّضا بالتبرُّج والسُّفور.
 
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((أحبُّ الجهاد إلى الله كلمةُ حَقٍّ تُقال لإمامٍ جائر))؛ (أخرجه أحمد وغيره من حديث أبي أُمامَة وأبي سعيد الخدري - رضِي الله عنهما - وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع")، وفي رواية ابن ماجه: ((أفضل الجهاد...)).
 
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((سيِّد الشهداء حمزة، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمَرَه ونَهَاه، فقتَلَه))؛ (رواه الحاكم وغيره من حديث جابر بن عبدالله، وحسَّنه الألباني في "صحيح الجامع").
 
كثيرًا ما يختَلِط علينا تقدير المصالح والمفاسد، فنظنُّ أن سكوتَنا من مصلحة دعوتنا، وأنَّ إنكارنا - وإن كان حَقًّا - فيه مَفسَدة لديننا، ويكون الأمر خلاف فهمنا، أو يكون هذا من تَسوِيل أنفسنا لنا، أنفسنا التي تَركَن للدَّعَة، وتَمِيل للراحة!
 
أسأل الله - تعالى - أن يُمَكِّن لدينه في الأرض، وأن يجعل العاقِبة لأهل دينه وملَّته، وأن يُثبِّت أخَواتنا المُنتَقبات على الحقِّ، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣