int(1670) array(0) { }

أرشيف المقالات

الوسطية في الخطاب الديني وأثره على المجتمع

مدة قراءة المادة : 22 دقائق .
الوسطية في الخطاب الديني وأثره على المجتمع

خطة البحث:
• مفهوم الوسطية والخطاب الديني.
• الوسطية في الخطاب الديني وأهميته.
• سمات الخطاب الديني المنشود.
• سلبيات الخطاب الديني المعاصر.
• أثر الوسطية في الخطاب الديني على الفرد و المجتمع.
• المراجع.
 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143] والصلاة والسلام على الرسول القائل (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه..)
 
فنحن بصدد كتابة ورقات معدودة في هذا الموضوع المهم الذي يحتاج لطول بحث واستقصاء للنماذج وغيرها نظرا لخطورة الموضوع ومكانته العظيمة ولما يتعلق بسبب الوجود في الدنيا وتعبيد الناس لله رب العالمين وعمارة الأرض كما أمر الله ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات: 56، 57].
 
فالإنسان هو خليفة الله في أرضه وهو عبد من عبيد الله تعالى ولما كان الخطاب هو أساس التبيغ بالكلمة والموعظة الحسنه فقد انقسم الناس في ذلك إلى فئات ما بين المتساهل والمتشدد ما بين تارك للخطاب الإسلامي وما بين متشدد فيه ووسط وهو الذي نسعى لتوضيح معالمه ونحن من خلال هذه الورقات نحاول جمع ما تناثر حول الموضوع لنساهم في توضيح ذلك للناس ونرسم بعضا من ملامحه.
 
ونسأل الله أن يوفقنا إلى طاعته وعبادته واتباع هدي رسوله الذي نشهد له بأنه قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح لهذه الأمة فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه الى يوم الدين.
 
أولاً: مفهوم الوسطية:
لا نريد الوسطية بمعناه الذي قد يتخيله البعض من التساهل المفرط والابتعاد عن المعاني الشرعية وعدم الوقوف عندها ولكن المعنى البين والواضح من دلالة اللفظ.
 
الوسطية في اللغة: بمعنى التوسيط وهو أن يجعل الشيء في الوسط، والوسط: اسم لما بين طرفي الشيء، وهو المعتدل، أو ما بين الجيد والرديء كما جاء في الصحاح للجوهري، وأوسط الشيء: أفضله وخياره، وأعدله، كما جاء في القاموس المحيط.
 
ومفهوم الوسطية: أنها التوسط بين الطرفين، أي الوقوف في موقف الوسط والاتزان،، لا إفراط ولا تفريط،،
 
وهناك آيات كثيرة تدعوا الى التوسط والاعتدال منها قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [سورة البقرة: 143].
 
ولنرى ما ذكره بعض المفسرين حول هذه الآية:
ذكر الشوكاني في تفسيره عن معنى قوله تعالى (أمة وسطا) ولما كان الوسط مجانبا للغلو والتقصير كان محمودا: أي هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في عيسى ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم ويقال فلان أوسط قومه وواسطتهم: أي خيارهم.
 
حتى التوسط في الإنفاق ذكر في القرآن ونهى عن التبذير والإقتار.
 
والاقتصاد في المعيشة: وسط بين السفه والتبذير وبين البخل والتقتير، كما في قوله تعالي: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67] وقوله سبحانه: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].
وغيرها من الآيات.
 
مفهوم الخطاب الديني:
ينحصر المعنى في مجمل التعريفات حول السعي لنشر دين الله عقيدة وشريعة وأخلاقاً، ومعاملات وبذل الوسع في ذلك، لتعليم الناس ما ينفعهم في الدارين وبذل أقصى الجهد والطاقة من أجل خدمة هذا الدين الحنيف وامتثالا لأمر الله تعالى وامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
 
ولا بد لمن يتصدر لهذا المقام من شروط يلتزم بها لتعينه في هذا المجال وليس مجال البحث عنها ولكن نذكر بعضها على عجالة الإخلاص وابتغاء الأجر من الله سبحانه.
 
العلم اللازم لذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة.
 
أيضا الأسلوب الأمثل الحكمة والموعظة الحسنة.
 
الصبر والتحمل لما يلحقه فسوف يواجه بعضا من المشاكل والمتاعب فالصبر الصبر.
 
أيضا الرحمة للناس تكون شعاراً يتمثل به أثناء سيره في هذا المجال.
 
وكذلك الأهم مما سبق القدوة الحسنة من أبلغ صور التبليغ.
 
أهمية الخطاب الديني:
1- ضروري لتبليغ الرسالة:
ذلك لأن المسلمين في كل عصر مطالبون بتبليغ رسالة الله عبر خطاب إسلامي يقدم الإسلام بمضمون صحيح كامل، وأسلوب متميز وفعال..
مخاطبا جميع الفئات والهيئات ومختلف الأجناس داعيا الى التوسط والاعتدال والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
 
2- الخطاب والتبليغ هو سبيل الأنبياء والصالحين:
للبلاغ والتبيين وسبيل النجاة للجميع؛ لقوله جل وعلا: ﴿ قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلاَّ بَلاَغًا مِّنَ اللهِ وَرِسَالاَتِهِ ﴾ [الجن: 22، 23].
 
3- الخطاب والتبليغ طريق الخلاص للعالم:
لان الواقع البئيس الذي يعيشه العالم اليوم يفرض على المسلمين أن ينشروا الخير الذي عندهم، والذي يقدم الحلول الناجعة لمشاكل العالم، مستخدمين في ذلك أدوات العصر ولغته في مخاطبة الناس، تحقيقا للخيرية لهذه ألامه على الأمم وكما حصل في الأعوام السابقة في الأزمة المالية العالمية فبدئت بعض الدول تبحث عن الحل في الاقتصاد الإسلامي وأرسلوا العلماء والباحثين الى بلاد المسلمين كما عملت روسيا والتواصل مع الأزهر وغيرها.
 
4- التبليغ أعظم وظيفة ينال شرفها من وفقه الله:
لأنها وظيفة الأنبياء والمرسلين وكما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (لأن يهدين الله بك رجلا واحد خير مما طلعت عليه الشمس).
 
5-الخطاب الديني هو أساس التبليغ لدين الله تعالى:
لإنقاذ البشرية وتعليمها أمور الدين كم قام به الأنبياء والمرسلين ومجمل التبليغ هو الخطاب والكلام وإبراز المعاني بالألفاظ والأصوات وهناك أمر يساعد على التبليغ وهو أبلغ من الخطاب وهو القدوة الصالحة والدعوة إلى الله بالقدوة الحسنة فلقد نهى الله تعالى عن مخالفة القول العمل حيث يقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
 
6-الخطاب الديني هو تكليف رباني:
أمر الله به الانبياء والمرسلين حيث يقول تعالى لرسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67] وامتثال لهدي الرسول الأعظم القائل (بلغوا عني ولو آية ).
 
7- الخطاب الديني ينال صاحبه الأجر والمثوبة:
سلبيات الخطاب الديني المعاصر:
1- المذهبية الضيقة والحزبية البغيضة قال تعالى ﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ [المؤمنون:53].
 
فكل واحد يدعي انه على الحق وما سواه هو الباطل ويتعامل مع الناس على هذا الأساس ويبرز في خطابه للآخرين.
 
2- الجمود والركود وعدم التجديد والإبداع في الأسلوب والطريقة مما يدفع المخاطب الى الملل و السآمة.
 
3- التكرار والبعد عن الابتكار حيث أصبح الكثير يردد موضوع واحد حول الترغيب أو الترهيب أو التعلق بالدنيا أو ترك الدنيا والتعلق بالآخرة والتعلق بالماضي وعدم اخذ العبر مما مضى وجعله طريقا نحو المستقبل لنرسم للأمة طريق متميزا وواضح المعالم بالاستفادة من الماضي.
 
4- قلة الهمة ودوافع التبليغ عند أصحاب الخطاب الديني فينهزم عند أول المعوقات.
 
5- الانطواء والانكفاء على الموجود وجعل الخطاب الديني محصور في تلك الأمكنة المعروفة ولا يخرج منها وعدم البروز في الأماكن التي تحتاجها الأمة في الحضارة والتقدم والرقي والاستفادة من الآخر ووضع الحلول والبرامج المنقذة للبشرية فتكون من صميم الدين الحنيف منهلها ومرجعها.
 
6- التقليد في الخطاب من البعض ويكون نسخة طبق الأصل في الإلقاء واختيار الموضوع وحتى في الحركات والسكنات بعيدا عن اثبات الذات وبروز الشخصية.
وكذلك يبرز من بعض الجماعات والطوائف في الخطاب.
 
7- الانهزام أمام التيارات المعادية للإسلام والإحباط النفسي وضعف المواجه لتلك التيارات المعادية والمحاربة لهذا الدين العظيم والوقوف عند اول عقبة كؤود ورد اللوم نحو الدين وابناء هذا الدين.
 
فلا بد لنا من البحث عن الحلول والخروج من هذه المآزق التي يضعها أعداء الإسلام بلا انهزام أو رجوع إلى الوراء.
 
8- الانتقاد والهجوم اللاذع على الآخر والمخالف بعيدا عن النقد البناء حيث يقول القائل (رحم الله امرءاً أهدى إلي عيوبي) واصبح ميدان لتبادل التهم وإلقاء المبررات بعيدا عن المقصد المنشود والمستوى المطلوب والغاية السامية والمكانة الرفيعة التي يسعى اليها من حمل رسالة الأنبياء والمرسلين وهي الدعوة والتبليغ.
 
9- ادعاء التزكية والإخلاص والحسن والكمال في العلم والمعرفة وما سواه ليس بشيء فيخاطب الناس بشيء من الغرور والعلو (فلا تزكوا انفسكم هو أعلم بمن اتقى..).
 
سمات الخطاب الديني المنشود:
الخطاب الإسلامي المنشود لا بد له من سمات وركائز ينطلق منها ليحقق المراد، وأهم هذه الركائز:
1- الربانية في المصدر والمنشئ:
فالخطاب الإسلامي يجب أن يكون ربانيا في مبدئه ومصدره ومنشئه..
يستمد كل مبادئه وقيمه من تعاليم الدين الحنيف التي أمر الله بها وأمر بنشرها بين الناس لإنقاذ البشرية من الظلمات الى النور مستنيرا بنور سيد الخلق أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم.
 
2- أن يكون عالميا للبشرية جمعاء:
فالخطاب الإسلامي عالمي للناس كافة قال تعالى عن رسوله الكريم حين بعثه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فلا يقف عند مكان معين أو لون وجنس أو طائفة دون أخرى.
 
3- الإنسانية في الخطاب ومراعاة الناس:
فالنـزعة الإنسانية هي لحمة الخطاب الإسلامي لإنقاذ البشرية والإنسانية ورفع مكانتها ونشر الخير والأمن والأمان في مختلف أرجاء المعمورة.
 
4- وسطية المنهج:
الخطاب الإسلامي يراعي التوازن بين العقل والوحي، وبين المادة والروح، وبين الحقوق والواجبات، ويراعي جميع جوانب الحياة؛ دون إفراط أو تفريط، ودون غلوٍّ أو تشدد وانحلال، فهو منهج الاعتدال والتوسط.
 
5- الإيجابية في الخطاب:
فينبغي ان يكون خطابنا الديني ايجابي في جميع مناحي الحياة وأن يكون نافع للبشرية ولا ينكفئ على نفسه وعلى شخصياته وذكرياته وانتصاراته ولكن مساهما في المجتمع بإيجابية وترك الدور السلبي وعدم التمسك بشعارات تتردد دون عمل وتجديد وإبداع وتقديم ما يخدم الإنسانية والبشرية وما ينقذها من براثين الجهل والغواية والضلالة وما يدعو الى تميز المسلم في جميع حياته وتقديم الحلول والمقترحات المتمثلة في الأمور التالية:
تحقيق التنمية المستدامة: والتي يُقصد بها التنمية التي تفي باحتياجات الجيل الحالي دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على الوفاء باحتياجاتهم وعدم مصادرة احتياجات الآخرين والعيث بمقدرات الأمة ونبذ الأنانية وحب الذات والعيش على معاناة الآخرين.
 
تحقيق العدالة الاجتماعية: إن الخطاب الإسلامي يكون قاصرا إن تجاهل "العدالة الاجتماعية" التي تحدث عنها القرآن في بحر آياته العديدة، وأرست قواعدها السنة النبوية، وأوضح أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول (الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربيا وأعجمي إلا بالتقوى )، ودعا إلى تكوين المجتمع الفاضل الذي يسوده التكافل والترحم والتعاطف..
فالعدل أساس بناء المجتمع وكذلك تقوم عليه الدول وإن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة فما أحوج الأمة ودعاتها ورعاياها الى اتباع هذا المنهج القويم والسديد ونشره بين المجتمعات واظهاره للعالم.
 
القضاء على البطالة: إن الناظر لزيادة معدلات البطالة في العالم يدرك بلا شك عمق المشكلة التي تواجه المجتمعات التي تنشد الرفاهية في المعيشة، وتطمح إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية وتطبيق التنمية المستدامة.
فلا بد من توجيه الخطاب الديني الى وضع الحلول والبدائل الإسلامية لهذه الظاهرة العالمية المتفاقمة والمنتشرة في أصقاع المعمورة.
 
الاهتمام البيئة والمحافظة عليها: إن الخطاب الديني والإسلامي لا يغفل مشاكل البيئة التي أدت إليها الثورة الصناعية المعاصرة؛ فأحدثت خللا كبيرا في البيئة؛ فلابد من توعية الناس وعدم إغفال هذا الجانب والدعوة الى التوازن و الترتيب والتنظيم لجميع جوانب حياتنا وبيئتنا التي نعيش فيها والاهتمام بالنظافة والهندام والمظهر الحسن فالله جميل يحب الجمال ويقول (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها انه لا يحب المفسدين) ونهى الرسول عن تغيير منار الأرض.
 
6- التدرج في المراحل:
غاية الخطاب الإسلامي الوصول بالناس لتطبيق الدين في حياتهم ليفوزوا في الدارين، ولتحقيق المراد لا بد من التدرج والمرحلية في ذلك اقتداء بالرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم.
حيث بدء الرسول بالأهم فألاهم ورتب حيات الناس ونظمها تدريجيا.
 
7- الشمول لجميع الجوانب:
إن الخطاب الإسلامي والديني جزء من هذا الدين الذي جاء كاملا وشاملا لما يحتاجه الانسان في حياته ومعاده فلا بد من السير في خطين متوازيين والتوازن في ذلك والاعتدال والتوسط فلا تغفل عن الاخرة من اجل الدنيا ولا تنسى نصيبك من الدنيا.
 
8- ارتباط بالأصل واتصال بالعصر:
فالخطاب الإسلامي يبرز خصوصية الأمة وتفردها ويرتبط بأصوله؛ العظيمة وكذلك يستخدم مستجدات العصر وآلياته من أجل مصلحة الأمة فلابد من جعل الخطاب الديني متصلا بالأصول العامة للشريعة وعدم إغفال الواقع المعاصر الذي نعيش فيه فالحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها.
 
9- التنوع في الخطاب والتجديد:
بما أن الخطاب الإسلامي خطاب عام للعالمين، والناس لهم مشارب مختلفة ومذاهب متنوعة؛ لذلك لا بد للخطاب الإسلامي أن يكون متنوعا يروي ظمأ الجميع من مفكرين ومثقفين ورياضيين وعلماء ومتعلمين واغنياء وفقراء يخاطب كل على حسب فهمه وقدرته ولابد من التنوع ما بين الترغيب والترهيب وما بين التفكر والتدبر والتأمل والاستنباط والاستنتاج قدوتنا في ذلك إمام المتقين وسيد المرسلين الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم.
فكان مخاطبا للصغير والكبير للعالم والجاهل للغني والفقير للمسلم والكافر وكذلك للنساء والرجال للسيد والعبد.
 
10- حكمة بلا تهور:
والحكمة هي وضع الشيء في مكانه من غير زيادة ولا نقصان، وهي شأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه، حيث يقول تعالى (وإنك لعلى خلق عظيم) سورة القلم.
ووجهه إلى أفضل أساليب الخطاب فقال عز وجل: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]، ومراعاة المخاطبين وأحوالهم في بلاغة وفصاحة منقطعة النظير مراعيا للإحداث ومتغيراتها من سلم وحرب وفرح وسرور وحزن من حياة وموت وربح وخسارة......
 
11- صدع بالحق بلا انهزام:
الخطاب الإسلامي يجهر بفكرته في وضوح وقوة، ولا يطلب رضا الناس فالناس وإرضائهم غاية لا تدرك ولكن رضا الله تعالى ورسوله هو المطلب المنشود والمراد المقصود.
 
12-مراعاة الأولويات:
والشريعة الإسلامية راعت الأولويات في التشريع والأحكام, والفقهاء باستقرائهم عرفوا أن ترتيب الأولويات سنة تشريعية, فبنوا عليها قواعدهم الفقهية, واحتكموا إليها, فأحرى بالخطاب الإسلامي والديني أن يهتم بما سبق: ونذكر طرف من القواعد العامة التي سطرها العلماء من روح الشريعة الإسلامية فلا ننغفل عنه في خطابنا.
• فالشريعة تقدم الفرض على النافلة.
 
• وتقدم النص على الاجتهاد.
 
• ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
 
• والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.
 
• ويدرأ الضرر العام قبل الضرر الخاص.
 
• ويرتكب أخف الضررين وأهون الشرين مخافة ضرر ٍأكبر وشر أخطر.
 
• وطلب العلم أولى من التنفل عند التعارض.
 
• ومحاربة الشرك الجماعي مقدم على محاربة الشرك الفردي.
 
واعلم أن ما يجمع الأمة خير مما يفرقها.
 
13- التيسير والتسهيل على الناس:
اقتداء بسيد الناس أجمعين الرسول الأمين حيث قال (يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا) فكان الرسول ما خير بين أمرين الا اختار أيسرها وأنّب الرسول معاذ بن جبل حينما أطال في الصلاة بالناس فقال (افتانا انت يا معاذ من أم فليخفف..).
 
15- الدعوة إلى جمع كلمة المسلمين:
وشتاتهم امتثالا لقوله تعالى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103] ونبذ الفرقة المذهبية والطائفية والحزبية وغيرها والاجتماع تحت راية واحدة وكلمة واحده لا إله إلا الله محمد رسول الله والدعوة الى ذلك وتطبيقها على أرض الواقع.
 
أثر الوسطية في الخطاب الديني على الفرد والمجتمع:
• ينتشر التقارب والتعايش بين الناس:
فالوسطية مطلوبة في الخطاب الدين بعيدا عن التشدد والغلو وتحريض الناس فالرسول خاطب جميع الفئات وعاش معها فعاش في مكة مع الكفار وكذلك في المدينة أبرم عهد مع اليهود وتعايش معهم تحت سقف دولة واحدة.
 
• نبذ العصبية والدعوة إلى الحوار:
وتقبل الآخر فهذا الأمر مطلب واصبح مطلبا ملحا بين التيارات والجماعات والفئات الإسلامية فنحن مطالبون بجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم أمام العدو الوضح عداوته لله ورسوله فلنكن دعاة وحدة وسلام فيما بيننا تحت شريعة الله ورسوله وقد نبذ الرسول العصبية القبلية الضيقة وقال لأحد الصحابة (انك امرؤ فيك جاهلية..) وقال (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم).
 
ودعا الرسول الى الحوار كما حصل مع اليهود حيث ذكر الله سبحانه في الآية {﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 64] وكان الرسول يستخدم الحجة والبرهان في الخطاب وكذلك اللين والرحمة شعاره (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول لا إله إلا الله ).
 
• التعايش السلمي:
داخل المجتمع المسلم فالوسطية في الخطاب تنشر المحبة بين المجتمع والطوائف المختلفة تحت شعار متميز وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه) ولكن إذا أردنا النجاح في ذلك فليكن لنا مرجعا نرجع إليه عند اختلافنا وهو الكتاب والسنة تحت هذا الدستور الواضح والبين الصالح الى قيام الساعة وفي النهاية لكم دينكم ولي دين ولنحترم بعضنا بعضا وليعذر بعضنا البعض في الاجتهادات ليتم لنا التعايش المنصف على مستوى المجتمع الواحد فما ان ننجح في ذلك نستطيع تطبيقه مع الآخر في المجتمعات الغير اسلامية وتجتمع كلمتنا وترجع لنا مكانتنا وقوتنا ومجدنا التليد.
 
• يتم ترشيد الخطاب الديني:
وهو الذي نسعى ونرمي إليه تحت شعار يسرو ولا تعسر و بشرو ولا تنفروا يتم قبول الخطاب من الناس ويترجم إلى عمل بعيدا عن المهاترات المذهبية والطائفية ويبدأ الناس بداية جادة بالبحث عن الخير للبشرية جمعاء.
 
• تنتشر القيم والمبادئ العظيمة:
الداعية إلى التسامح وحب الخير للآخرين ونشر ثقافة التسامح ونبذ الأحقاد والغل فيما بيننا قال تعالى ﴿ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].
 
• ينتشر الامن والأمان بين المجتمع:
ومحاربة الأفكار الهدامة الداعية الى الاخلال بالمن والسلم المجتمعي فالأمن مطلب لبقاء البشرية ومطلب للبناء والتعمير للأرض ونشر الدين وتعليم البشرية دين ربها سبحانه وتعالى حيث شدد الرسول على عدم إيواء المحدث فقال (من آوى محدثا فعليه لعنة الله...) وكذلك جعل في الإسلام حد الحرابة الإفساد في الأرض.
 
• وجود التكافل الاجتماعي والتراحم بين المجتمعات:
على اختلاف مذاهبها ومشاربها الفقهية والطائفية فبالخطاب الديني المعتدل الوسطي المنهج ينتشر التعايش بين الناس والتراحم والتعاطف فكل واحد يسعى الى الأجر والمثوبة من الله وتقديم يد المساعدة للآخرين اقتداء بالرسول القائل (أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله) وقول بن عمر (لأن أقوم في خدمة أخي المسلم أحب إلي من أن أعتكف في البيت الحرام مئة سنة) فإذا تكلم الناس والدعاة وأصحاب الخطاب الديني بما سبق كان أدعى للناس إلى التطبيق والتنفيذ ونشر الخير بين الناس فنرى في النهاية المجتمع المنشود والمستقبل المنتظر.
 
وفي الختام:
هذه ورقات جمعت فيها على عجالة ما تناثر في عدة بحوث حول وما يحضرني من كلمات حول الموضوع.
 
وتوصلت الى النتائج التالية:
• أن الموضوع يحتاج الى بحث مستفيض لأهميته وطرحه بموضوعيه.
 
• وأيضا ضرورة ترشيد الخطاب الديني والإبداع فيه والتجديد حسب مقتضيات العصر وما يحتاجه الناس.
 
• وكذلك الالتزام بمبادئ الدين والشريعة الغراء ودعوة الناس إلى ذلك.
 
• ضرورة التوسط والاعتدال وجعلها منهج حياة تقودنا إلى بر الأمان.
 
• البحث في موروثنا الإسلامي واستشراف المستقبل فمن لا ماضي له لا حاضر له.
 
• تجنب سلبيات الخطاب الديني من أجل نشر الخير بشكل أفضل وميسر وسهل.
 
وفي الأخير أسأل الله ان ينفع بهذه الكلمات وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
 
المراجع:
1- القرآن الكريم.
2- كتب الحديث على رأسها صحيحا البخاري ومسلم.
3- كتب التفسير منها تفسير الشوكاني.
4- مقومات الداعية الناجح للدكتور علي بن عمر بن أحمد بادحدح.
5- منطلقات أساسية لخطاب إسلامي معاصر أ.
د.
عصام البشير.
6- وسطية الإسلام صالح حبيب الله.
7- وسطية الإسلام وسماحته لوهبة الزحيلي.

شارك المقال

ساهم - قرآن ٢