الجنة دار السلام
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
الجنة دار السلامالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لقد استوقفتني آية من كتاب الله تعالى وأنا اتدبر معناها، وأكثر ما لفت انتباهي فيها لفظ «دار السلام»، ولقد ذُكر لفظ «دار السلام» في كتاب ربنا جل وعلا منطوقًا في موضعين، الأول: في سورة يونس؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25].
والموضع الثاني: في سورة الأنعام؛ قال الله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127].
فالسلام هو الله تعالى، ودار السلام هي الجنة، والله جل وعلا يدعو عباده إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، وأصفيائه، وعباده المؤمنين.
وسُميت الجنة بدار السلام، لسلامتها من الهموم والأحزان والمكدرات والمنغصات، والنقائص والعيوب، والآفات والزلات، والأوجاع والآلام، فنعيمها في غاية الكمال والجمال والجلال والتمام، ففي دار السلام ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون، ومما تَقَرُّ به العين، وينشرح له الصدر؛ جزاءً لهم على أعمالهم الصالحة، نسأل الله تعالى من فضله العظيم؛
قال الله تعالى: ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الزخرف: 71].
وقال الله تعالى في وصف دار السلام وهي الجنة: ﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا ﴾ [الإنسان: 11 - 14].
ففي دار السلام، ما لاَ عَيْنٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خطرَ على قلب بَشَر، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قال: «قال الله عزَّ وجلَّ: أعْدَدْتُ لعبادي الصالحينَ مَا لاَ عَيْنٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خطرَ على قلب بَشَر، وأقْرَؤوا إن شئتُم: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17]"؛ متفق عليه.
وفي دار السلام تنظر إلى وجه الله الكريم، فعن صُهَيب رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ، نادى منادٍ يا أهلَ الجنةِ، إن لكم عندَ الله مَوْعِدًا يريدُ أن يُنْجِزَكُمُوهُ، فيقولونَ: ما هُو ألَمْ يُثَقِّلْ موازينَنَا ويُبَيِّضْ وجوهَنا ويدخلْنا الجنةَ ويزحْزحْنا عن النار؟ قال: فيكشفُ لهم الحِجَاب، فينظرون إليه، فوالله ما أعطاهم الله شيئًا أحبَّ إليهمْ من النظرِ إليه ولا أقَرَّ لأعينِهم منهُ»، رواه مسلمٌ، وله من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه أنَّ الله يقول لأهلِ الجنةِ: «أحِلُّ عليكم رضوانِي فلا أسخطُ عليكم بعدَه أبدًا»؛ رواه مسلم.
وأهل دار السلام يَأكلُون فيها ويشْرَبُون، ولا يتفُلُون ولا يبُولونَ ولا يَتَغَوَّطونَ ولا يمْتَخِطون فيها، فعن جابر رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنةِ يَأكلُون فيها ويشْرَبُون ولا يتفُلُون ولا يبُولونَ ولا يَتَغَوَّطونَ ولا يمْتَخِطون، قالوا: فما بالُ الطعام؟ قال: جُشاءٌ ورَشْحٌ كَرشحِ المسكِ يُلْهَمُونَ التسبيحَ والتحميدَ كما يُلْهَمُونَ النَّفس»؛ رواه مسلم.
ودار السلام مائة درجة، بينَ كلِّ درجتين كما بينَ السماءِ والأرض، وأعلاها درجة الفردوس الأعلى، نسأل الله تعالى أن نكون من أهلها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إن في الجنةِ مائة درجةٍ أعَدَّها الله للمجاهدِين في سبيلِه، بينَ كلِّ درجتين كما بينَ السماءِ والأرض، فإذَا سألتُمُ الله فأسألُوه الفِرْدوسَ، فإنَّهُ وسطُ الجنة وأعلى الجنة، ومنه تفجَّرُ أنهار الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمنِ»؛ رواه البخاري.
ودار السلام مبنية لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وترابها الزعفران، من دخلها ينعَمُ ولا يبأسُ، ويخلُدُ لا يموتُ، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: قلنا: يا رسولَ اللهِ، حدِّثْنا عن الجنَّةِ ما بناؤُها؟ قال: لبِنةُ ذهبٍ ولبِنةُ فضَّةٍ، ومِلاطُها المِسكُ وحصْباؤُها اللُّؤلؤُ والياقوتُ، وتُرابُها الزَّعفرانُ، من يدخُلُها ينعَمُ ولا يبأسُ، ويخلُدُ لا يموتُ، لا تبلى ثيابُه، ولا يفنى شبابُه»؛ أخرجه الترمذي (٢٥٢٦)، وأحمد (٨٠٤٣) بإسناد صحيح.
قال الإمام الطبري في تفسيره لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس: 25].
«يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتَها، فإن مصيرها إلى فناءٍ وزوالٍ، كما مصير النبات الذي ضربه الله تعالى لها مثلًا إلى هلاكٍ وبَوَارٍ، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله فالتمسُوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النَّعيم والكرامة التي أعدَّها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه، فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركِبه وسلك فيه إلى جِنانه وكرامته»، وسميت دار السلام بهذا الاسم لسلامتها من الآفات، والنقائص، والنكبات، وقال ابن كثير: وَقَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ﴾: لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى الدُّنْيَا وَسُرْعَةَ عَطَبِهَا وَزَوَالِهَا، رغَّب فِي الْجَنَّةِ وَدَعَا إِلَيْهَا، وَسَمَّاهَا دَارَ السَّلَامِ أَيْ: مِنَ الْآفَاتِ، وَالنَّقَائِصِ وَالنَّكَبَاتِ».
وقيل في معنى السلام المذكور في الآية: هو السلامة، وقيل: معناها التحية؛ لأن أهلها يُحيي بعضهم بعضًا بالسلام، والملائكة تسلِّم عليهم.
قال البغوي في تفسيره لقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ﴾، قَالَ قَتَادَةُ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَدَارُهُ: الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: السَّلَامُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ، سُمِّيَتِ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالسَّلَامِ التَّحِيَّةُ سُمِّيَتِ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ، لِأَنَّ أَهْلَهَا يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالسَّلَامِ وَالْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الرعد: 23، 24].
والله سبحانه وتعالى يدعو في هذه الآية عباده إلى الطاعة والعبادة؛ لتصيروا إلى الجنة التي أعدها الله تعالى لعباده المؤمنين والصالحين، نسأل الله تعالى أن نكون منهم.
قال القرطبي في تفسيره لقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلى دارِ السَّلامِ ﴾، لَمَّا ذَكَرَ وَصْفَ هَذِهِ الدَّارَ وَهِيَ دَارُ الدُّنْيَا، وَصَفَ الْآخِرَةَ، فَقَالَ: إن الله لا يدعوكم إِلَى جَمْعِ الدُّنْيَا بَلْ يَدْعُوكُمْ إِلَى الطَّاعَةِ؛ لِتَصِيرُوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ؛ أَيْ: إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ، وَدَارُهُ الْجَنَّةُ، وَسُمِّيَتِ الْجَنَّةُ دَارَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَهَا سَلِمَ مِنَ الْآفَاتِ.
ولقد رغب الله تعالى عباده المؤمنين في هذه الآية المباركة في الدار الآخرة، وأخبرهم في هذه الدعوة منه جل وعلا إلى دار السلام وهي الجنة.
قال الإمام الشوكاني في تفسيره لقَوْلُه تعالى: ﴿ واللَّهُ يَدْعُو إلى دارِ السَّلامِ ﴾، لَمَّا نَفَّرَ عِبادَهُ عَنِ المَيْلِ إلى الدُّنْيا بِما ضَرَبَهُ لَهم مِنَ المَثَلِ السابِقِ، رَغَّبَهم في الدارِ الآخِرَةِ بِإخْبارِهِمْ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ مِنهُ عَزَّ وجَلَّ إلى دارِ السَّلامِ؛ قالَ الحَسَنُ وقَتادَةُ: السَّلامُ هو اللَّهُ تَعالى، ودارُهُ الجَنَّةُ».
وهذه الدعوة التي ذكرت في الآية هي دعوة عامة من الخالق جل وعلا إلى العباد جميعًا، وهذا من فضله وإحسانه جل وعلا على العباد، وفضل الله تعالى واسع يؤتيه من يشاء.
قال السعدي: «عم تعالى عباده بالدعوة إلى دار السلام، والحث على ذلك، والترغيب، وخص بالهداية من شاء استخلاصه واصطفاءه، فهذا فضله وإحسانه، والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه حجة بعد البيان والرسل، وسمى الله الجنة "دار السلام"؛ لسلامتها من جميع الآفات والنقائص، وذلك لكمال نعيمها وتمامه وبقائه، وحسنه من كل وجه».
وأما الموضع الثاني الذي ذكر فيه لفظ دار السلام من سورة الأنعام.
قال الله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 127].
وهذه الدار دار السلام هي دار الله تعالى التي أعدها لأوليائه وعباده في الآخرة ثوابًا لهم على أعمالهم في الدنيا؛ قال الإمام الطبري: «وأما دار السلام، فهي دار الله التي أعدَّها لأوليائه في الآخرة، جزاءً لهم على ما أبلوا في الدنيا في ذات الله، وهي جنته، والسلام: اسم من أسماء الله تعالى؛ كما قال السدي: لهم دار السلام عند ربهم، الله هو السلام، والدار الجنة".
وأعد الله تعالى دار السلام لعباده الذين سلكوا الطريق المستقيم؛ قال ابن كثير: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلامِ ﴾، وَهِيَ: الْجَنَّةُ، ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾؛ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ها هنا بدار السَّلَامِ لِسَلَامَتِهِمْ فِيمَا سَلَكُوهُ مِنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الْمُقْتَفِي أَثَرَ الْأَنْبِيَاءِ وَطَرَائِقَهُمْ، فَكَمَا سَلِمُوا مِنْ آفَاتِ الِاعْوِجَاجِ أفْضَوا إِلَى دَارِ السَّلَامِ.
﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ﴾؛ أَيْ: وَالسَّلَامُ - وَهُوَ اللَّهُ – ﴿ وَلِيُّهُمْ ﴾؛ أَيْ: حَافِظُهُمْ وَنَاصِرُهُمْ وَمُؤَيِّدُهُمْ، ﴿ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾؛ أَيْ: جَزَاءً عَلَى أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ تَوَلَّاهُمْ وَأَثَابَهُمُ الْجَنَّةَ، بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ».
والجنة هي دار الله تعالى مضمونة لهم عند ربهم جل وعلا، وهو سبحانه المعين لعباده على الوصول إليها، والدخول فيها، والتنعم بنعيهما.
قال القرطبي: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لَهُمْ ﴾؛ أَيْ: لِلْمُتَذَكِّرِينَ.
﴿ دارُ السَّلامِ ﴾؛ أَي: الْجَنَّةُ، فَالْجَنَّةُ دَارُ اللَّهِ، كَمَا يُقَالُ: الْكَعْبَةُ بَيْتُ اللَّهِ، وَيَجُوزُ أن يكون المدار السَّلَامَةِ؛ أَي: الَّتِي يُسْلَمُ فِيهَا مِنَ الْآفَاتِ، ومعنى ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾؛ أَيْ: مَضْمُونَةٌ لَهُمْ عِنْدَهُ يُوَصِّلُهُمْ إِلَيْهَا بِفَضْلِهِ.
﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ﴾؛ أَيْ: نَاصِرُهُمْ وَمُعِينُهُمْ.
ومما تقدم إيراده يتبيَّن لنا أن أكثر المفسرين على معنى أن السلام هو الله تعالى، ودار السلام هي الجنة؛ كما ذكر ذلك الإمام البغوي في تفسيره، قال البغوي: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾؛ يَعْنِي: الْجَنَّةَ: قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: السَّلَامُ هُوَ اللَّهُ وَدَارُهُ الْجَنَّةُ، وَقِيلَ: السَّلَامُ هُوَ السَّلَامَةُ؛ أَيْ: لَهُمْ دَارُ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ، وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَسُمِّيَتْ دَارَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ دَخَلَهَا سَلِمَ مِنَ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا.
وَقِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ حَالَاتِهَا مَقْرُونَةٌ بِالسَّلَامِ؛ يُقَالُ فِي الِابْتِدَاءِ: ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ ﴾ [الحجر: 46]، ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الرعد: 23، 24]، وَقَالَ: ﴿ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا ﴾ [الواقعة: 25، 26]، وَقَالَ: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ﴾ [إبراهيم: 23]، وقال: ﴿ سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ﴾ [يس: 58].
وقال: ﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾، وقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: يَتَوَلَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالتَّوْفِيقِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالْجَزَاءِ».
وقال ابن جزي: ﴿ دَارُ السَّلامِ ﴾: الجنة، والسلام هنا يحتمل أن يكون اسم الله، فأضافها إليه؛ لأنها ملكه وخلقه، أو بمعنى السلامة والتحية.
ومن الأهمية بمكان أن نعلم أن ما أعد الله تعالى لعباده من دخول دار السلام وهي الجنة، وما فيها من نعيم دائم مقيم، هو بسبب أعمالهم الصالحة التي كانوا يعملونها في الدنيا.
قال الشوكاني: ﴿ لَهم دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾؛ أيْ: لِهَؤُلاءِ المُتَذَكِّرِينَ الجَنَّةَ؛ لِأنَّها دارُ السَّلامَةِ مِن كُلِّ مَكْرُوهٍ، أوْ دارُ الرَّبِّ السَّلامُ مُدَّخَرَةٌ لَهم عِنْدَ رَبِّهِمْ يُوصِلُهم إلَيْها، ﴿ وهُوَ ولِيُّهُمْ ﴾؛ أيْ: ناصِرُهم، والباءُ في ﴿ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ لِلسَّبَبِيَّةِ؛ أيْ بِسَبَبِ أعْمالِهِمْ.
وقال السعدي: ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾، وسُميت الجنة دار السلام؛ لسلامتها من كل عيب وآفة وكدر، وهمٍّ وغَمٍّ، وغير ذلك من المنغصات، ويلزم من ذلك أن يكون نعيمها في غاية الكمال، ونهاية التمام، بحيث لا يقدر على وصفه الواصفون، ولا يتمنى فوقه المتمنون من نعيم الروح والقلب والبدن، ولهم فيها، ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون.
﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ﴾ الذي يتولَّى تدبيرهم وتربيتهم، ولطف بهم في جميع أمورهم، وأعانهم على طاعته، ويسَّر لهم كل سبب موصل إلى محبته، وإنما تولاهم بسبب أعمالهم الصالحة، ومقدماتهم التي قصدوا بها رضا مولاهم، بخلاف من أعرض عن مولاه، واتبع هواه، فإنه سلط عليه الشيطان فتولاه، فأفسد عليه دينه ودنياه.
هذا ما تيسر إيراده في بيان وإيضاح معنى دار السلام، نسأل الله تعالى الفردوس الأعلى من الجنة، ونعوذ بالله العلي الأعلى من غضبه وناره وعذابه، والحمد لله رب العالمين.