int(1636) array(0) { }

أرشيف المقالات

الثمرات الإيمانية للدعوة إلى الله في المرحلة الثانوية (1)

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
ثمرات الدعوة إلى الله تعالى في المرحلة الثانوية
الثمرات الإيمانية (1)

 
تحقيق العبودية لله:
إن أهم وأعظم ثمرات دعوة الطالبة في المرحلة الثانوية، هي الثمرات الإيمانية، فبها تتحقق سعادتها في الدارين، وبها يتحقق خير الإنسانية وصلاحها في الدنيا والآخرة، لأن الإيمان له أهمية كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات والأمم، فهو غذاء للروح، ومهذب للنفس، وبقدر عمقه في نفوس أفراد المجتمع، يرقى المجتمع ويسعد الأفراد، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: (والعبد كلما كان أذلّ لله، وأعظم افتقارا إليه، وخضوعا له؛ كان أقرب إليه، وأعزّ له، وأعظم لقدره، فأسعد الخلق: أعظمهم عبودية لله)[1].
 
ولذلك كان الإيمان بالله وحده لا شريك له هو الهدف الأسمى والغاية العليا التي جاء جميع الرسل بتقريرها، من لدن نوح - صلى الله عليه وسلم إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم، فقد كان محور رسالاتهم ومرتكزها الأساس، قولهم بلسان واحد: ﴿ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾[2]، ولتقرير هذه الوحدانية لله عزّ وجل، دعا نبينا - صلى الله عليه وسلم قومه ثلاث عشرة سنة في مكة، ثم استمر بعد هجرته إلى المدينة في دعوته لترسيخها في قلوب المؤمنين، وبقيت هي أول ما يُدعى إليه، كما جاء في وصيته لمعاذ بن جبل[3]- رضي الله عنه - لما أرسله إلى اليمن، في قوله: ((إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى.))[4].
 
وبهذا يصبح الإيمان بالله هو المنطلق السليم لما بعده من عمل، فإذا صدقت فيه المؤمنة، صلحت أقوالها وأعمالها، وإذا ضعف أو مال عن الطريق السوي مالت وانحرفت تبعا له أفعالها، قال - صلى الله عليه وسلم: ((ألا وأن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))[5].
 
ومن هذه الثمرات الإيمانية الزكية للدعوة إلى الله، تحقيق العبودية لله تعالى وحده لا شريك له:
إن أساس كل خير وكل نشاط صالح هو: الإيمان بالله تعالى، والهدف النهائي لكل مسلم ومسلمة هو: الفوز برضوان الله تعالى ودخول جنته والنجاة من عذابه، ولذا فإن كل الأهداف الأخرى يجب أن تخدم هذا الهدف وتوصل إليه، على نحو مباشر أو غير مباشر.
 
وتعلق قلب المسلمة بالخالق عز وجل ليس تعلقا بالعلم به فقط، ولا تعلق إحساس بقوة عظمى تدير الكون فحسب، وإنما هي عبودية ومحبة، وخوف ورجاء، كما قال تعالى: ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾[6] (فإذا كان كذلك؛ فهو المستحق لأن يُؤلّه ويُعبد بجميع أنواع العبادة ولا يُشرك به أحد من خلقه)[7]، كما قال عز وجل: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [8]، وهذا الإيمان هو الأساس الصلب الذي تبُنى عليه شخصية الطالبة المسلمة.
 
إن من آثار ثمرة الإيمان وتحقيق العبودية لله على شخصية المؤمنة؛ تحريرها من الخرافات والأوهام والأباطيل، والاتجاه بأهدافها وتفكيرها وعواطفها وسلوكها إلى تحقيق الخضوع الكامل لله وحده تبارك وتعالى بالإخلاص في عبادته، والاستعانة به في السراء والضراء، والالتجاء إليه بالتوبة والاستغفار، كما يغرس فيها حب الله عز وجل وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم وحب المؤمنين وموالاتهم، لتصبح من حزب الله تعالى الذين قال فيهم: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾[9].
 
والعبودية لله في الإسلام كما يوضحها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هي: العبادة لله وهي الغاية المحبوبة له والمرضية له، التي خلق الخلق لها، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[10]، وبها أرسل جميع الرسل، كما قال نوح - صلى الله عليه وسلم لقومه: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾[11].

والدين الحق يقتضي تحقيق معنى العبودية، لأنه يتضمن معنى الخضوع أو الذل، والانقياد والاستسلام لله عزّ وجل، فدين الله: عبادته وطاعته والخضوع له، والعبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذلّ لله، بغاية المحبة له تعالى[12].
 
إن العبودية لله في الإسلام تعني: الحرية في أرقى صورها وأكمل مراتبها، وإذا صدقت فهي تعني التحرر من سلطان المخلوقات والتعبد لها، والمسلمة تنظر إلى مخلوقات الله نظرة الشاكر لنعمة الله، فالله تعالى سخّر ما في السموات والأرض (لمصالح بني آدم، وما هو من ضروراته)[13]،كما قال تعالى:﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾[14]، وما دام الأمر كذلك، فالمسلمة لن تخضع لهذه المخلوقات لو ساومتها في دينها وقيمه، ولن يستعبدها إنسان مثلها، فالناس جميعا عبيد لله.
 
وعندما تخلص المسلمة في عبوديتها لله، فإنها تتحرر من أهوائها وشهواتها، فالهوى شر وثن يعبد، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾[15]، والإسلام يعتبر الخضوع لأهواء النفس التي تدعو إلى المحرمات والآثام، عبودية لهذا الهوى، كما يعتبر التسامي عنها- وإن كانت محبوبة للنفوس- هو الحرية الحقة[16]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم: ((تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة[17]، إن أُعطي رضي، وإن لم يُعط لم يرض))[18]، (خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها، كالأسير الذي لا يجد خلاصا...وسوّغ الدعاء عليه كونه قصر عمله على جمع الدنيا واشتغل بها عن الذي أُمر به من التشاغل بالواجبات والمندوبات)[19].
 
إن صدق يقين المسلمة بتوحيد الخالق؛ ليس قولا باللسان فقط، أو مفاهيم مجردة تقوم في النفس دون الجوارح، بل إن استشعارها لعبوديتها لله في كل جزئية من حياتها، يثمر خضوعها لأحكام دينها، فتحب ما يحبه الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم، وتبغض ما يبغضانه، وتكون إسلاما يمشي على الأرض، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -[20]: (ولهذا كان الإيمان الحقيقي هو الذي يحمل صاحبه على فعل ما ينفعه، وترك ما يضره، فإذا لم يفعل هذا، ولم يترك هذا؛ لم يكن إيمانه على الحقيقة، وإنما معه من الإيمان بحسب ذلك، فإن المؤمن بالنار حقيقة الإيمان، حتى كأنه يراها، لا يسلك طريقها الموصلة إليها، فضلا عن أن يسعى فيها بجهده، والمؤمن بالجنة حقيقة الإيمان، لا تطاوعه نفسه أن يقعد عن طلبها)[21].



[1] مجموع الفتاوى 1/39.


[2] سورة الأعراف: جزء من آية 59.


[3] معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي، كان من خيرة قومه شهد المشاهد كلها، وأثنى عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأنه أعلم الناس بالحلال والحرام، ومناقبه كثيرة جدا، قدم من اليمن في خلافة أبي بكر وكانت وفاته - رضي الله عنه - بالطاعون في الشام سنة 17هـ.
ينظر: سير أعلام النبلاء 1/443-461، والإصابة 5/427.


[4] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى، ح7372 (فتح الباري 13/347) واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام 1/50 ح 19.


[5] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، ح52 (فتح الباري 1/126) واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات 3/1219 ح 1599.


[6] سورة البقرة: آية 163.


[7] تفسير الشيخ السعدي: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ص 60، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان ط:7، 1418هـ/1997م .


[8] سورة غافر: آية 65.


[9] سورة المائدة: الآيتان 55-56.


[10] سورة الذاريات: آية 56.


[11] سورة الأعراف: جزء من آية 59.


[12] ينظر: العبودية: شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية ص 39-44، المكتب الإسلامي، ط:5، 1399هـ


[13] تفسير الشيخ السعدي ص 721.


[14] سورة الجاثية: جزء من آية 13.


[15] سورة الجاثية :جزء من آية 23.


[16] ينظر: مقاصد المكلّفين: د.
عمر الأشقر ص 372-373.


[17] القطيفة: هي الثوب الذي له خمل، والخميصة: هي الكساء المربع.
فتح الباري 11/254.


[18] صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، وقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾، ح6435 ( فتح الباري 11/253).


[19] باختصار: فتح الباري 11/254.


[20] محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُرعي الدمشقي أبو عبد الله، من كبار العلماء، ولد بدمشق سنة 691هـ، وتتلمذ على شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان منتصرا له، سجن وعذب معه ونشر علمه وهذب كتبه، له تصانيف كثيرة توفي رحمه الله سنة 751هـ.
ينظر: شذرات الذهب في أخبار من ذهب: المؤرخ أبي الفلاح عبد الحي ابن العماد الحنبلي 6/168، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط: بدون، ت: بدون، والأعلام: الزركلي 6/56.


[21] إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان: الإمام ابن قيم الجوزية 2/ 137، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان ط: 2، 1395هـ/1975م.

شارك المقال

ساهم - قرآن ٢