تفسير الربع السادس من سورة المائدة بأسلوب بسيط
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*] الربع السادس من سورة المائدة
الآية 68: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول لليهود والنصارى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ ﴾ إنكم ﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ﴾ من الدين الحق، ولستم أهل نُصرة الله تعالى ومحبته ﴿ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾: يعني حتى تعملوا بما في التوراة والإنجيل، وبما جاءكم به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، ﴿ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا ﴾: يعني وإن كثيرًا من أهل الكتاب لا يزيدهم إنزالُ القرآن إليك إلا تجبُّرًا وجحودًا، فهم يحسدونك لأن الله بعثك بهذه الرسالة الخاتمة، التي بَيَّن فيها معايبهم، ﴿ فَلَا تَأْسَ ﴾: أي فلا تحزن أيها الرسول ﴿ عَلَى ﴾ تكذيب ﴿ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾.
الآية 69: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (وهم المسلمون)، ﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا ﴾ (وهم اليهود)، - ﴿ وَالصَّابِئُونَ ﴾ كذلك - (وهم قومٌ باقون على فِطرتهم (يعني: على التوحيد)، ولا دين مُقرَّر لهم يتبعونه)، ﴿ وَالنَّصَارَى ﴾ (وهم أتباع المسيح عليه السلام)، هؤلاء جميعًا ﴿ مَنْ آَمَنَ ﴾ منهم ﴿ بِاللَّه ﴾ إيماناً كاملاً، وذلك بتوحيد الله تعالى والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته، ﴿ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من أهوال يوم القيامة، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما تركوه وراءهم في الدنيا.
الآية 70، والآية 71: ﴿ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾: يعني لقد أخذنا العهد المؤكَّد على بني إسرائيل في التوراة بالسمع والطاعة، ﴿ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ﴾: أي وأرسلنا إليهم رسلنا لِيُذكِّروهم بذلك العهد، فَنَقَضوا هذا العهد، واتبعوا أهواءهم، وكانوا ﴿ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ ﴾ من أولئك الرسل ﴿ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ ﴾: أي بما لا تشتهيه أنفسهم عادَوْه، فـ ﴿ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ﴾: يعني فكذبوا فريقًا من هؤلاء الرسل، وقتلوا فريقًا آخر، ﴿ وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ ﴾: يعني وظنَّ هؤلاء العُصاة أن الله لن يأخذهم بالعذاب والشدائد والمِحن بسبب عصيانهم وكفرهم، وقتلهم الأنبياء، ﴿ فَعَمُوا وَصَمُّوا ﴾: أي فمضوا في شهواتهم، وعَمُوا أعينهم عن الهدى فلم يُبصروه، وصَمُّوا آذانهم عن سماع الحقِّ فلم ينتفعوا به، فأنزل الله بهم بأسه، وسَلَّطَ عليهم مَن أذاقهم سوء العذاب، فتابوا ﴿ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾: يعني قَبِلَ توبتهم، فاستقام أمرهم وصلحتْ أحوالهم، ﴿ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ﴾: يعني ثم عَمِي كثيرٌ منهم مرة أخرى عن الهدى، وصَمُّوا عن سماع المواعظ، وذلك بعد أن تبين لهم الحقُّ، فسلط الله عليهم مَن أذاقهم سوء العذاب أيضاً، وهاهم ما زالوا في عَماهم وصَمَمِهم، فلم يؤمنوا بالنبي محمد بعد أن عرفوا أنه النبي الخاتم، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ وسيجازيهم على أعمالهم في الدنيا والآخرة.
الآية 72: ﴿ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾: أي اعبدوا الله وحده لا شريك له، فأنا وأنتم مُتساوين في العبودية لله تعالى، ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾: يعني إنه مَن يعبد مع الله غيره ﴿ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ﴾ إلا أن يتوب من الشرك قبل موته، ﴿ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ﴾: أي وجعل النار مُستَقَرَّه، ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ يُنقذُونهم من هذه النار.
الآية 74: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ﴾: يعني أفلا يرجع هؤلاء النصارى إلى الله تعالى، وينتهون عمَّا قالوا، ويسألون الله تعالى المغفرة؟ ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ ﴾ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم حيث أمهلهم للتوبة.
الآية 75: ﴿ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾: أي مِثل مَن تقدمه من الرسل، ﴿ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ﴾: يعني قد صَدَّقت تصديقًا جازمًا علمًا وعملا، وهما كغيرهما من البشر، فقد ﴿ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ﴾: يعني كانا يحتاجان إلى الطعام، ولا يكونُ إلهًا مَن يحتاج الى الطعام ليعيش، ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ﴾: يعني فتأمَّل أيها الرسول حالهم، فقد أوضحنا لهم العلاماتِ الدالةَ على وحدانيتنا، وبُطلان ما يَدَّعونه في أنبياء الله، وهم مع ذلك يَضِلُّون عن الحق الذي نَهديهم إليه، ﴿ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾: يعني ثم انظر كيف يُصرَفون عن الحق بعد أن ظهر واضحاً؟!
الآية 76: ﴿ قُلْ ﴾ لهم أيها الرسول: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾: يعني كيف تشركون مع الله مَن لا يَقْدِرُ على ضَرِّكم، ولا على جَلْبِ نفعٍ لكم؟ فلا هم يسمعون دعاء من يدعوهم، ولا يعلمون عن حاله شيئاً، ﴿ وَاللَّهُ ﴾ وحده ﴿ هُوَ السَّمِيعُ ﴾ لأقوال عباده ولدعائهم إياه ﴿ الْعَلِيمُ ﴾ بسائر أحوالهم وأعمالهم، مُجيب المُضطر إذا دعاه، فهو سبحانه المعبود بحق، وما سواه باطل.
الآية 77، والآية 78، والآية 79: ﴿ قُلْ ﴾ أيها الرسول للنصارى: ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ﴾: يعني لا تتجاوزوا الحقَّ فيما تعتقدونه من أمر المسيح عليه السلام، ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ ﴾: يعني ولا تتبعوا أهواءكم، كما اتَّبع اليهود أهواءهم في أمر الدين، فوقعوا في الضلال، ﴿ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا ﴾ من الناس، ﴿ وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ﴾: أي وخرجوا عن طريق الاستقامة إلى طريق الضلال.
• ثم يخبر تعالى أنه طرد من رحمته الكافرين من بني إسرائيل، وهذا مذكورٌ في الكتاب الذي أنزله على داوود عليه السلام (وهو الزَّبور)، وفي الكتاب الذي أنزله على عيسى عليه السلام (وهو الإنجيل)، فقال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ﴾ ﴿ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾: أي وذلك اللعن كان بسبب عصيانهم واعتدائهم على حرمات الله، فقد ﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾: يعني كانوا يُجاهرون بالمعاصي ويرضونها، ولا يَنْهى بعضُهم بعضًا عن أيِّ منكر فعلوه، ﴿ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾، لأنهم قد استحقوا بذلك الفعل أن يُطْرَدُوا من رحمة الله تعالى، (وفي هذا تحذيرٌ لكل مَن يفعل مِثل فِعلهم حتى لا يَلقى مصيرهم).
الآية 80، والآية 81: ﴿ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ ﴾ أي من هؤلاء اليهود ﴿ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني يتخذون المشركين نصراء لهم، ﴿ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾: يعني ساء ما عملوه من مُناصرة المشركين، لأن مناصرتهم لهم كانت سببًا في ﴿ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ﴾، ﴿ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ ﴾ وهو القرآن الكريم: ﴿ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾: أي ما اتخذوا الكفار أنصارًا وأحباءً، ﴿ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾: أي خارجون عن طاعة الله ورسوله.
[*] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
• واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.