أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الاتقاء من اللعن والأمن والوحدة
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلاقته بالنصرالاتقاء من اللعن والأمن والوحدة
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلاقته بالنصر:
2- الإتقاء من اللعن والنصر:
روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن أول ما دخل النقصُ على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا، اتقِ الله ودعْ ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ثم قال: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ...
﴾ [المائدة: 78 - 80] إلى قوله - تعالى -: ﴿ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 81]، ثم قال: كلا والله، لتأمرنَّ بالمعروف، ولتنهونَّ المنكر، ولتأخذُنَّ على يد الظالم، لتأطرنَّه على الحق أطرًا، ولتقصرنَّه على الحق قصرًا، أو ليضربنَّ الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم))؛ (رواه الترمذي وأبو داود).
فقد لعن الله - تعالى - اليهود؛ لأنهم كانوا يفعلون المنكرات ولا ينهاهم أحد، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على أن عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العبادات الواجبة، التي بها نتقي لعنات الله - تعالى - بالإضافة إلى الاستقرار في بلادنا، وبهذا ينصلح حالنا، وينصرنا الله على أعدائنا، فلما كان اليهود متهاونين في عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصبحوا أذلَّ أمة، وأذل شعب، وستلحقهم الهزائم أينما كانوا، وأينما وُجدوا، وأينما سكنوا؛ لذلك فإن النصر عليهم الآن ليس صعبًا أو جديدًا؛ لأن الله معنا وسينصرنا، حتى لو ملكوا أسلحة الدمار الشامل كلها؛ لأن مالك كل شيء معنا، ولن يترك عباده الذين أمروا بما أَمَر به، ونهوا عما نهى عنه، ويجب علينا - مستغلين هذه العبادة - أن نقدِّم الخير حتى يأتي لنا الخير، ونقدِّم النصر حتى يأتي لنا النصر.
3- الأمن والوحدة والنصر:
عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤدِّي إلى تفرق الأمة؛ لأننا سنجدها على أشكال وأنواع، فنرى البَرَّ والفاجر، والمشرك والكافر، فعلينا ألاَّ نجعل من هذه العبادة كلماتٍ نحفظها أو نسمعها أو نقرؤها، قال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾ [آل عمران: 105]، فلا يجمع الأمة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أن الأمة أمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، وتحاكمت إلى الكتاب والسنة، أصابها قوله - تعالى -: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
الدول الكبرى والصغرى في عصرنا هذا تكرِّس الجهود الكبيرة الجبارة؛ لحفظ الأمن، ولكن كثيرًا من المسلمين غفلوا هذه العبادة، فالأمن يأتي من الوحدة وليس من التفرقة، فاليهود لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر، فتفرقوا واختلفوا، ولعنهم الله - تعالى - في النهاية.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من النصيحة التي هي الدين، وعليه فإن هذه العبادة - أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - من الدين، وهذا دليل قاطع على أن هذه العبادة من أجلِّ العبادات وأعظمها، فبه تعظم الأمة وتتهيأ إلى الاستخلاف والتمكين والنصر، قال - تعالى -: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [الحج: 40، 41]، ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل إلى الأمن والأمان وعدم الفرقة؛ فإن الكثير من الناس إلا مَن رَحِم ربي لا يعرفون قيمة ذلك، بل قد يستغلونها في الفرقة والتفرقة، وإحداث الفتن داخل البلاد، وهذا ليس من الشرع في شيء، بل هذا مذهب الخوارج الذين يخرجون على أولياء الأمور، وللأسف يظن مَن يقوم بهذه الفرقة أنه على الحق، ويُذكَر أن أحد ملوك بني أُمَيَّة سَمِع أن أناسًا يتكلمون فيه وفي خلافته، فجمع أشراف الناس ووجهاءهم وتكلَّم فيهم، وقال لهم: (إنكم تريدون منا أن نكون مثل أبي بكر وعمر؟ قالوا: نعم، أنت خليفة وهم خلفاء، قال: كونوا أنتم مثل رجال أبي بكر وعمر، نكن نحن مثل أبي بكر وعمر)؛ فالناس إذا أقاموا عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحق، لن نرى مثل هذه الاختلافات والفُرْقة، خاصة بين الناس وولاة الأمور، فكما يقال: (كما تكونون يولى عليكم)، ويذكر أيضًا أن رجلاً من الخوارج الذين خرجوا على عليِّ بن أبي طالب جاء إلى علي، فقال له: (يا علي، ما بال الناس قد تغيَّروا عليك ولم يتغيروا على أبي بكر وعمر؟ قال: لأن رجال أبي بكر وعمر أنا وأمثالي، ورجالي أنت وأمثالك)، فإذا أراد الناس أن ينشروا الأمن والأمان، فعليهم أن يكونوا كرجال أبي بكر وعمر.
لقد عاش الصحابة والتابعون ومَن بعدهم في القرون العظيمة العزيزة في أمنٍ وأمان، لا يتجرأ أهل الفساد بالفساد، ولا يجهر أهل المعاصي بالمعصية، ولا يجهر أهل الدنيا بكبائرهم، فكلهم كانوا تحت وطأة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فلم يكن يستطيع أحدٌ منهم أن يقوم بفعل فاحش؛ لأنه سيجد مَن يرده ردًّا رادعًا، وعقابًا بكتاب الله - تعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فكانت العزة للآمِرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ومِن خلالهم كانت العزة للإسلام وبلاد الإسلام.
أما الآن، فإن الأمر اختلف كثيرًا فوجدنا الفاسد يرتع في البلاد بفساده، ورأينا الفاسق يتجرَّأ بفسقه بلا خجل أو حياء، ورأينا العاصي يتوقح ويتجبر بمعاصيه؛ لأن عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قلَّتْ بين المسلمين، الذين جعلوا الدنيا أكبر همهم ومبلغ علمهم، فانتشر الفساد، وتفشت المعاصي، فاختل توازن القوى الإسلامية، فجاء الضعف، وتهافتت الأمم علينا، ووضعونا في أرذل الأمم، مع أننا خير أمة أخرجت للناس، فانتصر علينا الأعداء ثقافيًّا وعلميًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، وتمكَّن منا الهزال والضعف، فأصابنا الذل والاستعمار والمهانة، فقد ظلمنا أنفسنا بأيدينا؛ لأننا ابتعدنا عن عبادة عظيمة مثل هذه، تخلى عنها الكثير من الناس؛ لأنهم رفعوا شعار: "كل شخص يشيل شيلته"، "ومن يحمل إربة مثقوبة تسكب عليه"، وكأن هذا الشخص ليس شقيقي، أو صديقي، أو قريبي، أو أخي في الإسلام، وكما قال بعض العلماء: (لقد كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بهما، والصبر عليهما - السر فيما تحقق للمسلمين من خير وبر، وحياة نظيفة، ودنيا صالحة واسعة على مدى تاريخهم الطويل).