int(1602) array(0) { }

أرشيف المقالات

العلم ميراث الأنبياء، والعلماء هم الوارثون

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
العلم ميراث الأنبياء، والعلماء هم الوارثون

بسم الله الرحمن الرحيم، المحمودُ هو اللهُ تعالى، والْمُصَلَّى عليه هو سيِّدُنَا محمدٌ وآلُهُ، وبعد...
فإنَّ العلمَ رفعةٌ؛ لأنَّهُ ميراثُ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - وتَأَمَّلْ معي كلمةَ الْعِلْم فإنَّهَا مكونةٌ من ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ: عَيْنٌ وَلَامٌ وَمِيمٌ، الْعَيْنُ مِنْ الْعُلُوِّ، وَاللَّامُ مِنْ اللَّطَافَةِ، وَالْمِيمُ مِنْ الْمُلْكِ، فَالْعَيْنُ تَجُرُّ صَاحِبَهَا إلَى عِلِّيِّينَ، وَاللَّامُ تُصَيِّرُهُ لَطِيفًا، وَالْمِيمُ تُصَيِّرُهُ مَلِكًا عَلَى الْعِبَادِ، وَيُعْطِي اللَّهُ - عز وجل - الْعَالِمَ بِبَرَكَةِ الْعَيْنِ الْعِزَّ، وَبِبَرَكَةِ اللَّامِ اللَّطَافَةَ، وَبِبَرَكَةِ الْمِيمِ الْمَحَبَّةَ وَالْمَهَابَةَ.


وَلذلك لَمَّا خُيِّرَ سُلَيْمَانُ - عليه السلام - بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ وَالْمَالِ، اخْتَارَ الْعِلْمَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ الْمَالَ وَالْمُلْكَ مَعَ الْعِلْمِ.

وحينما دخل رجلٌ إلى مدينة البصرة فقال: مَنْ سَيِّدُ أهل هذه المدينة؟ فقالوا: الحسن البصري، فقال: بِمَ سَادَهم؟ فقالوا: احتاج الناسُ إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم.

والتفاضلُ بين الناسِ يقومُ على أسسٍ بعيدةٍ عن طبيعتهم البشريّةِ تمامَ البعد، هذه الأسس هي: التقوى، والأخلاقُ، والأعمالُ الصالحةُ، والعلمُ، يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9]، ويقول - عز وجل - : ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وكان النبيُّ الكريمُ - صلى الله عليه وسلم - يُفاضلُ بين أصحابه، ويختارُ منهم الأميرَ أو القائدَ على أساسِ ما يحفظونه من القرآنِ الكريمِ، فعندما بَعَثَ بَعْثًا وَهُمْ ذَوُو عَدَدٍ، أراد أن يجعلَ عليهم أميرًا أو قائدًا، فَاسْتَقْرَأَهُمْ، اسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا فَقَالَ: « مَا مَعَكَ يَا فُلاَنُ؟ » قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ، قَالَ: « أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟ » فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: « فَاذْهَبْ فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ ».
 
وفاضَلَ الحبيبُ - صلى الله عليه وسلم - بين المسلمين في إمامةِ المصلّين على أساسِ العلمِ والفضلِ فقال: « يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا، وَلاَ يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ، وَلاَ يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ».
 
هذه هي مبادئُ الإسلامِ في اختيارِ الرجالِ الصالحين على غيرهم، كلُّ من يُسندُ إليه أمرٌ من الأمور لابد أن يكونَ أهلاً له، وجديرًا به.
 
وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ، وهم سُرُجُ الأزمنة، فكلُّ عالمٍ مصباحُ أهل زمانه يستضئ به أهل عصره، ونذكر من صفات العلماء العاملين ما يأتي:
1- المجادلة بالتي هي أحسن، فقد يُبلَغُ بالرِّفقِ والسياسةِ ما لا يُبلَغُ بالسلاح والرئاسة، وحينما وعظ رجلٌ الخليفةَ المأمونَ وأعنفَ له في القولِ، قال المأمونُ: يا رجلُ ارْفُقْ، فقد بعث اللهُ من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌّ منّي وأمَرَهُ بالرفق، فقال تعالى لموسى وهارون - عليهما السلام - حين أرسلهما إلى فرعون: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى ﴾ [طه: 44، 45].
 
ولنا في رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الأسوةُ الحسنةُ، فقد كان يجادلُ العصاةَ بالتي هي أحسنُ حتّى يهديَهُم إلى الطريقِ المستقيمِ، أتى إليه شابٌّ ونيرانُ الشهوةِ تشتعلُ بين جنبيه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي في الزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَـوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَـرُوهُ، وَقَالُوا: مَهْ مَهْ[1]، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -:
« ادْنُهْ »، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، فَقَالَ: « أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ » قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: « وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأُمَّهَاتِهِمْ »، قَالَ: « أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟ »، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: « وَلا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ »، قَالَ: « أَفَتُحِبُّهُ لأُخْتِكَ؟ » قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَـالَ: « وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لأَخَوَاتِهِمْ »، قَالَ: « أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟ » قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: « وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ »، قَالَ: « أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟ » قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: « وَلاَ النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالاَتِهِمْ »، فَوَضَعَ - صلى الله عليه وسلم - يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: « اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ ».
فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ من المعاصي، وخَرَجَ ولم يكن شيءٌ أبغضَ إليه من الزنا، ببركةِ معاملةِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - التي تتقاطرُ نورًا ورحمةً، ولينًا ورفقًا.
 
2- يُعلمون الناسَ فقهَ الأولويات: فهناك أناسٌ من الأغنياء أدّوا فريضةَ الحجِّ، ومازالوا حريصين على أداءِ حجِّ التطوّعِ كلَّ حين، حتّى تحدّثُ الناسُ عنهم قائلين: لقد حجَّ فلانٌ خمسَ مرّاتٍ، أو عشرَ مرّاتٍ، أو عشرين مرّة، ولهم أقاربُ فقراءُ، وجيرانٌ محتاجون، وإخوانٌ من المسلمينَ في حاجةٍ شديدةٍ، هؤلاء نقولُ لهم: إنّ الإحسانَ إلى هؤلاءِ الفقراءِ والمحتاجين من الأقاربِ والجيرانِ وعامَّةِ المسلمين أولى من حجِّ التطوّعِ في هذه الأيّامِ، وأعظمُ أجرًا عند الله تعالى، وأصحابُ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كانوا يسألونه عن أفضلِ الأعمالِ عند اللهِ، وأعظمها ثوابًا ليسارعوا إليها ويقوموا بها، ولنا فيهم قدوةٌ حسنة.
 
وهذا من فقهِ الأولويّاتِ الذي كان يفعله عبدُ اللهِ بنُ المباركِ وغيرُهُ من سلفنا الصالح، فقد ذُكِر أنّ بعضَ السلفِ نوى حجَّ التطوّعِ، وكان معه ثمانمائة درهمٍ، فعرضت له حاجةٌ ذات يومٍ، فبعث ابنَهُ إلى بعضِ جيرانه، فرجع الابنُ وهو يبكي، فقال له: ما لكَ يا بنيَّ؟ قال: دخلتُ على جارنا وعندهم طبيخٌ فاشتهيته، فلم يطعموني، فذهب الرجلُ إلى جارِهِ ليعاتبَهُ على ما فعل، فبكى جارُهُ، وقال: ألجأْتني إلى كشفِ حالي، إنّا منذ خمسةِ أيّامٍ لم نطعم طعامًا، فطبخت ميتةً، وأكلناها، وعلمتُ أنّ ولدَك يجدُ مالاً، فلا يحل له أكلُ الميتةِ، فتعجّب الرجلُ وقال لنفسه: كيف النجاةُ وفي جوارِكَ مثلُ هذا، وأنت تتأهّبُ للحجِّ؟ فرجـع إلى بيتِهِ، وأخذ دراهمه الثمانمائة، وأعطاها لجارِهِ الفقيرِ، وترك حجَّ التطوّع.
 
هذا الذي فعله الرجلُ الصالحُ، ونحثُّ إخوانَنا الأغنياءَ عليه، يُعْرَفُ في الإسلامِ بفقهِ الأولويّات، نحن لا ننهى عـن حجِّ التطوّعِ، لكن نقولُ: هناك ما هو أولى وأفضلُ من ذلك.
 
3- العزة: فلا يذِلُّ العالمُ نفْسَهُ إلا لله تعالى المعزِّ المذلِّ، والعلماءُ الربانيون في كل زمانٍ ومكانٍ كانوا أعزاءَ، وكان الملوكُ والأمراءُ يهابونهم هيبةً شديدةً، فقديمًا كان هشام بن عبدالملك يطوف مرةً بالبيت الحرام، فلقي بعضَ أئمة التابعين، فسَلَّمَ عليه وقال له: سَلْني حاجتك، فقال التابعيُّ: إني أستحيي من ربي أن أسألَ غيره وأنا في بيته! فلما خرج هشامٌ من البيت الحرام قال للتابعيّ: نحن الآن قد خرجنا من المسجد فسلني حاجتك.
 
قال التابعيُّ: من أمر الدنيا أم من أمر الآخرة؟ قال هشام: من أمر الدنيا؛ فأمر الآخرة لا أملكه.
قال التابعيُّ: أنت تملك الدنيا؟ قال: لا.
 
قال التابعيُّ: فإنِّي لم أسألها ممن يملكُها فكيف أسألُها ممن لا يملكُها.
 
4- الإخلاص: فالذي يطلبُ العلمَ مبتغيًا به وجهَ الله تعالى هو في طاعةٍ لله - عز وجل -، ولذلك يغنيه اللهُ من فضلِهِ، ويُعلِي قدْرَهُ، ويُيسِّرُ له أمرَهُ، وتأتيه الدنيا وهي راغمة، ذلك وَعْدُ الله، ولا يخلفُ اللهُ وعده، يقول في حديثه القدسي: (وَعِزَّتِي وَعَظَمَتِي وَجَلالِي؛ مَا مِنْ عَبْدٍ آثَرَ هَوَايَ عَلَى هَوَاهُ؛ إِلاَّ أَقْلَلْتُ هُمُومَهُ، وَجَمَعْتُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَنَزَعْتُ الْفَقْرَ مِنْ قَلْبِهِ، وَجَعَلْتُ الْغِنَى بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَاتَّجَرْتُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تَاجِرٍ).
 
أمّا من قصد بعلمه مالاً أو جاهًا أو شهرةً بين الناسِ، فهذا يقول له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :« لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، أَوْ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، أَوْ لِتَصْرِفُوا وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ».
 
وإذا أراد اللهُ - عز وجل - هلاكَ رجلٍ عاقبه بثلاثةِ أشياء: أولها: يرزقُهُ العلمَ، ويمنعُهُ عن عملِ العلماء، والثاني: يرزقُهُ صحبةَ الصالحين، ويمنعه عن معرفةِ حقوقهم، والثالث: يفتحُ عليه بابَ الطاعاتِ، ويمنعُهُ من إخلاصِ العمل، وذلك بسببِ خبثِ نيّته، وسوءِ سريرته؛ لأنّ النّيّة لو كانت صحيحةً لرزقه اللهُ تعالى منفعةَ العلم، والإخلاصَ في العمل، ومعرفةَ حرمةِ الصالحين.
 
5- التقوى: إنَّك إن اتقيتَ اللهَ يسَّرَ لك سُبُلَ العلم النافع في الدنيا والآخرة، فقد قال- جلَّ جلالُه-: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 282]، والعالمُ التَّقِيُّ هو أبعدُ الناسِ عن المحرماتِ، وأعفُّهم عن الفواحشِ والآثام، يخافُ اللهَ في سمعِهِ، ويخافُ اللهَ في بصرِهِ، ويخافُ اللهَ في لسانِهِ، ويخافُ اللهَ في أهلِهِ، ويخافُ اللهَ في الناسِ من حولِهِ، ويخافُ اللهَ في عملِهِ، وفي جميع حركاتِهِ وسكناتِهِ.

6- الأمانة: للعالم دورٌ في حياةِ الشّابِّ المتعلم، لذلك يجبُ أن يكونَ على ثقافةٍ واسعةٍ حتّى يستطيعَ مواجهةَ الأسئلةِ التي يلحُّ الشبابُ في طلبِ الإجابةِ عنها، وإذا لم يستطع الإجابةَ الشافيةَ قال: لا أدري، فهذا يُرَبِّي في الشبابِ خُلُقَ الأمانةِ والصدقِ، ويُعَلِّمُهم الدقّةَ، ويكسبهم الثقةَ في مُعلّمهم، ولا عيبَ في ذلك؛ فقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خير البقاع في الأرض وعن شرّها، فقال: " لا أدري حتّى أسأل جبريل - عليه السلام - "، فسأله، فقال جبريل: لا أدري حتّى أسأل ربّ العزّة، فصعد ثم هبط، فقال للنّبيّ الأمين: إنَّ ربّك يقرئك السلام ويقول لك: " إنَّ خير البقاع في الأرض المساجد، وشرها الأسواق "، ومن العلماءِ والأئمّةِ من كان يقولُ: لا أدري، أكثرَ من قوْلِهِ: أدري، ومن هؤلاء: سفيانُ الثوري، والإمامُ مالك، والإمامُ أحمد، والفضيلُ بن عياض، وبشرُ بن الحارث.
 
ويجبُ على الْعالمِ ألا يكونَ سلوكه متناقضًا مع عِلمِهِ وقولِهِ، لأنّ ذلك يشكّكُ الشبابَ في قيمةِ ما يُعلّمهم إيّاه، وقد قال اللهُ تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3].
 
7- ربط قلوب الناس بالمسجد الأقصى: فالأمّةُ المسلمةُ مطالبةٌ بأن تدافعَ عن المساجدِ إذا أرادها أحدٌ بسوءٍ، وأن ترُدَّ عنها كيدَ المعتدين، وأحقُّ المساجدِ بذلك المساجدُ الثلاثةُ التي تُشدّ إليها الرحال: المسجد الحرام، والمسجد النبويّ، والمسجد الأقصى المستهدف في هذا الزمان من اليهود.
 
فعن بيتِ المقدس يقولُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: بيتُ المقدس بنته الأنبياءُ، وعمّرته الأنبياءُ، والله ما فيه موضعُ شبرٍ إلاّ وقد سجد فيه نبيٌّ أو قام عليه ملكٌ.
 
فقد كلّم الله موسى - عليه السلام - تكليمًا في أرض بيتِ المقدس، وتاب الله - عز وجل - على داود وسليمان عليهما السلام في أرض بيتِ المقدس، وردَّ اللهُ على سليمان ملكه في أرضِ بيتِ المقدس، وبشَّرَ الله زكريّا بيحيى عليهما السلام في بيتِ المقدس، وسخّر اللهُ مع داود الجبالَ يُسبّحن والطيرَ في أرض بيت المقدس، وأوصى إبراهيم وإسحاق عليهما السلام إذا ماتا أن يدفنا في أرضِ بيتِ المقدس، ووُلِدَ عيسى عليه السلام وتكلّم في المهد في أرض بيت المقدس، وماتت مريم عليها السلام في بيت المقدس، وصلّى النبيُّ الخاتم - صلى الله عليه وسلم - ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا متّجهًا في صلاته إلى بيتِ المقدس، وأسرى به ربُّهُ من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، فبدأ الفتح الإسلاميُّ لبيتِ المقدس على يديه في هذه الليلة، فقد جمع اللهُ له أشرفَ المخلوقات وأكرمَهم من النبيّين والملائكة، وكانوا جميعًا تحت قيادته - صلى الله عليه وسلم -، وكانت صلاته بهم إمامًا مبايعةً له وإعلانًا لوضع حجر الأساس للوجود الإسلاميِّ في هذه البقعة المباركة.
 
وبهذا أصبح المسجدُ الأقصى أمانةً في عنق المسلمين، وعهدةً لهم يجب الحفاظُ عليها بكافة الوسائل، ويجبُ عليهم عمارتُهُ إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها وهو خير الوارثين.
 
8- عدم السكوت عن المنكرِ: فإنَّ السكوتَ عن المنكرِ حذَّرَ منه النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وبَيّنَ لنا أنّ الأمّةَ التي تترك مُهِمَّةُ النهيِ عن المنكرِ بين أفرادها تُوقِعُ نفسَها في غضبِ اللهِ، وتستحقُّ عقابَهُ والطردَ من رحمته، قال - صلى الله عليه وسلم - : «إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أنّه كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ، فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِّ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ» وقَالَ -تعالى-: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 78 - 81]، ثُمَّ قالَ - صلى الله عليه وسلم - :«كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا - أي: ولَتَرُدُّنَّهُ إلى الحقِّ ردًّا، ولَتُلزِمُنَّهُ باتّباعِه - وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ».
 
فاتّقوا الله عباد الله، وانتبهوا من غفلتِكم، واستيقظوا من رَقدَتِكم، فكلّكم مسئولٌ ومُحاسبٌ: الحاكمُ والمحكومُ، والرئيسُ والمرءوسُ، والعالِمُ والمتعلّمُ، والمديرُ ومَن يعملُ تحت إدارته؛ فقد أصبحتِ المنكراتُ بيننا غيرَ منكرةٍ، والْمُحَرّماتُ بيننا ظاهرةً، فالمعاصي انتشرت في كُلِّ مكانٍ، والتُّهمُ لُفِّقَت للأبرياءِ والشرفاءِ، ولبستِ الرذيلةُ ثوبَ الفضيلة.
 
السكوتُ عن المنكرِ سببٌ في حدوثِ البلاءِ العام الذي ينزلُ بالصالحين والطالحين، ويأخذُ المؤمنين والفاسقين، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ زَوْجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ: « لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ, وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ (وَحَلَّقَ بِإِصْبَعَيهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا) » قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: « نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ »، والخبث هو: الفسوق والفجور.
 
اللهمَّ ارْحَمْ عبادَك، وطَهِّرْهُم من مساوئ الأخلاق، واجعلنا من العلماء العاملين المخلصين.



[1] مَهْ : اسم فعل أمر، معناه : اكْفُف.

شارك المقال

فهرس موضوعات القرآن