الثمرات الأخلاقية للدعوة إلى الله في المرحلة الثانوية (1)
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
الثمرات الأخلاقية للدعوة إلى الله تعالى فيالمرحلة الثانوية (1)
دعا الدين الإسلامي إلى مكارم الأخلاق، ونهى عن رذائلها، وجعل سعادة الدنيا والآخرة جزاء لمن التزم بأوامر الله واتعظ وتذكر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [1]، جاء في تفسير الآية الكريمة: ( ليس من خُلق حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه، إلا أمر الله به، وليس من خلق سيء كانوا يتعايرونه بينهم، إلا نهى الله عنه وقدّم فيه، وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومذامّها)[2].
ويؤكد نبينا - صلى الله عليه وسلم أن دعوة الإسلام دعوة أخلاقية بقوله: (( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق))[3]، كما شهدت بذلك أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بعد نزول الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم حين أثنت عليه بما علمت من كريم أخلاقه وجميل خصاله، فقالت له تهدئ من روعه: ((أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل[4]، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق))[5]، فهي شهادة بحسن الأفعال وسمو الأخلاق.
وهي شهادة الله تعالى له في القرآن، في قوله تعالى:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾[6]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في صفته: (كان من أكمل الناس نشأة، لم يزل معروفا بالعدل والبرّ والصدق ومكارم الأخلاق وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة، وممن آمن وكفر بعد النبوة...
فليس في تلك الكتب إيجاب لعدل، وقضاء بفضل، وندب إلى الفضائل، وترغيب في الحسنات، إلا وقد جاء به، وبما هو أحسن منه)[7].
وأخلاق الإنسان صفة مستقرة في نفسه، وقد تكون هذه الصفة فطرية جبله الله عليها، وقد تكون مكتسبة ترسّخت في نفسه بسبب الظروف والأحوال التي يعيش فيها، وتقاس هذه الأخلاق عن طريق ملاحظة آثارها في سلوكه، لأن السلوك عبارة عن ترجمة ومظهر خارجي لما تشربته النفس من الأخلاق، فإذا كانت الأخلاق حميدة كانت آثارها في سلوك الإنسان حميدة كذلك، وإذا كانت ذميمة، ظهرت السلوكيات الخاطئة الذميمة[8]، قال الحافظ ابن حجر [9] -رحمه الله-: ( والأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة، فالمحمودة على الإجمال: أن تكون مع غيرك على نفسك، فتنصف منها ولا تنصف لها، وعلى التفصيل: العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب، ونحو ذلك، والمذموم منها ضد ذلك)[10].
وفي ضوء ما سبق سوف توضح الباحثة بعض الثمرات الأخلاقية التي يظهر أثرها عند دعوة طالبات المرحلة الثانوية، التي منها ما يأتي:
أولا: تخلّق الطالبة بأخلاق الإسلام وغرس الفضائل في نفسها:
تعتبر الأخلاق الفاضلة من أجمل ما تتحلى به الفتاة المسلمة، وفضائل الأخلاق ومحاسنها موضوع واسع جدا، أساسه الصبر والحلم والرفق والرغبة في مكارم الأخلاق، وآثاره العفو والصفح عن الزلات، وإيصال المنافع إلى الخلق أجمعين، [11]وقد جمع الله تعالى ذلك في قوله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [12].
إن أخلاق الطالبة تزكو حين تطيع ربها فلا ينطق لسانها إلا بالصدق، اتباعا لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [13]، وتقتدي بنبيها - صلى الله عليه وسلم حين تهذب كلامها وأفعالها، وتتحلى بالأدب والجود والكرم والشجاعة، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم الذي وصفه أصحابه بأنه (( أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس))[14]، وأنه - صلى الله عليه وسلم كان يقول: (( إن من خياركم أحاسنكم أخلاقا))[15]، كما تلبس ثوب الوقار والحياء والعفة، حين تعلم بأنه - صلى الله عليه وسلم (( أشد حياء من العذراء في خدرها[16]))[17].
وإن احتسابها للأجر عند الله، وثقل الميزان بها تصديقا لقوله - صلى الله عليه وسلم: ((ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن))[18]، يترجمه سلوكها الكريم وتعاملها الحسن مع من حولها، فتحسن خلقها لوالديها، وتتحلى بالرفق والرحمة بهما، وخفض الجناح والانكسار لهما، لقوله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾[19]، كما تسير على هدي النبي - صلى الله عليه وسلم في رحمته وعطفه وشفقته للصغير، وتوقيره واحترامه للكبير، قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا))[20].
إن الفتاة المسلمة التي تدرك أهمية الأخلاق وحاجة الفرد إليها، لن تستثني أحدا من حسن التعامل، بل تسع أخلاقها الكريمة كل من حولها اتباعا لوصيته - صلى الله عليه وسلم التي كان يوصي بها أصحابه -رضي الله عنهم-: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن))[21]، فإذا لم تتمكن هي بذاتها من الإحسان إلى الناس بنفسها أو مالها، لكثرة الناس أو لقلة المال- وهذا غير داخل في مقدور البشر- جبرت هذا النقص بالخلق الحسن والرفق واللين وطلاقة الوجه، فإن هذا يمكن بذله وهو يجلب محبة الناس لها.
وتراها كذلك تحسن خلقها حتى مع خادمتها اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم الذي خدمه أنس - رضي الله عنه - تسع سنين، فلم ير يوما منه ما يسوؤه أو يحزن قلبه، حتى مدحه بقوله: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا))[22].
ثانيا: اجتناب رذائل الأخلاق والترفع عنها:
إن الدعوة الإسلامية لا تقف في دعوتها للفتاة المسلمة عند حد غرس الأخلاق الحسنة، بل تعنى كذلك بتطهيرها من الأخلاق السيئة وتنفيرها منها، وتأمرها بتجنبها حتى لا تتعرض هي ومن حولها من الناس لآثارها السيئة.
إن من أهم الثمرات الأخلاقية التي تتعلمها الطالبة: أن دينها يحثها على التحلي بمعالي الأخلاق، ويكره لها دَنيّها وسفاسفها، فبقدر تحليها بالأخلاق الإسلامية يكون قربها يوم القيامة من مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم ومحبته لها لحسن أخلاقها، كما قد يبعدها سوء الخلق ويقصيها عنه ويبغضه فيها، فقد قال - صلى الله عليه وسلم: (( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن من أبغضكم إلي وأبعدكم مني يوم القيامة: الثرثارون المتشدقون المتفيهقون[23]))[24].
فدعوة الطالبة تثمر - بإذن الله - سلامتها وطهارتها من سوء الخلق الذي يشينها، كما أنها تعينها على التخلص منه إن سبق تخلقها به، ومعالجة ذلك في نفسها، فهي تبتعد عن قذع الكلام لعلمها بأن الله يبغض صاحب البذاءة والسوء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (( وإن الله ليبغض الفاحش البذيء))[25]، وأنه - صلى الله عليه وسلم: (( لم يكن فاحشا ولا متفحشا[26]))[27]، وأن سوء الخلق يجلب بغض الناس ونفورهم منها، بل إن سيء الخلق الذي يتقي الناس فحشه يكون من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (( إن شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء شره))[28].
كما أن مساوئ الأخلاق تصد صاحبها عن الخير واتباع الهدى والأعمال الصالحة، فالفتاة الشحيحة يمنعها بخلها عن الكرم والسخاء والإنفاق في سبيل الله، وصاحبة النفس المتكبرة يمنعها كبرها من قبول الحق والتواضع للمسلمين، و البذيئة اللسان يبغضها الله تعالى ويبغضها الناس.
وهذا يُظهر أهمية هذه الثمرة:
حيث تحمي الطالبة من مساوئ الأخلاق، وتدفعها إلى الاستقامة على أمر الله، يقول ابن القيم-رحمه الله- في أهمية إزالة المنكر ليُغرس المعروف: إن (قبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده، وهذا كما أنه في الذوات والأعيان، فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات...كما أن اللسان إذا اشتغل بالتكلم بما لا ينفع، لم يتمكن صاحبه من النطق بما ينفعه، إلا إذا فرّغ لسانه من النطق بالباطل، وكذلك الجوارح).[29].
فالنفس التي تُملأ بالقبيح من الأخلاق، لا يمكن شغلها بالمكارم والمعالي، إلا بتفريغها مما اعتادت عليه من هذه الرذائل، والسبب في ذلك أن نفس الطالبة وروحها إذا اعتادت السوء والفحش والانحراف في الأفعال والأقوال، ثم جاءتها أوامر الوحي بإحسان الخلق مع غيرها، والأمر بالصدق والتواضع والرحمة والرفق والعدل وغيره؛لم تجد لها فراغا ولا قبولا في نفسها، لعدم الاعتياد عليها، بل تجد في ذلك المشقة والضيق وضعف القدرة على الاستقامة والمداومة عليه، وهذا يؤكد ضرورة العناية بتحصيل هذه الثمرة.
[1] سورة النحل: آية 90.
[2] تفسير ابن كثير 4/515.
[3] مسند الإمام أحمد 2/381، وصححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/75 ح 45.
[4] الكلّ: الثِقل من كل ما يُتكلّف، وقيل: الكل: العيال.
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر4/198.
[5] صحيح البخاري، كتاب تعبير الرؤيا، باب أول با بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصالحة، ح6982 (فتح الباري 12/352).
[6] سورة القلم: آية 4.
[7] باختصار: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ص 80-83، مطابع المجد التجارية، ط: بدون، ت: بدون.
[8] ينظر: الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني 1/10، دار القلم، دمشق ط:3، 1413هـ/1992م، و مقدمة في علم الأخلاق: د.
محمود حمدي زقزوق ص 33-34 دار الفكر العربي، القاهرة، ط:4 ت: بدون.
[9] أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل، من أئمة العلم والحديث، أصله من عسقلان بفلسطين وولد بمصر سنة 773هـ، ولع بالأدب ثم أقبل على الحديث ورحل في طلب العلم، انتشرت مصنفاته في حياته،، وتوفي بمصر سنة 852هـ رحمه الله.
ينظر: الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر: شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (902هـ) 1/101 وما بعدها، تحقيق: إبراهيم باجس عبد المجيد، دار ابن حزم بيروت-لبنان، ط:1، 1419هـ/1999م، والأعلام: الزركلي: 1/178.
[10] فتح الباري 10/456.
[11] ينظر: الرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة: الشيخ عبد الرحمن السعدي ص 74.
[12] سورة الأعراف: آية 199.
[13] سورة التوبة: آية 119.
[14] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، ح6035 ( فتح الباري 10/456).
[15] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، ح6035 ( فتح الباري 10/456)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه - صلى الله عليه وسلم - 4/1810 ح 2321 واللفظ له.
[16] العذراء: هي البكر، لأن عذرتها باقية وهي جلدة البكارة، والخدر: ستر يجعل للبكر في جنب البيت.
ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي 15/78.
[17]صحيح مسلم كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه - صلى الله عليه وسلم - 4/1809 ح 2330.
[18] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق 4/362 ح 2002 وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/194 ح 1628.
[19] سورة الإسراء: الآيتان 23-24.
[20] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة الصبيان 4/322 ح 1921 وقال: حديث حسن غريب، واللفظ له، وسنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة ص 747 ح4943،7)، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/179 ح 1565.
[21]سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس 4/355 ح 1987، وقال: حديث حسن صحيح، واللفظ له، ومسند الإمام أحمد 5/236، وصححه الشيخ الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/191 ح 1618.
[22] صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا 4/1805 ح 2310.
[23] الثرثارون: هم الذين يكثرون الكلام تكلّفا وخروجا عن الحق، والمتشدقون هم: المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل المتشدق: المستهزئ بالناس، والمتفيهقون: هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم، وهذا من الكبر والرعونة.
ينظر: تحفة الأحوذي 6/161.
[24]سنن الترمذي، كتاب البر والصلة والآداب، باب ما جاء في معالي الأخلاق 4/37، وقال: حديث حسن غريب واللفظ له، ومسند الإمام أحمد 4/194، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي 2/196 ح 1642.
[25] سنن الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق 4/362 ح 2002 وقال: حديث حسن صحيح.
[26] الفحش هو: كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي، وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا، وكل خصلة قبيحة فهي فاحشة، من الأقوال والفعّال.
ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر3/415.
[27] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب حسن الخلق والسخاء وما يكره من البخل، ح 6035( فتح الباري 10/456)، وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب كثرة حيائه - صلى الله عليه وسلم - واللفظ له 4/1810 ح 2321.
[28] متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - فاحشا ولا متفاحشا، ح3132.
(فتح الباري 10/452) واللفظ له، وصحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب مداراة من يتقى فحشه 4/2002 ح 2591.
[29] باختصار: الفوائد ص 55