أرشيف المقالات

رسالة إلى الخاطب والزوج الجديد

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
رسالة إلى الخاطب والزوج الجديد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فما إن يعقد الشاب على فتاةٍ عقد النكاح إلا وتبدأ رحلةٌ من الأفكار المتلاحقة حول فقه التعامل مع الزوجة، وكيفية تشكيلها بحسب ثقافته وعوائده الخاصة، ورسم المعالم العامة لبيت الزوجية وغير ذلك.
 
وقد راسلني غيرُ واحدٍ بعد عقد نكاحه أو زفافه يطلب النصيحة في ذلك، ولأنَّ الكلام يتشعب رأيت أن أكتب أهم الخواطر في مقالٍ واحدٍ لأحيل عليه بعد ذلك، وأجعلها في نقاطٍ واضحةٍ تيسيرًا للطرح، ودونها بين يديك، وعدتها سبع عشرة تُزجى إليك:
أولًا: إن كنت قد عقدت عقد النكاح بكتابة الكتاب، فبارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينك وبين زوجك على خير، وإن كنت قد خطبت من غير أن تكتب الكتاب، فاعلَم أنَّ الخِطبةَ مجردُ وعدٍ بالزواج، وليست زواجًا، والفتاة ما زالت أجنبيةً عنك، فاحسم أمرك؛ لئلا تعذب نفسك أو تعذبها بالخُلفِ في الوعد بعد طولِ زمان.
 
أما إن كنت تبحث عن فتاة ولم تجد، وطال الأمر وضاق الصدر، فاستعنْ بالله، والزم الثلث الأخير من الليل، وألِحَّ عليه أن يرزقك الفتاة التي تحرس دينك وتسعد دنياك، وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.
 
ثانيًا: إذا وقع الاختيار المبدئي على فتاة، وأردت أن تجلس إليها لتتعرف على شخصيتها، فلا داعي لإعداد رزمةٍ مسبقةٍ من الأسئلة، وإنما تكلم على سجيَّتك، وافتح أي موضوع من الموضوعات العامة أو الأحداث التي تشهدها الساحة، وما هي إلا وجولةٌ واحدةٌ أو جولتان من الحوار إلا وتتكشف لك عقلية التي أمامك؛ إذ عقل الإنسان يظهر في أطباقٍ من أهمها الخطابةُ والكتابةُ وإبداءُ الرأي.
 
والمطلوب هنا التقاط معالم العقلية ومعرفة الاهتمامات لا الوقوف على المعلومات والإجابات المثالية، ولهذا لا تثريب أن يكون الجواب في غير الاتجاه الذي يريده السائل، ما دامت طريقة التفكير مقبولةً في الجملة.
 
ثالثًا: بعد أن تعقد عليها اجتهد في عدم التكلف قدر الوسع والطاقة، ولا تُعطِ وعدًا وأنت مسرور، ولا تقرر قرارًا وأنت غضبان، على أنَّ الغالب في الوعود التي تُطلق في مدة ما يُسمَّى بالخطوبة هي أشبه بالدعاية الانتخابية.
 
رابعًا: أعظم رزق المرأة في الرجل أن يكون تقيًّا مطواعًا حليمًا كريمًا صاحب خلق، وأعظم رزق الرجل في المرأة أن تكون تقيةً مطواعةً صاحبة خلق، لديها شعورٌ بالمسؤولية واقتصاد في النفقة، وإقلالٌ من الشكوى، وحسن عناية بتنظيف البيت وإعداد الطعام.
 
خامسًا: بخصوص عزم الزوج أن يُشكِّل زوجته كما يشاء فهنا ينظر:
إن كان يقصد تشكيلها في العوائد والطبائع، فإنَّه يعيش في حارة الأوهام المريحة، فهذا نقول له: إن استطعت أن تُشكِّل نفسك أنت، فأنت بطل الأبطال، فلو أنَّ إنسانًا عادته النوم في جوف الليل، وقلنا له: اعتد أن تصلي العشاء وتنام، فقد يمكث بضع سنين ولا يقدر على ذلك، ولو كان طبعه البخل أو سرعة الغضب، فإنَّ جهودًا ضخمة يحتاج أن يبذلها حتى يتحول إلى محاسن العادات ومكارم الصفات.
 
ولكن يتوجه الخطاب هنا لكيفية إقامة حالةٍ من الوفاق والتفاهم عند تباين العادات ووجهات النظر، وتجتهد المرأة ما استطاعت أن تسايره في عاداته، ولو تعنَّتْ أول الأمر لفضل قوامة الرجل، ولأنَّ بعض الأزواج قد لا يرزق الحكمة في التعامل.
 
أما إن كان يقصد تشكيلها معرفيًّا على طاولة البحث والنقاش والعلم والمعرفة، فهذا ممكن، ويكون متيسرًا بمقدار الانتماء للحق ورجاحة العقل وقوة الديانة.
 
ومن المسائل التي يكثر دورانها في هذه المرحلة إقناع الزوجة بفرضية النقاب، وخلو الزفاف من المنكرات، أو ما يلاحظه من منكراتٍ فيها أو في أهلها، أو ما تلاحظه هي فيه أو في أهله.
 
ونجاح هذا النوع منوطٌ بأمرين:
الأول: تسلُّح كل طرف بالأدب والحجة، والثاني: التخلص من سلطان المجتمع وعوائده التي تقف عائقًا أمام ما فيه صلاح الرجل وأهله، وإذا أردت أن تعيش، فعليك بالتطنيش.
 
سادسًا: سياسة التعامل مع الخطأ:
ما يعده الناس خطأً يمكن أن يُرد إلى أحد أحوال ثلاثة:
الأول: إذا كان الخطأ منكرًا محضًا، فالموقف هنا التراجع والاعتراف وإعلان التوبة والندم، وعدم الدخول في جولة تسويغ سخيفة، وقد روى البزار في مسنده أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذُكِّرتم بالله فانتهوا".
 
بل يربي الإنسان نفسه على أن يشكر المنكِرَ عليه، ويدعو له، وأنه لولاه لهلك أو عصى، ويُدخِل نفسه في سجل الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر؛ فإنَّ المنكر ذو طبيعةٍ متعدية، إن لم تغيِّره غيَّرك كما يقول الدكتور فريد الأنصاري رحمه الله.
 
الثاني: إذا كان خطأً شكليًّا، فهنا لا يقف طويلًا، فيكفي أن يهمس فيه بأدنى عبارة دون أن يعاتب فضلًا عن أن يعاقب.
 
الثالث: إذا كان من قبيل وجهات النظر السائغ، فهنا لا يتشنج لوجهة نظره، ويكتفي بإقامة الحجة بأدب، فإن اقتنع الطرف الآخر فبها ونعمت، وإلا فلا داعي للتوغل في الخلاف والجدل، وقد سُئِلَ الإمامُ مالك عمن يبين سُنَّةً لصاحب بدعة هل يُجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يعرض السنة، فإن قبلت منه وإلا سكت، وهذا في العقيدة فكيف في مسائل يتنازعها النظر؛ كالشأن في الخلافات السياسية أو الفكرية مثلًا.
 
سابعًا: سيكتشف كلٌّ من الزوجين عددًا من العيوب في الآخر، ولا أعني العيوب الجسدية والأمراض، فهذه لها طرحٌ فقهيٌّ قضائيٌّ عند الجهل بها، ولكن أتكلم عن العيوب في الأخلاق والسلوك والعوائد ومستوى الإدراك وطريقة التعامل.
 
وربما كان كلٌّ من الزوجين يحمل نظرة تقديس للآخر قبل الزواج، فلما حصلت الخلطة وقعت النفرة، وبدل أن يفكر في التقويم راح يفكر في الطلاق، وربما آثر العزوبية على الزواج، أو فكر في التعدد، على ظنِّ أنَّ غيرها خالٍ من العيوب، فهنا لا بد من خطاب الحكمة، وكما أنَّ لدى زوجته من العيوب ما يوقف غرورها، فإنَّ لديه هو الآخر من العيوب ما يوقف غروره.
 
والتعامل هنا أعرضه في نقاط:
أ‌- إن كان الشيء سهل التغيير، استثمر الزوج الأشهر الأولى في البيان والتقويم؛ لأنَّ النفوس تكون أكثر انقيادًا.
 
ب‌- أما إن كان الشيء عَسِرًا، فينبغي للزوج أن يبدأ رحلة العلاج على هدوءٍ وأناة ورفق، وإن كانت العيوب كثيرة لم يزد في جرعة العلاج عن عيبٍ واحدٍ أو اثنين، ولا يتناول غيرهما إلا بعد أن ينجز ما بدأ به، ويُثنِي بحكمةٍ بالغةٍ لا جرح فيها على أي تجاوب؛ لأنَّ من الثناء ما يورث البغضاء.
 
ت‌- لا بد من الاحتراس من كيد الشيطان في ذلك، فإنه قد يُبَغِّضُ الزوجةَ إلى زوجها، حتى ما يعد يُطيقها، وربما فكَّر في طلاقها أو الزواج عليها، بسبب تعدد العيوب التي تُنغِّص عليه حياته، فمن علائم فقهه أن يستحضر هنا جملة المشهد، فلو أنَّ الإنسان له مائة صفة، فإن العيب قد يحصل في ثلاث صفات أو أربعٍ أو خمسٍ مثلًا، لكن الشيطان بكيده ومكره يبقى يعرض العيب على النفس كل يوم أو كل ساعة، ويُبعد عن الذهن محاسن الصفات التي بقيت على حالها من التمام، ومع تطاول المدة يقتنع الرجل أن زوجته آوت كل نقيصة، وخلت من كل فضيلة، وربما كانت في نفسه أسوأ زوجة في البلد كله، وهذا منهج شيطاني محض، طبقه الشيطان على أبينا آدم عليه السلام في الجنة؛ إذ أباح الله له الجنة وما فيها، وحرم عليه شجرةً واحدة، فضيق الشيطان في عينه الجنة وما فيها مع أنَّ عرضَها عرضُ السماوات والأرض، ووسع في عينه الشجرة، فوقع في المعصية.
 
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك الملحظ الدقيق حين قال: "لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إن كره منها خلقًا رضي منها آخر"؛ أخرجه مسلم، ويفرك أي: يبغض.
 
ولو أنَّ الزوج تزوج من ثانيةٍ لوجد الزوجة الجديدة على عيوبٍ أيضًا، وفيه هو عيوبٌ أيضًا، وعندئذٍ يتبين له أن الاختلال إنما هو في طريقة تعامله ونظره، وسوء فهمه لخصائص النفس البشرية وطبائعها.
 
ث‌- وإن كان الشيء مما يتعلق بأساسيات البيت؛ كإعداد الطعام وتنظيف البيت وغسل الملابس وتهيئتها، ومثله ما يتعلق بمتطلبات المعاشرة الزوجية، فهذا لا بد أن تنجزه المرأة على وجهه، ولو تعنَّتْ أول الأمر إن لم يكن لها سابقُ التزامٍ به، ودوامٌ عليه في بيت أهلها، وكثيرةٌ هي مشكلات البيوت التي تنزع إلى واحدٍ من هذه الأساسيات، فلو أنَّ الزوجة قامت بها على الوجه الذي ينبغي، لأراحت واستراحت من أكثر أسباب النزاعات الأسرية.
 
ثامنًا: أعظم التربية ما كان بالمواقف وعند الخطأ بأقل عبارة وتعقيب، أما سياسة كثرة النصيحة وإطالتها وجعلها كدرسٍ أو محاضرة، فقليلةُ الجدوي في الغالب، وربما آلت إلى نفرة المنصوح، وعندئذٍ يفقد الناصح تأثيره ولو كان من أولي الهيئات.
 
وهذا الفقه يتحتم فيمن تكثر مخالطته؛ كوالدٍ مع ولده وزوجٍ مع زوجته، ومربٍّ مع تلميذه، ولهذا لا تزد عن دقيقةٍ من النصيحة في الأسبوع، وإلا وجدت ما تكره.
 
تاسعًا: من أكثر أسباب المشاكل في البيوت التي يؤول كثيرٌ منها إلى الطلاق: النفسيةُ التي يأتي بها الزوجان.
 
فالزوج يبدأ حياته الزوجية بأنه يريد أن يعدِّل من سلوك زوجته كما يريد، ويشكل عقلها كما يحب، وربما هيأ رزمةً من القرارات يريد أن يقيم بيته بناءً عليها، بحكم أنَّ له القوامة.
 
والزوجة تبدأ حياتها الزوجية بإصغاء الأذن لمن ينصحها بأنَّ الأشهر الأولى من الزواج هي الفاصلة في إظهار الشخصية التي تريد فرضها على الزوج، ولا ينبغي الخضوع له وإلا داس عليها طيلة العمر، وتبدأ تستعد لإطلاق رزمة من القرارات هي الأخرى؛ مما يعني أنَّ نفسية الزوجين صدامية، وعند أدنى خلاف تثور المشاعر الكامنة، ويحصل النزاع وتشتد الخصومة، ويبدأ التفكير في الطلاق.
 
وهنا أتساءل: لماذا لا يفكر الزوج باتجاه إقامة بيته بدلًا من التفكير في كسره؟
تخيل بالله عليك كيف يكون حال البيت لو أنه قَدِمَ بيت الزوجية وهو يقول في نفسه: كيف سأعدِّل من نفسي؟ وما السبيل للتفاهم مع زوجتي؟ وكيف أستعين بها على إصلاح نفسي؟ وكيف أهذب من سلوكي وأتخلص من عيوبي؛ لئلا أكون رجل سوءٍ عندها؟ وما الطريق إلى الحلم والعدل والكرم والأناة والحكمة والتغافل؟ وكيف يصل إلى الله بالزواج شاكرًا بعد أن كان يصل بالعزوبية صابرًا؟ وغير ذلك، وتفكر الزوجة بنفس الاتجاه أيضًا.
 
إنَّ هذا المنهج يربي الزوجين على أن الحقوق تأتيك بمقدار الواجبات التي تؤدي، وأنَّ كليهما يستفيد من الآخر، ويتربى به، وربما كانت عادات أحدهما أحسن من الآخر، والأصل في البيت أن يقوم على الشكر لا الصبر، ومن وعى هذا غيَّر نظام حياته بما فيه صلاح أمره في الدنيا والآخرة بإذن الله.
 
أما لو بقي منهج التربص قائمًا، فإن الطلاق يحضر في الأذهان عند أول مشكلة، ويرى كل طرف أن الآخر يريد كسره، ولهذا كان من الحكمة ألا يحصل الطلاق في السنوات الثلاث الأولى؛ لأنَّ النفوس لا تزال فيها متأثرة بالخلفيات الفكرية المتقدمة التي تؤثر على سداد الرأي.
 
ولهذا في الغالب تكون المشاكل وِرْدًا منتظمًا بين الزوجين خلال هذه المدة؛ كل أسبوع مرة أو شهر أو أقل أو أكثر، لكن مع كثرة المواقف يصل الطرفان إلى قناعة بالتفاهم، وعندئذٍ تبدأ حركة الحياة تمضي بكثيرٍ من الوفاق وقليلٍ من الخلاف.
 
ولهذا غض الطرف عما تجده مما تكره، وتذكر قول الله: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء : 19].
 
عاشرًا: قوامة الرجل على المرأة لا يعني التسلط عليها:
قال المفسرون تحت قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]: ﴿ قَوَّامُونَ ﴾ جمع "قوَّام" صيغة مبالغة على وزن "فعَّال"؛ للمبالغة في القيام على الشيء وحفظه، يقال: فلان قائمٌ على الشيء وهو قوامٌ عليه، إذا كان يرعاه ويحفظه ويتولاه، فالرجال يقومون على شؤون النساء بالحفظ والرعاية والنفقة والتأديب وغير ذلك مما تقتضيه مصلحتهن.
 
فهي كما ترى ولاية رعاية لا ولاية قهر وتسلط، وكثيرةٌ هي المشكلات التي تنشأ من عدم فَهْم الزوج لطبيعة بيت الزوجية، فتراه يستعمل القوامة في غير موضعها شهوةً نفسيةً في التحكم بالمرأة من غير داعٍ معتبر.
 
حادي عشر: يقوم البيت على العاطفة والحب أصالةً وعلى العقل تبعًا، وعلى هذا، فمن رام إقامة بيته على قاعدة العدل مثلًا، وأنه لا بد أن يظهر المصيب من المخطئ، ويعترف بخطئه، ويقوم بالاعتذار، ويتكرر ذلك عند أي خلافٍ، فهذا المنهج مفسدٌ للبيت في الغالب الأعم، فهنا دور العاطفة والتغافل والإحسان.
 
وإنَّ من أحسن المخارج للذي أخطأ أن يُحسن من غير ذل، والذل هنا عز، ومن أحسن المخارج لمن وقع الخطأ في حقه أن يتغافل، والتغافل هنا فطنة.
 
ثاني عشر: من عوامل طيب العيش أن يكون للزوجين بيتٌ مستقل؛ إذ السكن في بيت الأهل مظنة الخصومة والخلاف.
 
وتَفَهُّمُ قلةِ ذات اليد لدى الزوج معتبرٌ هنا، لكني أقول لك: أن تستقل ببيتٍ طوعًا خيرٌ من أن تلجأ إليه كرهًا، فاجتهد أمرك وليكن من أولى مشروعاتك.
 
ثالث عشر: إذا حزبك أمرٌ داخل البيت، فالجأ إلى الصلاة، ولا تجعل من أمرك أن تشكو بَثَّكَ إلى الناس.
 
رابع عشر: إذا وقع نشوزٌ من زوجتك، وأصبحت تعاني والبيت لا يقوم على وجهه، ولم تقدر أن تعالج الأمر بعد أن استنفذت الوسائل فيه، فلا تتردَّد أن تكلم أحدًا من أهلها أو من أقاربها، واجتهد أن يكون على حالٍ حسنةٍ من الديانة ورجاحة العقل ولو كان شابًّا صغيرًا، فليس ذلك بالموضع الذي ينبغي إخفاؤه والتكتم فيه؛ لأنَّ دوام الأزمة من غير علاجٍ مؤذنٌ بزيادتها.
 
والعجيب أنَّ بعض الأزواج يأبى أن يعلم أحدٌ بما يعانيه ولو كان لحاجةٍ تشتد، فإذا تفاقمت المشكلة ووصل إلى طريق مسدودٍ، وانتشر الخلاف، وبلغ أهله وأهلها، انتقلت المشكلة لتكون بين عائلتين بعد أن كانت بين زوجين، وصار كل طرف ينشر معايب الآخر لإثبات معاناته وعافيته من المساوئ، فيكون الزوج قد أبى أن يذكر حال بيته لشخصٍ مصلحٍ في السر ثم هو يبثه لكل عابرٍ نكاوةً في الطرف الآخر.
 
وهذا موطنٌ تسوء فيه الأخلاق، وتسقط فيه قامات، فاجتهد فيه أن تتحلى بالحلم وأن تقلل من العتاب، وبمقدار ما تعترف بخطئك وتتنازل لزوجتك، تعترف هي لك وتتنازل من أجلك.
 
خامس عشر: مهما حصل من خلافٍ بينك وبين زوجتك، فإياك أن تتلفظ بالطلاق في جو الخصومة والغضب، وإياكَ إياكَ أن تطردها إلى بيت أهلها، وإياكِ وإياكِ أن تخرجي من البيت حتى لو نطق بالطلاق، فإنَّ الله يقول: ﴿ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
 
وحكمةُ ذلك تحتاج إلى مقالٍ مفرد، ويكفي أن تعلم هنا أنه أمر الله، وأنَّ المشكلةَ تبدأ بين زوجين ثم تصبح بين عائلتين إلى أن تمسي بين قبيلتين، وفي هذا الجو تسوء الأخلاق وتكشف الأسرار وتذهب المروءة ويحصل الافتراء والكذب، ويفتك هذا كله بنفسيةِ الطرفين، مما تتباعد معه القلوب ولو حصل الصلح.
 
سادس عشر: من عوامل بناء الثقة بين الزوجين شعورهما بالمسؤولية، ومن علائم ذلك ألا يكون الزوج بخيلًا بما يقدر عليه، وألا ترهقه الزوجة بكثرة الطلبات والنفقة، فقد يكون مثقلًا بالديون بحكم الطقوس المتعددة للزواج في هذه الأيام أو قليل الدخل كثير الحاجة.
 
وربما حصل الخلاف بسبب نفقةٍ من الكماليات، أو لشراء هدايا من أجل مواكبة المناسبات، فالاقتصاد في ذلك خيرٌ، فلا إفراط ولا تفريط، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولا ينبغي أن تحصل الشحناء بسبب ذلك في بيت الزائر في الوقت الذي يبتغي فيه إدخال السرور على بيت المزور.
 
سابع عشر: إذا تعرض أحد الزوجين لإساءة الآخر، فصدقني أنَّ تفكيره في أسر قلب الآخر بالإحسان خيرٌ له من التفكير في الثأر والانتقام.
 
والإحسان إذا كان قليلًا في ذاته كثيرًا باعتبار تكرُّره، فإنه أحسن أثرًا من الإحسان الكثير الذي ينقطع.
 
وأكتفي بهذا القدر، ومن أراد التوسع، فأحيله على رسالة "المنهاج في سعادة الزوجات والأزواج"، وقد نشرتها على قناة التليغرام، وكذلك على الحلقة الحوارية المتلفزة بعنوان: "أعمدة بناء البيوت"، وهي منشورةٌ على الشبكة.
 
هذا؛ وصلِّ الله وسلِّم على سيدنا محمد، والحمد لله رب العالمين

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١