وقفة مع طريق الإصلاح
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
وقفة مع طريق الإصلاحنتحدَّث باستمرار عن أهمية التغيير والإصلاح في مجتمعاتنا وفي واقعنا، والذي يبدو واقعًا مسخوطًا غير مرضيٍّ في العديد من الجوانب، مع وجود جوانب أخرى كثيرة مُشرِقة يَفرح بها كل مسلم.
حين نتحدَّث عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الخير لن يعدم، لكن النظرة العامة المُنصِفة للأمة ترى أن الأمة لم تتمسَّك بثوابتها بالشكل المطلوب، كما أنها لم تُجارِ بقية أمم الأرض فتصبح أمةً لها ثقلها وكلمتها في وجه أعدائها، بل هي بين التبعية والحياد في أسوأ الأحوال!
يَكثُر الحديث عن أهمية الإصلاح الاجتماعي، كما يكثر عن غيره من أنواع الإصلاح التي تحتاجها الأمة؛ حتى تَنهَض وتبني حضارتها من جديد، وحين الحديث عن هذا الإصلاح، يَنبغي أن نقف وقفةً، تلك الوقفة مُتعلِّقة بقول الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، وإذا أخذنا الآية بعموم لفظِها، وقلنا: إنه ينبغي علينا أن نصلح أنفسنا كأفراد، وكمجتمعات صغيرة؛ حتى تَصلح الأمة بمجموعها، فإن هذا الأمر في غاية الأهمية، وهو أمر قليل التحقُّق في واقعنا؛ فهو قليل التحقُّق من جهتَين: جِهة أن يكون الناصح وداعيةُ التغييرِ نفسه مُقصِّرًا، وجهة ثانية: أن يَنشغل عن المُقرَّبين منه ممَّن يقعون فيما يُحذِّر منه.
فأما كون الناصح نفسه مقصِّرًا، فهذا أمر يَنبغي التعامل معه بحذر حال وجوده، وعلينا معالجته، فلا يَنبغي أن يتوقَّف الشخص عن النُّصح والدعوة بسبب كثرة ذنوبه مثلاً، كما أنه إن تمادى في هذا الأمر واستمرَّ في مخالفة الصواب الذي يَعلمه، فليعلم أنه في خطر عظيم؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتَندلِق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيَجتمِع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان، ما شأنك؟ أليس كنتَ تأمرنا بالمعروف وتَنهانا عن المنكر؟! قال: كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المُنكَر وآتيه))؛ [حديث صحيح؛ رواه البخاري 3267]، وهذا الحديث كافٍ في الدلالة على خطورة الأمر وجسامتِه.
ومن ناحية أخرى، فإن التربية والدعوة والنُّصح تكون في الغالب أجدى ما تكون إذا صاحَبَها عملٌ وقدوة حسنة، فإن العمل يكون كثيرًا أبلغَ مِن ألفِ مقال، وإن قال قائل: لكن الناس لا يَرونني؛ فأنا أستتِر بمعصيتي أو مُخالفتي، فهذا أمر خطير مُتعلِّق بالسرائر من الأعمال كذلك، ولا أقل من أن يمحو الله بركة ما تقول، فلا تجد لك مُصغيًا أو مُستجيبًا، وهذا أمر حساس متعلق بالنيات وأعمال القلوب، فلنَتفقَّد قلوبنا ونياتنا؛ فإن الله مُطَّلع عليها؛ ﴿ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النحل: 19].
وأما الانشغال عن المقرَّبين ممَّن يأتون المُخالفة التي يُحذِّر منها، أو لا يفعلون ما يدعو إليه من خير، فهذا الأمر أيضًا بحاجة إلى تأمُّل ووقوف طويل عنده.
إن الله - عز وجل - لم يُكلِّفنا أن نهدي الناس هداية التوفيق والإلهام، وإنما وضَع بأيدينا القدرة على هداية الدلالة والإرشاد بطرق الدعوة المختلفة، وقد أمر الله - عز وجل - نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يبدأ دعوته بدعوة الأقربين، ولم يأمرْه بهدايتهم.
بل إن الله - عز وجل - لحِكمة عنده لم يكتب الهداية لأبي طالب، وأنزل بعد موته على الشرك: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص: 56]، كذلك: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ [التوبة: 113]، فلا لوم على أي داعية وناصح في عدم قبول الناس منه إذا كان يَنصح بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن اللوم يكون على مَن ترك الأقربين، وأخذ يُلاحِق الأباعد يَنصحُهم ويُرشِدهم.
حين نتحدَّث عن بعض المشكلات السلوكية أو الاجتماعية المختلفة، ونناقشها ونبحثها، أو نُقيم المُحاضَرات والدروس حولها، ألا يُمكن أن نقف للحظة نتساءل فيها:
هل أقع أنا في هذا السلوك الخاطئ؟!
هل يقع أحد من أهل بيتي / أقاربي / أصدقائي / جيراني...
في هذا السلوك الخاطئ؟!
ثم: هل عالجتُ - أو حاولت معالجة - هذا السلوك إذا كان بالفعل موجودًا عندي أو عند غيري من المقربين؟!
أم أنني فقط سأُجِّهز أفضل بحث أو محاضرة وأذهب به إلى المحافل والمجامع والمُنتديات ألقيه أحسن إلقاء..
ثم لا أعمل؟! ولا أهتم بتطبيقه عند المقرَّبين؟!
دعُونا نقف عند بعض الإحصائيات التي تُطالعنا بها الدراسات يومًا بعد يوم...
لنَفترِض مثلاً أن أحد السلوكيات الخاطئة يقع فيه 25 % من المجتمع بناءً على الدراسة، وإذا كانت الدراسة دقيقة، فإن هذا الرقم قريب من الصواب، وهذا يعني أن واحدًا من كل أربعة من المجتمع يقع في هذا السلوك الخاطئ، وهذا يَعني أنه على الأغلب سيكون واحد من عائلتك أو أصدقائك أو جيرانك أو المقربين منك يقع في هذا السلوك الخاطئ، وإلا فأي شيء يكون المُجتمع إلا أسرتي وأسرتك، عائلتي وعائلتك، حَيِّي وحَيُّك؟!
فهل قمنا بواجب النصح لهم بالشكل المطلوب؟!
يبقى هنا السؤال، وينبغي أن تكون الإجابة لمن يريد الإصلاح: "نعم"، أو على الأقل: "نوعًا ما"، أما إذا أجبنا بـ"لا"، فهناك خلل يَنبغي تداركُه.
والخلاصة:
إنَّ الأخطاء التي نحذِّر منها في الغالب إما أن نكون نحن ممَّن يَرتكبها بشكل أو بآخر، أو أن هناك أحدًا ما في محيطِنا يفعلها، إن كان الأمر كذلك، فلنسْعَ لإصلاح الخلل في هذا المحيط الصغير؛ حتى تَنتشِرَ عدوى [يعمَّ خير] الصلاح والإصلاح المجتمع كله، ثم الأمة جمعاء.