من معاني البصيرة : العلم
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
من معاني البصيرة: العلممِن معاني البصيرة - كما سبق بيانه - العلمُ والحجَّة، والرؤية الصحيحة الواضحة.
والعلم هو أولُ مرتبةٍ من مراتب الجهاد - كما بيَّن ابن القيم - والدعوةُ على بصيرة هي أفضلُ الأعمال، وأجلُّ القُرُبات، وأشرَفُ وظيفةٍ يقوم بها المسلم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، وهي - كسائر العبادات - يُشتَرَط فيها الإخلاص والمتابعة، والمتابعة إنما هي العلم والعمل؛ ولهذا بوَّب البخاري - رحمه الله تعالى -: باب العِلم قبل القول والعمل؛ لقول الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، فبدَأ بالعِلم؛ يقول ابن حجَر: (أراد به أن العلمَ شرطٌ في صحة القول والعمل، فلا يُعتَبَران إلا به؛ فهو متقدِّم عليهما؛ لأنه مُصحِّحُ النِّية المُصحِّحة للعمل)[1].
والداعي لا بدَّ أن يكون أداةً صالحة، صالحًا في نفسِه، مُصلحًا لغيره، وعليه فقد وجَب أن يكون صحيحَ العقيدة، سليمَ القلب من الشِّرك ومن أغراض الدنيا، سالكًا سبيل المؤمنين، مهتديًا بهَدي القرآن، وبهَدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذلك لأن اللهَ تعالى كما تعبَّدَنا بالغايات، تعبَّدَنا بالوسائل والأساليب، ومن هنا كانت أهميةُ الضبط الشرعي لحركةِ الداعي، وذلك من البصيرة في الدعوة.
والعلم المرادُ تحصيلُه هو - بالإضافة إلى العِلم الشرعي - العِلم بطبيعةِ المرحلة، واختيار أنسبِ الأساليب والوسائل.
ومما لا مَناصَ مِن العلم به: العلمُ بالله عز وجل، وبأسمائه وصفاته، وأمرِه ونهيِه، وسُننه في أرضه وخَلقه، والعلم بتاريخ الأُمَم، وأسباب نهوضها وسقوطها، وكذا العلم بأحوال البَشَر وطبائعهم، والعلم بأحوالِ الزمان، وموازين القوى الدَّولية والإقليمية، وكيفية التأثير في مُجرَيات الأحداث، وكيفية مواجهة الأزمات بعد معرفةِ أسبابها، وعلاج دوافعها، والوسائل الناجحة في ردِّ الشُّبهات المُثارةِ ضد الإسلام، وتلك الحملة المُغرِضة التي تقومُ بها وتتبنَّاها قوًى صليبية وصِهْيونية خارجية، ومعها قوى داخلية لا انتماء لها، لا للإسلام ولا للوطن، والتي تهدف إلى القضاءِ على الطابع الإسلاميِّ لبلادنا، والمظهر الإسلامي لها، كما يحدُث الآن في القضايا المثارة على الساحةِ الداخلية والخارجية؛ كقضيةِ الحجاب، وفِرية انتشار الإسلام بالسيف، وأنه دينُ العُنف والقتل - لاحِظْ أن المسلِمينَ الآن أضعفُ أهل الأرض، ومع هذا يُتَّهمون بأنهم إرهابيُّون - وقضايا الشريعة الإسلامية، خصوصًا قوانين الأحوال الشخصية والحدود.
إن على الدعاة - على بصيرة - واجبًا ثقيلاً، يتطلَّبُ حَشْدَ القُوى والإمكانات لعملِ الدراسات والأبحاث في كلِّ المجالات الدِّينية والدنيوية، ولا يجوزُ بأيِّ حال من الأحوال أن يتركَ المسلمون المجالَ لأعداء الإسلام كي يملِكوا أسبابَ العلم والقوة، ثم نتوسل إليهم ونواليهم حتى يعطفوا علينا بشِحنةٍ من الدقيق الملوث، أو المخلوط ببذر الخشخاش! أو لكي يصدروا إلينا أسلحةَ قرنٍ مضى كي تتدرَّبَ عليها جيوشُ المسلمين الهزيلة؛ إذ إن المسلمين قد تثقَّفوا بثقافةِ السلام، أو الاستسلام للذَّبْح دون وعيٍ أو مقاومة.
إن أولَ كلمة نزلت من القرآن هي ﴿ اقْرَأْ ﴾ [العلق: 1]، وهي أمرٌ بالفَهْم والفِقه والتدبُّر والتعلُّم مِن أجلِ العمل، وهما - أي: القراءةُ والعمل - الطريقُ إلى النصر، (كانت سورةُ النصر آخرَ ما نزَل على قولِ بعض العلماء).
من كتاب: "البصيرة في الدعوة إلى الله"
[1] فتح الباري، جزء1، ص: 130.