أرشيف المقالات

إلى الدعاة وعلماء الإسلام {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، {فبما رحمة من الله لنت لهم}

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
إلى الدعاة وعلماء الإسلام
﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 159]
 
أيها الدعاة إلى الله، أيها العلماء الأجلاء علماء الإسلام، ألا تشعرون معي وتتألمون لما عليه أمتنا من تفتت وتمزق؛ بل وصراعات يقودها أعداء الله من اليهود، ووقود هذه الحروب شباب المسلمين الذين ينقادون بحماستهم دون رويَّة، ونتيجة ذلك مزيد من الحروب وتمزُّق بلاد المسلمين، وضياع صغارها وكبارها وذلهم في الحياة؛ بل وضياع خيرات بلاد المسلمين.

إن هذا الوضع نفسه كان سببًا في نزول الآيات الكريمة من ربكم يدعوكم ربكم بقوله: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 103].

أيها الدعاة إلى الله، أيها العلماء الأجِلَّاء علماء الإسلام، إنه نفس ما ذكرته كتب السيرة أن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلًا من اليهود مَرَّ بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والأُلْفة، فبعث رجلًا معه، وأمره أن يجلس بينهم، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم " بعاث!"وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم، وتوعدوا إلى" الحرة"، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلمفأتاهم، فجعل يسكنهم، ويقول:"أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"، وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم.

أيها الدعاة إلى الله، أيها العلماء الأجِلَّاء علماء الإسلام، ألا تقتدون بنبيِّكم في توحيد صفوف المسلمين، ولا تكونوا أنتم سببًا في فرقتها بدعوتكم للتعصب لطائفة أو جماعة أو مذهب من المذاهب، وتشعلوا نار الفرقة بين المسلمين بحديثكم فيما تشابه من آيات القرآن ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]، وتطلقوا مسميات بديلة للإسلام بحجَّة مخالفة أهل البدع والشرك، فتقعوا في نفس البدع والشرك، ولا ترضوا ما رضيه الله لكم ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

أيها الدعاة إلى الله، أيها العلماء الأجِلَّاء علماء الإسلام، إنه ما يجمع القلوب إلا أخوة في الله، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية، والثارات القبلية، والأطماع الشخصية والرايات العنصرية، ويتجمَّع الصف تحت لواء الله الكبير المتعال.

وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة، وما كان إلا حبل الله الذي يعتصم به الجميع فيصبحوا بنعمة الله إخوانًا، لا تقولوا إلا ما قاله الله، إنه الإسلام.

﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [آل عمران: 103]، هذه الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يمتنُّ الله بها على المسلمين، وهي نعمة يهبها الله لمن يحبهم من عباده دائمًا.

فإن في اجتماع المسلمين على دينهم، وائتلاف قلوبهم يصلح دينهم وتصلح دنياهم، وبالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور، ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على الائتلاف ما لا يمكن عدها، من التعاوُن على البر والتقوى، كما أن بالافتراق والتعادي يختل نظامهم، وتنقطع روابطهم، ويصير كل واحد يعمل ويسعى في شهوة نفسه، ولو أدى إلى الضرر العام.

أيها الدعاة إلى الله، أيها العلماء الأجلاء علماء الإسلام، هكذا يجب أن يكون موضوع دعوتكم.

كما يجب اتِّباع أمر ربكم لرسوله في أسلوب دعوته وطريقه في تحبيب المسلمين في الإسلام.

﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]، فهي رحمة الله التي نالته ونالتهم، فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيمًا بهم، ليِّنًا معهم، ولو كان فظًّا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب، ولا تجمَّعت حوله المشاعر، فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمِّه، ويجدون عنده دائمًا الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء.

أيها الدعاة إلى الله، أيها العلماء الأجِلَّاء علماء الإسلام، هذا هو موضوع دعوتكم، دعوة إلى الإسلام، لا إلى جماعة بمسميات لم يذكرها الله ولا رسوله، وما أكثر هذه المسميات الآن! ولا تزكية لهذه الجماعات، فالله يزكي من يشاء، ووحدة الصف المسلم له الأولوية بعد التوحيد الخالص لله، وأسلوب الدعوة يكون برحمة من الله، لا استعلاء على الناس ولا تزكيه من البشر لأنفسهم ولا لغيرهم.

اللهم اغفر لي ولجميع المسلمين والدعاة وعلماء المسلمين العاملين بهدى الله.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢