أرشيف المقالات

محاضرات ومناظرات

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
حياتنا الاجتماعية في ضوء فلسفة العهد الجديد واتجاهاته ألقى الأستاذ محمد حسن العشماوي وزير المعارف الأسبق بقاعة (يورت) بالجامعة الأمريكية يوم الجمعة الأسبق محاضرة في هذا الموضوع استغرقت ساعة ونصف ساعة يمكن أن نلخصها فيما يأتي: - دعتني الجامعة الأمريكية لأحدثكم عن المشكلات الاجتماعية التي تتغلغل في حياتنا، فأبادر قبل أن أسترسل في الحديث إلى أن أعلن أنني لست في هذا الميدان إلا هاوياً ولست فيه من المتخصصين.
ولقد كنت وقفت من فوق هذا المنبر منذ عامين أبشر الناس بقرب انبلاج فجر جديد يشرق علينا بأوضاع اجتماعية سليمة، وكان الناس يعجبون لهذا التفاؤل مني لأن الظلام الحالك كان يشتملهم ويحيط بهم من كل جانب، فكنت أجيبهم بأن هذه الحلوكة الشديدة، وهذا الظلام الشامل هما مصدر تفاؤلي، فإن الفجر الصادق يجئ عادة على أثر هذه الحلوكة الشديدة! وإذا رجعتم إلى الوراء قليلاً، إلى ما قبل هذا الانقلاب المبارك رأيتم عجباً! ورأيتم صورة شائهة ممسوخة للمجتمع في مصر! كانت هناك أمة وكان هناك دستور وحكومة وبرلمان ومؤسسات صحية وثقافية واجتماعية وما إلى ذلك.
.
كان هذا في ظاهر الأمور، ولكن الباحث المتغلغل لا يجد وراء هذه الظواهر شيئاً، بل يجد الفساد والجهل والفقر والمرض والظلم الاجتماعي الشديد. يجد نسبة المرضى إلى الأصحاء في أريافنا هي 96 % ويجد نصيب كل ريفي خمسة أمراض! ويجد العناية تبذل لمواشي هؤلاء الفلاحين أكثر مما تبذل لهؤلاء الفلاحين أنفسهم، لأنها تجلب لأصحاب الثروة ما لا يجلب الفلاحون!.
.
ويجد 80 % من أبناء الشعب لا يقرءون ولا يكتبون، ويعيشون في أمية تامة، ليست أمية قراءة وكتابة فقط، ولكنها أمية ثقافية وزراعية وصحية وخلقية ودينية، تسودهم الخرافات وتطمس عقولهم طمساً.
ويجد الأرض المزروعة هي 132 من مساحة البلاد، والشعب يزيد ويتكاثر وهي لا تزيد، حتى أصبح نصيب كل مصري ربع فدان فقط!.
.
ويجد الدولة وقد حالت دون تصنيع الريف ليظل مزرعة لكبار الملاك الذين يمتصون دماء المواطنين من الفلاحين ليسكبوها ذهباً وخمراً على سيقان الغانيات في أوربا. تلك بعض مظاهر حياتنا الاجتماعية إلى الأمس القريب، ولولا يقيننا بأن محمداً خاتم الأنبياء والمرسلين لدعونا الله أن يرسل فينا - من جديد - رسولا!! ولكننا اليوم ومنذ هذا الانقلاب المبارك بدأنا في العلاج، وعلينا أن نحقق للعلاج وسائل نجاحه، وأن نساعد على استئصال شافة المرض، فما هي الدعائم التي يجب أن يقام عليها مجتمعنا الحديث بعد هذه الوثبة الجريئة الحميدة؟ 1 - يجب أن نجعل هدفنا دائما سواد الأمة، فنضمن لكل فقير غذاء، ولكل عار كساء، ولكل مريض دواء، فلا تظل نسبة وفيات الأطفال 50 % كما هي اليوم، ولا يعيرنا الأجانب بقولتهم الشهيرة (إن النساء في مصر يلدن للقبر!). 2 - يجب أن نيسر المرحلة الأولى من التعليم لجميع المصريين على السواء، وألا تقتصر مدارسنا - كما هي اليوم - على ربع الذين هم في سن التعليم ويظل ثلاثة أرباعهم هائمين في الطرقات! 3 - يجب أن يفرض على الشباب أن يؤدوا للدولة خدمة عامة من أي نوع قبل أن يلوا أية وظيفة، وأن تحرم عليهم الوظيفة قبل أن يؤدوا هذه الخدمة كما يفعل الكثير من الدول. 4 - يجب أن تفرض التربية الدينية الروحية فرضا من البيت إلى الجامعة، فإن مرد كل ما نراه من فساد الضمائر والنفاق والخوف والذل إلى ضعف الثقة بالله وموت العاطفة الدينية القوية في النفوس. 5 - يجب أن نعنى بالطفولة عناية كبيرة ممتازة، وأن نعمل بكل الوسائل على تعليم الأمهات مبادئ التربية والتمريض وشيئا من الثقافة العامة. 6 - يجب أن ننبه الناس إلى أن يلغوا الألقاب والفوارق في قلوبهم ونفوسهم بعد أن ألغتها الدولة في الرسميات والبروتوكول، وأن نلقنهم إن الناس أمام القانون سواء وانه لا فضل لواحد منهم على أخيه إلا بالعمل الصالح لخدمة الوطن. تعليمنا العام على ضوء فلسفة العهد الجديد واتجاهاته وألقى الأستاذ إسماعيل القباني وزير المعارف بنفس يوم الجمعة السابق محاضرة في هذا الموضوع وهي إحدى حلقات هذه السلسلة التي نظمتها الجامعة الأمريكية، استغرقت ساعة ونصف ساعة كذلك، ويمكن أن نلخصها فيما يأتي: - تحدث الأستاذ المحاضر في أهداف العهد الحاضر، وبين أن جماع هذه الأهداف هو الديمقراطية، وتساءل عن معنى الديمقراطية، وذكر أنها تنصرف أول ما تنصرف إلى المساواة وإلى الحرية، وأستطرد فقال: - ولكن ما هي الحرية وقد أسيء فهمها كثيراً؟ هل معناها إن الناس جميعاً يكونون رؤساء لا مرؤوسين؟ أو يصيرون قادة لا مقودين؟ إننا لو أخذنا بهذا المعنى لكانت الفوضى الشاملة: لأن كل عمل لابد لنجاحه من القيادة الرشيدة والرياسة الحكيمة التي توفق بين حريات الجميع لتخرج بأعظم نتيجة.
والفارق بين النظام الاستبدادي والنظام الديمقراطي أن الجماعة الديمقراطية تعمل لتحقيق أغراض مشتركة بين أفرادها جميعاً وتعمل عن اقتناع بما تعمل، لا عن خوف ولا عن ضعف، ولكن عن إيمان بالهدف الذي تسعى لتحقيقه. فإذا فهمنا إن أساس وجود الديمقراطية هو وجود أغراض مشتركة تسعى الجماعة لتحقيقها، كان لابد من وجود ميول ودوافع مشتركة بين الأمة جميعها، ولابد أن تتفاعل هذه الميول بين أفراد الأمة، وأن تأخذ وتعطي بعضها من بعض.

فكيف نستطيع إيجاد هذه الميول والدوافع المشتركة التي تتحقق بها الحياة الديمقراطية الصحيحة؟ لن نستطيع ذلك إلا بأن نتيح قدراً مشتركاً من التعليم لكل أفراد الأمة حتى تصير الأمة وحدة مشتركة، قدراً يمكنهم من فهم بلادهم، وفهم القيم والنظم التي تعيش في ظلها بلادهم، وفهم الأغراض التي تعمل على تحقيقها.
.
فما هو القدر المشترك الذي يجب أن نوفره لكافة الأفراد؟ عندي أنه لابد أولاً مراعاة طاقة الدولة وإمكانياتها، وأظنكم تعلمون أن مدارس الرحلة الأولى عندنا تضم مليونا وربع مليون من الأطفال، وأن ثلاث ملايين لا تتسع لهم هذه المدارس، وأن عندنا في التعليم الثانوي مائة وخمسين ألف طالب، وفي الجامعات أربعين ألف طالب.
وننفق على هؤلاء 27 مليون جنيه كل عام! فإذا أردنا أن نعلم ثلاثة الملايين من الأطفال الذين لم تتسع لهم المدارس بعد فسنحتاج إلى ثمانين أو تسعين مليونا من الجنيهات، فكيف إذا أردنا أن نرفع سن المرحلة الأولى حتى نهاية التعلم الثانوي؟ وكيف إذا أنشأنا الجامعات تباعاً في مختلف عواصم البلاد؟ يجب أن ننظر طويلاً في طاقتنا وإمكانياتنا، وألا نسرع بإنشاء المدارس الفجة المبتسرة الناقصة الاستعداد، يجب ألا تكون سياستنا التعليمية من ساعة لساعة أو من يوم ليوم؛ وإنما يجب أن ننظر إلى المستقبل البعيد، وما عدا ذلك فهو خيال ليس المقصود بالتظاهر به إلا خداع الأمة! وأجاهر بأننا لو استطعنا أن نحقق هذا القدر من التعليم لجميع المصريين في عشر سنوات لكان نجاحاً كبيراً. ويجب ألا يصرفنا هدف عن هدف، فتقتصر جهودنا على تعميم المرحلة الأولى ولا يصرفنا عنها التعليم الثانوي مثلا، فإن الطاقة لا تحمل الأمرين معا، ويجب أن يكون التدرج في نشر التعليم تدرجاً هرمياً قاعدته المرحلة الأولى وقمته مرحلة الجامعات، كما في إنجلترا مثلا حيث تجدون في المرحلة الأولى 6.
5 مليون، وفي مرحلة التعليم الثانوي نصف مليون أو اكثر قليلاً، وفي الجامعات خمسين ألفاً فقط! وأحب أن أشير إلى أمرين خطيرين: أولهما أن المدرسة الثانوية ليست وظيفتها أن تعد للجامعة فقط؛ ولكنها تعد رجالا مكونين تكوينا اجتماعيا وروحيا وعلميا يجعلهم عنصراً صالحا للحياة.
وثانيهما إن التعليم الجامعي يجب أن يراعى فيه الكيف دون الكم، والبلاد التي تقدم الكم على الكيف في التعليم الجامعي إنما هي بلاد تنتحر! فلن يكون التعليم جامعياً حقا إلا بالتفاعل بين الأستاذ والطالب، ولن يكون هذا التفاعل إلا إذا كان عدد الطلاب بالقدر الذي يتمكن معه الأساتذة من هذا التفاعل، وإلا إذا كان الأساتذة أنفسهم معدين أحسن إعداد. ثقافتنا النسوية في العهد الجديد وفي يوم الاثنين الأسبق ألقت الدكتورة درية شفيق محاضرة في هذا الموضوع بدار نقابة الصحافة، وقد استغرقت ساعة كاملة، وأستغرق المعقبون عليها ساعتين! وحمى وطيس الجدال بين الطرفين حماساً بالغاً.
ونلخص المحاضرة فيما يأتي: - إننا اليوم في مفترق الطرق، في ثورة جاءت لتحقيق العدالة التامة بين المواطنين، وفي هذا العهد الأغر تريد المرأة أن تأخذ مكانتها الملحوظة، وتنال حقوقها الطبيعية في المجتمع.
وأرجو أن تسمحوا لي أن أرجع بكم قليلاً إلى عهود الإسلام الأولى لتروا ما كانت عليه المرأة من شأن جليل الخطر، فأنتم تعلمون إن (نسيبة) أم عمارة وقفت في غزوة (أُحد) تقاتل دون النبي ﷺ غير حافلة بالسهام المسددة إليها والتي جرحتها أثنى عشر جرحا وفي ذلك قال النبي ﷺ (ما التفت يميناً أو شمالا يوم أحد إلا ورايتها تقاتل دوني).
وأنتم تعلمون أن ذات النطاقين (أسماء) عرضت نفسها للهلاك في سبيل منجاة النبي وصاحبه من المشركين، وأن السيدة (عائشة) كانت الزوجة المثقفة التي تروي الكثير من الأحاديث، والتي نزل فيها الكثير من الآيات.
. كان هذا بعض شأن المرأة والدعوة الإسلامية في مهدها، وكان هذا من عوامل نجاح هذه الدعوة.
وليس ذلك بدعا في الإسلام؛ فكل دعوة لا تنجح إلا إذا آزرتها المرأة المثقفة التي تعرف واجباتها وحقوقها.
.
وأعود بكم إلى المرأة المصرية اليوم وإنكم لأدرى الناس بما هي عليه من جهل مطبق بلغ 90 % من نساء مصر، وإنكم لتعلمون خطر هذا على كيان الأمة، فالأم هي التي تقرر مصير الأمة إذ تلقن الطفل في سنواته الأولى وقبل دخوله المدرسة المبادئ التي ترسخ في ذهنه، وهذه السنوات الأولى - كما يقرر علماء النفس - هي التي تحدد عقل الإنسان طوال حياته! وإنكم لتشاهدون كيف تعالج الأمهات في مصر أبناءهن بالرقى والتمائم! وإنكم لتشاهدون الأمهات اللائى يأبين أن يمس الماء أجسام أبنائهن العام كله خوف البرد والزكام! وإنكم لترون النسبة الهائلة في وفيات الأطفال التي هي معرة لمصر بين الأمم!.
.
إن مرد ذلك كله إلى جهل الأمهات، والنبي الكريم يقول (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)! إن المرأة المصرية اليوم تطالب برفع كابوس الجهالة عنها، تطالب بأن تكون كالرجل في ذلك سواء بسواء، فتخفف من أعبائه، وتكون عاملا من عوامل ارتفاع المعيشة في البلاد، وتطالب - كما يطالب العالم كله - بإبطال دور (لحريم) وتحريرها منها.
إن المرأة قد كسبت ميادين جديدة منذ قاسم أمين، ولن تجلو عن هذه الميادين، بل لن تهدأ حتى تضيف إليها ميادين جديدة.
ألم تروا إلى أفلاطون وهو يطالب بأن يكون نصف جيش الدولة من النساء؟ ألم تروا إلى النبي الكريم وهو يعتز برعاية أمه ويقول (إنما أنا أبن امرأة كانت تأكل القديد)؟ علي متولي صلاح

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢