الكُتُب
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
الديمقراطية في الإسلام
تأليف الأستاذ عباس محمود العقاد
للأستاذ عبد الرازق عبد ربه
ظهرت في السنوات الأخيرة، مؤلفات عديدة في اللغة العربية تبحث في موضوعات إسلامية، ولم تكن تلك المؤلفات بأقلام الغربيين أو المستشرقين كما كان الأمر من قبل، وإنما كانت كلها بأقلام سادة من كبار الكتاب المصريين في هذا العصر الحديث؛ فالأستاذ سيد قطب بحث في العدالة الاجتماعية في الإسلام ثم خص الرأسمالية والإسلام بكتاب، وأستاذنا الدكتور أحمد أمين بك يصدر كتابا عن الإسلام بعنوان (يوم الإسلام) وها هو ذا أستاذنا الكبير العقاد الذي درس بطريقته المبتدعة الرصينة عظماء الإسلام في سلسلة العبقريات يصدر اليوم كتاب (الديمقراطية في الإسلام) بعد أن أصدر منذ خمس سنوات كتابه (الفلسفة القرآنية) ومن أحق من أستاذنا العقاد بالكتابة عن الديمقراطية؟ فهو كاتبها الأول المنافح عنها، الذائد عن حياضها حتى تعرض لما تعرض له من أقوال ذوي النظر القصير، وآراء ذوي العقل الكليل، ورمى بما لا يصح أن يرمى به الأستاذ العقاد.
فإذا كان الأستاذ العقاد يكتب اليوم عن الديمقراطية في الإسلام فقد كتب من قبل عن (الحكم المطلق) منددا به، ولعل حبه للديمقراطية وكراهيته للاستبداد حدا بأستاذنا الكبير أن يكتب عن هتلر في كتابه (هتلر في الميزان) وإن حيك حول هذا الكتاب من أباطيل لا تدل إلا على سخف في التفكير وفساد في الضمير.
وكتاب (الديمقراطية في الإسلام) يقع في ثمان وسبعين ومائة صفحة من القطع المتوسط، قامت بنشره دار المتعارف. والمسحة الغالبة في هذا الكتاب هي تلك المسحة التي يمتاز بها الأستاذ العقاد في كل ما يكتب، وأعني بها الثقة الواعية المتثبتة التي تدعوه أن يقرر ما يقرر في غير ما شك أو تردد.
وشيء آخر يجده المتتبع لكتب العقاد أن أسلوبه مهما طال الكتاب أو قصر في مستوى واحد من البيان. وما أجمل ما دفع الأستاذ الكبير إلى كتابة هذا البحث القيم (فإن الأمم الإسلامية في عصرن تنهض وتتقدم، وأنها أحوج ما تكون في هذه المرحلة خاصة إلى الحرية والإيمان متفقين، لأن الحرية بغير إيمان حركة آلية حيوانية أقرب إلى الفوضى والهياج منها إلى الجهد الصالح، والعمل المسدد إلى غايته، ومن الخير أن تذكر الأمم الإسلامية على الدوام أن الحرية عندها إيمان صادق، وليست غاية الأمر فيها أنها مصلحة ونظام مستعار) ثم ينتقل الأستاذ بالقارئ من فصل إلى فصل تنقل الخبير بالمسالك والدروب دون أن يشعر بيأس أو فتور، ولا يسع القارئ إلا أن يمضي قدما في القراءة حتى يصل إلى الخاتمة. ولا يسعني في هذا المقال إلا أن أشير على أولئك الذين ينفثون سموم المبادئ الهدامة بين الطبقات الجاهلة، أولئك الببغاوات التي تنطق ولا تعرف ما تقول.
.
أن يقرءوا ويتدبروا الفصل القيم الخاص بالديمقراطية الاقتصادية؛ ومن الخير أن يقرأ أولئك المتعصبون على الإسلام والمسلمين ذلك الفصل النفيس (مع الأجانب) ليعرفوا مدى تسامح الإسلام والمسلمين مع الأجانب.
.
ولن يقرأ أولئك المتعصبون ذلك الفصل إلا إذا ترجم الكتاب إلى الأوربية، ولعل الحاذقين لهذه اللغات ينهضون بهذا العمل الجليل، ولن أنسى ذلك الفصل الممتع (أقوال المفكرين الإسلاميين) وفيه عرض واضح على الإمامة والسياسة في الإسلام، إلا أن لي ملاحظة واحدة، وهي أن أستاذنا الكبير أتى بجزء من وصية الإمام علي بن أبي طالب لمالك بن حارث الأشتر النخعي حين ولاه مصر، وهذه الوصية منسوبة إلى الإمام علي فيما نسب إليه.
نعم، إن الوصية ليست من كلام الإمام علي، وإنما هي بكلام العباسيين أشبه، لأن الكتابة المطولة لم تكن معروفة في العصر الأول من الإسلام ولم تكن لدى الإمام علي سعة الوقت وهدوء البال ليكتب هذا العهد المسرف في الطول، وما كان أجدر أستاذنا الكبير أن يحقق هذه المسألة وهو على ذلك قدير إن أراد. على أن مثل هذه المسألة التي تدل على وجهة نظر خاصة بي، لا يمكن أن تقلل من قيمة هذا الكتاب القيم على ما به من أخطاء مطبعية يقع اللوم كله فيها على عاتق دار المعارف التي عودتنا أن نرى مطبوعاتها في حلل قشيبة من الطبع الأنيق الصحيح. ولن أضع القلم قبل أن أرفع إلى أستاذنا العقاد تحية ملؤها الإكبار والإجلال، داعيا الله أن ينسئ في عمره ليمد المكتبة العربية بنفائس الكتب وفرائد المؤلفات. عبد الرزاق عبد ربه خواطر (في فن الأدب) تأليف الدكتور توفيق الحكيم بك للأستاذ إسماعيل كوكب في الأمثلة الجارية: الكتاب يقرأ من عنوانه: يقال هذا في المقابلات وفي المعاملات وفي ظواهر الأشياء.
.
وعلى ضوئه احتلت الدعابات صدارة الحكم الابتدائي في المرئيات: وسار النظار والمحكمون والنقاد على سنن الدعابات حتى النهاية، فمن وجدها سراباً لعن الدعابات المعترضة وطالب بتغيير المسميات أو تعديلها، ومن وجدها نبعاً لا سراباً استنبط منها زاد المعرفة وأضاف إلى دعابة الأرض دعوة السماء (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض). عندما بدأت في قراءة (كتاب فن الأدب) لاح أمامي عنوانه الدخيل على القدامى وقراء الأدب، وعادت بي الذكريات إلى المساجلات بين نقاد الحكيم وعشاقه، وتذكرت صديقي الذي جن بأسلوبه كما جن (قيس بحب ليلى). وقد استقبلت هذا الكتاب بتلك الخواطر فما كدت أرى دقة معانية البارزة في ربط ماضي الأدب بحاضره ومستقبله، وقوة تعبيره في مزج غربيه بشرقيه وسلامة خياله في إدماج القصة بالتصوير، وسرعة الخاطر في مسايرة المسرح والإذاعة والسينما، حتى كون إرهاصاً في ربط مستحدثات الأدب بمناهل لغة الضاد بعد أن سبكها بالفارسية ومزجهما بتلبد الأدب في الجاهلية وبعد الفتوح الإسلامية تدرج من أدب القفرة إلى أدب الواحة إلى أدب المدينة، ومن أدب الغابة إلى أدب الحانة، ومن أدب الدف والمزمار إلى أدب النوتة والأوتار، بعد أن سار في أسواق عكاظ ونقل من محاسن باريس وبغداد خلاصة تأملاته بين المدائن والقفار. بعد هذا كاد أن يدركني جنون صديقي في كتاب الحكيم الجديد وعجبت من التسمية التي لا تقرأ في عنوان الكتاب.
.
فإن الفن الذي يقصده بموازينه وأصوله التي تفرع منها المسميات الجديدة للسينما وغيرها ليست كافية وليست أصيلة في التسمية بعد أن جعله جامعة عامة لفن الأدب ولغير فنه، ولذلك فإني أخالفه في التسمية كما أخالفه في بعض الآراء والنظريات، تاركا الحكم فيها للمحكمين من الأدباء، وتقديرها للرأي العام بعد هذا. أوجه الخلاف: في صفحة 8 تحليل دقيق للابتكار الأدبي استشهد فيه بشكسبير وما نقله عن بوكامنو وغيره من علماء الغرب: ولم أر استشهاداً لعالم شرقي (وما أكثرهم في هذا العصر) فهل عزت المفاضلة أم لم ينقل متقدم من متأخر ما يستحق التسجيل: أم شيء آخر؟ وفي صفحة 14 مزج للبلاغة والنقد لم أقنع بأسبابه، فإذا أجازه كان ما جاء بصفحة 17 لا يصلح دستوراً لنقده الجديد لأنه واحد في جميع العصور.
.
وفي صفحة 22 مراحل تنقلات الأدب الزمانية والمكانية واستشهادات عربية لم نر للأئمة الشرقيين المعاصرين من استشهادات أو عرض حتى للضروري من مستلزمات هذا التحول.
وفي صفحة 24 قال (إن الأدب العربي لم ير في القرآن إلا نموذجاً لغويا ولم نر فيه النموذج الفني) فهل القرآن الذي لم يفرط في الكتاب من شيء قد أغفل هذا المستحدث الجديد.
.
أم عقلية معاصريه لم ترق في ذلك الحين إلى تذوق معانية ولم يتدارك أحد هذا النقص إلى اليوم: أم هناك تقصير من المعاصرين وهم الذين نزل بلغتهم القرآن اقتضته كراهيتهم لصاحب الرسالة في بدئها فأوجبت هذا الإهمال الجسيم الذي ظل عالقا إلى الآن: أم كما قال المؤلف (إن وحي الأدب العربي لم يرد أن يتحرك لا إلى أعلى ولا إلى أسفل لا نحو القرآن ولا نحو الشعب حتى تدارك الجاحظ هذا النقص فساير الشعب فاستحق اللوم لركاكة الأسلوب وعاميته (كما صور) ولم يسعف هذا النقص مقامات الحريري وبديع الزمان من حيث اللغة والفن لسجعها وبلاغتها المصطنعة.
وفي صفحة 119 مقارنات بين حقوق المرأة الغربية والشرقية وعدم تمتع الغربية بحقوقها السماوية وتمتعها ببعض الحقوق الوضعية التي لا فائدة فيها في غير المنظر، وتمتع الشرقية بواجبات تتمنى الغربية أن تصل إليها، وهاتان مشكلتان تتطلب كل واحدة منهما البحث والإفصاح وفي صفحة 112 عرض لكساد أسواق الشعر والأسباب وقد ذكر العلاج الإنجليزي لهذا التدهور ولم يأت بجديد في الأدب العربي.
وفي صفحة 187 إشادة بأثر الشعر الرديء في السينما ولم نر الأراجيز المحلية والأغاني البلدية في غير أسواق بعض العوام، أما القيم المعنوية والفنية فأثرها شائع بين العامة والخاصة. وبالنظر إلى كل باب من أبواب هذا السفر الجديد ترى فيه مدرسة قائمة في أسلوبها ومعانيها وتوجيهاتها، فإذا جاز للعربية في تحولها الأدبي والفني وفي مستقبلها أن تضع فوق هامتها كتاباً نسجله للأجيال القادمة في سجلات الخلود، فإن كتاب جامعة الأدب (لا فن الأدب) في نظري هو كتاب الجيل. إسماعيل كوكب