أرشيف المقالات

هطول الأمطار ومقارعة الأخطار

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
هطول الأمطار ومقارعة الأخطار
 
في هذه الأيام الجميلة تتزيَّن السماء بالسحب، وينزل الغيث، وترتوي الأرض بزخَّات المطر، وتسيل الأودية بماء، فيظهر جمالها، وتخضَرُّ جبالها، وتزدان الشِّعاب، وتعشوشب الهضاب، ويرفع العبد المؤمن يديه متهللًا فرحا قائلًا: اللهم صيبًا نافعًا.
 
هذه المناظر الجميلة لا تخلو من طيش الطائشين، وعبث العابثين، ومغامرة المهووسين لتجميع أكبر عدد من المتابعين والمشاهدين.
 
والأدهى والأمَرُّ أن البعض لا يكتفي بهلاك نفسه فقط، بل يهلك من معه دون إذنه، وقد يكون مغصوبًا على ذلك، فيقع الهلاك، وتحصل المصيبة، وتحل الكارثة، عياذًا بالله.
 
إن مما نلاحظه عبر الأخبار وعبر وسائل التواصل قيامَ البعض بتتبُّع الأودية أثناء نزول الأمطار، والدخول فيها، والمجازفة بقطع الأودية أثناء جريان السيول الهادرة، دون وعي للكارثة التي ستَحُلُّ به وبمن معه، ومَن وراءه من أب وأم، وزوجة وعشيرة.
 
أيها الأحبة:
مما ينبه عليه في هذه الأيام الماطرة الجميلة التي نسأل الله تعالى أن يزيدنا من فضله ورحمته، وأن يجعله صيبًا نافعًا - ما يُلاحَظ على البعض من الناس من الخروج أثناء الأمطار، ونزول الأودية والشعاب، والمغامرة بعبور تلك الطرق التي تمر معها السيول، ثم لا يلبث أن تقع الكارثة بهلاك أنفس معصومة، وضياع بعضها داخل الأودية تحت الطين والوحل، وإشغال رجال الدولة والدفاع المدني بمثل هذه الفواجع، والبحث لأيام عدة عن بعض الجثث، وتعظُم الكارثة إذا كان من يغامر بعبور تلك الأودية لديه عائلة معه في سيارته، فيتسبب في هلاكهم، وكل ذلك بسبب إهماله وعدم مبالاته، وضياع الأمانة عنده، والبعض يتتبع أماكن تجمعات المياه، ثم ينزل قريبًا منها بعائلته وأطفاله، ثم تقع المصيبة عند محاولة البعض منهم السباحة في تلك المياه المتجمعة، فيَهلِكون ويُهلِكون من يحاول إنقاذهم من أقاربهم، والقصص في هذه الحوادث كثيرة ومشهورة.
 
فالحذرَ الحذرَ من تتبُّع هذه الأماكنِ، ولنحرص على البقاء في بيوتنا حتى تنقشع الأمطار، ولا ننزل الأودية والشعاب، ومن كان معه أطفال فإنه يتحمل كفَّارة هلاكهم، إن أنزلهم لتلك الأماكن؛ لأنه مفرِّط؛ يقول الله تعالى محذرًا من الوقوع في المهالك: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]، ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّعَ من يعول))، وقال: ((كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته)).
 
ولا شك أن من عبر تلك الأودية، فتسبَّب بهلاك من معه، فإنه يتحمل كفارة القتل الخطأ؛ وهي عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين لكل فرد، فإن لم يستطع الصوم لعذر قاهر، أطعم ستين مسكينًا.
 
وللإحاطة: فقد نبَّهت إدارة الدفاع المدني إلى أن عبور الأودية والشعاب أثناء جريانها يعرِّض حياة المرء للخطر، لافتًا إلى أن هذا الأمر يُعَدُّ مخالفة تصل عقوبتها إلى 10,000 ريال.
 
وللعلم فإن آلية البحث عن الغَرْقَى الذين تجرفهم مياه السيول عملية غاية في الصعوبة والمشقة؛ لكون بعض هذه الجثث يحملها السيل إلى عدة كيلومترات، ثم لا تظهر على الأرض، بل تكون مدفونة تحت الطين، وبعض الجثث عند العثور عليها لا يُعرَف صاحبها؛ لكون السيول قد شوَّهت معالمها، نسأل الله العفو والعافية.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير