البريد الأدبي
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
إلى هجران:
ليتك ما تكلمت يا (هجران) فإنك لم تخرجي من تعقيب صاحب
التعقيبات إلا بطائفة من كلمات لا تقنع. أما الأجواء الفنية التي حلقت بينها الأجنحة النفسية فما تناولت بإشارة تدل عليها، كأن القضية لا تحتاج إلى نتيجة.
.
وأين الفن في أبيات صاغها (الحداد) من حديد، فاتبعه الوزن، وأعياه التكلف، وخانه (النحو).
وكل واحدة من هؤلاء قاصمة لها في عالم الشعر ما للذر في عالم الحرب.
.
وإني لحائر فأي ذوق فني في قول الحداد. أرم عينيك يا سحاب ...
إن بكى قلب شاعر أو قوله: وأغنى ليزهدا ...
بهتاف الضحى لهزار وأين الواو العاطفة التي ...
يفتقر إليها (ظمأي) عندما يقول: إن جوعي كوى للحجر ...
ظمأي جفف العيون إن العنوان الحق الذي يليق برأس تلك المقطوعات لا يكون غير (هذيان) هذا إن قصد الإنصاف واعتدلت الموازين، أما إن أريد غير ذلك فلا حرج في الإفتاء بجواز تجريد جواب الشرط من فائه. ليتك ما تكلمت يا (هجران) فإن القلم يوشك أن يقرض اللجام ليكشف الغطاء عن (الأداء النفسي) وذاك أمر أن يبد يسوء الأستاذ (المعداوي). وسلام عليك على صاحب التعقيبات. طنطا بركات وفاة البارودي نشرت الرسالة الغراء بالعدد (895) بضعة سطور ظن كاتباها أنه قد استدرك علينا فيما نشرناه بالعدد 892 من أن وفاة البارودي كانت في يوم الاثنين 12 ديسمبر سنة 1904 فقال: أن هذه وفاة كانت ليلة الثلاثاء 13 ديسمبر سنة 1904 وكأننا بهذا الاستدراك (التجاري) قد احتملنا وزر تقديم تاريخ وفاة البارودي ساعة أو بعض ساعة!! وقد كنا نود لو أن هذا الاستدراك قد ظهر من عشر يوم أن كتب هيكل باشا في مقدمة الجزء الأول من ديوان البارودي الذي طبع سنة 1940 أن الوفاة: كانت في الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر سنة 1904!! إن الذي يتصدى لمثل هذه الأمور يجب عليه أن يتحرى التحقيق البالغ لكي يصيب الغرض الذي يرمي إليه وهو ما في توخيناه في تحقيق وفاة البارودي رحمه الله فقد رجعا فيه إلى ثلاثة مصادر كبيرة لايشك أحد في روايتها ولا يجادل مكابر في تحقيقها في حين أنه كان يكفي في هذا التحقيق مصدر واحد منها وهذه المصادر هي مجلات: المقتطف والهلال المنار. أما المقتطف فقد قال في الصفحة 7 من المجلد 30 جزء يناير سنة 1905 من ترجمة مستفيضة للبارودي بقلم العلامة الدكتور يعقوب صروف ما يأتي: (وعاد إلى القطر المصري ليموت فقضى إلى رحمة ربه يوم الاثنين في الثاني عشر من الشهر (ديسمبر) ودفن بما يليق من الإكرام) وقال في الصفحة 92 من جزء فبراير سنة 1905 هو يتكلم عن حفلة تأبينه ما يلي: (وقد أجتمع الأدباء بدعوة الكاتب البليغ والشاعر المطبوع خليل أفندي مطران صاحب جريدة الجوائب المصرية في العشرين من يناير فتلوا ما نضموه من المرائي الخ). وقالت مجلة الهلال في الصفحة 261 من عدد فبراير سنة 1905 (السنة الثالثة عشرة) من كلمة لصاحبها جورجي زيدان بك (وظل بين أهله وذويه حتى توفاه الله في 12 ديسمبر سنة 1904 - وفي الصفحة 246 من هذا العدد قالت المجلة (ونظراً لمنزلته الرفيعة في نفوس الشعراء فقد اجتمعوا على ضريحه في الإمام الشافعي يوم الأربعين من وفاته الموافق 20 يناير الخ). أما مجلة المنار فقد زادت الأمر تحقيقاً وبالغت فيه إثباتاً، ذلك أنها ذكرت في الصفحة 832 من المجلد السابع ما نصه: توفاه الله تعالى في يوم الاثنين لخمس خلون من شهر شوال (سنة 1322) فشيعت جنازته باحتفال عظيم وصلى عليه الأستاذ الإمام (الشيخ محمد عبده) ولم أر صلى على ميت غيره إلا مأموماً، وسيجتمع شعراء مصر أدباؤها في اليوم (التاسع والثلاثين) لموته (الجمعة 14) ذي القعدة (20 يناير) عند ضريحه ويؤبنونه ويرثونه الخ).
فنظر إلى هذا التحقيق الذي تحراه صاحب هذه المجلة هو العلامة الجليل السيد رشيد رضا رحمه الله فإنه بعد أن ذكر أن وفاته كانت يوم الاثنين الموافق 12 ديسمبر سنة 1904لم يقل كما قال غيره أن حفلة تأبينه كانت في 20 يناير الذي هو يوم الأربعين، وإنما قال إنها كانت في اليوم التاسع الثلاثين لموته، وذلك لأن الأيام الباقية من شهر ديسمبر بعد اليوم الذي توفي فيه تبلغ تسعة عشر يوما فإذا ضم إليها 20 يوماً من شهر يناير كان مجموع ذلك 39 يوماً. وأن لرواية هذا الإمام لمنزلة محترمة من التقدير والثقة فأنه على دقته المعروفة عنه كان صديقاً حميماً للبارودي وكان كذلك في مقدمة من شيعوا جنازته هو وأستاذه الإمام محمد عبده. أما ما جاء في ظهر الورقة (و) من مقدمة الجزء إلاول من ديوان البارودي فهذا لا يعول عليه ولا يؤخذ به وقد طلعنا على هذا الجزء عند ظهوره في سنة 1916 وأغضينا طرفنا حينئذ عما جاء به شارح الديون في المقدمة مما أساء به إلى البارودي (وقصيدته)!! رحمهما الله، وانتقدنا بعض ما شرحه ونشرناه في جريدة السفور وكنا نريد المضي في هذا النقد ولكن الأستاذ الجليل الشيخ مصطفى عبد الرازق رحمه الله رغب إلينا أن نكف عن نقده بكلمة رقيقة. هذا هو الحق في أمر تاريخ وفاة البارودي ننشره على قراء الرسالة في بعضه غنية لمن أراد أن يقنع أو يقتنع بأن الوفاة قد كانت في يوم الاثنين 12 ديسمبر سنة 1904. المنصورة محمود أبو رية سويا تؤدي معنى معا خطأ أديب بالعدد 895 من الرسالة استعمال كلمة (سوياً) بمعنى (معاً)، وبعد أن أورد جملة من قصة مترجمة بقلمي بعدد سابق من الرسالة استعملت فيها كلمة (سويا) بمعنى معاً قال (إن الذي تراه اللغة في مثل هذا أن تكون كلمة معاً هي التي يليق بها أن تحل محل سوياً لا العكس في الترجمة لكلمة فهي التي تؤدي المعنى المراد)!.
. ولهذا الأديب أقول إن استعمال كلمة سوياً بمعنى معاً استعمال صحيح لا غبار عليه يشهد لذلك قوله تعالى في سورة مريم (قال رب أجعل لي آية، قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سوياً) والتقدير (ثلاث ليال وأيام سوياً).
ذلك أن ذكر الليالي والأيام في آل عمران يدل على أن المنع من الكلام أستمر ثلاثة أيام ولياليهن! فذكر الأيام يتناول ما بازائها من الأيام عرفاً! فيكون المعنى المراد من الآية إذن هو الامتناع من الكلام (ثلاث ليال وأيام معاً) وحينئذ يكون استعمال كلمة سوياً بمعنى معاً استعمال صحيح!. ولا عبرة بما يذهب إليه بعض المفسرين من تفسير سوياً في الآية الكريمة بأنها حال من ضمير (تكلم) للتعسف الظاهر في هذا التفسير ولانطباق السياق على الوجه الذي أوضحناه. المنصورة كمال رستم