int(138) array(0) { }

أرشيف المقالات

جذور طرائق التدريس الحديثة في الهدي النبوي الشريف: تصحيح الأخطاء أنموذجا

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
جذور طرائق التدريس الحديثة في الهَدْي النَّبَوِيِّ الشريف
تصحيح الأخطاء أُنموذجًا[1]

تَسْطَعُ كثيرٌ من طرائق التعليم الحديثة الإيجابيَّة[2] التي يدعو إليها التربويُّون وعلماء اللغة وعلماء النفس والاجتماع في الهَدْي النَّبَوِيِّ الشريف، ومن أبرزها طرائق تصحيح أخطاء الطلاب بوسائل إيجابية تُحقِّق الهدف دون التأثير بالسلب في الطالب.
 
فيذكر رشدي طعيمة أنه يجب أن يُصحِّح المعلم رؤيته للخطأ اللُّغوي عند المُتعلِّمين؛ فخطأ المُتعلِّم وبخاصة في المستويات الأولى ليس مُسَوِّغًا لزجره أو الاستهزاء به، أو عدم الثقة به والتشكيك في قدرته على التعلُّم، فالخطأ في أغلب الأحيان مؤثر جيد للمُتعلِّم؛ يستطيع من طريقه أن يكتشف مصدر المشكلة، وقد ترجع المشكلة إلى طريقة التدريس الخطأ، وقد تَؤُول إلى مشكلات الدراسين الخاصة، أو تَعُود إلى صعوبة المادة التعليمية، أو تردُّ إلى عوامل أخرى، والمُهِمُّ تغييرُ نظرة المُعلِّم إلى أخطاء الدارسين، وأن يَستوعِبها برِفْق ومَوْضُوعِيَّة؛ ليستطيع تشخيص المشكلة ومعالجتها[3].
 
فالخطأ لا يعني أن المتعلم فاشل، وفي رأْيي الشخصي التعلُّم من الخطأ أكثر تأثيرًا ورُسُوخًا من التعلُّم دون أخطاء أو التعلُّم بالتلقي؛ فقد يَنسى الطالب ما شُرِح له بعد عدة أسابيع، ومع هذا فإنه يتذكَّر الأخطاء التي وقع فيها وتصويبها.
 
ويذكر إيريك جنسن أنه لا يوجد ما يُسمَّى بالفشل، وتُعَدُّ الأخطاء تغذية مُرتَدَّة نفيسة وفرصة للنُمُوِّ؛ حيث يُمْكِن استغلالها استغلالًا إيجابيًّا والتعلُّم منها[4].
 
وتركيز المعلم في أخطاء المتعلمين وتصحيحها تصحيحًا مباشرًا[5] يُغفِل الهدف الأساسي من تعلُّم اللُّغة؛ فيذكر دوجلاس براون أن هناك خطرًا في التركيز في أخطاء المتعلِّمين؛ فيصبح مُعلِّم اللغة الأجنبية مُراقبًا للأخطاء غافلًا عن التراكيب الصحيحة، فيجب ألَّا نَغُضَّ الطرف عن أهمية التعزيز الإيجابي للتواصل الواضح الحر بسبب التركيز في أخطاء المتعلمين، فالهدف من تعلُّم اللغة الثانية تحقيق الطلاقة في هذه اللغة[6].
وتصحيح الأخطاء له وقته وله طرائقه، يقول محمود نحلة أثناء حديثه عن التعليم التواصلي-: يقول: "دور المدرس يقتصر على إدارة دفَّة التواصل بين الطلاب وتيسيره لهم، وحفزهم على المشاركة فيه، وبث الثقة فيهم مع إشاعة جوٍّ من المَرَح والإثارة والتشويق، دون مقاطعة أو تصويب لأخطاء الاستعمال وقت الحديث، وتأجيل ذلك لما بعد الفراغ منه؛ فالخطأ لا يُعَدُّ عجزًا؛ بل هو ملازم للتعلُّم لا ينجو منه أحد، وبهذا يصبح الطلاب في بؤرة الاهتمام بدلًا من الانتقال من المدرس إلى الطالب، ومن الطالب إلى المدرس، واعتبار[7] المدرس هو الذي يملك كل الحكمة والعلم، وعلى الطالب أن يأخذهما عنه"[8].
 
ويذكر دوجلاس بروان أن تعلُّم اللغة الثانية يستلزم التسامح تجاه اللبس ولو مؤقتًا إلى أن نجد مَنفَذًا إلى الحَلِّ، دون مبالغة في التسامح[9].
 
وكل ما سبق موجود في هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم ومن أمثلة هذا:
التعريض وعدم ذكر المُخطئين بأسمائهم والتركيز في التعلُّم من أخطائهم، ومن هذا: حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: "حدَّثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبدالحميد- يعني الحماني- ثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، قالت :"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلَغَه عن الرجل الشيء لم يَقُلْ: ما بال فُلان يقول؟ ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟"[10].
 
فالرسول صلى الله عليه وسلم هدفه تعليم الناس؛ لهذا لا فائدة من ذكر الأشخاص بأسمائهم أو زجرهم كما يفعل بعض المُعلِّمين.
 
والرسول صلى الله عليه وسلم لا يُروِّع المُخطئين عند ارتكاب الخطأ؛ بل يَعْطِف عليهم، ويُؤَمِّنُهم، ولا يُقَلِّلُهم في أعين مَنْ حولهم، ثم يُوَجِّهُهم إلى الصواب؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يُوَطِّئُ لهم تَوْطِئَة نفسية؛ لتَتَقَبَّلَ أَنْفُسُهُم التصحيح، فيَا لَهَا مِنْ رحمة! فيَشْعُر الإنسان بالنقص عند ارتكاب الخطأ، ويَسْتَثْقِل التصحيح، فالرسول صلى الله عليه وسلم خير معلم أدرك هذا الجانب النفسي، وعالجه، ومن هذا:
• حديث معاوية بن الحكم السلَميِّ رضي الله عنه: "حدثنا أبو جعفر محمد بن الصبَّاح وأبو بكر بن أبي شَيْبة (وتقاربا في لفظ الحديث) قالا: حدَّثنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجَّاج الصواف، عن يحيى بن أبي كثير، عن هلال بن أبي مَيمُونة، عن عطاء بن يَسَار، عن معاوية بن الحكم السلَميِّ، قال: بَيْنَا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلتُ: يَرحَمُكَ الله، فرَمَانِي القوم بأبصارهم، فقلت: وَاثُكْلَ أُمَّيَاهْ! ما شأنكم تنظرون إليَّ، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتهم يُصَمّتُونَنِي، لَكِنِّي سكت، فلمَّا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي ما رأيت مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فَوَالله ما كَهَرَني ولا ضربني ولا شتمني، قال: "إنَّ هذه الصلاة لا يَصلُح فيها شيءٌ من كلام الناس، إنَّما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"[11].
 
• ومن هذا أيضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "حدثنا أبو اليَمَان، أخبرنا شعيبٌ عن الزُّهْرِيِّ، قال: أخبرني حُمَيْد بن عبدالرحمن أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن جلوسٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَهُ رجل، فقال: يا رسول الله، هَلَكْتُ، قال:" مَالَكَ؟" قال: وقَعْتُ على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تَجِدُ رقبةً تُعْتِقُها؟"، قال: لا، قال: "فهل تستطيع أن تصومَ شهرين مُتَتَابِعَيْنِ؟"، قال: لا، قال: "فهل تَجِدُ إطعامَ ستين مِسكِينًا؟"، قال: لا، قال: فَمَكَثَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَبَيْنَا نحن على ذلك أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ فيها تَمْر- والعَرَقُ: المِكْتَلُ- قال: "أين السائل؟"، فقال: أنا، قال: "خُذْ هذا فتصدَّق به"، فقال الرجل: على أفْقَرَ مِنِّي يا رسول الله؟ فوالله ما بين لَابَتَيْها -يريد الحَرَّتَينِ- أهل بيت أفْقَرُ من أهل بيتي؛ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ أَنيابُه، ثم قال: "أَطْعِمْهُ أهْلَكَ"[12]).
 
فلم يُعاتِبْه الرسول صلى الله عليه وسلم بل أخذ يساعده، فالرسول صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا كيف نُصحِّح الأخطاء بالتركيز في الهدف من هذا التصحيح؛ وهو أن يُدرِك المُخطِئ خطأه ويَتقبَّله ويتعلَّم منه دون أن يَشْعُر بالنقص، ويتحقَّق هذا عندما يُعرِض المصحح عن الزجر والعتاب ويَلْجَأ إلى اللِّين والعطف، ونُلاحظ أيضًا بشَاشَة الرسول صلى الله عليه وسلم وضَحِكه؛ ليُخفِّف عن المُخطئ، ويُهَدِّئ ما بداخله من انفعالات، وهذا ما يجب أن يقتَدِي به المُعلِّمون؛ فعلى المُعلِّم أن يكون رَحْبَ الصَّدْرِ مَرِحًا وإنْ أخطأ طُلَّابه.
 
ومن الطرائق الموجودة في الهَدْي النَّبَوِيِّ الشريف، ووجدناها في طرائق التدريس الحديثة في هذا العصر تصحيح الخطأ من طريق الحوار والمناقشة ومساعدة المُخطئ على استنباط خطئه وتَقَبُّله وتصحيحه، مثل حديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه: (عن يزيد بن هارون، حدثنا حريز، حدثنا سُليم بن عامرعن أبي أُمامة، قال: إن فتًى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذَنْ لي بالزِّنا، فأقبل القومُ عليه، فزَجَرُوه، وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال: "ادْنُه"، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: "أتُحِبُّه لأُمِّك؟" قال: لا والله، جعلني الله فِداءَك.
قال: "ولا الناس يُحِبُّونَه لأمهاتهم"، قال: "أَفَتُحِبُّه لِابنَتِك؟" قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فِداءَك، قال: "ولا الناسُ يُحِبُّونَه لبناتهم"، قال: "أفَتُحبُّه لأُخْتك؟"، قال: لا والله، جعلني الله فِداءَك، قال: "ولا الناس يُحِبُّونَه لأخواتهم"، قال: "أفَتُحِبُّه لعَمَّتِك؟"، قال: لا والله، جعلني الله فِداءَك، قال: "ولا الناس يُحِبُّونَه لعَمَّاتِهم"، قال: "أفَتُحِبُّه لخالتك؟"، قال : لا والله، جعلني الله فِداءَك، قال: "ولا الناس يُحِبُّونَه لخالاتِهم"، قال: فوضع يدَهَ عليه، وقال: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَه، وطهِّرْ قلبَه، وحصِّنْ فَرْجَه"، قال: فلم يكُنْ بعد ذلك الفتى يَلتفِت إلى شيء)
[13].
 
فما أعظم هذا! فمع قوة الطلب؛ فالزنا من الكبائر وجدنا مُعلِّم البشرية صلى الله عليه وسلم يُحاوِره ويُناقشه، ولم يُعنِّفه أو يغضب منه بل ظلَّ يُحاوِره، ودعا له أيضًا، فَمَا بَالُ المُعلِّمين من أخطاء الطلاب التعليمية اليوم!
 
ولي وَقفتان هنا: الأولى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ساعد الشابَّ على استنباط الأمر وتَقَبُّله دون أن يذكر له هذا مباشرة؛ فلم يَقُلْ له: هذا حرام[14] فلا تفعلْه، أو سيُدخلك هذا النار إلى غير ذلك؛ بل جعله يستنبط هذا بنفسه؛ ليقتنع به، وهذا ما تحدثت عنه آنفًا؛ فتصحيح الأخطاء يكون بطرائق غير مباشرة؛ فالطالب هو الذي يُصحِّح خطأه والمُعلِّم يُوجِّهُه بطرائق تُعينُه على استنباط الخطأ وتصحيحه، فالطالب قُطْب العملية التعليمية ومَدارها، والمُعلِّم مُوَجِّهُه.
 
أما الوَقفة الثانية فإذا تأمَّل القارئ الحديث الشريف السابق فسيجد أن الشَّاب يَعلَم عِظَم هذا الذنب وعاقبته، وهناك دليلان على هذا: أما الأول فطلب الإذْن يَقْتَضي معرفة ما يُسْتَأْذَن فيه؛ لأنه لو كان لا يعرف حُرْمته فلن يطلب الإذْن فيه؛ بل سيفعله، والدليل الثاني أنه لم يَرْضَه لأيٍّ من مَحارِمه، ومَعلُوم أن الزِّنا من الكبائر، وبناءً عليه فالمُخطئ هنا يُدرِك خطأه، وهذا النوع موجود في الطلاب أيضًا؛ فبعض الطلاب يَعلمون أنهم أخطأوا ومع هذا يُصِرُّونَ على خطئهم، والمشكلة إمَّا تكون في عدم الاقتناع بالصواب أو عدم القدرة على تطبيقه، وقد ترجع إلى عامل الشخصية، وهذا يظهر عند الطلاب الذين لديهم ثقة عالية بالنفس؛ فلا يتقبَّلون الأخطاء، وما يعنينا هنا كيف يتعامل المُعلِّم مع هذا النوع من الطلاب الذين لا يحتاجون إلى استنباط خطئهم؛ لعِلْمهم به بل يحتاجون إلى الاقتناع به وتقبُّله.
والطريقة وجَّهَنا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، وهي تحتوي على عدة جوانب: فبالإضافة إلى الحوار والمناقشة الجانب النفسي له دور رئيس في هذا؛ حيث لجأ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المَحارِم؛ فلا سَوِيّ يرضى هذا لمَحارِمه، كما اتَّسَم العرب بالكرامة والنَّخْوة والغَيْرَة، ومن الجوانب أيضًا الشمول والتكامُل في الحوار؛ فلم يقتصر الحوار على طرف واحد؛ بل تضمَّن الأُمَّ والابنة والعَمَّة والخالة؛ ليسُدَّ أي ذريعة عليه، وليساعده على الاقتناع، فعلى المُعلِّم تصميم طرائق مُحْكَمة لهذا النوع من الطلاب، ويجب أن تكون لديه أكثر من طريقة وبدائل عديدة؛ ليساعد هذا النوع من الطلاب على الاقتناع.
 
كما توجد المقارنة النفسية الرائعة التي قام بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ووظَّف فيها صلى الله عليه وسلم السؤال، وهي المقارنة بين الخطأ الذي يقتنع به المخطئ والصواب الذي يحاول المُصحِّح إقناع المخطئ به، واستمرت هذه الطريقة طَوَال الحديث؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم يسأله: هل تُحِبُّه لأُمِّك؟ فيُجيب الشابُّ: لا، فيقول حبيبنا صلى الله عليه وسلم: "ولا الناس يُحِبُّونَه لأمهاتهم"، فإذا كان لا يُحبُّه لأُمِّه وابنته وعمَّته وخالته، فالناس مثله أيضًا؛ لا يُحِبُّونَه لأَهْلِيهِم، فكيف يريد الإقدام عليه! فما أعظمها من طريقة تخاطب النفس والعقل على سواء!
 
واستخدام الرسول صلى الله عليه وسلم الفعل "أَحَبَّ" له جانب نفسي وعقلي، والنفسي معروف، أمَّا العقلي فهذا الفعل أكثر شمولًا وسدًّا للذريعة من غيره؛ فقد يرضى الإنسان بأشياء لا يُحبُّها، وقد يَفعَل أمورًا يَبغَضُها؛ ولهذا الفعل "أَحَبَّ" أكثر إقناعًا للعقل وتأثيرًا في النفس.
 
ومن الجوانب النفسية أيضًا مُراعاة الرسول صلى الله عليه وسلم المرحلة العمرية التي يمُرُّ بها الشَّاب؛ وهي مرحلة المُراهَقَة؛ ويؤكد هذا وُرُود عبارة "فتى شاب" في هذه الرواية من الحديث الشريف السابق، ورأينا كيف احتوى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الشاب الذي يمُرُّ بمرحلة المُراهَقة، فيجب على المُعلِّمين فَهْم شخصية كل طالب على حدة ومرحلته العمرية ومُتَطَلَّباتها، وتوظيف هذا في التعليم، والبحث عن المُؤَثِّرَات النفسية الخاصة بكل طالب ومراعاتها؛ لأنها ستُفسِّر للمُعلِّم أشياء كثيرة، فالمُؤَثِّرَات النفسية تنعكس على الجانب التعليميِّ وتؤثر فيه.
 
وختم رسولنا ومُعلِّمنا صلى الله عليه وسلم الحديث بجانب نفسي آخر وهو الدَّعْم العاطِفي؛ حيث وضع يده الشريفة عليه ودعا له، فالدَّعْم العاطفي والاحتواء النفسي رَكِيزَتا عملية التصحيح، فالمُخطئ كما ذكرت سالفًا يَشْعُر بالنقص، ويحتاج إلى الاحتواء ليسهُل إقناعه وتوجيهه، فيا أيها المعلمون، الاحتواءَ الاحتواءَ، مهما كان الخطأ، فالخطأ لا يُقلِّل من الطالب؛ بل هو إشارة إيجابية إلى تعلُّم الطلاب وتفاعُلهم مع اللغة الهدف[15].
 
وبعدُ، فهذا غَيْض من فَيْض؛ فالهَدْي النَّبَوِيُّ الشريف يَزْخَر بالأُصول التربوية والطرائق التعليمية التي تُوَجِّهنا إلى التربية الإيجابية والتقويم السديد، فلو قضى الباحثون دُهُورًا في هذا فلن يَشْبَعُوا من هذا الفيض التربويِّ الشريف؛ فالحديث الواحد يَصْلُح لعدة دراسات وأبحاث، فكيف بالأحاديث الشريفة الأخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم أُوتي جوامع الكلم، وقد نجد طرائق لم يتوصَّل إليها علماء التربية في العصر الحديث بعدُ؛ لهذا أُوصِي الباحثين بإكمال هذه الرحلة التعليمية في الهَدْي النَّبَوِيِّ الشريف، والبحث عن طرائق تدريسيَّة جديدة من الكَنْز النَّبَوِيِّ الشريف.
 
وهذا يُثبِت أُصول العلوم التربوية والنفسية في الهَدْي النَّبَوِيِّ الشريف، كما أنه يَحُثُّ المُرَبِّي والمُعلِّم على الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في التربية والتعليم، فلا عُذْرَ لمن يَدَّعِي عدم عِلْمِه بطرائق التربية والتعليم الإيجابية الحديثة؛ ففي القرآن الكريم والحديث الشريف طرائق التعليم الإيجابية والتربية السليمة.
 

[1] هذا المقال يصلُح للناطقين بغير العربية وللناطقين بها.
[2] وهي الطرائق التي لها نتائج وآثار إيجابيَّة في الطلاب؛ لأن هناك طرائق تعليمية تؤثر في الطلاب سَلْبًا.
[3] رشدي طعيمة، المهارات اللغوية: مستوياتها، تدريسها، صعوباتها، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1 1425ه- 2004م، ص263.
[4] إيريك جنسن، التدريس الفعَّال، مكتبة جرير، الرياض، السعودية، ط1، 2007، ص76، 77.
[5] تصحيح الأخطاء يكون بطرائق غير مباشرة؛ فلا يقول المعلم للطالب: هذا خطأ والصواب كذا؛ بل يستخدم المعلم طرائق تساعد الطالب على استنباط الخطأ وتصحيحه، دون تدخُّل المعلم بالتصحيح، فالمعلم يُوجِّه الطالب من خلال هذه الطرائق، والطالب يكتشف الخطأ ويُصحِّحه بنفسه، كما يجب أن يدعم المعلم الطالب نفسيًّا؛ فلا يُشعِره بالفشل بسبب هذه الأخطاء؛ بل يُشجِّعه ليتعلَّم من أخطائه كما سيأتي.
[6] دوجلاس بروان، أسس تعلم اللغة وتعليمها، ترجمة عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية، بيروت، لبنان، ط2 1994م ص206.
[7] في الأصل "اعتبار"، والصواب أن يُقال: "عَدّ".
[8] محمود نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي، مكتبة الآداب، القاهرة، ط1 2011م ص308، 309.
[9] دوجلاس بروان، أسس تعلم اللغة وتعليمها، ص118.
[10] الإمام أبو داود، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية، بيروت، لبنان، ط1، 1438هـ، ج4، ص250.
[11] الإمام مسلم، صحيح مسلم، تحقيق: أبو قتيبة نظر بن محمد الفاريابي، دار طيبة، ط1 1427هـ-2006م، ص242، 243.
[12] العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح الإمام البخاري، تحقيق: محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، ط3 1407هـ ، ج4، ص193.
[13] الإمام أحمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط1 1421هـ - 2001 م، ج36، ص545.
[14] والشاب كما سيأتي يعلم حرمة هذا الذنب.
[15] سويفي فتحي، منشور على موقع التواصُل الاجتماعي فيسبوك، 8 يناير 2023، الساعة 9:51 ص،"ينظر في الدراسات الحديثة إلى الأخطاء التي يقع فيها المتعلم على أنها بداية حقل اكتساب اللغة الثانية الذي بدأ يظهر عند هذه النقطة (نقطة الخطأ...)".

\https://www.facebook.com/profile.php?id=100000063892274

شارك المقال