هل تستطيع روسيا غزو العالم؟
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
للأستاذ فؤاد طرزي المحامي
(بقية ما نشر في العدد الماضي)
عند نهاية الحرب أنخفض الإنتاج الاقتصادي في الاتحاد السوفيتي من 42 في المائة بالقياس إلى الإنتاج الأمريكي إلى 25 في المائة بالنسبة لهذا القياس. وإذا ما سار كل شيء سيره الطبيعي في روسيا فإن الكفاءة الصناعية فيها ستبلغ في عام 1951 نفس الكفاءة التي كانت تتمتع بها أمريكا عام 1904 أي قبل 44 سنة وفي عام 1960 سيبلغ الإنتاج الروسي إنتاج أمريكا عام 1918. وحين قدم ستالين مشروع السنوات الخمس الرابع في 9 شباط عام 1947 قال: (أن المهمة الأساسية تتركز في استعادة مستوى ما قبل الحرب في الصناعة والزراعة ثم بعد ذلك نزيد هذا المستوى بنسب متفاوتة معقولة.
وربما تطلبت الزيادة ثلاثة مشاريع جديدة من مشاريع الخمس سنوات، ولكننا أن ننجز ذلك). ويستطيع المتتبع أن يتأمل في هذا المشروع جيداً، محللا أهداف ستالين، مقدراً الكفاءة الشيوعية تقديراً مسرفاً في المبالغة، ومع ذلك فإن روسيا إلى الآن لم تنفذ مشروعاً واحداً من مشاريع السنوات الخمس المتعدد. وقد أعلن ستالين بأن هدفه فيها يتعلق بإنتاج النفط أن يبلغ هذا الإنتاج (60) مليون طن سنوياً عام 1951، بينما تعدت أمريكا هذا الرقم منذ (28) سنة مضت وأنتجت في عام 1947 وحدة (270) مليون طن.
وإذا رجعنا إلى الحقائق وتركنا الآمال وجدنا أن إنتاج روسيا من النفط يبلغ درجة من القلة اضطرها إلى استعمال الفحم وغيره من الوقود القليل الاحتراق عند عدم توفره. ووجد المهندسون السويديون العاملون في روسيا اليوم أن (35) بالمائة من إنتاج الفحم قد استهلكته القاطرات.
بينما استعملت كميات أخرى تقدر ب (30) بالمائة أيضاً من هذا الإنتاج في إنتاج القوة الكهربائية، ولذلك لم يبق سوى (40) بالمائة من إنتاج الفحم يجب أن يستعمل في كافة المصانع الروسية يشمل ذلك فحم الكوك المستعمل في إنتاج الفولاذ. ويريد ستالين من مشروع السنوات الخمس الحالي أن يوصل إنتاج الفحم إلى (500) مليون طن سنوياً عام 1951، بينما تجاوزت أوربا والولايات المتحدة هذا الرقم منذ (30) سنة مضت. وطلب ستالين أن يصل إنتاج الفولاذ إلى (60) مليون طن عند نهاية مشروع السنوات الخمس الجديد، أو خلال المشروع الذي يليه، بينما بلغ إنتاج القارة الأوربية وحدها ما مقدار (50 بالمائة أكثر من هذه الكمية في نهاية الحرب الأخيرة. وينقص روسيا بعض المواد الصناعية المهمة في الاستعداد الحربي منها (التانكستن) والمليدنوم والقصدير والأمونيا، وينقصها أيضاً ما هو أهم من هذه المواد وهو المطاط، إذ أنها لا تملك خطوط مواصلات إلى ما وراء البحار تجلب عن طريقها المطاط الطبيعي، كذلك ليست لها الإمكانيات اللازمة لبناء المصانع المعقدة التي لابد منها لإنتاج المطاط الصناعي. ويشكوا الاتحاد السوفيتي شكوى واضحة من قلة طرق المواصلات، ولكن فيما يتعلق بعدد البواخر الموجودة الآن لديه فهو في وضع لا بأس به، إذ أن بواخره التجارية التي كان يقدر عددها قبل الحرب بمقدار عدد بواخر السويد قد ضوعفت بما قدمته أمريكا للاتحاد السوفيتي من هدايا ومما حصل عليه من ألمانيا كتعويضات.
ومع ذلك فإن سعة مساحة الاتحاد السوفيتي ترهق مواصلاته الداخلية المحدودة.
فالطرق قليلة رخوة، والطريق الوحيد هو الطريق الذي يبدأ من موسكو إلى لننغراد شمالاً وإلى (منسك) غرباً ونحو (كييف) و (خاركوف) جنوباً، بينما تستعمل العربات في المدن استعمالاً رئيسياً.
ولهذا فأن روسيا تحتاج احتياجاً كبيراً إلى قنوات منظمة كالقنوات التي تقوم بالقسط الأكبر من أمور النقل في أوربا الغربية.
كما أنها لا تملك طرقاً مائية ما خلا عدة أنهار كبيرة تتجمد مياهها أغلب أيام السنة.
ولذلك فإن أكثر من (83) بالمائة من الشحنات الداخلية يجب أن تنقل بالسكك الحديدية، وأن روسيا حتى داخل مثلثها الصناعي لا تملك وسائل المواصلات الكافية، وكل ما يبلغه طول طرق سككها الحديدية طول الطرق التي كانت في الولايات المتحدة منذ مائة سنة مضت أي في عام 1846، إذ يبلغ مجموع طول طرق السكك الحديدية في روسيا (57) ألف ميل يقابل ذلك (226) ألف ميل في الولايات المتحدة الآن. وهكذا فإن نقص طرق المواصلات الحديدية يشكل أعظم ثغرة في الاقتصاد الروسي، وهو نقص سيحد من طاقة روسيا سنين عديدة مقبلة، وحتى وفق مشروع السنوات الخمس الجديد ستبنى روسيا (4500) ميل من خطوط السكك الحديدية الجديدة متركزة في الجبهة الغربية من البلاد وهي الجبهة التي سيطر عليها النازيون مدة من الزمن.
وروسيا مضطرة إلى تبديل مهمات السكك الحديدية في حين أن هذا البديل لا يمكن أن يتم عن طريق الإنتاج الروسي، ولذلك فأن السوفيت يستعملون الآن عربات قديمه ويجلبون التجهيزات أحياناً من ألمانيا والأقطار التابعة لها.
ويعمل الاختصاصيين الروس والمهندسون السويديون الآن على تقليد العربات الأمريكية وإنتاج أنواع منها. أننا نستطيع أن نعرف الشيء الكثير عن روسيا من دراسة الصناعة الآلية السوفيتية.
فالمصانع الروسية لا تنتج أي مبتكر خاص بها من تصاميم السيارات بل هي تنتج على منوال التصاميم الأمريكية والبريطانية مع أحداث بعض التغيرات الطفيفة.
ومع ذلك فإن المنتجات الروسية من السيارات لا تزال غير قوية جداً.
ولا يزيد مجموع طرق السيارات المعبدة في روسيا على ثمانية آلاف ميل. كما أن الكلام عن استخدام الأيدي العاملة في الاتحاد السوفيتي يقفنا بدوره على قدرة روسيا الحربية.
فقد جاء في مجلة (المشاكل الاقتصادية) الروسية أن قوة الكهرباء المستعملة في إدارة المحطة الأمريكية في ماهوس (نيوجرسي) تعادل القوة الكهربائية المستعمل في محطة كيمرفو الروسية.
وعلى الرغم من أن المحطتين تنتجان إنتاجاً متساوياً، فإن المصنع الأمريكي في المحطة الأولى يستخدم (151) عاملاً، بينما تستخدم المحطة الروسية (480) عاملاً.
ويستخدم المصنع الأمريكي في نفس المحطة (17) موظفاً لإنتاج الورق بينما يستخدم المصنع الروسي في المحطة الروسية (61) موظفاً.
وبصورة عامة يمكن القول بأنه يجب استخدام (11) شخصاً لإنتاج ألف فولت من الكهرباء في ضل النظام الروسي الاقتصادي بينما تحتاج الكفاءة الصناعية في الولايات المتحدة شخصين فقط لإنتاج نفس القوة. وإذا رجعنا إلى موضوع حقول النفط في روسيا وجدنا أن وضع هذه الحقول ليس جيدا أيضاً.
ففي الولايات المتحدة يستخرج اكثر من (90) بالمائة من الفحم على شكل قطع، ثم ينقل ميكانيكياً، ولا يستخرج بالمسحات والفأس غير مقدار قليل لا يتجاوز الأربعة بالمائة من مجموع الإنتاج.
بينما تستخرج أكثر كميات الفحم في روسيا باليد.
وتشكو مناجم الفحم، ككل الصناعات الروسية من قلة الأيدي العاملة المنتجة.
فقد وجد أحد مهندسي المناجم وهو سويدي زار منطقة الفحم في روسيا مهندساً روسياً واحداً لا يزال على قيد الحياة وميكانيكياً وقوميسيراً سياسياً واحداً ومجموعات من العمال يحرس كل أربعة منهم جندي مسلح.
فإن عدد العمال الذين يخضعون لنظام العمل الإجباري في روسيا يفوق أي عدد آخر من عمال المصانع الأحرار المستخدمين في المصانع الروسية، إلا أن العامل المستعبد في ظل النظام الروسي الاقتصادي لا ينتج بنفس الكفاءة التي ينتج بها العامل الحر في ظل الأنظمة الاقتصادية.
ولقد بذلت المحاولات في مشاريع السنوات الخمس الأولى لتدريب العمال المهرة بواسطة المدارس الفنية الخاضعة للدولة، ولكن رغم ذلك عندما جاء عام 1936 لم تجهز هذه المؤسسات غير حوالي مليون عامل وظل التقدم في هذا الاتجاه بطيئاً.
ويهدف مشروع ستالين الحالي تجهيز الصناعات الروسية بستة ملاين عامل مدرب، وعندما يتحقق هذا الهدف الذي يعتبر غاية آمال الروس يكون الاتحاد السوفيتي قد حصل على عدد من العمال يساوي عدد العمال الذين يشتغلون في إنتاج السيارات فقط في الولايات المتحدة. ولآن نتساءل عن القنبلة الذرية وعن الموعد الذي تستطيع فيه روسيا أن تصنع القنبلة بكميات كبيرة: إن العلماء الأمريكيين والإنجليز مقتنعون بأن العلماء الروس يعرفون الطرق العامة لصنع القنبلة ولو أنهم لا يعرفون الخطوات الحقيقية التي (تفجر فيها القنبلة وترمى).
إلا أن أغلب المشاكل الصعبة بالنسبة للروس هي بناء المصانع المعقدة التي لا بد منها لإنتاج القنبلة الذرية، لأن إنتاجنا يحتاج إلى مقدرة تفوق حد الوصف.
فالبراميد يحتاج إلى عمليات معقدة والإشعاع الراديومي مثلا يحتاج إلى سيطرة آلية هائلة إذ أن إقامة مصنع للقنابل الذرية يجب أن يوضع وفق تصميم يستطيع أن يعمل بموجبه المعمل وحده بلا إشراف العمال عليه.
وبالقياس إلى هذا المستوى العلمي الفائق في القابلية العملية تعتبر روسيا متأخرة.
فمن حيث الكفاءة الإنتاجية التي تعتبر مفتاح صنع القنبلة الذرية تتأخر روسيا عن الولايات المتحدة والدول الغربية بمعدل (22) سنة إلى الوراء. والخلاصة، أن تهديد روسيا للعالم تهديد حقيقي لاشك فيه، ولكن روسيا بدرجة من الضعف تستطيع معه القيام بحرب دفاعية بالقرب من بلادها، ولكنها أضعف من أن تشن حرباً هجومية كالحرب التي شنتها دول المحور عام 1939. فؤاد طراز المحامي