أرشيف المقالات

لماذا أصلي؟

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
لماذا أصلي؟

لن تحتاج إلى كثيرٍ من الوقت لتجد الجواب، بل ستنهمِر عليك الإجاباتُ البديهية والتقليدية: أُصلي؛ لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، أو: أصلي؛ لأنني يجب أن أصلي، أو: أصلي من أجل الله، أو لأدخل الجنة، أو خوفًا من النار، أو أصلي؛ لأن الرسول كان يصلي، ولأنه كان هكذا يصلي، فأنا أصلي مثله، بل إن البعض يؤدُّون الصلاة لمجرد إسقاط الفريضة!
 
إن هذه كلها يمكن أن تكون إجابات لهذا السؤال، ولكنها ليست الإجابات المثالية التي تجعل الصلاة أساسَ الدين، بل تجعل مَن تركها متعمِّدًا كافرًا.
 
إن هذا السؤال: لماذا نصلي؟ يمكن أن تكون له عدة إجابات تختلف باختلاف نظرة الشخص إلى صلاته، ولكن الهدف الأساسي للصلاة هو أن نظل على اتصالٍ دائم بخالقنا، فالصلاةُ هي الصِّلة الأُولى بالله - عز وجل - فيها تَذكر ربَّك وتُخاطبه، وتطلب عونَه وتوفيقه، وتشكره على نِعَمِه التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وفيها تسلِّم وتُبارك على نبيِّك وحبيبك محمد، الذي أرشدك إلى هذا الطريق، أيضًا بفضل من الله الذي أرسله إليك، فقد قال - جل شأنه -: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14].
 
ولماذا خمس مرات؟ لكي نجدِّد إيماننا كلما خبا؛ لنحصل على دفعة نُكمِل بها باقي يومنا، لكي نقوم بشحن طاقتنا وتنظيف فكرنا من كل الترسبات التي قد تَعلق به، لكي نصفِّي ذهننا ونستلهِمَ المعنى الحقيقي لوجودنا، ونتيقَّن بأن هناك إلهًا عظيمًا لهذا الكون، وأنه لن يتركنا نضيع حتى وإن أُغلِقت في وجوهِنا الأبوابُ كلها؛ ولذلك لم تُفرَض الصلوات في وقت واحد؛ بل فُرضت موزَّعة على أوقات اليوم، كما أن الصلاة تكفِّر الذنوب وتمحوها، وتُخلِّصك من كل ما هو سيئ ورديء؛ فتشعر بأنك وُلِدت بعد كل صلاة من جديد.
 
إن الصلاة عندما تؤدَّى على الوجه المطلوب وفي وقتها، تنأى بالنفس عن الفحشاء والمُنكر، وتنهى عن ارتكاب المعاصي والآثام، ولكن الصلاة لكي ينتفع بها صاحبُها لا بدَّ أن يُدرِك معناها وأهميتَها، لا بد أن يكون قلبه حاضرًا خاشعًا مستسلمًا بين يدَي الله، بل لا بد له أن ينفصِل عن هذه الدنيا، ويُسلِّم قلبه إلى بارئه متذلّلاً له، مستحضرًا جلاله وعظمته، طالبًا عفوَه ومغفرته وهدايته، متيقِّنًا في نفسه بأن هذه الصلاة، وأن ما يفعله من ركوع وسجود، وقيام وقعود، وتسبيح وتكبير تعظيمًا لربه - هو أقل ما يمكن فِعله.

لو كنتُ أعرفُ فوق الشّكرِ منزلةً
أعلى من الشكرِ عندَ الله في الثّمَنِ

إذًا مَنَحْتُكَها ربِّي مُهَذَّبةً
شكرًا على صُنْعِ ما أَوليتَ مِن حَسَنِ

 
فإذا استشعرتَ هذه المعانيَ، وإذا أدركتَ بأنك أنت من يحتاج إلى الصلاة، وأن الله - سبحانه وتعالى - ليس بحاجة إلى صلاتك ولا إلى صلاة غيرك، بل الله ليس في حاجة إلى صلاة مَن في الأرض جميعًا، وأن هذه الصلاة لن تَزيد في مَلَكوته شيئًا؛ فالله غنيٌّ عن العالمين؛ كما قال - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، إذا استحضرتَ في قلبك أن النفع لك والفائدة ستعود عليك أنت، أنت وحدَك، فسوف تتغيَّر صلاتُك، وستتبدّل حياتك، وستحقِّق الهدف الذي فُرِضت الصلاة من أجله، لا أن تكون صلاتك مجرّدَ تقليد أو حركات رياضية، أو هَمٍّ تريد أن تُزيحه، أو لِتَمُنَّ بها على الله، أو لتُرائي بها الناس.
 
انوِ الصلاة، واجعل نيَّة الصلاة هي نيَّة الشكر له - تبارك وتعالى - قبل أن تكون رغبة في جنة أو خوفًا من نار، واعلم أن صلاتك لك، وأنك إن لم تؤدِّها على صورتها الصحيحة، فلن يؤثِّر ذلك على الكون ولا على رب الكون في شيء، فأنت الوحيد المستفيد، وأنت الوحيد المتضرِّر.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن