int(1286) array(0) { }

أرشيف المقالات

الأمة الإسلامية: مميزات وخصائص

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
الأمة الإسلامية: مميزات وخصائص

بمجيء الإسلام في العالم تغيرت القيم، وانتشر العدل والأمن والأمان، وتنفست الإنسانية الصُّعداء، وبدأت البشرية تعيش في بيئة الهدوء والسلام، الأمر الذي تسبب في انتشار الإسلام، وأصبحت الأمة الإسلامية تحمل على كواهلها عبء القيادة العالمية في زمن قياسي، ولكن ذلك لم يحدث إلا بعد صبر طويل، وبعد مواجهة الأزمات والشدائد من قِبَل المعاندين، فالإسلام واجه منذ ظهوره في مكة إلى انتشاره في العالم تحدياتٍ عديدة، ومحنًا شديدة، وأحداثًا خطيرة، ولكنه تغلب على هذه التحديات والمحن والشدائد، وامتد شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالاً بفضل أولئك الرجال الذين كانوا يحملون قلبًا خفَّاقًا في صدورهم، والذين كانت عزائمهم قويةً صادقةً، وأعمالهم تمثل ذلك الإسلام الذي أتى به رسول الإسلام تمثيلاً صحيحًا، فتمسكوا به في عسر ويسر، وتمثلوا الإسلام أحسن تمثيل في شدة ورخاء، وأصبحوا محطَّ إعجاب لزعماء العالم وقادته.
 
والأمة الإسلامية تعاني اليوم - أيضًا - من أزمات خطيرة، وتمرُّ بظروف عصيبة، وتقف أمام تحديات وأحداث عظيمة، وقد تكاثرت وتكالبت عليها الأعداء من الداخل ومن الخارج، وتتابعت النكبات والمآسي، وحينما نقارن أحوالنا بالقرن الأول من ماضينا، تنشأ فينا الكراهية لأنفسنا - نحن المسلمين - ونجد أنفسنا محدقين بالخطر الداهم، وبالظلام الحالك، مما يؤدي إلى تثبيط الهمم، وضعف القُوَى، وفتور العزائم، ولكن بجانب آخر حينما نقارن هذه الأحوال بما مرَّ بنا في القرنين الماضيين من سقوط وإذلال وعبودية، وما تعرضنا لكثير من التحديات العاتية الداخلية والخارجية، فيولد فينا شعاع الأمل للمستقبل اللامع، صحيح أن أحوال العالم تنذر بالخطر والقضاء على هوية الأمة الإسلامية في بادئ النظر، ولكنها في الحقيقة تطالب هذه الأمة أن تفقه الواقع المعاصر، وتتخذ حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والسلف الصالحين أسوةً لها، وتدرس الأحوال بدقة، ثم تنهض وتتقدم إلى الأمام متوكلة على الله، راجية رحمته وفضله؛ لأن الأمة لم يُقضَ عليها بعدُ، بل إنها تعاني من أمراض عديدة، والخطر على حياتها أنها ما زالت عرضةً للأمم المعادية التي تشن عليها غارات عنيفة صباحَ مساءَ وليلَ نهارَ، وأنها قاومت كلَّ هذه الغارات بقوتها الإيمانية، صحيح أن العالم الجديد يتحداها، والحضارة الغربية اللادينية تبذل أقصى ما في وسعها للقضاء عليها، ولكن كما يتضح أن الحضارة الإسلامية دخلت معترك الحياة لمقاومة هذه الحضارة الزائفة، ولدحض القوى الباطلة، فلا تبقى هذه الأمة ضعيفةً مستسلمةً؛ لأنها تحمل دين الفطرة، وتحمل الأمانة الإلهية، إنها مثل العاصفة القوية التي لا تُبقي ولا تذر، وحالها الأليم ينبئ عن مستقبلها اللامع؛ لأننا على اطلاع واسع أن هذه الأمة مرَّت في أحقاب تاريخها المختلفة بظروف عصيبة تفوق ظروفها الحاضرة حين أغار عليها المغول والتتار، وحين جاءها الصليبيون في حملاتهم المعروفة، وحين تكالب عليها الاستعمار الأوربي، لكنها تجاوزت كل ذلك، وكانت تتغلب عليها دائمًا حين تعود إلى أصالتها وهويتها، وتتحصن بعقيدتها ودينها، ويجدر بنا أن نشير إلى تلك الميزات والخصائص التي تتميز بها هذه الأمة، وتَفُوق بها غيرَها من الأمم، وتختص بها عمن سواها.
 
1 – القوة الإيمانية:
إن أهم ما تتميز به الأمة الإسلامية هي قوتها الإيمانية، وهي مصدر جميع الفتوحات التي تتم على يديها، وكل ما تخطو هذه الأمة من خطوات إلى الأمام، فالسبب في ذلك يرجع إلى إيمانها بالله تبارك وتعالى، الذي يجري مجرى الدم في عروقها، ويقوم بالتغيير الجذري في فكرها وذهنها وفي حياتها العلمية والفكرية والعملية، ويصحح مسار الإنسان، ويقوِّم اعوجاجه، ومن هنا تنطلق موجة الأُخوَّة الإسلامية على مستوى العالم، ويتحد المجتمع البشري على أساس هذا الدين المتين، وحينما ينفصل هذا الإيمان من الحياة العملية والفكرية، ولا يبقى إلا إقرار باللسان دون التصديق بالقلب والعمل بالجوارح، فيصبح فكرةً جامدةً لا تنفع ولا تضر، ولا تملك قوة التغيير، ونظرًا لأهمية هذه القوة الإيمانية؛ يحاول إبليس وذريته أن ينسف ذلك الصرح الإيماني الشامخ نسفًا، ويقلعه من جذوره قلعًا.
 
والإيمان أساس هذه الأمة، به ينصلح حالها ويفسد، وبالتمسك به تصل هذه الأمة إلى أَوْجِ الرقي والازدهار، وبهجره تنحط إلى الحضيض، إنه من أهم ما تمتلكه هذه الأمة، إنها تعيش لأجل هذا الإيمان وتفدي نفوسها في سبيله، وهذا ما يخيف أولئك الأعداء الألداء الذين يبذلون جهودهم لإخماد هذه الجذوة الإيمانية، ويريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم.
 
2 – حب الرسول صلى الله عليه وسلم:
والمصدر الثاني لقوة هذه الأمة حبُّها الصادق لصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم، فالمسلم دائمًا يطرب إلى استماع كلامه، وعاطفة الحب النبوي كامنة في صدره، وتظهر حينًا بعد حين، فالرسول الكريم عليه الصلاة والتسليم أنار الطريق للعباد إلى معبودهم الحقيقي، وهو الذي أنقذهم من الجهالة الجهلاء، ومن الشرك والكفر والعربدة، وانتشل الإنسانية من نار جهنم، وهو الذي بُعث ليُتَمِّمَ مكارم الأخلاق، وأعطى العالم نظامًا أساسه العدل والتقوى والخير للإنسانية بأسرها، وهو أسوة للفلاح في الدنيا والنجاح في الآخرة، إنه شمس الهداية، ومحبوب العباد، ومحبوب رب العباد، وحبُّه يضيء الطرق المخيفة، ويجعلها آمنةً مطمئنةً، ويجعلنا نموت لأجله ولأجل الإسلام والإيمان، وبتحقيق أغراض وأهداف هذا الحب النبوي يمكن لنا تحقيق الحلم الجميل للنهضة الإسلامية المثالية.
 
3 - الدين الشامل:
من أهم ما تتميز به هذه الأمة رغم انتمائها إلى عدد من المجموعات العرقية والقومية، هو دينها الكامل الشامل، الذي أنزل على النبي الكريم عليه الصلاة والتسليم؛ فإنه نظام خالد يستوعب جميع شؤون الحياة الفردية والجماعية، وهذه الأمة بأسرها تستنبط أصول هذا الدين الحنيف وتستمدها دائمًا من كتاب الله العزيز، ومن سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كما أن هذا الدين يتأسس على ثوابت عقدية لا تتغير ولا تتبدل، وأن هذه الثوابت هي في الحقيقة أساس هذا الدين الإسلامي، الذي ضمَّ شعوبًا وأممًا مختلفةً، انصهرت في بوتقة الوحدة الإسلامية.
 
ومن الاعتراف بالحقيقة أن هذا الدين قد عُرف في العصر الحاضر بفضل الله وعونه كدين جامع مستوعب لجميع شؤون الحياة، وعُرضت فكرته الجامعة في أسلوب يأسر القلوب ويسحر الألباب، ونشأت في العالم الإسلامي حركات ومنظمات تعمل لتجديد الفكر الإسلامي، وتدعو إلى الإسلام من جديد في أسلوب عصري، وتهدف إلى تعريف الإسلام وعرض ما فيه من أخلاق وقيم في لغة العصر، وترى أن الحضارة الإسلامية هي أثرى الحضارات وأقواها، وهي التي تضمن للإنسان النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، والحمد لله على أن قد بدأتْ هذه الحركات تنشط في جميع القارات من آسيا وإفريقيا وأوربا وأمريكا، حتى أصبح غير المسلمين يلفتون أنظارهم إلى هذه الحضارة، بل ويحاولون أن يدرسوها بدقة، ولقد بدأ الدين الإسلامي المتين ينمو ويزدهر ويدخل في الحياة السياسية والفكرية، والعلمية والأدبية، والاقتصادية والاجتماعية بفضل جهود الأعلام المسلمين المخلصين الذين حملوا راية الإسلام، وحملوا هذه الأمانة، وعرضوها للأمم الأخرىبأسلوب عصري قوي متين.
 
4 - وفرة الثروات والوسائل:
يتمتع العالم الإسلامي جغرافيًّا بالموقع الإستراتيجي، مما جعل الدول العالمية تطمع في استعماره، وجعله موطنًا للصراع بين القوى العالمية المختلفة.
 
فالعالم الإسلامي يحتل قلب العالم القديم (آسيا وإفريقيا وأوربا)، وهو بمثابة جسر أرضي يربط هذه القارات الثلاث، ويشغل مساحات كبيرة فيها، فهو يمتد من ملقا بالملايو شرقًا إلى مالقة بالأندلس غربًا، ومن تنزانيا جنوب خط الاستواء حتى جمهورية كازاخستان شمالاً، وبهذا يشكِّل المسلمون محيطًا اجتماعيًّا عظيم الامتداد، فإن العالم الإسلامي - كما يقال - يقع في صرة العالم ممسكًا بأطرافه، متحكمًا في محيطاته وبحاره وخطوط ملاحته، زاخرًا بأهم الأنهار، وأخصب الأراضي، وأعظم الثروات؛ (حاضر العالم الإسلامي/ علي جريشة القاهرة ص: 29).
 
كما أن العالم الإسلامي يمتاز بأهمية اقتصادية هائلة بما حباه الله من ثروات طبيعية متنوعة: زراعية، وحيوانية، ومعدنية، فقد يحوي العالم الإسلامي أراضي زراعية واسعة، وتجري فيه كثير من الأنهار؛ مثل: نهر النيل، ونهر الكونغو، ودجلة والفرات وغيرها من الأنهار، بالإضافة إلى المياه الجوفية التي يحظى بها العالم الإسلامي.
 
ولأجل هذه الثروة المائية تكثر في العالم الإسلامي الغلات الزراعية؛ مثل: الأرز، والقمح، والخضراوات، والفواكه، والقطن وغيرها من الغلات.
 
وأراضي العالم الإسلامي تحتوي على معادن تعتبر من أهم الثروات الطبيعية والموارد الاقتصادية، التي تقوم عليها الكثير من الأنشطة والفعاليات البشرية، من أهمها البترول والغاز الطبيعي، فدول العالم الإسلامي تحتلُّ مركزًا متفوقًا في مجال إنتاجه واحتياطيه، الذي يُقدَّر بأكثر من حوالي 75% من احتياطي العالم البترولي، وأكثر من 25% من احتياطي الغاز الطبيعي، وينتج العالم الإسلامي اليوم نحو ثلث الإنتاج العالمي من النفط، ويساهم بأكثر من نصف النفط المعروض في الأسواق العالمية.
 
وأهمية البترول والغاز الطبيعي كمصدر من أهم مصادر الطاقة لا تحتاج إلى كثير بيان؛ فبدونها لا يمكن قيام أي نوع من أنواع النشاط الاقتصادي.
 
ونظرًا لهذه الأهمية الإستراتيجية للعالم الإسلامي وما يتمتع به؛ تتكرر المحاولات للعالم الغربي للوقوف أمام نهضة العالم الإسلامي، والعمل دومًا على استمرار تخلفه وانحطاطه، كما أن الغزو الأمريكي على كلٍّ من أفغانستان والعراق ليس وراءه إلا السيطرة على هذه الموارد والمعادن.
 
5 - القوة البشرية:
يَصِل عدد المسلمين حاليًّا في العالم إلى مليار ونصف مليار تقريبًا، أما الشباب بين سن الثامنة عشرة والعشرين فتصل نسبتهم إلى 33%، ولو تعلم هؤلاء الشباب على المنهج النبوي فستتحسن أحوال العالم في عقدين أو ثلاثة عقود، ولا يمكن لأحد من الدول المعادية للعالم الإسلامي أن يقف في طريقه لحظةً، وإن الله تبارك وتعالى قد ألقى في قلوب أهل الغرب أن نظام العائلة والأسرة نظام لا يطابق العصر الحاضر، كما أنهم يلجؤون إلى الإجهاض وتحديد النسل؛ مما أدَّى إلى قلة عدد الشباب فيهم، ونرجو الله أن تنقص قوتهم البشرية في حين تزيد قوتنا البشرية، وستفيدنا هذه القوة في النهضة الإسلامية، ولكن بشرط أن يكون هناك نظام كامل وشامل لتثقيف وتربية أبناء الأمة تربيةً إسلاميةً صحيحةً.
 
6 - الأمة العالمية:
من مصادر الطاقة لهذه الأمة عقيدتها؛ لأن المسلم يحمل تلك الرسالة السامية المعروفة بدين الإسلام، الذي نزل على آخر الأنبياء والمرسلين ليكون رحمةً وهدايةً للبشرية جمعاء، والعقيدة الإسلامية تقول: إن الناس جميعًا من ولد آدم وحواء، وكلهم سواسية في الخلق والموت والحياة، والدين الإسلامي دين لجميع البشرية، يدعوها إلى عبادة الإله الواحد، وينزهها من جميع العصبيات والعنصريات القومية والقبائلية، واللون والنسل، والوطن والحدود الجغرافية، إن الأمة الإسلامية أمة عالمية بدينها ورسالتها إلى جميع الناس دون التفرقة بينهم على أساس المكان والزمان والمرتبة، فالواجب على الدعاة المسلمين أن يقدموا هذه الميزة الإسلامية لجذب قلوب الناس إلى هذا الدين المتين.
 
7 - عقيدة الجزاء في يوم الدين:
من أهم مظاهر العدل الإلهي خلق الإنسان ونظام هذا الكون المبني على العدل والمساواة، وعدله سبحانه وتعالى يقتضي أن يكون هناك دار للجزاء وهي الدار الآخرة، والفلاح في تلك الدار الآخرة لا يمكن إلا بالعمل الصالح دون النسل والعقيدة الخاطئة للشفاعة، وعقيدةُ الجزاء والنجاة بالعمل الصالح تنشئ في المسلم قوةً روحانيةً، وتعين الهدف لحياته، وتجعله يحاول محاولةً جادةً لكسب الخيرات والعمل الصالح ليكون ذخرًا في الدار الآخرة، فيعيش في العالم كما يشاء ربه ويرضاه، ويحب الأمن والسلام، ويهرب من الفساد ويبتعد عنه، يرى أن هذه الحياة ليست إلا أمانةً وليست إلا لحظات تنقضي، فيحاول أن يغتنم الفرصة قبل فوات الأوان، يرى نفسه خليفة الله في الأرض، فيبذل أقصى ما في وسعه لإصلاح ما فسد من حاله وشأنه.
 
ويمكن أن تقوم النهضة الإسلامية المثالية، ويعرض النظام الإسلامي العادل الشامل على الأمم؛ لتجد فيه الراحة من النظام الرأسمالي المستبد الذي أكل الغثَّ والسمين.
كما أن نظام البنك الإسلامي من أهم حاجيات العصر في هذا الزمن الذي عمَّ وطغى فيه النظام الربوي، ولقد حان الوقت أن تتفقد الأمة أحوالها وأسباب سقوطها، وتحاول أن تصعد إلى أَوْجِ الرقي والازدهار، متخذةً حياةَ النبي صلى الله عليه وسلم أسوةً لها وعاملةً بالإسلام الصحيح.
 
ويجب على الداعية المسلم أن يهتم بأمة الإسلام وبأمرها، ويطلع على أحوال العالم الإسلامي الحاضرة، ويفقه واقع الأمة سياسيًّا واجتماعيًّا واقتصاديًّا، ويعالج قضاياها المعاصرة، ويقدِّم الحلول الناجعة في ضوء القرآن والسنة لتلك التحديات والأزمات التي تواجه الأمة الإسلامية المعاصرة، ويُطلعَ الأمة على كيفية تذليلها وإزالة العقبات في تحقيق النهضة، وعلى مواطن قوتها للعمل على المحافظة عليها، وأماكن الضعف وكيفية التغلب عليها.

شارك المقال


Warning: Undefined array key "codAds" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/a920adceac475d2e17f193a32cdaa1b563fd6f5b_0.file.footer.tpl.php on line 33

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/a920adceac475d2e17f193a32cdaa1b563fd6f5b_0.file.footer.tpl.php on line 33
مشكاة أسفل ٢