أرشيف المقالات

أهمية دعوة الشباب

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
أهمية دعوة الشباب
 
الظروف والأوضاع القائمة حول المدعو، قد تسبب له - بقدر ما لها من تأثير ونفوذ - النفور والصدود وتحول بينه وبين الاستجابة، ومنها ما هو شخصي متعلق تعلقا مباشراً بالمدعو كتقدمه في السن، كما أن منها ما هو اجتماعي جماعي محيط به، كتأثره بالكبراء من الناس أو رفقاء السوء.
 
ومن هذه الأسباب، التقدم في السن:
فدعوات الرسل ودعوات التجديد الإصلاحية، تلقى غالبا مقاومة في بداية الأمر، بشكل خاص من كبار السن، لأن الأمور الاعتقادية عادة تتحلى عندهم بالثبوتية والاستقرار، وهذا ما يميز هذه الشريحة من المجتمع، الثبوت والابتعاد عن التقلب والتغيير.
 
وقد أثبتت الخبرة التاريخية والدراسات الحديثة، أن الشباب يتقبلون الأفكار الجديدة والتغير الثقافي أكثر من المتقدمين في السن.
 
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (...
وهُم الشباب، وهم أقبل للحق، وأهدى للسبيل من الشيوخ، الذين قد عَتو وعَسوا في دين الباطل، ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله شبابا، وأما المشايخ من قريش، فعامتهم بقُوا على دينهم، ولم يسلم منهم إلا القليل)
[1]، كما أن أكثر الذين تفاعلوا مع الصحوة الإسلامية المعاصرة هم أيضا من الشباب، كما هو ملاحظ.
 
ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى عدة عوامل:
1- أن الشباب يتحلى بالمرونة الذهنية بسبب حداثة السن، فالإنسان تتصلب آلية التفكير والاستيعاب والتكيف لديه، على نحو يحاكي تصلب الجهاز الحركي عنده، ومن ثم، فكما إنه يكتسب عادات صارمة في الأكل والمشي والكلام، فإنه يكتسب أيضا عادات صارمة في الفهم والتمثل والاقتناع، يصعب معه قبول الجديد[2].
 
وعن هذا المانع من موانع الاستجابة يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: مانع الإلف والعادة والمنشأ، فإن العادة قد تغلب حتى تغلب حكم الطبيعة، ومن ثم قيل هي طبيعة ثانية، فيُربى الرجل على المقالة ويُنشأ عليها صغيرا، فيتربى قلبه ونفسه عليها، ولا يعقل نفسه إلا عليها، ثم يأتيه العلم وهلة واحدة يريد إزالتها وإخراجها من قلبه، وأن يسكن موضعها، فيعسر عليه الانتقال، ويصعب عليه الزوال، فدين العوايد هو الغالب على أكثر الناس[3].
وكلما عاش الإنسان هذا الدين مدة أطول اشتد رسوخه في نفسه وصعب نقله عنه إلى غيره.
 
2- أن الشباب من طبعه الحماس والاندفاع، بسبب طول الأمل وإحساسه بأن في العمر بقية كافية للقيام بكثير من المشاريع، ولتطلعه نحو المستقبل، أما عند التقدم في السن، فإن النفس البشرية يصيبها نوع من السآمة والبطء في الانفعال والتفاعل مع الجديد[4]، خاصة إذا كان هذا الجديد هو دين واعتقاد سيغير حياته كلها اعتقادا وقولا وعملا.
 
3- أن الكبار- عادة- لهم من مصالح ومنافع مرتبطة بالأوضاع القائمة، ولذلك فهو قد يرى في اعتناقه للدين الجديد خطرا على ما استحوذ عليه من نفوذ ومتاع، أما الشاب فطبعه الجرأة والإقدام والتضحية بكل شيء، وعلى العكس في ذلك كبار السن، فشأنهم مختلف في حرصهم على المحافظة على مكاسبهم، واستعدادهم لخوض المعارك من أجلها[5].
 
4- قد يجد كبار السن صعوبة في الانقياد إلى رأي من يصغرهم سنا وخبرة أو مكانة اجتماعية، وقد يرى أن في ذلك إغضاءً من مكانته الاجتماعية ومنزلته، واتهاما له بقلة الفهم والضلال، خاصة في المجتمعات التي غلب عليها المبالغة في توقير الكبير واحترامه.
 
لذلك كان من المنطقي تركيز الدعاة والمصلحين على الشباب فهم عدة المستقبل، وأمل التجديد، وهم عماد كل دعوة إصلاحية، وباندفاعهم للتضحية والفداء تتقدم الدعوات سريعا نحو الغلبة والنصر بإذن الله، مع عدم إغفال كبار السن، ففيهم كثيرون يتسمون بالعقل والحكمة وحب الخير والحق.
 
ومما يلاحظ في المؤمنين السابقين للإسلام أن جلهم كانوا شبابا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان في الأربعين من عمره عند البعثة، وأبو بكر كان أصغر منه بثلاث سنين، وعمر أصغر منهما وكذلك عثمان أصغر من رسو ل الله، وعلي كان أصغر الجميع، وهكذا كان حمزة وعبد الرحمن بن عوف وبلال وعمار وغيرهم[6].رضي الله عنهم أجمعين.
 
فالشباب هم أكثر الناس تأثراً، وأسرعهم استجابة، بخلاف الشيوخ الذين تمسكوا بمعتقداتهم، وآثروا موروثاتهم، ولو تبين لهم الحق فيما يدعون إليه، فكان المكذبون للرسالة والمحاربون للدعوة هم كبار القوم[7]، الذين نشأوا على الباطل وصلبت أعوادهم عليه، كأبي جهل وأمية بن خلف وأبي لهب وغيرهم.



[1] تفسير القرآن العظيم 5 /136.


[2] بتصرف، مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي ص 80.


[3] بتصرف، مفتاح دار السعادة 1 /98.


[4] بتصرف، مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي ص 80.


[5] المرجع السابق ص 81.


[6] بتصرف، السيرة النبوية دروس وعبر ص 67.


[7] بتصرف، المنهاج النبوي في دعوة الشباب: سليمان بن قاسم العيد ص 40، دار العاصمة لنشر والتوزيع، الرياض، ط:1، 1415هـ.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢