ما هو الخشوع في الصلاة؟
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
ما هو الخشوع في الصلاة؟اعلم - أيها المحب - أن الصلاة الموعود صاحبها بمحو السيئات، ورفعة الدرجات، هي التي أُديت بأركانها وآدابها وخشوعها؛ لأن الصلاة الخالية من الخشوع ما أشبهها بالحركات الرياضية، التي لا تُهذب خُلقًا، ولا تُنمي دينًا، ولا ترقق قلبًا.
من هنا واجب علينا جميعًا نحن - الركَّع السجود - أن نُقبل على تعلم كيفية الخشوع في الصلاة؛ لأنه روح القلب، وحياة البدن، وأساس الطاعات، وعمود الصلاة.
فالخشوع هو: التفاعل مع ما تؤدي وتقرأ!
الخشوع أن تتواصل، وأن تكون مع مولاك، وأن يكون ربك معك؛ لتربح الدنيا والآخرة، وتخيَّل: ماذا عسى أن يمنحك مانحٌ في هذه الدنيا المال...
الجاه...
المنصب؟ كلُّ هذا وغيره مع مالك الملك.
فيا عبد الله، أحضر قلبك، وتدبَّر بعقلك..
تعريف الخشوع:
هو لين القلب ورقته، وسكونه وخضوعه، وانشغاله بعبادته، وبهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]: "الخشوع في القلب، وأن تُلين كنفك للمرء المسلم، وألا تلتفت في صلاتك"[1].
• وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الخشوع في الصلاة ألا يعرف المصلي من على يمينه وعن شماله"[2].
• ورأى سعيد بن المسيب رضي الله عنه رجلًا عبث في صلاته، فقال: "لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه"[3].
• ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام، وما أكمل لله تعالى صلاة، قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله تعالى فيها"[4].
واعلَمْ أن الخشوع نوعان:
أ- خشوع الإيمان: والمراد به خشوع القلب لله تعظيمًا له، ومهابة لشأنه، واعترافًا بنعمه سبحانه.
ب- خشوع النفاق: وهو ما يُرى من الخشوع الظاهري للجوارح دون القلب.
من هنا هتف بك أحد الصحابة رضي الله عنه بقوله: "إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعًا، والقلب ليس بخاشع"[5]، وقال الفضيل رحمه الله: "يكره أن يرى الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه"[6].
الخشوع المفقود:
خوَّفنا منه حذيفة رضي الله عنه بقوله: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة"[7]، وهذا الخبر استقاه من مدرسة الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال: ((أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا يرى فيه خاشعًا))[8].
مُحفِّزات الخشوع:
مما يدفعُ النفس ويحرك القلب نحو حُسن أداء الصلاة ضرورة التعرف على فضل الخشوع، فمن عرف الأجر هان عليه العمل، فانهض واستمع لأقوال الخير التي أرسلها لك النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيُحسن وضوءَها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله))[9].
• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين، مقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة))[10].
• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن وضوءه، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر له ما تقدم من ذنبه))[11].
• أفبعد هذا الفضل وتلك البُشريات تغفل عن روح الصلاة وسرها العميق؟!
[1] فتح الباري لابن رجب (6/ 366)، وقوله: كنفك، أي: جانبك.
[2] قوت القلوب في معاملة المحبوب، لأبي طالب المكي: (2/ 161).
[3] أخرجه ابن المبارك في الزهد والرقائق: (1/ 419).
[4] قوت القلوب في معاملة المحبوب: (2/ 170).
[5] مدارج السالكين لابن القيم: (1/ 517).
[6] مدارج السالكين (1/ 521).
[7] أخرجه الحاكم في مستدركه: (8448)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[8] أخرجه الطبراني في مسند الشاميين: (1579).
[9] أخرجه مسلم: (228).
[10] أخرجه مسلم (234).
[11] أخرجه أحمد: (17054)، وأبو داود: (905)، وحسَّنه الألباني في صحيح أبي داود: (840).