النية والإخلاص في العمل
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
النية والإخلاص في العملكثيرة هي الشوائب التي قد تتسرب إلى النية، فتشوه جمالها، وتعكر صفاءها وتحرف وجهتها.
ومهمة "الإخلاص" هي تخليص النية مما تسرب إليها، والمحافظة على جمالها وصفائها.
وهو أمر يحتاج إلى جهد غير قليل.
ويحسن بنا أن نقف على أعظم هذه الشوائب خطرًا:
• الرياء:
وهو أن يطلب الإنسان بالعبادة وإظهارها، المنزلة في قلوب الناس.
وهو من صفات المنافقين، التي وصفهم القرآن الكريم بها.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾[1].
وهو الشرك الأصغر، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء، يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء"[2].
وقال صلى الله عليه وسلم: "قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه"[3].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا كل الحرص على طهارة النفوس من هذا المرض الخبيث الذي يفتك بالعمل فيذهب به ولا يبقى لصاحبه إلا الحسرة والندامة، فقال مبينًا ومحذرًا من ذلك: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به، فعرَّفه نعمه فعرفها.
قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت.
ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسَّع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال هو جواد.
فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار"[4].
• رغبات النفس:
وقد لا يقوم الإنسان بالعمل ليراه الناس، ولكنه مع ذلك يرغب في التزين عندهم، بطلب مدحهم، أو الهرب من ذمهم، أو تعظيمهم..
ويدلنا على هذه الرغبات أسئلة الصحابة رضي الله عنهم المتكررة في هذا الصدد.
فعن أبي هريرة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرضًا من عرض الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أجر له".
فأعظم ذلك الناس، وقالوا للرجل: عد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعلك لم تفهمه، فقال: يا رسول الله، رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغي عرضًا من عرض الدنيا، فقال: "لا أجر له" فقالوا للرجل: عد لرسول الله صلى الله عليه وسلم..
فقال له الثالثة: "لا أجر له"[5].
والحديث يبين لنا الصورة واضحة جلية، كيف كان حرص الصحابة رضي الله عنهم أن يكون جوابه صلى الله عليه وسلم غير ما أجاب به، ولذلك طلبوا من الرجل أن يعود مرة بعد مرة ليكرر السؤال لعله يجد جوابًا آخر.
والصحابة بشر من البشر، لهم رغبات ولهم شهوات..
ولكنهم كانوا يسمعون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخضعون رغباتهم وشهواتهم لما يطلبه الله وما يطلبه رسوله منهم.
وإذا كان هذا السائل قد خص سؤاله بعرض الدنيا المادي، فهناك سائل آخر نوَّع المسألة، فتناول ما يرغب به الناس عادة من مادة ومن معنى.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم:
الرجل يقاتل للمغنم.
والرجل يقاتل ليذكر.
ويقاتل ليرى مكانه.
• وفي رواية: الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل رياء -.
فأي ذلك في سبيل الله؟.
فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله"[6].
أي ليس شيء مما ذكر في سبيل الله.
وهكذا ومن خلال أحاديثه صلى الله عليه وسلم وبيانه تعلم الصحابة كيف يكون الإخلاص، وكيف يجاهدون نفوسهم ويقاومون نزعاتها حتى يصلوا إلى صفاء العمل الذي يجعله مقبولًا عند الله تعالى.
[1] سورة النساء، الآية (142).
[2] أخرجه أحمد والبيهقي ورجاله ثقات.
قاله العراقي في تخريج الإحياء.
[3] أخرجه مسلم برقم (2985).
[4] أخرجه مسلم برقم (1905).
[5] أخرجه أبو داود برقم (2516)، وأخرج النسائي مثله عن أبي أمامة برقم (3140) وفيه "أرأيت رجلًا غزا يلتمس الأجر والذكر".
[6] متفق عليه (خ 3126، 7458، م 1904).