نداءات الرحمن لأهل الإيمان 34


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. جعلنا الله منهم، وحشرنا في زمرتهم، ورضي عنا كما رضي عنهم. اللهم آمين.

بعض ما ينتقض به الوضوء

سبق في النداء الذي قبل السابق أن ذكرنا موجبات الوضوء، أو نواقض الوضوء، وعقبنا في الدرس بعده على ناقض نسيناه، ألا وهو أكل لحم الجزور، وقد نبهنا عليه وبينا، وقلنا: بغض الطرف عن الخلاف فالأحوط لدين العبد أن يتوضأ؛ لثبوت الحديث النبوي الشريف، ومن قال بنسخه وثبت النسخ عنده فشأنه، ونحن نأخذ بالحيطة لديننا، فمن أكل لحم بعير فليتوضأ.

وقد ذكرنا العلة المستلزمة لذلك، وهي: كثرة الزهومة في لحمه، وخلايا الجسم تتأثر بالدهن، والمصلي يناجي ربه، فينبغي أن يكون أخف ما يكون، وأسرع ما يكون؛ فلهذا يكره الشبع والتخمة.

جاءني أحد الصالحين في اليوم الثاني وقال لي: ومس الذكر ناقض للوضوء، فقلت: بلى، ولكننا نسينا؛ إذ الكتاب لم يحو ذلك، وإنما فسرنا الآية بما ظهر لنا منها، وما أحطنا بالعلم كله، فعليه فمن أفضى بكفه إلى ذكره بدون حائل من ثياب أو سروال وجب عليه الوضوء؛ للحديث الصحيح: ( من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ ). فمس الذكر ناقض للوضوء؛ لأن الذكر محط الشهوة والغريزة، فمن مس ذكره فغالباً ما ينتعش باطنه، وللحيطة قال الرسول الكريم: ( من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ ). فلنتوضأ. وهذا التعقيب ضروري؛ لأننا نخطئ وننسى ونجهل.

الأمر بذكر النعم لشكرها وتقوى الله عز وجل والتوكل عليه سبحانه

درس أمس ونداء أمس نداء حار، ونسبة المؤمنين والمؤمنات الذين بلغهم واحد إلى مليون أو إلى خمسة ملايين. وهم لن يشكروا الله إذا لم يبلغهم.

والنداء الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [المائدة:11]. وقد قررنا وعلمنا على علم أن هذه النعمة يجب أن يشكرها كل مؤمن ومؤمنة طوال الحياة؛ لأن الله تعالى دفع عن نبينا كيد الكائدين ومكر الماكرين واغتيال المغتالين، ولو قتلوه لما اجتمعنا في هذه الليلة، ولا بلغتنا دعوة الله ولا رسالته. فحفظ الله لنبيه نعمة من أجل النعم، وليس الرسول وحده هو الذي يشكر الله عليها، بل كل مؤمن ومؤمنة يجب أن يذكر هذه النعمة ليشكرها، وقد علمتم يقيناً أن التذكير بالنعمة المراد والمقصود منه: أن يشكر المنعم، فلا يكفي أن تقول: رزقني الله، بل قل: الحمد لله، ولا تقل: عافاني الله، بل قل: الحمد لله.

ذكرت لكم آيات الكتاب في بني إسرائيل: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ [البقرة:40]. وهو لا يريدهم أن يقولوها فقط، وليس هذا المطلوب، بل المطلوب أن يقولوها ليشكروا الله عز وجل، والله لا يشكر بالتصفيق والشطح والرقص، وإنما يشكر الله بطاعته والذوبان فيه؛ لأن طاعته تعالى معراج وسلم الرقي إلى الملكوت الأعلى؛ لما علمنا يقيناً أن تلك الطاعة - وهي فعل الأمر المزكي للنفس وترك النهي المخبث للنفس، وهذه هي التزكية والبعد عن التخبيث- تتم الطهارة، ويصبح العبد أهلاً للملكوت الأعلى. وأما شكر النعمة بغير الطاعة فهو خيالات وضلالات؛ إذ الشكر: صرف النعمة فيما خلقت لها، وفيما من أجله وهبتها. وهذا يتمثل في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

نعمة الله بإفشال مؤامرات الماسونية وجمعيات التنصير في بلاد الحرمين

عرضت لي نعمة أخرى، وضاق الوقت، وما هدأت النفس، ولا بد من التذكير بها، وخاصة أننا نحن أهل هذه النعمة، وبعض الساسة وبعض العقلاء وبعض العلماء وغيرهم لا يريدون هذا، وأما أنا فأقولها، إلا إذا منعت من أن أقول، وسدوا فمي وأغلقوه، أو أشهروا العصا؛ لأني مبين مذكر، فالله يذكرنا بنعمة مضى عليها 1400سنة، ونحن عندنا نعمة لها أربع سنوات ما نذكرها، وهي فشل تلك المؤامرة التي نسجت خيوطها محافل الماسونية وجمعيات التنصير لإطفاء نور الله، والقضاء على هذه البقية الباقية في هذا البلاد، ووالله لولا أن الله أوقفهم حيارى مشدوهين في الشمال والجنوب والشرق والغرب لما اجتمعنا هذه الليلة في هذا الدرس، ولمزقت راية لا إله إلا الله وبالوا عليها، ولبالوا على القرآن والمصاحف وانتهى الإسلام. فهذه نعمة يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يذكرها ويشكر الله تعالى عليها، وبخاصة إخواننا وأبناؤنا في هذه الديار، فلنشكر الله على هذه النعمة، فهي نعمة من أجل النعم، نعمة حياة وموت.

شكر النعمة لا يكون بالمعصية

جاءني الآن طالب بمجلة، وهي أخبث مجلة تصدر في لبنان، وتباع بعشرة ريالات، وفيها أخبث أنواع الباطل والكذب والنفاق والخداع والضلال، وتباع في مدينة الرسول بعشرة ريالات، فنحن لم نشكرنا الله بهذا، بل مجلات الخلاعة والدعارة والعري نبيعها من أجل الفلوس ومن أجل الريالات، وكأننا ما آمنا بالله ولا عرفنا الله. فمن أنعم الله عليه بنعمة فيجب أن يشكر الله المنعم عليها بالانكسار بين يديه والاطراح، والبعد عن معاصيه، والخروج عن طاعته، وطاعة رسوله، لا أن ننجو من الفتنة الليلة وغداً نغني ونرقص، فهذه المجلات لا يجوز أن تباع في المدينة، ولكن المفلسون يهربونها، والعجب أن تشتهى، ويقرأها أبناء فاطمة وأبناء أبي بكر الصديق ، فيقرءون الخبث الباطل في مدينة الرسول.

فلنعرف هذا الواقع والمر، وقد قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]. ووالله إن لم نعد عودة صادقة ربانية لما أخطأتنا سنة الله، ونحن نشاهد هذا في كل أصقاع وبقاع الأرض، وإن الله سنناً لن تتخلف، فإما أن نشكر الله بالانقياد والطاعة له، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة أوليائه، وإما أن نتعرض لغضبه، وإذا غضب الجبار فالعالم كله يشاهد المحنة ويعيش فيها.

كيفية الوصول إلى الشكر

أخيراً: كيفية الوصول إلى الشكر - وعدنا من حيث بدأنا-: وقد قلت لكم: لم يسمع هذا النداء ولا واحد في المليون، وأمة الإسلام لن تشكر ربها وهي ما عرفته، ولا عرفت كيف تشكره، والمسئولية مسئولية العلماء إن وجدوا، فالعلماء يجب أن يجمعوا المسلمين في بيوت ربهم، لا أقول: لتثقيفهم، وإنما لتزكية نفوسهم وتطهير أرواحهم، وتعليمهم ما أراد الله أن يتعلموه، فيربونهم على أن يستقيموا على منهج الحق، ويزكون أنفسهم ويطهرونها من أدران العجب والكبر والغش والحسد والشرك والباطل، ومستحيل أن تجتمع أمة بل أهل قرية اجتماعاً ربانياً إذا لم يعودوا في صدق إلى الإسلام وإلى بيت الله؛ إذ بهذا تنتهي الفوارق، وتنتهي النزعات، وتنتهي العصبيات، وتنتهي المذاهب والحزبيات والقبليات، وصفتنا نحن عباد الله في بيته أن نعبده بما شرع، ومعنا كتابه، ومعنا رسول الله كأنه لم يمت بعد، فهذه أحاديثه وبيانه وهداياته ماثلة بين أيدينا، فلنقبل على الله، ولا نرضى بهذا التمزق وهذا الهبوط حتى تأتي علينا سنة الله، ونندم حيث لا ينفع الندم. فلنعرض عن شراء هذه المجلات وعن بيعها، ولا نعرضها على مؤمن أو مؤمنة، فليس فيها إلا السم والخبث وطمس البصيرة وإعماء القلب وإنهاء الروح الإيماني، ولكن كل هذا وقع من حب الريال، وقد مات أسلافك جوعاً وعطشاً ولم يعرضوا دينهم على الباطل ولا ارتدوا عن الإسلام،. ولكن علة المسلمين اليوم هي: أنه لم يبلغهم درس أمس، وليس عندهم علم، فتأتي أحدهم المجلات فيبيعها ويستفيد ريالاً أو ريالين، وهذا الذي يأتي بها ويدخلها كذلك ميت القلب والضمير، ولم يعرف ما هي المدينة أبداً، ولا نور له ولا بصيرة، بل يأكل ويشرب كالبهيمة، ولا يعرف شيئاً، وهو لم يجلس بين الصالحين يتعلم، فنقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولنصبر على قضاء الله وحكمه، ونصرخ وليسمع أولوا البصائر والنهى: لابد من العودة إلى الله في صدق، لا باستهزاء واستخفاف وباطل، بل عودة صادقة، فنعرف أن الحلال ما أحل الله، والحرام ما حرم الله، ولا بد من إنابة صادقة، ومودة وإخاء، وولاء وطهر وصفاء، وذكر الله، وأما أن نحلم بدار السلام بمجرد ركعتين أو بانتسابنا إلى الإسلام فهذه أوهام.

والطريق هو كتاب المسجد وبيت المسلم فقط، ولا مدفع ولا رشاش ولا سحر، فإذا كنت مؤمناً فالزم بيت الله تتعلم الهدى، وطبق ونفذ، وطهر بيتك وقلبك ومشاعرك وأحاسيسك، وليكن همك السماء والملكوت الأعلى، وليس أوساخ الدنيا وأباطيلها، وهي ذاهبة يومياً. واسمحوا لي إن بكيت عليكم ومعكم. وهذا هو الواجب.

سبق في النداء الذي قبل السابق أن ذكرنا موجبات الوضوء، أو نواقض الوضوء، وعقبنا في الدرس بعده على ناقض نسيناه، ألا وهو أكل لحم الجزور، وقد نبهنا عليه وبينا، وقلنا: بغض الطرف عن الخلاف فالأحوط لدين العبد أن يتوضأ؛ لثبوت الحديث النبوي الشريف، ومن قال بنسخه وثبت النسخ عنده فشأنه، ونحن نأخذ بالحيطة لديننا، فمن أكل لحم بعير فليتوضأ.

وقد ذكرنا العلة المستلزمة لذلك، وهي: كثرة الزهومة في لحمه، وخلايا الجسم تتأثر بالدهن، والمصلي يناجي ربه، فينبغي أن يكون أخف ما يكون، وأسرع ما يكون؛ فلهذا يكره الشبع والتخمة.

جاءني أحد الصالحين في اليوم الثاني وقال لي: ومس الذكر ناقض للوضوء، فقلت: بلى، ولكننا نسينا؛ إذ الكتاب لم يحو ذلك، وإنما فسرنا الآية بما ظهر لنا منها، وما أحطنا بالعلم كله، فعليه فمن أفضى بكفه إلى ذكره بدون حائل من ثياب أو سروال وجب عليه الوضوء؛ للحديث الصحيح: ( من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ ). فمس الذكر ناقض للوضوء؛ لأن الذكر محط الشهوة والغريزة، فمن مس ذكره فغالباً ما ينتعش باطنه، وللحيطة قال الرسول الكريم: ( من أفضى منكم بيده إلى فرجه فليتوضأ ). فلنتوضأ. وهذا التعقيب ضروري؛ لأننا نخطئ وننسى ونجهل.