نداءات الرحمن لأهل الإيمان 32


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان. جعلنا الله وإياكم منهم، وحشرنا في زمرتهم، ورضي عنا كما رضي عنهم. اللهم آمين.

والرحمن صاحب النداءات هو الله رب العالمين، والأولين والآخرين، فهو أنزل القرآن الكريم، وبعث النبي الخاتم سيد الأنبياء والمرسلين، محمداً صلى الله عليه وسلم. وهذا الرحمن هو الذي لولاه ما كنا ولا اجتمعنا ولا سمعنا، ولا أبصرنا ولا فهمنا، فهو الله الذي خلق كل شيء، وبيده كل شيء، وهذه النداءات موجهة إلى المؤمنين خاصة، وهم المنادون بها، وهي تسعون نداء، وقد خص المؤمنين مع كثرة عباده من الإنس والجن لأنهم بإيمانهم أحياء يسمعون ويعون، ويقدرون على أن يمتثلوا الفعل والترك، وأما غيرهم من الكافرين فهم أموات، وصاحب العلم لا ينادي ميتاً، وإنما أهل الجهل ينادون: يا سيدي فلان! يا عبد القادر! يا رجال البلاد! وهم لم يجيبوهم يوماً، ووالله لو وقفوا ألف سنة ينادونهم ما أجابوهم.

وقد ناداهم بعنوان الإيمان؛ لأن الإيمان طاقة نورانية دافعة، بها يسمع عبد الله ويعي ويفهم، وبها ينهض بالتكاليف، ويفعل ويترك، وأما الكفار فهم أموات، فإن ناداهم فهو يناديهم ليأمرهم بالإيمان؛ حتى يحيوا ويصبحوا أحياء، ولا يناديهم ليقول: جاهدوا فينا، أو أطعموا مساكيننا، أو قوموا بين يدينا؛ لأنهم أموات لا يستجيبون.

وهذه النداءات تسعة وثمانون نداء، كلها بدأت بـ( يا أيها الذين آمنوا)، إلا نداء واحداً بـ(يا أيها النبي)؛ لأنه لتشريفه بدئ باسمه، والمؤمنون هم المقصودون، فقال تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ [الطلاق:1]، الآيات.

أهمية نداءات الرحمن في تنظيم حياة المسلمين

هذه النداءات احتوت على الشريعة الإسلامية بكاملها، من العقيدة والعبادات، وبيان الحلال والحرام، والمعاهدات الحربية والسلمية، والمال والاقتصاد، وكل متطلبات المؤمنين الصادقين أولياء الله اشتملت عليها هذه النداءات التسعون. ولو أن أهل بيت أو مسجد اجتمعوا عليها فقط يرددونها سنة، ويختمونها في كل ثلاثة أشهر فإنهم يصبحون علماء ربانين، وإن لم يكونوا يقرءون ويكتبون، فإذا علموها وعملوا بها وعلِّموها غيرهم فإنهم يصبحون علماء سادات الدنيا، وليس هناك مانع أن نفعل هذا، ولكن لعل الله كتب علينا البقاء على هبوطنا، ولن يرفعنا أحد، ولا حيلة إلا أن نفزع إلى الله عز وجل، وعلينا بكتاب المسجد وبيت المسلم، وقد صرخنا وبكينا وتألمنا سنة وربع السنة، فندرس ليلة آية وليلة حديثاً، قال الله وقال رسوله، ولا فرقة ولا خلاف، ولا مذهبية ولا حزبية ولا طائفية، ولا أنا كذا ولا أنت كذا، بل قال الله وقال رسوله، وقلنا: على أهل المساجد أن يجتمعوا عليه، وعلى أهل القرية أن يجمعوا نساءهم وأطفالهم ويتنسمون نسيم الرحمة الإلهية، ويخرجون من دخان الأكل والشرب والعمل الدنيوي في المصانع والمزارع والمطاعم والأسواق ساعة ونصف فقط في بيت ربهم العزيز، والنساء وراء الستارة، والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، ويجلس لهم مرب مؤمن يحسن القراءة والكتابة والفهم فقط، فيقرءون آية من كتاب الله، ويتغنون بها، ويتلذذون بألفاظها، ويحفظونها، ثم يبين لهم مراد الله منها، فإن كان معتقداً اعتقدوه، وإن كان أمراً نهضوا به، وإن كان نهياً تركوه، وفي الترك راحة، ولن تمضي سنة فقط إلا وقلوبهم قلب رجل واحد، فلا حسد ولا بغضاء، ولا كبر ولا رياء، ولا ظلم ولا فسق، ولا فجور، ولا يبقى في القرية من يفكر بأن يفجر بامرأة أو بنت أخيه، ولا من يمد يده سالباً أو ناهباً مال أخيه، ولا من يموت جوعاً أو يتألم عرياً وهم مكسوون شباعاً حوله، ولن يكون هذا أبداً في جماعة الإيمان والإسلام، ولكن أعرض عنه المسلمون، وكأن شيئاً ما كان، فعودوا إلى بيوتكم، وطهروها من الشياطين، وأبعدوا عنها الشياطين من الجن، فقد فتحتموها للأبالسة والشياطين، فوضعتم فيها التلفاز على اختلافه، والفيديو وما إلى ذلك، فتجلسون والمرأة تغني أمامكم، فاستحوا من الله، وخافوا منه، وابكوا بين يدي الله، فليس مؤمناً من يشاهد عاهرة ترقص أمامه، وأمه وبناته يشاهدنها، فتحولت بيوت المسلمين إلا ما رحم الله إلى مباءات للشياطين، فانتشر الفجور والباطل والفساد، فحولوا هذه البيوت إلى بيوت ربانية بهذا الكتاب فقط، فإذا صليتم المغرب أو العشاء وتعشيتم فليجلس الرجل وإلى جنبه أم أولاده وأولاده بين يديه، وبيده آية يتغنى بها، ويسمعون كلام الله الطيب، ومن لم يقل: طيباً فقد كفر، فهو أطيب كلام في الكون، وليس هناك ما هو ألذ من كلام الله، فيتغنون بالآية حتى تحفظ، ويقول: المطلوب أبنائي! هو أن نفعل كذا وكذا، فهيا من الآن، وإذا كان المكروه كذا فمن الآن لن نقله، ولن نتكلم به، ولن نلبسه ونعمله، وهكذا كل عام وطول الحياة، فتتحول بيوتنا إلى بيوت ربانية تغشاها الملائكة وتعمرها، ولا تسأل يا طالب الدنيا والمال عن توفر المال، فستعزف عنه النفوس هكذا، وتهرب منه ولا تبالي به، وينتهي هذه الشره والطمع والتكالب على الدنيا وأوساخها، فالنفوس لا تعالج إلا بهذا النور الإلهي، وقد عالجتموها بالمنظمات والآراء والفلسفة والاشتراكية ولم تحصلوا على العلاج، بل زدتم هبوطاً وسقوطاً، وإلى الآن ما وصلنا إلى شيء، وكم كنت أردد: لو أعرف أن أهل قرية اجتمعوا عليه في الشرق أو الغرب والله لحججتهم، وزرتهم لأدخل مسجدهم، ولكن لم يفعل ذلك أحد. وقد وردني اليوم أو أمس كتاب من الهند بلاد الهنادك وفيه: أن سيداً قال: لقد قمت بترجمة كتابك، وكان ترجم لنا رسالة صغيرة، قال: وانصحني، فكتبت له: إن أنت ترجمته ووزعته على خمسين مسجداً وخمسين بيتاً وجئتني بشهادة موثوقة أن أهل المسجد يجتمعون على هذا الكتاب كل ليلة، ويقرءون يوماً آية ويوماً حديثاً، وأن أهل البيت كذلك بشهادة عدول أعطيك كل سنة ثلاثين ألف روبية ما حييت، ووقعت. وليس هناك تشجيع أكثر من هذا، ولن يفعل ذلك أحد.

وا حر قلباه ممن قلبه شبم

لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

والفتن تلتهم العالم الإسلامي التهاماً، وهم معرضون.

حكم الوضوء والغسل من الجنابة

في النداء الماضي تعلمنا منه كيف نتوضأ وكيف نغتسل، وعرفنا موجبات الوضوء أو نواقض الوضوء، وموجبات الغسل المطلوبة للغسل، ونعيد النداء مرة ثانية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]. هذا الوضوء. وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة:6]، أي: ليعدكم لأعظم مهمة، وهي شكر الله عز وجل.

وعرفنا أن السنة النبوية بينت لنا المضمضة والاستنشاق والاستنثار ومسح الأذنين؛ لأن الرسول مسئول عن البيان، فالآية مجملة والرسول يبين، وعرفنا السر في ذلك، وهو: لو أن القرآن كله مفصلاً لما حمل وحفظ، ولما قوي عليه، فأسند الله بيانه إلى رسوله بقوله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].

نواقض الوضوء

عرفنا موجبات الوضوء، وهي: الخارج من السبيلين، والبول والغائط والفساء والضراط، وذكرنا أيضاً أن لمس المرأة بشهوة إذا قصد الفحل أن يتلذذ بزوجته، فوضع يده على كتفها أو خدها أو يدها فقد انتقض وضوؤه، وهو الذي نقضه؛ لأنه أراد اللذة وإن لم يجدها، فإن لم يقصد ولكن وجد وانفعل بطل وضوءه، وكذلك النائم إذا نام نوماً ثقيلاً بحث لا يشعر لو فسا أو ضرط فقد انتقض الوضوء ووجب؛ لأنه لا يدري، ومن الجائز أنه انتقض وضوءه، وأما إذا كان نومه خفيفاً بحيث لو قيل: فلان! لقال: نعم فهذا يشعر لو فسا أو ضرط، أو كان جالساً والنوم يزعزعه فهذا لو فسا أو ضرط يفهم، فالنوم الثقيل موجب للوضوء؛ لأنه من الجائز أن يكون قد فسا أو ضرط. وهذا المعنى واضح وإن لم يكن مكتوباً في الكتاب، فالنوم الثقيل ليس ناقضاً للوضوء، ولكن من الجائز أن ينتقض وضوء النائم، لأنه لا يعي ولا يشعر، ولنترك الكمال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان ينام وقال: ( عيناي تنامان، وقلبي لا ينام ). وهذه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم.

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينتظرون صلاة العشاء أحياناً لمهام يقوم بها الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأخر عنهم حتى تخفق رءوسهم من النعاس، ويقومون فيصلون.

ثم أكل لحم الجزور، أي: البعير، وقد اختلف العلماء في وجوب الوضوء منه، فمن قائل بنسخ الحديث، وأنه لا يتوضأ لذلك، ومن قائل بعدم النسخ، وأنه باق على أصله، فيتوضأ، ومن هنا الأحوط لديننا: أن نتوضأ، إذ لا كلفة في الوضوء، فلا مال يسقط، ولا وقت يضيع، وما دام قال إمام أهل السنة أحمد بالوضوء فنتوضأ، ولحم الجزور لا نأكله يومياً أو كل ساعة، فمن أكله تعشى أو تغدى فيتوضأ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة.

وأما لحم الغنم والعصافير والطيور فلا خلاف فيها في عدم الوضوء، وإنما الخلاف فقط في البعير، وعلة البعير كما قال العلماء: إن فيه مادة دهنية أو زهومة قوية لا توجد في لحم الغنم والماعز، وهذه المادة قد تفتر الحساسية الجسمية، وخلايا الجسم تفتر بذلك الدهن، فلا يؤدي العبد العبادة بنشاط، وهذا معقول أيضاً، والحكيم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما أمر بالوضوء إلا لعلم وحكمة.

وكذلك الحيض والنفاس، فهما من موجبات الغسل، وهما ليس من الجنابة، فالجنابة فقط أن يدخل الفحل رأس ذكره في امرأته، وسواء أمنى أو لم يمن فقد وجب الغسل. وفي الحيض والنفاس يقول تعالى من سورة البقرة: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة:222]، أي: يا رسولنا! قُلْ هُوَ أَذًى [البقرة:222]، أي: فيه ضرر. فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، أي: في جماعهن، فاعتزلوهن في الجماع، وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]. ومعنى يطهرن: ينقطع الدم بالمرة، وتأتي القصة البيضاء بعده إيذاناً بأنه لا يأتي بعد ذلك دم، أو جفاف كامل بحيث تدخل قطنة وتخرجها جافة. فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]. وقبلها قال: حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222]، أي: يطهرن بانقطاع الدم، ومعنى يتطهرن: يستعملن الماء الطهور للغسل، فإذا اغتسلت للبعل فله أن يأتيها، ولها أن تصلي.

والشاهد عندنا: أن انقطاع دم الحيض والنفاس موجب للغسل كالنكاح، والمؤمنون والمؤمنات في البوادي عاشوا قروناً ما يعرفون هذا، ولم يقف لهم عالم يعلمهم، فلم يدروا.

وكذلك إذا أفرز المني بشهوة وهو نائم أو يقظان فقد وجب الغسل؛ لأن الجسم تعطل.

هذه النداءات احتوت على الشريعة الإسلامية بكاملها، من العقيدة والعبادات، وبيان الحلال والحرام، والمعاهدات الحربية والسلمية، والمال والاقتصاد، وكل متطلبات المؤمنين الصادقين أولياء الله اشتملت عليها هذه النداءات التسعون. ولو أن أهل بيت أو مسجد اجتمعوا عليها فقط يرددونها سنة، ويختمونها في كل ثلاثة أشهر فإنهم يصبحون علماء ربانين، وإن لم يكونوا يقرءون ويكتبون، فإذا علموها وعملوا بها وعلِّموها غيرهم فإنهم يصبحون علماء سادات الدنيا، وليس هناك مانع أن نفعل هذا، ولكن لعل الله كتب علينا البقاء على هبوطنا، ولن يرفعنا أحد، ولا حيلة إلا أن نفزع إلى الله عز وجل، وعلينا بكتاب المسجد وبيت المسلم، وقد صرخنا وبكينا وتألمنا سنة وربع السنة، فندرس ليلة آية وليلة حديثاً، قال الله وقال رسوله، ولا فرقة ولا خلاف، ولا مذهبية ولا حزبية ولا طائفية، ولا أنا كذا ولا أنت كذا، بل قال الله وقال رسوله، وقلنا: على أهل المساجد أن يجتمعوا عليه، وعلى أهل القرية أن يجمعوا نساءهم وأطفالهم ويتنسمون نسيم الرحمة الإلهية، ويخرجون من دخان الأكل والشرب والعمل الدنيوي في المصانع والمزارع والمطاعم والأسواق ساعة ونصف فقط في بيت ربهم العزيز، والنساء وراء الستارة، والأطفال دونهن، والفحول أمامهن، ويجلس لهم مرب مؤمن يحسن القراءة والكتابة والفهم فقط، فيقرءون آية من كتاب الله، ويتغنون بها، ويتلذذون بألفاظها، ويحفظونها، ثم يبين لهم مراد الله منها، فإن كان معتقداً اعتقدوه، وإن كان أمراً نهضوا به، وإن كان نهياً تركوه، وفي الترك راحة، ولن تمضي سنة فقط إلا وقلوبهم قلب رجل واحد، فلا حسد ولا بغضاء، ولا كبر ولا رياء، ولا ظلم ولا فسق، ولا فجور، ولا يبقى في القرية من يفكر بأن يفجر بامرأة أو بنت أخيه، ولا من يمد يده سالباً أو ناهباً مال أخيه، ولا من يموت جوعاً أو يتألم عرياً وهم مكسوون شباعاً حوله، ولن يكون هذا أبداً في جماعة الإيمان والإسلام، ولكن أعرض عنه المسلمون، وكأن شيئاً ما كان، فعودوا إلى بيوتكم، وطهروها من الشياطين، وأبعدوا عنها الشياطين من الجن، فقد فتحتموها للأبالسة والشياطين، فوضعتم فيها التلفاز على اختلافه، والفيديو وما إلى ذلك، فتجلسون والمرأة تغني أمامكم، فاستحوا من الله، وخافوا منه، وابكوا بين يدي الله، فليس مؤمناً من يشاهد عاهرة ترقص أمامه، وأمه وبناته يشاهدنها، فتحولت بيوت المسلمين إلا ما رحم الله إلى مباءات للشياطين، فانتشر الفجور والباطل والفساد، فحولوا هذه البيوت إلى بيوت ربانية بهذا الكتاب فقط، فإذا صليتم المغرب أو العشاء وتعشيتم فليجلس الرجل وإلى جنبه أم أولاده وأولاده بين يديه، وبيده آية يتغنى بها، ويسمعون كلام الله الطيب، ومن لم يقل: طيباً فقد كفر، فهو أطيب كلام في الكون، وليس هناك ما هو ألذ من كلام الله، فيتغنون بالآية حتى تحفظ، ويقول: المطلوب أبنائي! هو أن نفعل كذا وكذا، فهيا من الآن، وإذا كان المكروه كذا فمن الآن لن نقله، ولن نتكلم به، ولن نلبسه ونعمله، وهكذا كل عام وطول الحياة، فتتحول بيوتنا إلى بيوت ربانية تغشاها الملائكة وتعمرها، ولا تسأل يا طالب الدنيا والمال عن توفر المال، فستعزف عنه النفوس هكذا، وتهرب منه ولا تبالي به، وينتهي هذه الشره والطمع والتكالب على الدنيا وأوساخها، فالنفوس لا تعالج إلا بهذا النور الإلهي، وقد عالجتموها بالمنظمات والآراء والفلسفة والاشتراكية ولم تحصلوا على العلاج، بل زدتم هبوطاً وسقوطاً، وإلى الآن ما وصلنا إلى شيء، وكم كنت أردد: لو أعرف أن أهل قرية اجتمعوا عليه في الشرق أو الغرب والله لحججتهم، وزرتهم لأدخل مسجدهم، ولكن لم يفعل ذلك أحد. وقد وردني اليوم أو أمس كتاب من الهند بلاد الهنادك وفيه: أن سيداً قال: لقد قمت بترجمة كتابك، وكان ترجم لنا رسالة صغيرة، قال: وانصحني، فكتبت له: إن أنت ترجمته ووزعته على خمسين مسجداً وخمسين بيتاً وجئتني بشهادة موثوقة أن أهل المسجد يجتمعون على هذا الكتاب كل ليلة، ويقرءون يوماً آية ويوماً حديثاً، وأن أهل البيت كذلك بشهادة عدول أعطيك كل سنة ثلاثين ألف روبية ما حييت، ووقعت. وليس هناك تشجيع أكثر من هذا، ولن يفعل ذلك أحد.

وا حر قلباه ممن قلبه شبم

لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي

والفتن تلتهم العالم الإسلامي التهاماً، وهم معرضون.