لقاء الباب المفتوح [147]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو اللقاء السابع والأربعون بعد المائة الذي يتم كل يوم خميس من كل أسبوع ، وهذا الخميس هو اليوم السادس عشر من شهر شعبان عام (1417هـ).

ونظراً لأنه لم يبق علينا إلا لقاء واحد بعد هذا اللقاء فإننا نرى أن يكون كلامنا في هذا اللقاء فيما يتعلق بشهر رمضان، ونتممه إن شاء الله في اللقاء القادم.

فرضية الصيام

نقول: إن شهر رمضان فيه ثلاث عبادات مشروعات: الأولى: الصيام، وهي أعظمها، والثانية: القيام، والثالثة: الاعتكاف.

فأما الصيام فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين؛ لأنه أحد أركان الإسلام التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) وهذه الخمس كما يتراءى لبعض الناس أنها ست، ولكنها خمس؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واحدة؛ لأنهما ركنا كل عبادة، وشرطا كل عبادة، فلا عبادة صحيحة إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإخلاص لله، تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة للرسول، تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله.

حكم من أنكر صيام رمضان

فصيام رمضان أحد أركان الإسلام، فمرتبته في الإسلام عظيمة وهو فرض بإجماع المسلمين، ولهذا قال العلماء: من كان عائشاً بين المسلمين وأنكر فريضة صوم رمضان كان كافراً مرتداً ولو صام؛ لأنه أنكر فرضاً مجمعاً عليه معلوم بالضرورة من دين الإسلام.

متى يثبت دخول رمضان

صيام رمضان يثبت برؤية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، وهو أعني الصيام: التعبد لله تعالى من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بترك المفطرات من الأكل والشرب والجماع وغيره.

المقصود من الصيام

والمقصود من الصيام حقيقة هو تقوى الله عز وجل، بدلالة الكتاب والسنة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] لم يقل: لعلكم تـجبرون، أو لعلكم تتمرنون على تحمل الجوع والعطش وكف النفس عن الشهوات، قال: لعلكم تتقون.

والتقوى: فعل أوامر الله وترك نواهيه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به، والجهل؛ فليس لله حاجة بأن يدع طعامه وشرابه) هذا هو المقصود حقيقةً بالصوم، لكنه الآن في مفهوم كثير من المسلمين هو الإمساك عن المفطرات، ولذلك تجد بعضهم لا يهمه في نهار رمضان إلا أن يقطع أوقاته في النوم تارة، وباللهو تارة أخرى، ولا تجد عليه علامات الصوم، وليس يوم صومه مخالفاً ليوم فطره، بل هما سواء عند كثير من الناس.

وهذا هو الذي أفقد الأمة الإسلامية روح عباداتها وشعائرها حتى أصبح المسلمون الآن في كثير من الأحيان وفي كثير من شعوبهم وأفرادهم يأتون هذه العبادات وكأنها شعار قومي، لا كأنها عبادة دينية، كأنها عادة مشوا عليها، وكان عليها آباؤهم وأجدادهم، ولذلك فقدت المعاني العظيمة التي تترتب على هذه العبادات الجليلة.

فمثلاً الصلاة تنهى عن الفحشاء يومياً، أكثر الناس ينصرف من صلاته ولم يتأثر إطلاقاً، لم يتأثر بكراهة الفحشاء والمنكر، مع أن صلاته لو كانت على الحق وعلى ما ينبغي لوجد من نفسه أنه إذا خرج منها كان كارهاً للفحشاء والمنكر؛ لأنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر، كذلك الصيام، الناس يصومون الآن شهراً كاملاً، لو كانوا كما أراد الله منهم أن يتقوا الله ويدعو قول الزور والعمل به والجهل، لكان شهراً كاملاً يعني: نصف سدس السنة لا يمكن أن يخرج إلا وقد تربوا تربية تامة على طاعة الله وتقوى الله، لكن من منا إذا خرج رمضان وجد من نفسه استقامة وحسن عمل أكثر مما كان في شعبان، أكثر الناس إذا انتهى رمضان فرحوا فرح شهوة بانتهاء الصوم، فكأنهم فرحوا بخروجه ولم يفرحوا من خروجهم من ذنوبهم.

ولذلك يجب علينا أن نعرف الحكمة العظيمة من الصوم، وأن نصوم كما أراد الله منا، وكما بين لنا رسولنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نصوم عن معاصي الله، إلى طاعة الله عز وجل، الصوم كما ذكرنا لكم هو: التعبد لله بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصوم، لابد أن تلاحظ أنك في عبادة.

مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات

مقدمات الصوم ومؤخراته من العبادات، فالسحور -مثلاً- من العبادات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، فقال: (تسحروا) وبيّن أن في تسحرنا مخالفة لليهود والنصارى، حيث قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور).

ثم إن نبينا وإمامنا محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتسحر ويتسحر معه الصحابة، كما قال زيد بن ثابت : (تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة).

فإذاً نقصد بسحورنا أولاً: امتثال أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، هذه واحدة.

ثانياً: مخالفة اليهود والنصارى.

ثالثاً: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قلت لكم: إن الرسول كان يتسحر ويتسحر المسلمون معه، فهذه ثلاثة أشياء كلها عبادة، ثم إننا نقول أيضاً: الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إن في السحور بركة) أين البركة؟ كله بركة: عبادة، واقتداء بالرسول، ومخالفة لأصحاب الجحيم، وعون على الصوم، وإعطاء للنفوس حقها، حيث أنها ستقبل على وقت تمسك فيه، فتنال حضها من الأكل والشرب لتتقوى به على طاعة الله عز وجل، هذه مقدمة الصوم.

المؤخر الذي يلحق الصوم: الفطر، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على التعجل بالإفطار فقال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) لكن بعد تيقن غروب الشمس أو غلبة الظن في غروبها إذا لم يمكن اليقين.

إذاً السحور: عبادة، والفطور: عبادة، وليكن على تمر، فإن لم يجد فعلى ماء، أولاً: التمر الأفضل منه الرطب، ثم التمر غير الرطب، ثم الماء إذا لم يجد.

فضلاً عما يقع في الصيام من الصبر الذي قال الله فيه: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10].

الصيام فيه صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله.

صبر على طاعة الله؛ لأن الإنسان يتحمل الصوم ويصبر عليه، ويكف نفسه وبذلك يكون صابراً عن معصية الله، الصوم يلحق الإنسان فيه: جوع، وعطش، وهبوط نفس، وكسل ولاسيما في الأيام الطويلة الحارة، فتجتمع فيه أنواع الصبر، ولهذا جاءت تسمية شهر رمضان بشهر الصبر؛ لأن فيه أنواع الصبر الثلاثة، فهو خير.

ثم إن الواجب علينا، أن نفكر إذا كان الله تعالى نهانا عن شهواتنا، الجسدية -البدنية- من أكل وشرب وجماع، فلننهى أنفسنا عن الشهوات المعنوية، كثير من الناس نسأل الله العافية، يشتهي المعاصي، يشتهي الكذب، الغيبة، السب، الشتم، فهل من المعقول أن الله سبحانه وتعالى ينهانا عن الشهوات الجسدية ثم نبيح لأنفسنا الشهوات المعنوية؟ الجواب: لا. أبداً ليس من الحكمة، ولهذا نقول: إن المعاصي كترك صلاة الجماعة -مثلاً- ممن تجب عليه وكالغش، وكالكذب، والغيبة وما أشبهها؛ إنها تنقص صومه، حتى لو فرضنا أن الإنسان من حين صام إلى أن أفطر وهو في المسجد يقرأ ويصلي ويسبح ويهلل ولكنه يفعل هذه المعاصي فإنها سوف تنقص الصوم لا شك في هذا؛ لأنه لم يأت بالحكمة التي من أجلها شرع الصوم.

إن الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: (الصوم جنة) يعني: وقاية يتقي به الإنسان معصية الله عز وجل، (فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب) يعني: لا يفعل الإثم ولا يصخب بالكلام (وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني امرؤ صائم) أرشده النبي عليه الصلاة والسلام إلى ألا ينتصر لنفسه بل يقول: إني امرؤ صائم، فلو أن أحداً سبك وقال لك: يا حمار! يا كلب! أنت بليد! أنت فيك كذا! وأنت صائم لا ترد عليه، مع أنك لو رددت عليه لكان جائزاً وجزاء السيئة سيئة مثلها لكن في الصيام لا. لا ترد عليه ولكن لا تظهر بمظهر العاجز عن مقابلته وقل: إني صائم، وفي قولك: إني صائم فائدتان:

الفائدة الأولى: توبيخه.

الفائدة الثانية: أن بك قدرة على الرد عليه ومقابلته لكن يمنعك الصيام.

كل هذا يدل على أن الصوم ليس حبس النفس عن الشهوات الجسدية بل هو بمعنى أعمق، وأبلغ، وأتم.

حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً

نتعرض في هذه المسألة لمسائل منها مثلاً: لو أن الإنسان أكل حين سمع صوت مؤذن، والمؤذن عادة يؤذن إذا غابت الشمس، ثم تبين أن المؤذن أخطأ وأن الشمس لم تغرب فهل يلزمه القضاء؟

الجواب: لا يلزم، ليس عليه قضاء، لكن إذا رأى الشمس يجب أن يمسك، حتى الذي في فمه يجب أن يلفظها لكن ما كان قبل أن يعلم فإنه لا شيء عليه، الدليل قول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، وهذا خطأ لكن بغير قصد، فقال الله تعالى في الآيات الكريمة: قد فعلت، ثم إن الصحابة رضي الله عنهم في عهد نبيهم عليه الصلاة والسلام أفطروا في يوم غيم، ظناً منهم أن الشمس قد غربت ثم طلعت الشمس ولم يقل لهم الرسول عليه الصلاة والسلام اقضوا يوماً مكانه، ولو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إلينا؛ لأنه إذا أمر به كان من الشريعة، والشريعة لا يمكن أن يترك منها شيء، لابد أن تنقل.

رجل آخر نسي أنه صائم فأكل أو شرب ماذا نقول له؟! أعليه قضاء ؟! ليس عليه قضاء، لكن إذا ذكر توقف وجوباً، الدليل على أنه لا قضاء عليه هو: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] وهذه يا إخواني آية من كتاب الله لم يقلها فلان الفلاني، ثم آية أقرها الله عز وجل هي دعاء من المؤمنين لكن أقرها الله وأعطاهم دعاءهم، قال: قد فعلت، وفيه حديث في نفس المسألة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) فلم ينسبها إليه بل نسبها إلى الله؛ لأنه بغير قصد.

إذاً كل من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً أو جاهلاً ليس عليه شيء للآية، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) هذا النسيان، الجهل: تقول أسماء بنت أبي بكر والحديث في صحيح البخاري : (أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس) وهذا نص صريح.

فإذاً نأخذ قاعدة: من فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو جاهلاً فصيامه صحيح أياً كان، حتى لو أن الرجل -مثلاً- كان معه أهله وظن أن الفجر لم يطلع فجامع أهله ثم تبين أنه قد طلع فليس عليه شيء لا قضاء، ولا كفارة، ولا إثم، هذا ما يتعلق بالصوم.

القيام في شهر رمضان

أما ما يتعلق بالقيام: فقيام رمضان مندوب مشروع، قال فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنب) وينبغي أن يكون جماعة في المساجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال أو أربع ليال ثم تأخر وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم) ويكون: بإحدى عشرة ركعة أو بثلاثة عشرة ركعة هذا هو الأفضل؛ لأن هذا هو الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: [ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهم وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً] فالجميع أحد عشر ركعة.

لكن قولها: (يصلي أربعاً) هل معناه يجمعها في سلام واحد؟ الجواب: لا. لأنه قد ثبت في حديثها نفسه أنه كان يصلي ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم يوتر بواحدة، وعلى هذا فيكون قولها يصلي أربعاً أي: يجمعها ثم يستريح، ولهذا أتت بثم الدالة على التراخي، خلافاً لما توهمه بعض الناس من أنه يصلي أربعاً جميعاً، وأربعاً جميعاً، وثلاثاً جميعاً، وهذا خطأ في الفهم سببه أن بعض الناس ينظر إلى النصوص بعين أعور من جانب دون آخر، لا يجمع بين النصوص، يجمع أطراف النصوص، يحمل هذا على هذا، فظنوا أنها أربعاً مقرونة، وهذا غلط.

والمهم من هذا القيام أن يحرص الإنسان عليه ويصليه مع الإمام حتى ينصرف إمامه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) فضل من الله عز وجل تبقى مع الإمام حتى ينصرف يكتب لك قيام ليلة كاملة حتى في ليالي الشتاء وحتى وأنت على فراشك، يعني الصحابة، قالوا: [لو نفلتنا بقية ليلتنا] يعني: لو أنك أقمت بنا بقية الليل، قال: (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب لـه قيام ليلة) وهذا يدل على أن الأفضل على الإنسان أن يخفف على نفسه، فأنت تبقى مع الإمام حتى ينصرف ويكتب لك قيام ليلة كاملة ليس هناك حاجة أن تكلف نفسك القيام بعد هذا.

مشروعية الاعتكاف في رمضان

أما الاعتكاف فإنه سنة ولكن ليس في رمضان كله بل في العشر الأواخر منه فقط؛ لأن المقصود بالاعتكاف: التعبد في لزوم المسجد لطاعة الله عز وجل، هذا هو المقصود تحرياً لليلة القدر، ودليل أن الاعتكاف من أجل التحري لليلة القدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول يتحرى ليلة القدر؛ لأن ليلة القدر في رمضان ثم الأوسط وعند إكماله أي: الأوسط قيل لـه: إنها في العشر الأواخر فاعتكف العشر الأواخر كلها وترك الاعتكاف في العشر الأوسط وفي العشر الأول، ولم يعتكف في غير رمضان أبداً إلا سنة واحدة تأخر عن الاعتكاف في رمضان بسبب ثم قضاه في شوال.

فهمنا الآن أن الاعتكاف مشروع متى؟ في العشر الأواخر من رمضان فقط وليس مشروعاً كل وقت، وبه عرفنا خطأ قول بعض الفقهاء الذين يقولون: إنه ينبغي للإنسان إذا جاء إلى المسجد أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه في المسجد، فإن هذا القول لا أساس له من الصحة، بل لو شئنا لقلنا إنه بدعة، والدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعتكف قط إلا في العشر الأواخر من رمضان (ولما التزم بعض الصحابة ألا يتزوج والثاني قال: أنا أقوم ولا أنام، والثالث قال: أنا أصوم ولا أفطر أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه يصوم ويفطر ويقوم وينام ويتزوج النساء وأن من رغب عن سنتي فليس مني) فمن رغب عن سنة الرسول واعتكف في غير رمضان قلنا: إنك مبتدع، الزم سنة الرسول، لو كان خيراً لكان الرسول أول من يفعله.

ثم إن الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم الجمعة حث على التقدم، قال: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قدم بدنه) وذكر بقية الحديث، هل قال لمن تقدم يوم الجمعة: انو الاعتكاف لتحصل على فائدتين: على التقدم إلى المسجد، والاعتكاف؟ أبداً ما قاله، وهل تظنون أن الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أن نية الاعتكاف مما يقرب إلى الله في هذا الحال ولم يبلغها؟ معاذ الله! وحاشاه من ذلك.

إذاً لو كانت نية الاعتكاف عند المقام في المسجد مشروعاً ومحبوباً إلى الله لوجب على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يبلغه عباد الله لقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67] ولهذا نقول لمن قال: إذا دخلت المسجد تنوي الاعتكاف، نقول: هات برهانك، أين الدليل على هذا؟ بل الدليل على خلافه، هذا كلام مختصر على الصيام والقيام والاعتكاف.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يصوم رمضان ويقومه أيماناً واحتساباً، وأن يهيىء لنا من أمرنا رشداً إنه على كل شيء قدير.

نسأل الله أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحب ويرضى.

نقول: إن شهر رمضان فيه ثلاث عبادات مشروعات: الأولى: الصيام، وهي أعظمها، والثانية: القيام، والثالثة: الاعتكاف.

فأما الصيام فإنه فرضٌ بإجماع المسلمين؛ لأنه أحد أركان الإسلام التي عبر عنها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت) وهذه الخمس كما يتراءى لبعض الناس أنها ست، ولكنها خمس؛ لأن شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واحدة؛ لأنهما ركنا كل عبادة، وشرطا كل عبادة، فلا عبادة صحيحة إلا بالإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالإخلاص لله، تتضمنه شهادة أن لا إله إلا الله، والمتابعة للرسول، تتضمنه شهادة أن محمداً رسول الله.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقاء الباب المفتوح [63] 3391 استماع
لقاء الباب المفتوح [146] 3347 استماع
لقاء الباب المفتوح [85] 3310 استماع
لقاء الباب المفتوح [132] 3288 استماع
لقاء الباب المفتوح [8] 3271 استماع
لقاء الباب المفتوح [13] 3255 استماع
لقاء الباب المفتوح [127] 3114 استماع
لقاء الباب المفتوح [172] 3087 استماع
لقاء الباب المفتوح [150] 3034 استماع
لقاء الباب المفتوح [47] 3029 استماع