شرح سنن أبي داود [567]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب في صلاة العتمة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا وإنها العشاء، ولكنهم يعتمون بالإبل) ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى باباً في صلاة العتمة.

العتمة هي صلاة العشاء، والمقصود من ذلك أن الذي ينبغي أن يذكر في اسم هذه الصلاة أن يقال: صلاة العشاء، كما جاء ذلك في القرآن، قال عز وجل: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58] فسماها الله عز وجل صلاة العشاء، والأعراب كانوا يطلقون عليها العتمة، وكانوا يؤخرونها؛ لأنهم يعتمون بالإبل حتى يؤخروا الصلاة بسبب ذلك، فكانوا يسمونها العتمة.

والمقصود من النهي ألا يهجر اسم العشاء حتى يغلب الاسم الذي يطلقه الأعراب على اسم العشاء الذي جاء في القرآن، وإذا ذكر في بعض الأحيان العشاء وأطلق عليها العتمة، فذلك سائغ؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث الصحيحة إطلاق لفظ العتمة على العشاء، كما قال: (لو يعلم الناس ما في الفجر والعتمة..) يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء، فالمقصود من ذلك ألا يهجر اسم العشاء ويغلب عليه ذلك الاسم الذي هو العتمة؛ ولهذا قال: [ (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا وإنها العشاء، ولكنهم يعتمون بالإبل) ] أي: يشتغلون بالإبل ويؤخرون صلاة العشاء بسبب ذلك، ولهذا يقولون لها: العتمة؛ لأنها مأخوذة من الإعتام، وهو شدة الظلام.

إذاً: فالمقصود من ذلك هو المحافظة على الآداب في الألفاظ ، وأنه يعبر عن الصلاة الثانية من صلاة الليل بصلاة العشاء كما جاء في القرآن، ولا يعبر عنها بالعتمة بأن يغلب ذلك، وإذا حصل أن قيل لها: العتمة في بعض الأحيان فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه ثبت ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي لبيد ].

هو عبد الله بن أبي لبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

حكم إطلاق لفظ صلاة الأخير أو العشاء الأخير على صلاة العشاء

أيضاً كون بعض الناس يقولون: إن صلاة العشاء صلاة الأخير، فالمقصود به العشاءان: العشاء الأول الذي هو المغرب، والعشاء الأخير الذي هو العشاء، ولكن كون الناس يأتون بلفظ صلاة العشاء كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي، وأما أن يهجر أو يترك لفظ صلاة العشاء ويقال: الأخير، أو العشاء الأخير، فلا ينبغي ذلك.

شرح حديث الرجل من خزاعة وفيه (... يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل، قال مسعر : أراه من خزاعة : (ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليتني صليت فاسترحت).

يقصد من ذلك أنه يكون قد أدى الواجب الذي عليه، وأبرأ ذمته من ذلك الشيء الذي هو في ذمته، وهذا تعبير معناه صحيح من ناحية أن الإنسان يبادر إلى أداء الواجب، لكن لما كان التعبير بالاستراحة فهموا على أنه يريد التخلص منها أو ما إلى ذلك، فأنكروا عليه ذلك، فروى الحديث الذي قال: [ (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ] ويمكن أن يكون معنى قوله: [ (استرحت) ] يعني: استرحت بها، وبالإتيان بها، أما كون المعنى استرحت منها، فهذا هو الإشكال؛ لأن فيه تخلصاً من العبادة وتثاقلا بها، وأما الذي جاء في الحديث هذا: [ (أرحنا بها) ] فمعناه: أرحنا مما كنا فيه من العناء والتعب، ومن الضيق والمشقة إلى أن نشتغل بالصلاة.

ويمكن أن يكون المقصود بقوله: [ (فاسترحت) ] أنه أدى الواجب الذي عليه وأبرأ ذمته منه، وبادر إلى أداء الواجب، ومعلوم أن المبادرة إلى أداء الواجب من أهم الأشياء المطلوبة؛ لأن البدار إلى أداء الواجب شيء محمود، لكن لما كان التعبير بالاستراحة قد يفهم منه أنه تخلص منها، فصار فيه هذا الاحتمال الذي أنكروا عليه من أجله، فهو استدل عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم : [ (أرحنا بها) ] ومعلوم أن هذا غير هذا، لكن يمكن أن يحمل هذا على أنه استراح بانشغاله بالصلاة وإقباله على الصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث الرجل من خزاعة وفيه (... يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عيسى بن يونس ].

عيسى بن يونس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا مسعر بن كدام ].

مسعر بن كدام ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن مرة ].

عمرو بن مرة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سالم بن أبي الجعد ].

سالم بن أبي الجعد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ قال: قال رجل، قال مسعر : أراه من خزاعة ].

يعني: أنه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا، ومعلوم أن جهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن المجهول فيهم في حكم المعلوم، والجهالة في غيرهم هي التي تؤثر.

وجه تعلق الحديث بترجمة الباب

هذا الحديث ليس فيه علاقة بصلاة العتمة؛ لأنه لم يتعرض لصلاة العتمة، ولكن يبدو والله أعلم أن المقصود من ذلك أن هذه ألفاظ ينبغي تركها، مثل ما جاء في صلاة العتمة أن صلاة العشاء أولى من العتمة، فكذلك ذكر العبارات التي فيها احتمال معنىً ليس بجيد فإنها تترك، ويؤتى بعبارات واضحة لا احتمال فيها.

كذلك الحديث الذي بعده لا تعلق له بصلاة العتمة، ولكن له تعلق من جهة أن الألفاظ التي فيه ينبغي أن يبتعد عنها؛ لأن فيها احتمال معنىً غير لائق أو غير مرغوب فيه.

شرح حديث الرجل من الأنصار الذي فيه (... قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: (انطلقت أنا وأبي إلى صهر لنا من الأنصار نعوده، فحضرت الصلاة، فقال لبعض أهله: يا جارية، ائتوني بوضوء لعلي أصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك عليه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قم يا بلال فأرحنا بالصلاة) ].

هذا مثل الذي قبله، وفيه أن عبد الله بن محمد بن الحنفية ذهب هو وأبوه إلى صهر لهما من الأنصار يعودانه، فطلب من جارية أن تأتي بماء، قال: حتى أتوضأ وأصلي فأستريح، فأنكروا عليه قوله: فأستريح، مثل ما حصل الإنكار على الرجل المبهم في الحديث الأول، وكذلك هنا هو رجل من الأنصار غير معروف، وجهالة الصحابي لا تؤثر.

فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ (قم يا بلال فأرحنا بالصلاة) ] ومعلوم أن قوله: [ فأستريح) ] محمول على أنه يستريح بها، وأنه يبادر إلى أداء الواجب، لا أن المقصود بذلك أنه يتخلص منها، أو كأنه شيء ثقيل يتخلص منه، وإنما المعنى ليستريح بها ويكون له فيها راحة عما أهمه، أو أن المقصود من ذلك أنه يبادر إلى أداء ما أوجب الله عليه، فيبرئ ذمته، فيكون المعنى مستقيماً على هذين الوجهين.

تراجم رجال إسناد حديث الرجل من الأنصار الذي فيه (... قم يا بلال فأرحنا بالصلاة)

قوله: [ حدثنا محمد بن كثير ].

هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا إسرائيل ].

هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عثمان بن المغيرة ].

عثمان بن المغيرة وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية ].

سالم بن الجعد مر ذكره، وعبد الله بن محمد بن الحنفية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وأبوه محمد بن الحنفية ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، لكن ليس هو في هذه الرواية، وإنما ذكر ابنه أنه ذهب هو وإياه إلى رجل من الأنصار.

[ إلى صهر لنا ].

صهرهم هو رجل من الأنصار صحابي.

شرح حديث (ما سمعت رسول الله ينسب أحداً إلا إلى الدين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينسب أحداً إلا إلى الدين) ].

أورد أبو داود حديث عائشة : [ (ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينسب أحداً إلا إلى الدين) ] يعني: كأن يقول: هذا مهاجري أو أنصاري أو ما إلى ذلك من الألقاب المحمودة كالهجرة والنصرة، ولكن الحديث فيه انقطاع بين عائشة والراوي عنها وهو زيد بن أسلم .

تراجم رجال إسناد حديث (ما سمعت رسول الله ينسب أحداً إلا إلى الدين)

قوله: [ حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ].

هارون بن زيد بن أبي الزرقاء هو صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا أبي ].

أبوه ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ حدثنا هشام بن سعد ].

هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن زيد بن أسلم ].

زيد بن أسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها.

ورواية زيد عنها مرسلة، فالسند فيه انقطاع، وهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ باب في صلاة العتمة.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا سفيان عن ابن أبي لبيد عن أبي سلمة قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا وإنها العشاء، ولكنهم يعتمون بالإبل) ].

أورد أبو داود رحمه الله تعالى باباً في صلاة العتمة.

العتمة هي صلاة العشاء، والمقصود من ذلك أن الذي ينبغي أن يذكر في اسم هذه الصلاة أن يقال: صلاة العشاء، كما جاء ذلك في القرآن، قال عز وجل: وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ [النور:58] فسماها الله عز وجل صلاة العشاء، والأعراب كانوا يطلقون عليها العتمة، وكانوا يؤخرونها؛ لأنهم يعتمون بالإبل حتى يؤخروا الصلاة بسبب ذلك، فكانوا يسمونها العتمة.

والمقصود من النهي ألا يهجر اسم العشاء حتى يغلب الاسم الذي يطلقه الأعراب على اسم العشاء الذي جاء في القرآن، وإذا ذكر في بعض الأحيان العشاء وأطلق عليها العتمة، فذلك سائغ؛ لأنه جاء في بعض الأحاديث الصحيحة إطلاق لفظ العتمة على العشاء، كما قال: (لو يعلم الناس ما في الفجر والعتمة..) يعني صلاة الفجر وصلاة العشاء، فالمقصود من ذلك ألا يهجر اسم العشاء ويغلب عليه ذلك الاسم الذي هو العتمة؛ ولهذا قال: [ (لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا وإنها العشاء، ولكنهم يعتمون بالإبل) ] أي: يشتغلون بالإبل ويؤخرون صلاة العشاء بسبب ذلك، ولهذا يقولون لها: العتمة؛ لأنها مأخوذة من الإعتام، وهو شدة الظلام.

إذاً: فالمقصود من ذلك هو المحافظة على الآداب في الألفاظ ، وأنه يعبر عن الصلاة الثانية من صلاة الليل بصلاة العشاء كما جاء في القرآن، ولا يعبر عنها بالعتمة بأن يغلب ذلك، وإذا حصل أن قيل لها: العتمة في بعض الأحيان فإنه لا بأس بذلك؛ لأنه ثبت ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم والليلة.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن أبي لبيد ].

هو عبد الله بن أبي لبيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن أبي سلمة ].

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ سمعت ابن عمر ].

هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.

أيضاً كون بعض الناس يقولون: إن صلاة العشاء صلاة الأخير، فالمقصود به العشاءان: العشاء الأول الذي هو المغرب، والعشاء الأخير الذي هو العشاء، ولكن كون الناس يأتون بلفظ صلاة العشاء كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي ينبغي، وأما أن يهجر أو يترك لفظ صلاة العشاء ويقال: الأخير، أو العشاء الأخير، فلا ينبغي ذلك.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قال رجل، قال مسعر : أراه من خزاعة : (ليتني صليت فاسترحت، فكأنهم عابوا عليه ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليتني صليت فاسترحت).

يقصد من ذلك أنه يكون قد أدى الواجب الذي عليه، وأبرأ ذمته من ذلك الشيء الذي هو في ذمته، وهذا تعبير معناه صحيح من ناحية أن الإنسان يبادر إلى أداء الواجب، لكن لما كان التعبير بالاستراحة فهموا على أنه يريد التخلص منها أو ما إلى ذلك، فأنكروا عليه ذلك، فروى الحديث الذي قال: [ (يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها) ] ويمكن أن يكون معنى قوله: [ (استرحت) ] يعني: استرحت بها، وبالإتيان بها، أما كون المعنى استرحت منها، فهذا هو الإشكال؛ لأن فيه تخلصاً من العبادة وتثاقلا بها، وأما الذي جاء في الحديث هذا: [ (أرحنا بها) ] فمعناه: أرحنا مما كنا فيه من العناء والتعب، ومن الضيق والمشقة إلى أن نشتغل بالصلاة.

ويمكن أن يكون المقصود بقوله: [ (فاسترحت) ] أنه أدى الواجب الذي عليه وأبرأ ذمته منه، وبادر إلى أداء الواجب، ومعلوم أن المبادرة إلى أداء الواجب من أهم الأشياء المطلوبة؛ لأن البدار إلى أداء الواجب شيء محمود، لكن لما كان التعبير بالاستراحة قد يفهم منه أنه تخلص منها، فصار فيه هذا الاحتمال الذي أنكروا عليه من أجله، فهو استدل عليهم بقوله صلى الله عليه وسلم : [ (أرحنا بها) ] ومعلوم أن هذا غير هذا، لكن يمكن أن يحمل هذا على أنه استراح بانشغاله بالصلاة وإقباله على الصلاة.