شرح سنن أبي داود [496]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً.

حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً]، أي: ما حكمه؟ هل يقطع أو هل يقام عليه الحد؟

والمجنون إذا كان حصل منه الذي يقتضي إقامة الحد في حال جنونه فإنه لا حد عليه؛ لأنه غير مكلف وغير مؤاخذ؛ ولأن عقله ليس معه، وأما إن كان يصحو ويحصل له الجنون في فترات متقطعة، فإنه إذا حصل ذلك في حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه فعل وهو مكلف.

فإذاً: فيه تفصيل، إن كان حصل في حال جنونه وعدم صحوه فإنه لا يؤاخذ ولا يكلف، ولا يقام عليه الحد، وإن حصل في حال سلامته من الجنون، وفي حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لكونه فعل الأمر المحرم الذي يكون عليه الحد في حال تكليفه.

أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصغير حتى يكبر)، يعني: حتى يصل إلى سن البلوغ.

ومعنى: (رفع القلم)، يعني: أنه رفع الإثم والمؤاخذة عليه في حال صغره، وحال جنونه، وحال نومه، فإنه لا يكون مؤاخذاً، وهذا فيما يتعلق بالإثم، وفيما يتعلق بكتابة الشر، يعني: رفع ذلك عنه فإنه لا يؤاخذ، وأما بالنسبة للثواب والحسنات، فإن ذلك يحصل له كما جاء في حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً، وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجرٌ)، يعني: هو له حج، وهي لها أجر، لكونها حجّجته، ولكونها نوت الحج عنه.

وعلى هذا فلا يؤاخذ على ما يحصل منه في حال جنونه، وفي حال صغره، وفي حال نومه؛ لأنه قد رفعت عنه المؤاخذة، وكتابة الشرور والأعمال السيئة؛ لأنه ليس من أهل التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصحيح حتى يكبر).

تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم الليلة.

[ حدثنا يزيد بن هارون ].

هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا حماد بن سلمة ].

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حماد ].

هو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن إبراهيم ].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود ].

هو الأسود بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: (أُتي عمر رضي الله عنه بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين!أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ].

أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بمجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فلما ذُهِب بها لترجم مُر بها على علي فسأل عنها وأُخبر، فجاء إلى عمر وقال له: أما علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ؟ قال: بلى، فقال: فما بالها؟ قال: لا شيء) يعني: أنه لا شيء عليها يعني: أنه رجع عن اجتهاده إلى أنه لا يقام عليها حد.

ومن المعلوم أن عمر رضي الله عنه لا يعقل أن يكون أمر برجمها وهي قد أتت ذلك في حال جنونها؛ لأنه لا مؤاخذة على مجنون، وإنما يكون الأمر أنها تصحو ويحصل لها الجنون في فترات متقطعة، فيكون ذلك على اعتبار أنه قد حصل منها في حال صحوها، وهذا هو الذي يُستحق به إقامة الحد، وأما إن كان في حال الجنون ممن يصحو ويحصل له الجنون، فإنه لا يقام عليه الحد إذا حصل فعل المنكر في حال جنونه؛ لأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم؛ ولكنه إذا كان في حال سلامته من الجنون في بعض الأوقات، ثم أتى الأمر المنكر، فإن هذا هو الذي يقام عليه الحد، فـعمر رضي الله عنه لعله رأى أن هذا كان في حال صحوها، وفي حال سلامتها من الجنون، وأنه لما جيء بها، أو كلمه علي رضي الله عنه في شأنها فقال: إن القلم رفع، معناه: أن ذلك قد حصل منها حال جنونها، والحدود تدرأ بالشبهات، وهذه شبهة، فعند ذلك عمر رضي الله عنه قال: لا شيء عليها، ثم أرسلها وتركها ولم يحدّها.

وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء عن عمر ، فلما ذكر علي له ذلك، رأى أن هذا مما تدرأ به الحدود، وترك إقامة الحد عليها.

قوله: [ عن ابن عباس قال: (أُتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم فـمُر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت: أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلْها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ].

وعلى هذا فيكون عمر رضي الله عنه إنما كان فعل ذلك لأنه رأى أن ذلك في حال صحوها أو في حال مقاربتها للصحو، وقد استشار بعض الناس في ذلك، ولعله أشير عليه بذلك، وكان عمر رضي الله عنه يستشير فيما لا نص فيه؛ ولكن لما كانت المسألة فيها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات أشار عليه علي بذلك، فإنه قال: لا شيء، أي: لا شيء عليها.

فكان تغير اجتهاده من كونه يرجمها إلى كونه لا يرجمها، وأن ذلك من الشبهات التي تدرأ بها الحدود.

وفي مخاطبة علي رضي الله عنه لـعمر بقوله: (يا أمير المؤمنين!) دليل على ما كان عليه علي رضي الله عنه من رضا بولاية الشيخين قبله؛ وكذلك ولاية عثمان قبله، وأنه كان يخاطبهم بإمرة المؤمنين، وأنه لم يحصل منه شيء يخالف ما هم عليه، وأنه قد أخذ منه شيء، وأن الحق كان له، فلم يحصل شيء من ذلك، ولم يطالب علي رضي الله عنه بشيء أخذ منه، بل كان يتابعهم ويصلي وراءهم، ويغزو معهم ويقوم بالشيء الذي يطلب منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فالقول بأن الحق له، وأن أولئك -أي: الصحابة الذين قبله أبو بكر وعمر وعثمان - إنما هم مغتصبون هذا من البهتان، وهذا من الكذب، وعلي رضي الله عنه من أشجع الناس، ولو كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الحق له ما كان يخفيه، ولو كان عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم علم بأن الحق لـعلي ما كان أحد منهم يقدم على ترك شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الذي حصل من علي يدل على أنه ليس عنده تأثر وتألم، وأنه حيل بينه وبين ما يستحق، فالذي حصل من مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي هذا هو الذي أراده الله شرعاً وقدراً، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وجاء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء).

قوله: [ (أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء) ].

قوله: (لا شيء) لأنه تغير اجتهاده عما كان من قبل من أجل درء الحدود بالشبهات.

قوله: [ (قال: فأرسلها قال: فأرسلها قال: فجعل يكبر) ].

يعني: يقول: الله أكبر، وقد كانوا يكبرون عند الأمور العظيمة والمستحسنة، بينما الناس في هذا الزمان يصفقون، وفيما مضى كانوا يكبرون، والتكبير ذكر، والتصفيق ليس مما شرع، وليس مما جاء شيء يدل عليه، فالسنة عند ذكر الأمور المستحسنة هو التكبير كما جاء في هذا الأثر عن عمر ، وكما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة -أو ثلث أهل الجنة- فكبروا وقالوا: الله أكبر)، يعني: أنه أعجبهم وفرحوا وسروا فصاروا يكبرون.

تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير].

عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي ظبيان ].

هو الحصين بن جندب الجنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المكثر من الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن العجيب الغريب: أنه ظهر في هذا الزمان شخص ابتلي بالنيل من الصحابة والكلام عليهم، فزعم أن العباس بن عبد المطلب ليس بصحابي، وأن ابنه عبد الله بن عباس ليس بصحابي، وهذا من عجائب الزمان كون إنسان يتفوه بمثل هذا الكلام ويقوله، فإن هذا من أبطل الباطل، وقد نادى على نفسه بالخزي في هذه الحياة الدنيا، فإن القول بأن العباس ليس بصحابي خزي على من يقوله.

[ عن علي ].

هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال: أتي عمر ].

هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع عن الأعمش نحوه، وقال أيضاً: (حتى يعقل)، وقال: (وعن المجنون: حتى يفيق)، قال: فجعل عمر رضي الله عنه يكبر ].

أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، مع اختلاف في بعض العبارات من حيث الترادف.

قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ].

يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة .

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وقد مر ذكره.

حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق رابعة، وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمعنى عثمان ، قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت، قال: فخلى عنها) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب ].

هو ابن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني جرير بن حازم ].

جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان بن مهران ].

سليمان بن مهران هو الأعمش ، وهنا ذكر باسمه، وفيما مضى ذكر بلقبه، ومن أنواع علوم الحديث معرفة الألقاب للمحدثين، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى، فيظن أن سليمان بن مهران غير الأعمش ، ومن عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران فسواء جاء ذكر الأعمش أو جاء ذكر سليمان بن مهران عرف أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه.

[ عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي].

وقد مر ذكرهم.

شرح حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق خامسة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن أبي الأحوص ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي قال: أُتي عمر رضي الله عنه بامرأة قد فجرت فأمر برجمها فمر علي رضي الله عنه فأخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر قال: ادعوا لي علياً ، فجاء علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ)، وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها قال: فقال عمر : لا أدري، فقال: علي رضي الله عنه: وأنا لا أدري ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى في قصة المرأة المجنونة التي زنت، وفيه: أن علياً رضي الله عنه قال: لعل التي أتاها أتاها في حال بلائها، يعني: في حال جنونها، وكونها مبتلاة؛ لأنها تجن وتصحو، فلعله حصل ذلك في حال جنونها، ومعنى ذلك: أنها غير مكلفة، فقال عمر : لا أدري، أنه حصل في حال جنونها، ثم قال علي : لا أدري أنه حصل في حال صحوها، إذاً: فالمسألة محتملة، والحدود تدرأ بالشبهات، فترك عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليها.

تراجم رجال إسناد حديث (رفع القلم عن ثلاثة...) من طريق خامسة

قوله: [ حدثنا هناد ].

هو هناد بن السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الأحوص ].

هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب ].

عثمان بن أبي شيبة وجرير مر ذكرهما، وعطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، وجرير ممن روى عنه بعد الاختلاط، ولكنه كما هو معلوم موافق للروايات الأخرى، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح إلا قوله: (لعل الذي أتاها أتاها في حال بلائها) يعني: إن هذا مما انفرد به عطاء بن السائب في هذه الطريق، وأما ما عدا ذلك فهو موجود في الطريق الأخرى، ولا إشكال في هذه الجملة أيضاً من ناحية أن علياً رضي الله عنه ذكر الاحتمال وأشار إليه، وعمر رضي الله عنه لو علم أن الذي حصل هو في حال البلاء لا يمكن أن يقيم عليها حداً وهي فاقدة العقل، ولكن لعله ظن أو علم بأنه حصل في حال صحوها؛ ولهذا قال: (لا أدري) يعني: أنه حصل في حال كذا، ثم قال علي : لا أدري أنه إنما حصل في حال صحوها، وما دام الأمر فيه اشتباه: فإن الحدود تدرأ بالشبهات.

[ عن عطاء بن السائب ].

عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي ].

أبو ظبيان مر ذكره، وهناد -وهو أحد الشيخين- زاد الجنبي ، أي: زيادة على أبي ظبيان ، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: أبو ظبيان فقط، ولم يقل: الجنبي ، يعني: هذا فيه إشارة إلى الفرق بين ما جاء عن شيخي أبي داود أحدهما قال: أبو ظبيان الجنبي ، والثاني قال: أبو ظبيان فقط، ولم يأت بزيادة الجنبي .

معنى قوله (فخلى سبيلها) الواردة في الحديث

قوله: [ فخلى سبيلها ]، لعل المقصود -على ما جاء في الروايات السابقة- أنه حال بينها وبين القتل، ويمكن أنه قال: اتركوها ولا ترجموها، وإذا كان المقصود أنه أمر بإطلاقها، ففيه نكارة؛ لأن معناه: أنه تصرف دون الرجوع إلى الإمام، ولكن الذي مر في الروايات السابقة: أنه جيء بها، أو أنه قال: لا ترجموها، فيمكن أن يكون أنه أرسلها، ويمكن أن يكون المقصود بذلك كونه قال: لا ترجموها، وأنه حال بينها وبين الرجم، فيمكن أن يكون هذا هو الإرسال، وإذا كان الأمر كذلك فلا إشكال، وإن كان المقصود أنه أطلقها وتركها دون مراجعة الإمام، نقول: هذا لا شك أن فيه نكارة؛ لكن الألباني الذي أنكره هو الكلام الأخير وهو قوله: (لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها) أي: في حال جنونها.

ذكر من روى عن عطاء بن السائب قبل اختلاطه

الذين عرفت روايتهم عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط هم سبعة، وقد سبق أن عرفنا أن الحافظ ابن حجر في آخر ترجمة عطاء بن السائب في تهذيب التهذيب، ذكر أن هؤلاء سمعوا منه قبل الاختلاط، ومنهم سفيان الثوري وشعبة ، وحماد بن زيد ، وذكر ستة، وذكر الشيخ الألباني السابع وهو الأعمش.

وأما أبو الأحوص وجرير فليسا من هؤلاء الذين عرف أنهم رووا قبل الاختلاط، والمختلط تعتبر رواية من روى عنه قبل الاختلاط.

قوله: [ عن عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبي حتى يكبر) ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [ باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً]، أي: ما حكمه؟ هل يقطع أو هل يقام عليه الحد؟

والمجنون إذا كان حصل منه الذي يقتضي إقامة الحد في حال جنونه فإنه لا حد عليه؛ لأنه غير مكلف وغير مؤاخذ؛ ولأن عقله ليس معه، وأما إن كان يصحو ويحصل له الجنون في فترات متقطعة، فإنه إذا حصل ذلك في حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لأنه فعل وهو مكلف.

فإذاً: فيه تفصيل، إن كان حصل في حال جنونه وعدم صحوه فإنه لا يؤاخذ ولا يكلف، ولا يقام عليه الحد، وإن حصل في حال سلامته من الجنون، وفي حال صحته وعافيته فإنه يقام عليه الحد؛ لكونه فعل الأمر المحرم الذي يكون عليه الحد في حال تكليفه.

أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصغير حتى يكبر)، يعني: حتى يصل إلى سن البلوغ.

ومعنى: (رفع القلم)، يعني: أنه رفع الإثم والمؤاخذة عليه في حال صغره، وحال جنونه، وحال نومه، فإنه لا يكون مؤاخذاً، وهذا فيما يتعلق بالإثم، وفيما يتعلق بكتابة الشر، يعني: رفع ذلك عنه فإنه لا يؤاخذ، وأما بالنسبة للثواب والحسنات، فإن ذلك يحصل له كما جاء في حديث المرأة التي رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً، وقالت: (ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجرٌ)، يعني: هو له حج، وهي لها أجر، لكونها حجّجته، ولكونها نوت الحج عنه.

وعلى هذا فلا يؤاخذ على ما يحصل منه في حال جنونه، وفي حال صغره، وفي حال نومه؛ لأنه قد رفعت عنه المؤاخذة، وكتابة الشرور والأعمال السيئة؛ لأنه ليس من أهل التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمبتلى حتى يبرأ، والصحيح حتى يكبر).

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وأما النسائي فقد أخرج له في عمل اليوم الليلة.

[ حدثنا يزيد بن هارون ].

هو يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا حماد بن سلمة ].

هو حماد بن سلمة بن دينار البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن حماد ].

هو ابن أبي سليمان ، وهو صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن إبراهيم ].

هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأسود ].

هو الأسود بن قيس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: (أُتي عمر رضي الله عنه بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم، فمر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين!أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها، قال فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ].

أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتي بمجنونة قد زنت، فأمر برجمها، فلما ذُهِب بها لترجم مُر بها على علي فسأل عنها وأُخبر، فجاء إلى عمر وقال له: أما علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن الصغير حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ؟ قال: بلى، فقال: فما بالها؟ قال: لا شيء) يعني: أنه لا شيء عليها يعني: أنه رجع عن اجتهاده إلى أنه لا يقام عليها حد.

ومن المعلوم أن عمر رضي الله عنه لا يعقل أن يكون أمر برجمها وهي قد أتت ذلك في حال جنونها؛ لأنه لا مؤاخذة على مجنون، وإنما يكون الأمر أنها تصحو ويحصل لها الجنون في فترات متقطعة، فيكون ذلك على اعتبار أنه قد حصل منها في حال صحوها، وهذا هو الذي يُستحق به إقامة الحد، وأما إن كان في حال الجنون ممن يصحو ويحصل له الجنون، فإنه لا يقام عليه الحد إذا حصل فعل المنكر في حال جنونه؛ لأنه غير مكلف، وقد رفع عنه القلم؛ ولكنه إذا كان في حال سلامته من الجنون في بعض الأوقات، ثم أتى الأمر المنكر، فإن هذا هو الذي يقام عليه الحد، فـعمر رضي الله عنه لعله رأى أن هذا كان في حال صحوها، وفي حال سلامتها من الجنون، وأنه لما جيء بها، أو كلمه علي رضي الله عنه في شأنها فقال: إن القلم رفع، معناه: أن ذلك قد حصل منها حال جنونها، والحدود تدرأ بالشبهات، وهذه شبهة، فعند ذلك عمر رضي الله عنه قال: لا شيء عليها، ثم أرسلها وتركها ولم يحدّها.

وهذا هو الذي يحمل عليه ما جاء عن عمر ، فلما ذكر علي له ذلك، رأى أن هذا مما تدرأ به الحدود، وترك إقامة الحد عليها.

قوله: [ عن ابن عباس قال: (أُتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناساً، فأمر بها عمر أن ترجم فـمُر بها على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها عمر أن ترجم، قال: فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه فقال: يا أمير المؤمنين! أما علمت: أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال: فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلْها، قال: فأرسلها، قال: فجعل يكبر) ].

وعلى هذا فيكون عمر رضي الله عنه إنما كان فعل ذلك لأنه رأى أن ذلك في حال صحوها أو في حال مقاربتها للصحو، وقد استشار بعض الناس في ذلك، ولعله أشير عليه بذلك، وكان عمر رضي الله عنه يستشير فيما لا نص فيه؛ ولكن لما كانت المسألة فيها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات أشار عليه علي بذلك، فإنه قال: لا شيء، أي: لا شيء عليها.

فكان تغير اجتهاده من كونه يرجمها إلى كونه لا يرجمها، وأن ذلك من الشبهات التي تدرأ بها الحدود.

وفي مخاطبة علي رضي الله عنه لـعمر بقوله: (يا أمير المؤمنين!) دليل على ما كان عليه علي رضي الله عنه من رضا بولاية الشيخين قبله؛ وكذلك ولاية عثمان قبله، وأنه كان يخاطبهم بإمرة المؤمنين، وأنه لم يحصل منه شيء يخالف ما هم عليه، وأنه قد أخذ منه شيء، وأن الحق كان له، فلم يحصل شيء من ذلك، ولم يطالب علي رضي الله عنه بشيء أخذ منه، بل كان يتابعهم ويصلي وراءهم، ويغزو معهم ويقوم بالشيء الذي يطلب منه رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

فالقول بأن الحق له، وأن أولئك -أي: الصحابة الذين قبله أبو بكر وعمر وعثمان - إنما هم مغتصبون هذا من البهتان، وهذا من الكذب، وعلي رضي الله عنه من أشجع الناس، ولو كان عنده علم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الحق له ما كان يخفيه، ولو كان عند الصحابة رضي الله تعالى عنهم علم بأن الحق لـعلي ما كان أحد منهم يقدم على ترك شيء جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا الذي حصل من علي يدل على أنه ليس عنده تأثر وتألم، وأنه حيل بينه وبين ما يستحق، فالذي حصل من مبايعة أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي هذا هو الذي أراده الله شرعاً وقدراً، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)، وجاء عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (خلافة النبوة بعدي ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء).

قوله: [ (أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ قال: بلى، قال فما بال هذه ترجم؟ قال: لا شيء) ].

قوله: (لا شيء) لأنه تغير اجتهاده عما كان من قبل من أجل درء الحدود بالشبهات.

قوله: [ (قال: فأرسلها قال: فأرسلها قال: فجعل يكبر) ].

يعني: يقول: الله أكبر، وقد كانوا يكبرون عند الأمور العظيمة والمستحسنة، بينما الناس في هذا الزمان يصفقون، وفيما مضى كانوا يكبرون، والتكبير ذكر، والتصفيق ليس مما شرع، وليس مما جاء شيء يدل عليه، فالسنة عند ذكر الأمور المستحسنة هو التكبير كما جاء في هذا الأثر عن عمر ، وكما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة -أو ثلث أهل الجنة- فكبروا وقالوا: الله أكبر)، يعني: أنه أعجبهم وفرحوا وسروا فصاروا يكبرون.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير].

عثمان بن أبي شيبة مر ذكره، وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ، وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي ظبيان ].

هو الحصين بن جندب الجنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المكثر من الرواية عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومن العجيب الغريب: أنه ظهر في هذا الزمان شخص ابتلي بالنيل من الصحابة والكلام عليهم، فزعم أن العباس بن عبد المطلب ليس بصحابي، وأن ابنه عبد الله بن عباس ليس بصحابي، وهذا من عجائب الزمان كون إنسان يتفوه بمثل هذا الكلام ويقوله، فإن هذا من أبطل الباطل، وقد نادى على نفسه بالخزي في هذه الحياة الدنيا، فإن القول بأن العباس ليس بصحابي خزي على من يقوله.

[ عن علي ].

هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال: أتي عمر ].

هو عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يوسف بن موسى حدثنا وكيع عن الأعمش نحوه، وقال أيضاً: (حتى يعقل)، وقال: (وعن المجنون: حتى يفيق)، قال: فجعل عمر رضي الله عنه يكبر ].

أورد الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، مع اختلاف في بعض العبارات من حيث الترادف.

قوله: [ حدثنا يوسف بن موسى ].

يوسف بن موسى صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في مسند علي وابن ماجة .

[ حدثنا وكيع ].

هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

هو سليمان بن مهران الكاهلي ، وقد مر ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح أخبرنا ابن وهب أخبرني جرير بن حازم عن سليمان بن مهران عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمعنى عثمان ، قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم؟ قال: صدقت، قال: فخلى عنها) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله.

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

هو أحمد بن عمرو بن السرح ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ أخبرنا ابن وهب ].

هو ابن وهب المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني جرير بن حازم ].

جرير بن حازم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان بن مهران ].

سليمان بن مهران هو الأعمش ، وهنا ذكر باسمه، وفيما مضى ذكر بلقبه، ومن أنواع علوم الحديث معرفة الألقاب للمحدثين، وفائدة معرفتها: ألا يظن الشخص الواحد شخصين إذا ذكر باسمه مرة وذكر بلقبه مرة أخرى، فيظن أن سليمان بن مهران غير الأعمش ، ومن عرف أن الأعمش لقب لـسليمان بن مهران فسواء جاء ذكر الأعمش أو جاء ذكر سليمان بن مهران عرف أنه شخص واحد ذكر مرة باسمه ومرة بلقبه.

[ عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: مر على علي].

وقد مر ذكرهم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هناد عن أبي الأحوص ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي قال: أُتي عمر رضي الله عنه بامرأة قد فجرت فأمر برجمها فمر علي رضي الله عنه فأخذها فخلى سبيلها، فأخبر عمر قال: ادعوا لي علياً ، فجاء علي رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ)، وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها قال: فقال عمر : لا أدري، فقال: علي رضي الله عنه: وأنا لا أدري ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى في قصة المرأة المجنونة التي زنت، وفيه: أن علياً رضي الله عنه قال: لعل التي أتاها أتاها في حال بلائها، يعني: في حال جنونها، وكونها مبتلاة؛ لأنها تجن وتصحو، فلعله حصل ذلك في حال جنونها، ومعنى ذلك: أنها غير مكلفة، فقال عمر : لا أدري، أنه حصل في حال جنونها، ثم قال علي : لا أدري أنه حصل في حال صحوها، إذاً: فالمسألة محتملة، والحدود تدرأ بالشبهات، فترك عمر رضي الله عنه إقامة الحد عليها.

قوله: [ حدثنا هناد ].

هو هناد بن السري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي الأحوص ].

هو سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير المعنى عن عطاء بن السائب ].

عثمان بن أبي شيبة وجرير مر ذكرهما، وعطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن، وجرير ممن روى عنه بعد الاختلاط، ولكنه كما هو معلوم موافق للروايات الأخرى، والشيخ الألباني رحمه الله قال: إنه صحيح إلا قوله: (لعل الذي أتاها أتاها في حال بلائها) يعني: إن هذا مما انفرد به عطاء بن السائب في هذه الطريق، وأما ما عدا ذلك فهو موجود في الطريق الأخرى، ولا إشكال في هذه الجملة أيضاً من ناحية أن علياً رضي الله عنه ذكر الاحتمال وأشار إليه، وعمر رضي الله عنه لو علم أن الذي حصل هو في حال البلاء لا يمكن أن يقيم عليها حداً وهي فاقدة العقل، ولكن لعله ظن أو علم بأنه حصل في حال صحوها؛ ولهذا قال: (لا أدري) يعني: أنه حصل في حال كذا، ثم قال علي : لا أدري أنه إنما حصل في حال صحوها، وما دام الأمر فيه اشتباه: فإن الحدود تدرأ بالشبهات.

[ عن عطاء بن السائب ].

عطاء بن السائب صدوق اختلط، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ عن أبي ظبيان قال هناد : الجنبي ].

أبو ظبيان مر ذكره، وهناد -وهو أحد الشيخين- زاد الجنبي ، أي: زيادة على أبي ظبيان ، وأما الشيخ الثاني الذي هو عثمان بن أبي شيبة فإنه قال: أبو ظبيان فقط، ولم يقل: الجنبي ، يعني: هذا فيه إشارة إلى الفرق بين ما جاء عن شيخي أبي داود أحدهما قال: أبو ظبيان الجنبي ، والثاني قال: أبو ظبيان فقط، ولم يأت بزيادة الجنبي .


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع