شرح سنن أبي داود [365]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشهيد يُغسل.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا معن بن عيسى (ح) وحدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (رمي رجل بسهمٍ في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الشهيد يُغسل]، أي: ما حكم ذلك؟ هل يغسل أو لا يغسل؟ والجواب: أنه لا يغسل، فالمقصود بالترجمة: بيان حكم تغسيله وأنه لا يغسل، فقد جاءت السنة بعدم تغسيله، وجاء في بعض الروايات: أنه يأتي يوم القيامة وذلك علامة عليه، وأنه يأتي ودمه يسيل، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ومعنى ذلك: أن أثر الاستشهاد والقتل في سبيل الله يبقى عليه، إذاً فلا يُغسل؛ لأن الغسل يزيله ويُذهِب أثره، والمقصود بقاء ذلك الأثر؛ لأنه علامة على كونه استشهد وقتل في سبيل الله، وهذا من جنس قصة ذلك الرجل الذي وقصته ناقته في الحج في عرفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه طيباً؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً) أي: أن ذلك يكون علامة على حجه وتلبسه بتلك العبادة التي مات وهو متلبس بها، فهنا لا يُغسل الشهيد؛ ليكون ذلك علامة له يوم القيامة يُعرف بها.

وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: (رمي رجلٌ بسهم في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو)، ومحل الشاهد قوله: (كما هو) أي: أنه لم يغسل، وإنما دفن على هيئته التي هو عليها، فالشهيد إذن لا يُغسّل.

قوله: (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يعني: أنه في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (رُمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا معن بن عيسى ].

هو معن بن عيسى صاحب الإمام مالك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ (ح) وحدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ].

هو القواريري ، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم بن طهمان ].

إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير ].

هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم تغسيل الشهيد المقتول في غير معركة

قد يقال: لماذا غُسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

والجواب: أن عمر رضي الله عنه لم يكن شهيد معركة، فالذين لا يغسلون هم الذين قُتلوا في المعركة، وأما غيرهم ممن وصفوا بأنهم شهداء فهؤلاء يغسلون، وقد مر بنا في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الشهادة فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل الله، فقال: الشهداء سبعة...) وذكر أصنافاً من الشهداء ليسوا شهداء معركة في سبيل الله، لكنهم يوصفون بأنهم شهداء، ويغسلون.

شرح حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم)

قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا زياد بن أيوب وعيسى بن يونس قالا: حدثنا علي بن عاصم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود) والمقصود بالحديد هنا السلاح، وهي الدروع، والجلود هي ما يُلبس من الجلود كالفراء.

قوله: (وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم) أي: ولا يغسلون.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم)

قوله: [ حدثنا زياد بن أيوب ].

زياد بن أيوب ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ وعيسى بن يونس ].

هو عيسى بن يونس الطرسوسي، وهو صدوق أخرج له أبو داود .

[ حدثنا علي بن عاصم ].

علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر، أي: على الخطأ، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عطاء بن السائب ].

عطاء بن السائب صدوق اختلط، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.

[ عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ]

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الحديث إسناده ضعيف، إلا أن عدم تغسيل الشهداء أمر ثابت في كثير من الأحاديث، والضعف الذي في الإسناد هو بسبب عطاء بن السائب ؛ لأنه صدوق اختلط، وعلي بن عاصم ممن روى عنه بعد الاختلاط، ثم أيضاً علي بن عاصم صدوق يخطئ ويصر على الخطأ، إذن ففي هذا الحديث علتان.

وتسمية حنظلة بغسيل الملائكة مع أنه شهيد رضي الله عنه لا يدل على أن الشهداء يغسلون؛ لأن الملائكة غسلته من أجل الجنابة، فقد خرج إلى القتال وهو جنب.

ولا يلزم من ذلك أن الرجل إذا مات وعليه جنابة أن يغسل مرتين: غسل جنابة وغسل ميت؛ بل يكفيه غسل واحد، وهذا كغسل الجمعة وغسل الجنابة، فقد سبق أن مر بنا في سنن أبي داود أنه قال: إذا كان الرجل عليه جنابة واغتسل بعد طلوع الفجر فإنه يجزئ عن الجمعة، أي: أنه ينوي هذا وهذا.

شرح حديث: (أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصلّ عليهم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب (ح) وحدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب وهذا لفظه أخبرني أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثهم: (أن شهداء أُحدٍ لم يُغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم) ].

أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [ (إن شهداء أحد لم يُغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم) ]، ومعنى ذلك أنهم لم يُغسلوا، بل دفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم، وهذا يدل على أن الشهداء لا يُغسلون؛ ليبقى ذلك الأثر علامة على الشهادة في سبيل الله عز وجل.

قوله: [ (ولم يصل عليهم) ] وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة ، وفي بعضها أنه صلى عليهم كلهم، ولهذا اختلف العلماء في الصلاة على الشهيد، هل يُصلى عليه أم لا يُصلى عليه؟ ووفق بينها الإمام ابن القيم رحمه الله فقال: إن المسلم مخير بين أن يُصلي عليهم أو أن يترك ذلك، فإن صلى عليهم فقد جاء ما يدل على ذلك، وإن لم يصل عليهم فقد جاء ما يدل على ذلك، فيكون الأمر على التخيير، ولكن الصلاة عليهم أولى إذا أمكن، فهي زيادة خير؛ لما فيها من الدعاء. وأما بالنسبة للتغسيل فإنهم -كما عرفنا- لا يُغسلون؛ ليبقى ذلك الدم علامة يعرفون بها يوم القيامة.

وعلى هذا: فتكون الصلاة عليهم ليست بواجبة كغيرهم، فغيرهم تجب الصلاة عليه على الكفاية، فإن الصلاة على الميت من فروض الكفايات، وأما بالنسبة للشهداء فتجوز الصلاة عليهم، ويجوز تركها، والصلاة عليهم أولى.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن شهداء أحد لم يغسلوا ودفنوا بدمائهم ولم يصل عليهم)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

هو أحمد بن صالح المصري، وهو ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن وهب ].

هو عبد الله بن وهب المصري، وهو ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ (ح) وحدثنا سليمان بن داود المهري ].

هو سليمان بن داود المهري المصري، وهو ثقة أخرج له أبو داود والنسائي .

[ أخبرنا ابن وهب، وهذا لفظه ].

أي: لفظ سليمان ؛ لأن ابن وهب يروي عنه في الطريقين.

[ أخبرني أسامة بن زيد الليثي ].

أسامه بن زيد الليثي صدوق يهم، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أن ابن شهاب أخبره ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أن أنس بن مالك حدثهم ].

أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمزة وقد مثل به...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب- (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو صفوان -يعني المرواني -عن أسامة عن الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه المعنى، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر على حمزة رضي الله عنه وقد مُثِلّ به فقال: (لولا أن تجد صفية رضي الله عنها في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يُحشر من بطونها، وقلت الثياب، وكثرت القتلى، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون بالثوب الواحد). زاد قتيبة : (ثم يدفنون في قبرٍ واحد، فكان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسأل: أيهم أكثر قرآناً؟ فيقدمه إلى القبلة).

أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما رأى حمزة وقد مثل به: (لولا أن تجد صفية)، وهي عمة رسول الله وأخت حمزة .

قوله: (لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية)، العافية هي الطيور، أي: يتركه حتى يحشر من بطونها، وهذا هو سبب إيراده في هذا الباب، أي: أن الشهيد لا يُغسل؛ لأن قوله: (تركته) معناه لم يغسله. ولا أدري ما وجه قوله: (حتى تأكله العافية، وحتى يحشر من بطونها)، فكما هو معلوم أن الأموات من الشهداء وغير الشهداء كلهم يدفنون في الأرض، فكون الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حق حمزة : (لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، وحتى يُحشر من بطونها) لا أدري ما وجه ذلك.

قوله: (وقلّت الثياب وكثرت القتلى) أي: أنهم ليس عندهم أكفان تكفيهم جميعاً، فكان الجماعة يكفَنون بالثوب الواحد، ومعنى كونهم يكفنون بالثوب الواحد: أن الثوب الذي يكفي الواحد كان يُقسم على اثنين أو ثلاثة، وليس معنى ذلك أنهم يلفون في ثوب واحد، فيستر رأس الميت، أي: أنه يُبدأ من جهة رأسه، وإذا بقي شيءٌ من جهة رجليه فإنه يستر بورق الشجر أو غيره، كما جاء في بعض الأحاديث في قصة مصعب بن عمير ، فإنهم لم يجدوا له شيئاً يكفنونه به إلا قطعة صغيرة، فكانوا إن جعلوها على رأسه بدت رجلاه وإن جعلوها على رجليه بدا رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوها على رأسه، واجعلوا على رجليه إذخراً).

وفي الحديث أيضاً جواز دفن الجماعة في قبر واحد، وذلك جائز عند الحاجة، كأن يكثر الموتى، فإنه يشق حفر القبور للجميع في وقت واحد، وهذا الأمر جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في هذا الحديث.

قوله: (ثم يدفنون في قبر واحد، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل: أيهم أكثر قرآناً؟ فيقدمه إلى القبلة) وهذا يدل على فضل حامل القرآن.

وقد اشتهر عند الناس دفن الأطفال بجانب الأموات لعل الميت يُرحم بمجاورتهم!! وهذا لا يشرع، ولا بأس به عند الحاجة، وأما عند عدم الحاجة فلا وجه له، وهذا يفعله بعض الناس، وتجدهم يحرصون إذا مات رجل وطفل على أن يدفن الطفل مع الرجل؛ ليؤنسه!! فمن أين للناس هذه الاعتقادات؟! فإن الإنسان لا يؤنسه في قبره إلا العمل الصالح، وأما غيره فلم يأت شيء يدل عليه، بل كما هو معلوم أن المنعّم منعَّم، وأن المعذب معذب، ولو كانوا في قبرٍ واحد، فهذا لا يدري عن عذاب هذا، وهذا لا يدري عن نعيم هذا، وأمور القبر هي من أمور البرزخ التي لا تُعلم كيفيتها، ولا يبحث عن كيفيتها، بل يجب أن يصدق بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم نقف على الكنه والكيفية.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمزة وقد مثل به...)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.

[ حدثنا زيد -يعني: ابن الحباب - ].

زيد بن الحباب صدوق أخرج له البخاري في (جزء القراءة) ومسلم وأصحاب السنن.

[ (ح) وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا أبو صفوان -يعني المرواني- ].

هو عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان ، يقال له: المرواني ، ويقال له: الأموي ، نسبة إلى مروان ، ونسبة إلى بني أمية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة.

[ عن أسامة عن الزهري عن أنس بن مالك ].

قد مر ذكرهم.

شرح حديث الصلاة على حمزة بعد قتله وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عباس العنبري حدثنا عثمان بن عمر حدثنا أسامة عن الزهري عن أنس رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بـحمزة وقد مُثِّل به، ولم يصل على أحدٍ من الشهداء غيره) ].

أورد أبو داود حديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بـحمزة رضي الله عنه وقد مثل به، ولم يصل على أحدٍ من الشهداء غيره)، والمقصود من هذا أنه لم يصل على أحد غيره استقلالاً، وإلا فقد جاء ما يدل على أنه صلى على غيره معه، وأنها تكررت الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة .

قوله: [ حدثنا عباس العنبري ].

هو عباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا عثمان بن عمر ].

عثمان بن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أسامة عن الزهري عن أنس ].

قد مر ذكرهم.

شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم ولم يغسلوا)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب أن الليث حدثهم عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد ويقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أُشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يُغسلوا) ].

أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله، وهو مثل الذي قبله في عدم تغسيل الشهيد، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدفنهم بدمائهم ولم يغسلوا، وفيه كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد، ويسأل عن أكثرهما أخذاً للقرآن فيقدمه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد بدمائهم ولم يغسلوا)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن موهب ].

يزيد بن خالد بن موهب ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ أن الليث حدثهم ].

هو الليث بن سعد المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ].

عبد الرحمن بن كعب بن مالك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله ، وقد مر ذكره.

شرح حديث دفن قتلى أحد بدمائهم والجمع بين الرجلين منهم في ثوب وتراجم رجاله

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود المهري حدثنا ابن وهب عن الليث بهذا الحديث بمعناه، قال: (يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوبٍ واحد) ].

أورد المصنف الحديث من طريقٍ آخر، وفيه: (أنه جمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد)في حال التكفين، ولكن كأن المقصود: في قبر واحد، وأما الثوب الواحد فإنه يقسم على اثنين كما مر في الحديث السابق.

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود المهري أخبرنا ابن وهب عن الليث بهذا الحديث بمعناه ].

قد مر ذكرهم جميعاً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الشهيد يُغسل.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا معن بن عيسى (ح) وحدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: (رمي رجل بسهمٍ في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب في الشهيد يُغسل]، أي: ما حكم ذلك؟ هل يغسل أو لا يغسل؟ والجواب: أنه لا يغسل، فالمقصود بالترجمة: بيان حكم تغسيله وأنه لا يغسل، فقد جاءت السنة بعدم تغسيله، وجاء في بعض الروايات: أنه يأتي يوم القيامة وذلك علامة عليه، وأنه يأتي ودمه يسيل، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ومعنى ذلك: أن أثر الاستشهاد والقتل في سبيل الله يبقى عليه، إذاً فلا يُغسل؛ لأن الغسل يزيله ويُذهِب أثره، والمقصود بقاء ذلك الأثر؛ لأنه علامة على كونه استشهد وقتل في سبيل الله، وهذا من جنس قصة ذلك الرجل الذي وقصته ناقته في الحج في عرفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه طيباً؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبياً) أي: أن ذلك يكون علامة على حجه وتلبسه بتلك العبادة التي مات وهو متلبس بها، فهنا لا يُغسل الشهيد؛ ليكون ذلك علامة له يوم القيامة يُعرف بها.

وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما قال: (رمي رجلٌ بسهم في صدره أو في حلقه فمات، فأدرج في ثيابه كما هو)، ومحل الشاهد قوله: (كما هو) أي: أنه لم يغسل، وإنما دفن على هيئته التي هو عليها، فالشهيد إذن لا يُغسّل.

قوله: (ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) يعني: أنه في غزاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا معن بن عيسى ].

هو معن بن عيسى صاحب الإمام مالك، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ (ح) وحدثنا عبيد الله بن عمر الجشمي ].

هو القواريري ، وهو ثقة أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن إبراهيم بن طهمان ].

إبراهيم بن طهمان ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير ].

هو أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قد يقال: لماذا غُسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟

والجواب: أن عمر رضي الله عنه لم يكن شهيد معركة، فالذين لا يغسلون هم الذين قُتلوا في المعركة، وأما غيرهم ممن وصفوا بأنهم شهداء فهؤلاء يغسلون، وقد مر بنا في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما تعدون الشهادة فيكم؟ قالوا: من قتل في سبيل الله، فقال: الشهداء سبعة...) وذكر أصنافاً من الشهداء ليسوا شهداء معركة في سبيل الله، لكنهم يوصفون بأنهم شهداء، ويغسلون.