شرح سنن أبي داود [356]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب.

حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم) ، قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان : لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها؟ ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب، جزيرة العرب هي الجزيرة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الله عز وجل هذه الرسالة المحمدية منها، وانتشر منها النور والضياء الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنحاء المعمورة، فكان مما خصها الله عز وجل به وميزها أن حرم على الكفار أن يستوطنوها، وإنما يخرجون منها سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو غيرهم من أصناف الكفرة، وهنا ترجم المصنف لإخراج اليهود، وليس الأمر خاصاً بهم، ولكنه جاء في بعض النصوص التنصيص عليهم، وقد ذكر أيضاً غيرهم، فهذا الحكم يشملهم ويشمل غيرهم، فالكفار لا يقرون في جزيرة العرب، وإنما يخرجون منها، ولا يبقى فيها إلا دين الإسلام.

أورد أبو داود أحاديث تحت هذه الترجمة، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وكلمة المشركين تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لأن اليهود مشركون، والنصارى مشركون، وكذلك غيرهم مشركون، فالكل يجب إخراجهم من جزيرة العرب؛ ولهذا جاء في الحديث: (أمرت أن أخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) فهذا يفيد أن جميع أصناف الكفرة يخرجون من جزيرة العرب، وأنه لا يبقى فيها إلا المسلمون، وجاء في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يترك دينان في أرض العرب) يعني: لا يبقى فيها دينان، بل دين واحد هو دين الإسلام، أما الأديان الأخرى فتكون خارج جزيرة العرب، وأما هذه فلا يكون فيها إلا الدين الإسلامي الذي بعث الله به رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم.

والجزيرة في الأصل هي ما تحيط بها المياه من جميع الجهات، وقيل لها: جزيرة تغليباً، وإلا فهي شبه جزيرة وليست جزيرة، ولكن لما كانت المياه محيطة بأكثرها قيل لها: جزيرة؛ لأن البحور تحيط بها من جميع الجهات إلا من جهة الشمال.

قوله: [ (وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزه) ].

الوفد هم الذين يفدون من الرؤساء والملوك، فإنهم يكرمون، وتحصل لهم الضيافة والإحسان، وفي ذلك فوائد تعود إلى من جاءوا منهم؛ لأنهم إذا رأوا المسلمين ومعاملتهم الطيبة لهم ثم رجعوا إلى أقوامهم بتلك الأشياء التي شاهدوها وعاينوها من الإحسان والمعاملة الطيبة؛ فإن ذلك يكون له أثر على من وراءهم ممن جاءوا منهم، ويكون ذلك سبباً لهدايتهم وهداية من يعودون إليهم.

قوله: [ قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها ].

يعني: عنده شك هل هو سكت عنها أو أنه ذكرها ولكن نسيها ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد قيل: هي النهي عن اتخاذ قبره عيداً، وقيل: هي تجهيز جيش أسامة .

تراجم رجال إسناد حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)

قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ].

سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سفيان بن عيينة ].

سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان الأحول ].

سليمان الأحول اسمه سليمان بن أبي مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ وقال الحميدي : عن سفيان ].

الحميدي هو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي ، أحد شيوخ البخاري ، وهو أول شيخ روى عنه في صحيحه، فقد روى عنه حديث: [ (إنما الأعمال بالنيات) ] وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.

وسفيان هو ابن عيينة ، وقد تقدم ذكره.

شرح حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم وعبد الرزاق قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً) ].

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً)، فذكر أولاً اليهود والنصارى، ثم أتى بلفظ يشمل غيرهم من أنواع الكفرة بقوله: (حتى لا أترك فيها إلا مسلماً) يعني: لا يبقى فيها إلا مسلم، فهذا دليل على أن الحكم ليس خاصاً باليهود والنصارى، وإنما هو عام لجميع أصناف الكفرة.

تراجم رجال إسناد حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب)

قوله: [ حدثنا الحسن بن علي ].

الحسن بن علي الحلواني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .

[ حدثنا أبو عاصم ].

هو الضحاك بن مخلد النبيل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وعبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا ابن جريج ].

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرني أبو الزبير ].

هو محمد بن مسلم بن تدرس المكي وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر ].

جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي ابن صحابي، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ عن عمر بن الخطاب ].

هو أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكبيرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه، والأول أتم ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن جابر عن عمر وقال: بمعناه يعني: بمعنى الطريق السابقة عن عمر ، قال: والطريق الأولى أتم يعني: الطريق الأولى أتم من الطريق التي لم يذكر المتن فيها.

تراجم رجال إسناد حديث: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا أحمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله ].

محمد بن عبد الله الزبيري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يخطئ في حديث الثوري ، وهذا لا يؤثر في هذا الحديث، فقد تقدم الحديث من طريق آخر.

[ حدثنا سفيان ].

سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزبير عن جابر عن عمر ].

مر ذكرهم.

شرح حديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس : (لا تكون قبلتان في بلد واحد) قيل: معنى ذلك أن المسلم لا يستوطن بلاد الكفار، فهو يصلي إلى قبلة المسلمين، وأولئك الكفار يصلون إلى قبلتهم، فيكون بلد واحد فيه قبلتان، قبلة المسلمين وقبلة الكافرين، وقيل: المقصود من ذلك أن الكفار لا يكونون مع المسلمين في بلد واحد، ولا يقرون بأن يكونوا مع المسلمين.

والحديث غير صحيح، ولكن قضية السكنى مع الكفار جاء حديث يدل على تحريمها، إلا إذا كان هناك أمر يقتضي ذلك لمصلحة ولفائدة، مثل السكن في بلادهم من أجل الدعوة إلى الله عز وجل، ودعوتهم إلى الدخول في الدين الحنيف، ويكون المسلم قائماً بأمور دينه، ولا يحصل منه شيء من التساهل، ولا يحال بينه وبين إظهار شعائر دينه.

وهذا الحديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد) لفظ عام، وقيل: إن المقصود من ذلك جزيرة العرب يعني: لا يكون فيها دينان، ولكن لفظ: (بلد واحد) عام، والحديث ضعيف، فيه قابوس بن أبي ظبيان وفي حديثه لين.

تراجم رجال إسناد حديث: (لا تكون قبلتان في بلد واحد)

قوله: [ حدثنا سليمان بن داود العتكي ].

سليمان بن داود العتكي ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ حدثنا جرير ].

جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قابوس بن أبي ظبيان ].

قابوس بن أبي ظبيان في حديثه لين، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

أبو ظبيان وهو حصين بن جندب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

مر ذكره.

أثر سعيد بن عبد العزيز في حد جزيرة العرب

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمود بن خالد حدثنا عمر -يعني ابن عبد الواحد - قال سعيد -يعني ابن عبد العزيز -: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر ].

ذكر المصنف هذا الأثر عن سعيد بن عبد العزيز الدمشقي في حد جزيرة العرب، وأنه إلى أقصى اليمن وإلى البحر وإلى تخوم العراق وإلى الوادي، قيل: المراد بالوادي وادي القرى، ولكن وادي القرى قريب من المدينة، وهو إلى جهة الشمال، والرسول صلى الله عليه وسلم سلكه في ذهابه إلى تبوك، فهو من جزيرة العرب.

تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن عبد العزيز في حد جزيرة العرب

قوله: [ حدثنا محمود بن خالد ].

محمود بن خالد الدمشقي ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا عمر يعني ابن عبد الواحد ].

عمر بن عبد الواحد الدمشقي وهو ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن سعيد بن عبد العزيز ].

وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.

أثر عمر في إجلاء يهود نجران

[ قال أبو داود : قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد: أخبرك أشهب بن عبد العزيز قال: قال مالك : عمر رضي الله عنه أجلى أهل نجران، ولم يجلوا من تيماء؛ لأنها ليست من بلاد العرب، فأما الوادي فإني أرى إنما لم يجل من فيها من اليهود، أنهم لم يروها من أرض العرب ].

ذكر المصنف هذا الأثر عن مالك بن أنس قال: عمر أجلى أهل نجران، وعمر مبتدأ، والخبر أجلى أهل نجران.

والراجح أن حد الجزيرة من الشمال حدود الشام والعراق.

وهذا الأثر أضافه مالك إلى عمر ، فهو منقطع.

تراجم رجال إسناد أثر عمر في إجلاء يهود نجران

قوله: [ قرئ على الحارث بن مسكين وأنا شاهد ].

الحارث بن مسكين ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ أخبرك أشهب بن عبد العزيز ].

أشهب بن عبد العزيز ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

أثر عمر في إجلاء يهود نجران وفدك

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا ابن السرح حدثنا ابن وهب قال: قال مالك : وقد أجلى عمر رضي الله عنه يهود نجران وفدك ].

فدك قريبة من خيبر.

تراجم رجال إسناد أثر عمر في إجلاء يهود نجران وفدك

قوله: [ حدثنا ابن السرح ].

أحمد بن عمرو بن السرح ثقة، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ حدثنا ابن وهب ].

عبد الله بن وهب المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن مالك ].

مالك بن أنس مر ذكره.

وجود أهل الكتاب في الجزيرة في عهد النبي عليه الصلاة والسلام

نصارى نجران كانوا موجودين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل الكتاب كانوا موجودين في اليمن وفي خيبر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً).

حكم دخول الكفار جزيرة العرب للعمل

لا يجوز دخولهم الجزيرة للعمل الذي لا ضرورة فيه، وأما العمل الذي فيه ضرورة، وهناك أمر يقتضيه، وحاجة تدعو إليه؛ فلا بأس بذلك، ولكن الناس توسعوا في هذا حتى أدخلوا الكفار لأمور تافهة وأمور سهلة يمكن أن يقوم بها المسلمون، فالواجب الإتيان بالمسلمين وعدم الإتيان بالكفار إلا للضرورة.

ولا يجوز بناء الكنائس في جزيرة العرب.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب.

حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم) ، قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، وقال الحميدي عن سفيان قال سليمان : لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها؟ ].

يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في إخراج اليهود من جزيرة العرب، جزيرة العرب هي الجزيرة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الله عز وجل هذه الرسالة المحمدية منها، وانتشر منها النور والضياء الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنحاء المعمورة، فكان مما خصها الله عز وجل به وميزها أن حرم على الكفار أن يستوطنوها، وإنما يخرجون منها سواء كانوا يهوداً أو نصارى أو غيرهم من أصناف الكفرة، وهنا ترجم المصنف لإخراج اليهود، وليس الأمر خاصاً بهم، ولكنه جاء في بعض النصوص التنصيص عليهم، وقد ذكر أيضاً غيرهم، فهذا الحكم يشملهم ويشمل غيرهم، فالكفار لا يقرون في جزيرة العرب، وإنما يخرجون منها، ولا يبقى فيها إلا دين الإسلام.

أورد أبو داود أحاديث تحت هذه الترجمة، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) وكلمة المشركين تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لأن اليهود مشركون، والنصارى مشركون، وكذلك غيرهم مشركون، فالكل يجب إخراجهم من جزيرة العرب؛ ولهذا جاء في الحديث: (أمرت أن أخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلماً) فهذا يفيد أن جميع أصناف الكفرة يخرجون من جزيرة العرب، وأنه لا يبقى فيها إلا المسلمون، وجاء في مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يترك دينان في أرض العرب) يعني: لا يبقى فيها دينان، بل دين واحد هو دين الإسلام، أما الأديان الأخرى فتكون خارج جزيرة العرب، وأما هذه فلا يكون فيها إلا الدين الإسلامي الذي بعث الله به رسوله الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم.

والجزيرة في الأصل هي ما تحيط بها المياه من جميع الجهات، وقيل لها: جزيرة تغليباً، وإلا فهي شبه جزيرة وليست جزيرة، ولكن لما كانت المياه محيطة بأكثرها قيل لها: جزيرة؛ لأن البحور تحيط بها من جميع الجهات إلا من جهة الشمال.

قوله: [ (وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزه) ].

الوفد هم الذين يفدون من الرؤساء والملوك، فإنهم يكرمون، وتحصل لهم الضيافة والإحسان، وفي ذلك فوائد تعود إلى من جاءوا منهم؛ لأنهم إذا رأوا المسلمين ومعاملتهم الطيبة لهم ثم رجعوا إلى أقوامهم بتلك الأشياء التي شاهدوها وعاينوها من الإحسان والمعاملة الطيبة؛ فإن ذلك يكون له أثر على من وراءهم ممن جاءوا منهم، ويكون ذلك سبباً لهدايتهم وهداية من يعودون إليهم.

قوله: [ قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها ].

يعني: عنده شك هل هو سكت عنها أو أنه ذكرها ولكن نسيها ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وقد قيل: هي النهي عن اتخاذ قبره عيداً، وقيل: هي تجهيز جيش أسامة .

قوله: [ حدثنا سعيد بن منصور ].

سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سفيان بن عيينة ].

سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سليمان الأحول ].

سليمان الأحول اسمه سليمان بن أبي مسلم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن جبير ].

سعيد بن جبير وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ وقال الحميدي : عن سفيان ].

الحميدي هو عبد الله بن الزبير المكي الحميدي ، أحد شيوخ البخاري ، وهو أول شيخ روى عنه في صحيحه، فقد روى عنه حديث: [ (إنما الأعمال بالنيات) ] وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم في المقدمة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في التفسير.

وسفيان هو ابن عيينة ، وقد تقدم ذكره.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي حدثنا أبو عاصم وعبد الرزاق قالا: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: أخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً) ].

أورد أبو داود حديث عمر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أترك فيها إلا مسلماً)، فذكر أولاً اليهود والنصارى، ثم أتى بلفظ يشمل غيرهم من أنواع الكفرة بقوله: (حتى لا أترك فيها إلا مسلماً) يعني: لا يبقى فيها إلا مسلم، فهذا دليل على أن الحكم ليس خاصاً باليهود والنصارى، وإنما هو عام لجميع أصناف الكفرة.