شرح سنن أبي داود [256]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المملوكة تعتَق وهي تحت حر أو عبد.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن مغيثاً كان عبداً فقال: يا رسول الله! اشفع لي إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بريرة ! اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت: يا رسول الله! أتأمرني بذلك؟ قال: لا، إنما أنا شافع، فكأن دموعه تسيل على خده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس رضي الله عنه: ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه؟!) ].

قوله: [ باب في المملوكة تعتَق وهي تحت حر أو عبد ] يعني: الزوجة الأمة يحصل لها عتق وزوجها حر أو عبد، فإن كان زوجها حراً فإنها تساوت معه في الحرية؛ لأنها ارتفعت من حالتها الناقصة إلى أن صارت مساوية له، وعلى هذا لا تخيير لها؛ لأن كل ما في الأمر أنها انتقلت من كونها أمة إلى كونها حرة، فصارت حرة تحت حر، فليس لها خيار في التخلص من زوجها، أو ترك زوجها، وإنما هي باقية على الزوجية؛ لأنها صارت مساوية، أما إذا كانت أمة تحت عبد كقصة بريرة فإنها تخيَّر: إن أرادت تستمر معه استمرت، وإن أرادت الفراق فإن لها ذلك، وهذا في استدامة النكاح، وإلا فإن ابتداء عقد جديد لا يجوز، إذ ليس للعبد أن يتزوج بالحرة؛ لأن الزوج يجب أن يكون أعلى من المرأة ليكون قواماً عليها، ولا يكون ناقصاً بالعبودية وهي عندها الحرية، فلا يجوز ابتداءً عقد الزواج، وهذه من صور القاعدة المشهورة: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء) مثل الطيب في الإحرام: فالإنسان لا يتطيب وهو محرم، ولكن الطيب الذي كان موجوداً قبل الإحرام يستديمه، ولا بأس بذلك، وكذلك إذا أذن المؤذن في رمضان والإنسان يشرب فإنه يواصل؛ لأنه يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، لكن ليس له أن يشرب بعدما يسمع المؤذن، ولكن إذا أذن وهو يشرب فله أن يكمل الشرب، وهكذا ليس للعبد أن يعقد على الحرة، ولكن الأمة إذا عتقت فصارت حرة وزوجها لا يزال في العبودية فإن لها أن تبقى معه ولها أن تتركه، وإذا بقيت معه فهو من قبيل: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء).

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن بريرة -وهي مولاة عائشة - كانت تحت زوجها مغيث ، فلما أُعتقت خيّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت الفراق، وكان مغيث شديد الحب لها وهي شديدة البغض له، فطلب مغيث من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له إلى بريرة بأن توافق على أن يبقى العقد مستمراً بينهما، فأبت وقالت: (أتأمرني؟ قال: لا، إنما أنا شافع) وهذا يدل على أن الأصل في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه للوجوب، وأنه لا سبيل إلى معارضته وإلى تركه، كما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فلم تقبل؛ لأن المسألة كانت شفاعةً فقط وليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تقبل؛ وذلك لشدة بغضها له، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس : (ألا تعجب من شدة حبه لها وبغضها إياه؟!) وكانت دموعه تسيل على خديه بسبب هذا الفراق الذي قد حصل.

والمسألة التي أشرنا إليها أن العبد ليس له أن يتزوج الأمة يقابلها أن الحر له يتزوج الأمة، عند الضرورة للآية الكريمة: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فدلت على أنه عند الضرورة له أن يتزوج الأمة؛ ولكنها إذا أعتقت فإنها تكون مساوية له في الحرية، فلا يترتب على ذلك شيء وليس لها خيار.

تراجم رجال إسناد حديث: (يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن سلمة ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن خالد الحذاء ].

هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و الحذاء لقب اشتهر به، وقيل له: الحذاء ؛ لأنه كان يجلس عند الحذَّائين، ولم يكن يبيع الأحذية ولا يصنع الأحذية، والمتبادَر إلى الذهن أنه كان يصنع الأحذية أو يبيعها، وليس هناك شيء من هذا، وإنما كان يجلس عند الحذَّائين فقيل له: الحذاء ، وقيل: إنه كان يقول للحذَّاء: احذُ على كذا، يعني: على شيء يُرسم، يعني: اقطع أو اعمل نعلاً على هذا القياس أو هذا المقاس. فهذه النسبة لا تتبادر إلى الذهن، إذ لا يتبادر إلى الذهن أنه كان يجلس عند الحذَّائين وإنما المتبادَر إلى الذهن أنه إما كان يصنع الأحذية وإما كان يبيع الأحذية، وليس الأمر كذلك كما سبق.

[ عن عكرمة عن ابن عباس ].

قد مر ذكرهما.

شرح أثر ابن عباس: (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً ، فخيرها -يعني: النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وأمرها أن تعتد) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس : [ (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد) ].

أي: لما اختارت الفراق أمرها أن تعتد بحيضة، وقد سبق أن مر الحديث في ذلك عن ابن عباس والأثر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذا دليل واضح على أنه كان عبداً؛ لأنه ذكر كونه عبداً وذكر وصفه وذكر أنه يسمى مغيثاً ، فهذا يدل على أنه كان عبداً وليس حراً كما في بعض الروايات التي ستأتي، وبعض أهل العلم يقول: كان حراً، والصحيح أنه كان عبداً.

قوله: [وأمرها أن تعتد] هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:

منهم من قال: إنها لا تعتد إلا بحيضة لاستبراء رحمها.

ومنهم من قال: إنها تعتد بثلاثة أقراء.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فإن إخراجه له في (عمل اليوم والليلة) وليس في السنن.

[ حدثنا عفان ].

هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا همام ].

هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة عن ابن عباس ].

وقد مر ذكرهما.

أقوال أهل العلم في اعتداد المخلوعة

الحديث السابق أخرجه البخاري مختصراً، وأخرجه بمعناه الترمذي وابن ماجة في الطلاق، باب خيار الأمة إذا أعتقت، بلفظ (أُمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض)، وأخرجه النسائي ، وأخرجه كذلك الدارقطني زاد فيه: (أن تعتد عدة الحرة) ].

لكن ابن القيم في تهذيب السنن.

أشار إلى تقوية أنها تعتد بحيضة.

وهذا يدل على أنه فسخ فتعتد حيضة، ومن قال: إن حكمه حكم الطلاق فتعتد بثلاث حيض، والعلماء اختلفوا هل تخيير الحرة التي تحت العبد طلاق أو فسخ؟

فكان الخلاف في كونها تعتد عدة المطلقة أو عدة المفسوخة المختلعة.

يقول ابن القيم : (ويبعد أن تكون الثلاث حيض محفوظة، فإن مذهب عائشة رضي الله عنها أن الأقراء: الأطهار، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المختلعة أن تستبرئ بحيضة كما تقدم، فهذه أولى، ولأن الأقراء الثلاث إنما جُعلت في حق المطلقة ليطول زمن الرجعة، فيتمكن زوجها من رجعتها متى شاء، ثم أُجري الطلاق كله مجرىً واحداً، وطرد هذا أن المزني بها تستبرئ بحيضة، وهذا نص عليه أحمد ، وبالجملة فالأمر بالتربص ثلاثة قروء إنما هو للمطلقة، والمعتقة إذا فسخت فهي بالمختلعة والأمة المستبرأة أشبه، إذ المقصود براءة رحمها، فالاستدلال على تعدد الأقراء في حقها بالآية غير صحيح؛ لأنها ليست مطلقة، ولو كانت مطلقة لثبت لزوجها عليها الرجعة).

وقبل ذلك يقول ابن القيم : (وروى ابن ماجة في سننه قال: أخبرنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض) وهذا مع أنه إسناد الصحيحين فلم يروه أحد من أهل الكتب الستة إلا ابن ماجة ). انتهى كلام ابن القيم .

أقول: إذا انفرد ابن ماجة فيه فيكفي.

شرح أثر عائشة في قصة بريرة: (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراً لم يخيرها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة قالت (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها) ].

أورد المصنف حديث عائشة رضي الله عنها أنه كان عبداً، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خيرها (فاختارت نفسها، ولو كان حراً لم يخيرها) يعني: لو كان حراً وكانت زوجته أمة ثم عتقت لم يخيرها؛ لأنه يكون مساوياً لها، حيث كان هو حر وهي أمة، فلما أعتقت صارت حرة فتساوى هو وإياها، فليس لها حينئذٍ تخيير.

وكلمة (ولو كان حراً لم يخيرها) قيل: هذا مُدرج.

تراجم رجال إسناد أثر عائشة في قصة بريرة: (كان زوجها عبداً فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان حراً لم يخيرها)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير ].

هو جرير بن عبد الحميد الضبي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هو هشام بن عروة بن الزبير ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

عروة بن الزبير بن العوام ، ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها: وقد مر ذكرها.

شرح أثر عائشة: (أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبداً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي والوليد بن عقبة عن زائدة عن سماك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها (أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها عبداً) ].

أورد المصنف هذا الحديث من طريق أخرى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة أي: لما أعتقت، قالت: (وكان زوجها عبداً).

فهذه الأحاديث عن عائشة تدل على أن زوج بريرة كان عبداً، وهي كانت أمة ولكنها حصل لها العتق فصارت حرة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها صارت أعلى منه في المنزلة والدرجة، حيث إنه عبد وهي حرة.

تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبداً)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي ].

هو حسين بن علي الجعفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ والوليد بن عقبة ].

الوليد بن عقبة صدوق، أخرج له أبو داود .

[ عن زائدة ].

هو زائدة بن قدامة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سماك ].

هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الرحمن بن القاسم ].

عبد الرحمن بن القاسم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة رضي الله عنها قد مر ذكرها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المملوكة تعتَق وهي تحت حر أو عبد.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن مغيثاً كان عبداً فقال: يا رسول الله! اشفع لي إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بريرة ! اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت: يا رسول الله! أتأمرني بذلك؟ قال: لا، إنما أنا شافع، فكأن دموعه تسيل على خده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس رضي الله عنه: ألا تعجب من حب مغيث بريرة وبغضها إياه؟!) ].

قوله: [ باب في المملوكة تعتَق وهي تحت حر أو عبد ] يعني: الزوجة الأمة يحصل لها عتق وزوجها حر أو عبد، فإن كان زوجها حراً فإنها تساوت معه في الحرية؛ لأنها ارتفعت من حالتها الناقصة إلى أن صارت مساوية له، وعلى هذا لا تخيير لها؛ لأن كل ما في الأمر أنها انتقلت من كونها أمة إلى كونها حرة، فصارت حرة تحت حر، فليس لها خيار في التخلص من زوجها، أو ترك زوجها، وإنما هي باقية على الزوجية؛ لأنها صارت مساوية، أما إذا كانت أمة تحت عبد كقصة بريرة فإنها تخيَّر: إن أرادت تستمر معه استمرت، وإن أرادت الفراق فإن لها ذلك، وهذا في استدامة النكاح، وإلا فإن ابتداء عقد جديد لا يجوز، إذ ليس للعبد أن يتزوج بالحرة؛ لأن الزوج يجب أن يكون أعلى من المرأة ليكون قواماً عليها، ولا يكون ناقصاً بالعبودية وهي عندها الحرية، فلا يجوز ابتداءً عقد الزواج، وهذه من صور القاعدة المشهورة: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء) مثل الطيب في الإحرام: فالإنسان لا يتطيب وهو محرم، ولكن الطيب الذي كان موجوداً قبل الإحرام يستديمه، ولا بأس بذلك، وكذلك إذا أذن المؤذن في رمضان والإنسان يشرب فإنه يواصل؛ لأنه يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، لكن ليس له أن يشرب بعدما يسمع المؤذن، ولكن إذا أذن وهو يشرب فله أن يكمل الشرب، وهكذا ليس للعبد أن يعقد على الحرة، ولكن الأمة إذا عتقت فصارت حرة وزوجها لا يزال في العبودية فإن لها أن تبقى معه ولها أن تتركه، وإذا بقيت معه فهو من قبيل: (يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء).

أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن بريرة -وهي مولاة عائشة - كانت تحت زوجها مغيث ، فلما أُعتقت خيّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت الفراق، وكان مغيث شديد الحب لها وهي شديدة البغض له، فطلب مغيث من النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع له إلى بريرة بأن توافق على أن يبقى العقد مستمراً بينهما، فأبت وقالت: (أتأمرني؟ قال: لا، إنما أنا شافع) وهذا يدل على أن الأصل في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه للوجوب، وأنه لا سبيل إلى معارضته وإلى تركه، كما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فلم تقبل؛ لأن المسألة كانت شفاعةً فقط وليس أمراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تقبل؛ وذلك لشدة بغضها له، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس : (ألا تعجب من شدة حبه لها وبغضها إياه؟!) وكانت دموعه تسيل على خديه بسبب هذا الفراق الذي قد حصل.

والمسألة التي أشرنا إليها أن العبد ليس له أن يتزوج الأمة يقابلها أن الحر له يتزوج الأمة، عند الضرورة للآية الكريمة: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، فدلت على أنه عند الضرورة له أن يتزوج الأمة؛ ولكنها إذا أعتقت فإنها تكون مساوية له في الحرية، فلا يترتب على ذلك شيء وليس لها خيار.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد هو ابن سلمة ، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن خالد الحذاء ].

هو خالد بن مهران الحذاء ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و الحذاء لقب اشتهر به، وقيل له: الحذاء ؛ لأنه كان يجلس عند الحذَّائين، ولم يكن يبيع الأحذية ولا يصنع الأحذية، والمتبادَر إلى الذهن أنه كان يصنع الأحذية أو يبيعها، وليس هناك شيء من هذا، وإنما كان يجلس عند الحذَّائين فقيل له: الحذاء ، وقيل: إنه كان يقول للحذَّاء: احذُ على كذا، يعني: على شيء يُرسم، يعني: اقطع أو اعمل نعلاً على هذا القياس أو هذا المقاس. فهذه النسبة لا تتبادر إلى الذهن، إذ لا يتبادر إلى الذهن أنه كان يجلس عند الحذَّائين وإنما المتبادَر إلى الذهن أنه إما كان يصنع الأحذية وإما كان يبيع الأحذية، وليس الأمر كذلك كما سبق.

[ عن عكرمة عن ابن عباس ].

قد مر ذكرهما.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً ، فخيرها -يعني: النبي صلى الله عليه وآله وسلم- وأمرها أن تعتد) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس : [ (أن زوج بريرة كان عبداً أسود يسمى مغيثاً، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد) ].

أي: لما اختارت الفراق أمرها أن تعتد بحيضة، وقد سبق أن مر الحديث في ذلك عن ابن عباس والأثر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهذا دليل واضح على أنه كان عبداً؛ لأنه ذكر كونه عبداً وذكر وصفه وذكر أنه يسمى مغيثاً ، فهذا يدل على أنه كان عبداً وليس حراً كما في بعض الروايات التي ستأتي، وبعض أهل العلم يقول: كان حراً، والصحيح أنه كان عبداً.

قوله: [وأمرها أن تعتد] هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم:

منهم من قال: إنها لا تعتد إلا بحيضة لاستبراء رحمها.

ومنهم من قال: إنها تعتد بثلاثة أقراء.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].

هو عثمان بن أبي شيبة الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي ، وإلا النسائي فإن إخراجه له في (عمل اليوم والليلة) وليس في السنن.

[ حدثنا عفان ].

هو عفان بن مسلم الصفار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا همام ].

هو همام بن يحيى العوذي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن قتادة ].

هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة عن ابن عباس ].

وقد مر ذكرهما.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2891 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2837 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2732 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2704 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2689 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2656 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع