خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [197]
الحلقة مفرغة
شرح حديث أبي هريرة في تعجيل زكاة العباس
حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أورد أبو داود رحمه الله باب تعجيل الصدقة، وتعجيلها هو تقديمها قبل حلول وقتها، والأصل أن الزكاة تجب إذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول، ومسألة تعجيلها قبل حولان الحول، وقبل وقت وجوبها، فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه ومنهم من منعه، وقد جاءت أحاديث تدل على الجواز منها ما هو صريح ومنها ما هو محتمل، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة. أي: بعثه عاملاً على الصدقة، وهذا يدل على مشروعية بعث الإمام العمال لأخذ الزكاة، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من مصارفها.
قوله: (بعث
ابن جميل قيل: اسمه عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ينقم
وهذا ما يسمونه في علم البلاغة: تأكيد الذم بما يشبه المدح؛ فقيل: إنه ينقم أنه كان فقيراً، ثم يأتي بعد ذلك بشيء قد يفهم منه أنه عذر له وهو في الحقيقة ليس بعذر، (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله) أي: أنه كان فقيراً فغير الله حاله من الفقر إلى الغنى، وعلى هذا: فإذا لم يكن هناك إلا هذا العذر فهو غير معذور.
وهناك عكس هذه المسألة، وهو: تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو علم من علوم البلاغة.
وقوله: (وأما
قوله: (وأما
فقوله: (فهي عليّ ومثلها) فُسِّر بتفسيرين:
فإما أن النبي صلى الله عليه وسلم تحمّل عنه؛ لأنه عمه، وإما أنه استسلف منه زكاة عامين على اعتبار أنها تكون مقدمة، وإذا جاء وقت حلولها فلا يجب عليه شيء؛ لأنه قد سبق أن قدمها وعجلها، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ومن إيراد هذا الحديث؛ لأنه بهذا المعنى يفهم منه أن الرسول طلب منه أن يعجلها فعجلها، فتكون قد بذلت قبل وجوبها.
وأما على رواية: (فهي عليه ومثلها) أي: على العباس ، أي: أنه أمهله وأخره لمصلحة وفائدة، أو لحاجة العباس إلى ذلك، فأخر إخراج الزكاة عنه إلى عام قابل، وفي العام القابل تكون عليه الزكاة ومثلها؛ لكونها مؤخرة، فعليه هذه الزكاة المؤخرة، وزكاة العام القادم الذي أخرت إليه.
فهذا هو معنى الحديث على الروايتين، ومحل الشاهد منه إنما هو على الرواية الأولى التي أوردها المصنف وهي قوله: (فهي علي ومثلها).
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
ولهذا جاء عند أبي داود في (المراسيل): (إنّ العم في كتاب الله أب) وهو إشارة إلى هذه الآية، يعني: أنه أطلق عليه أنه أب، وأن له حق الاحترام والتوقير كما يوقر ويحترم الأب.
وموضوع تأخير الزكاة ورد فيه حديث العباس هذا، فإذا ثبت هذا التأخير فللإمام أن يؤخر ذلك إذا رأى مصلحة في ذلك؛ استناداً إلى ما حصل في حديث العباس على الرواية الثانية وهي: (فهي عليه ومثلها).
تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في تعجيل زكاة العباس
الحسن بن الصباح ، صدوق يهم أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا شبابة ].
شبابة بن سوار، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ورقاء ].
ورقاء بن عمرو اليشكري صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
وهو عبد الله بن ذكوان المدني ، كنيته أبو عبد الرحمن ، ولقبه أبو الزناد ، واللقب هنا على صيغة الكنية، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
وهو عبد الرحمن بن هرمز الملقب الأعرج ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
حكم الترحم على الصحابة والترضي عنهم
والترضي على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو دعاء وليس إخباراً، وأما أصحاب الشجرة فهو إخبار بأن الله قد رضي عنهم، وليس دعاء، قال الله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18]، فإذا قال الإنسان: رضي الله عنهم مخبراً وداعياً في حق هؤلاء فهذا ليس فيه إشكال؛ لأن القرآن جاء بالإخبار بأنهم قد رُضي عنهم، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة) إلا أن جعله دعاءً هو المناسب، وإن أريد الإخبار بمعنى الدعاء فإنه قد جاء الإخبار عن الله في كتابه مع تأكيد ذلك بقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح:18].
والصحابة رضي الله عنهم كلهم وعدوا الحسنى كما جاء في سورة الحديد: وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد:10] أي: الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، فهم وإن كانوا متفاوتين إلا أن الكل وُعِد الحسنى، والحسنى هي الجنة كما قال الله عز وجل: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] وقد جاء تفسيرها في حديث صهيب الذي رواه مسلم في صحيحه: أن الْحُسْنَى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله، وكما أن ثواب الذين أحسنوا الحسنى فعاقبة الذين أساءوا السوأى.
شرح حديث (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل صدقته قبل أن تحل..)
أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك، وقال مرة: فأذن له في ذلك، فهذا فيه دليل على تعجيل الزكاة قبل حلول وقتها، ويدل على أن العباس رضي الله عنه نفسه قد استأذن في تعجل زكاته، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقوي الرواية التي مرت في الحديث السابق بلفظ: (وأما
تراجم رجال إسناد حديث (أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم تعجيل صدقته قبل أن تحل..)
سعيد بن منصور ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا إسماعيل بن زكريا ].
إسماعيل بن زكريا بن مرة الخلقاني ، وهو صدوق يخطئ قليلاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحجاج بن دينار ].
الحجاج بن دينار لا بأس به، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن الحكم ].
الحكم هو ابن عتيبة الكندي الكوفي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن حجية ].
وهو حجية بن عدي الكندي صدوق يخطئ، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن علي ].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، وصاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[ قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحديث هشيم أصح ].
ثم ذكر إسناداً آخر وهو مرسل؛ لأنه من طريق الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكون مرسلاً، قال: وهو أصح، يعني: هذا الإسناد، لكن الحديث السابق المتصل حسن، وهذا يؤيده.
[ قال أبو داود : روى هذا الحديث هشيم ].
هشيم هو: ابن بشير الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن منصور بن زاذان ]..
منصور بن زاذان وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحكم عن الحسن بن مسلم ]..
والحسن بن مسلم هو ابن يناق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا الترمذي .
ولـمنصور بن زاذان كلمة مشهورة تبين مدى عبادته، وقوة صلته بالله عز وجل، وقد سبق أن ذكرتها، وهي مذكورة في ترجمته، وهي تدل على كمال عبادته، وعلى شغله وعنايته بها، فقد روي أنه لو قيل لـمنصور بن زاذان إن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أن يزيد شيئاً على ما كان يفعل من قبل، يعني: أنه مستعد للموت، وأن حياته كلها طاعات، وأنه لو أخبر بأن ملك الموت بالباب ما كان بإمكانه أنه يأتي بشيء جديد؛ لملازمته العبادة، ومداومته عليها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، وكما يقولون: قليل تداوم عليه خير من كثير تنقطع عنه، فهذه الكلمة مذكورة في ترجمته، وهي تدل على عبادته، وأنه ملازم للتقوى والاستقامة.
من فقه تعجيل الزكاة
وأما إذا نما المال فإنه يخرج الزائد إذا تبين أن الذي قدمه أقل من الواجب، فالواجب هو ما كان عند حلول الزكاة، فإذا كان قدم شيئاً أقل من ذلك فإن عليه أن يكمل؛ لأن الوجوب وتحقُّق المقدار إنما هو عند حلول الزكاة، ولكن الذي يعجل -وإن حصل نقص- فلا شك أنه محسن، وإن حصل زيادة فإن عليه أن يأتي بالزيادة؛ حتى تبرأ لذمته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في تعجيل الزكاة.
حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا شبابة عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أورد أبو داود رحمه الله باب تعجيل الصدقة، وتعجيلها هو تقديمها قبل حلول وقتها، والأصل أن الزكاة تجب إذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول، ومسألة تعجيلها قبل حولان الحول، وقبل وقت وجوبها، فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازه ومنهم من منعه، وقد جاءت أحاديث تدل على الجواز منها ما هو صريح ومنها ما هو محتمل، وقد أورد أبو داود حديث أبي هريرة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث عمر على الصدقة. أي: بعثه عاملاً على الصدقة، وهذا يدل على مشروعية بعث الإمام العمال لأخذ الزكاة، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من مصارفها.
قوله: (بعث
ابن جميل قيل: اسمه عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ينقم
وهذا ما يسمونه في علم البلاغة: تأكيد الذم بما يشبه المدح؛ فقيل: إنه ينقم أنه كان فقيراً، ثم يأتي بعد ذلك بشيء قد يفهم منه أنه عذر له وهو في الحقيقة ليس بعذر، (ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيراً فأغناه الله) أي: أنه كان فقيراً فغير الله حاله من الفقر إلى الغنى، وعلى هذا: فإذا لم يكن هناك إلا هذا العذر فهو غير معذور.
وهناك عكس هذه المسألة، وهو: تأكيد المدح بما يشبه الذم، وهو علم من علوم البلاغة.
وقوله: (وأما
قوله: (وأما
فقوله: (فهي عليّ ومثلها) فُسِّر بتفسيرين:
فإما أن النبي صلى الله عليه وسلم تحمّل عنه؛ لأنه عمه، وإما أنه استسلف منه زكاة عامين على اعتبار أنها تكون مقدمة، وإذا جاء وقت حلولها فلا يجب عليه شيء؛ لأنه قد سبق أن قدمها وعجلها، وهذا هو محل الشاهد من الترجمة، ومن إيراد هذا الحديث؛ لأنه بهذا المعنى يفهم منه أن الرسول طلب منه أن يعجلها فعجلها، فتكون قد بذلت قبل وجوبها.
وأما على رواية: (فهي عليه ومثلها) أي: على العباس ، أي: أنه أمهله وأخره لمصلحة وفائدة، أو لحاجة العباس إلى ذلك، فأخر إخراج الزكاة عنه إلى عام قابل، وفي العام القابل تكون عليه الزكاة ومثلها؛ لكونها مؤخرة، فعليه هذه الزكاة المؤخرة، وزكاة العام القادم الذي أخرت إليه.
فهذا هو معنى الحديث على الروايتين، ومحل الشاهد منه إنما هو على الرواية الأولى التي أوردها المصنف وهي قوله: (فهي علي ومثلها).
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا
ولهذا جاء عند أبي داود في (المراسيل): (إنّ العم في كتاب الله أب) وهو إشارة إلى هذه الآية، يعني: أنه أطلق عليه أنه أب، وأن له حق الاحترام والتوقير كما يوقر ويحترم الأب.
وموضوع تأخير الزكاة ورد فيه حديث العباس هذا، فإذا ثبت هذا التأخير فللإمام أن يؤخر ذلك إذا رأى مصلحة في ذلك؛ استناداً إلى ما حصل في حديث العباس على الرواية الثانية وهي: (فهي عليه ومثلها).
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2891 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2845 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2837 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2732 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2704 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2695 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2689 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2681 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2656 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2652 استماع |