شرح سنن أبي داود [065]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: ( أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اتخاذ المساجد في الدور.

حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُنظَّف وتُطيَّب) ].

لما ذكر أبو داود رحمه الله في ترجمته السابقة ما يتعلق ببناء المسجد، وأورد الأحاديث في ذلك عقَّبه بهذه الترجمة، وهي: [ اتخاذ المساجد في الدور ].

والمقصود بالدُّور الأحياء والمحلات والمناطق من البلد، بمعنى أن كل حي أو كل محلة من البلد يكون فيها مسجد، ولا يلزم أن يكون في البلد الواحد مسجد واحد، ولو كان كبيراً، وإنما يمكن أن تتعدد المساجد، وأن تكون الأحياء والمحلات فيها مساجد، لكن لا تكون متقاربة تقارباً شديداً، وإنما يكون بينها مسافة، وهذا هو المقصود بالدور، وهي جمع دار، و(الدار) كما أنه يطلق على البيت الواحد ويطلق على المحلة وعلى الحي من المكان، فليس مقصوراً على المنازل، وهذا هو المقصود من أمره صلى الله عليه وسلم باتخاذ المساجد في المحلات والأحياء، حتى يتيسر لأهل تلك الأحياء شهود الجماعة وحضورها، بخلاف ما لو كان المسجد بعيداً، فقد يشق على بعض الناس شهود الجماعة لبُعد المسجد.

أما إذا كان المسجد قريباً، وكانت كل محلة فيها مسجد، فإن الإنسان يذهب إلى المسجد بسهولة ويرجع بسهولة، وذلك أدعى لعدم فوات الصلاة جماعة للرجال الذين يجب عليهم أن يصلوا جماعة في المساجد.

قوله: [ (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تُنظَّف وتُطَّيب) ] فيه ثلاثة أمور:

الأول: اتخاذ المساجد في الدور، وهي المحلات والأحياء من البلد، حتى يسهل للناس حضور صلاة الجماعة، ولئلا يشق عليهم الذهاب إليها في مكان بعيد من البلد.

الثاني: أن تُنظَّف، فيزال عنها الأوساخ والقذر، وتصان وتحفظ، وإذا وقع فيها شيء من الأوساخ فإنه يزال.

الثالث: أن تُطيَّب، أي: يؤتى بالطيب فيها، حتى يشمّ الناس فيها رائحة طيبة.

وقد جاء في التراجم لرجال الحديث اسم: نعيم المجمر ، ويسمى المجمر ؛ أخذاً من تجمير المسجد، وهو الاتيان بالجمر الذي يوضع عليه العود من الطيب، فتفوح الرائحة الطيبة في المسجد.

تراجم رجال إسناد حديث: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور .. )

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حسين بن علي ].

هو حسين بن علي الجعفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زائدة ].

هو زائدة بن قدامة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والفقهاء السبعة هم: عروة بن الزبير بن العوام ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسليمان بن يسار هؤلاء الستة متفق على عدّهم، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: الأول: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، والثاني: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، والثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .

وهؤلاء السبعة اشتهروا بهذا اللقب في المدينة النبوية المباركة في عصر التابعين، وكانوا في زمن متقارب، ويطلق عليهم هذا اللقب.

وأحياناً يأتي ذكرهم بهذا اللقب دون ذكر أسمائهم، كما إذا كان هناك مسألة اتفقوا عليها، فيقال: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة فبدل أن يقال: فلان وفلان وفلان وفلان يطلق عليهم هذا اللقب: (الفقهاء السبعة)، مثل مسألة (زكاة عروض التجارة)، فعندما يذكرونها يقولون: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء الذين سبق ذكرهم، فإنهم جميعاً يقولون بوجوب الزكاة في عروض التجارة.

[ عن عائشة ].

وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بن الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة, وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهي من أوعية السّنّة وحَفَظَتها، لاسيما في الأمور المتعلقة بما يجري في البيوت بين الرجل وأهل بيته، فإن هذا مما روي كثيراً من طريقها؛ لأنها روت الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى -يعني ابن حسان - حدثنا سليمان بن موسى حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة أنه كتب إلى ابنه: (أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا، ونصلح صنعتها، ونطهرها)].

قوله: [ (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا)].

أي: نبنيها في الديار، أي: في المَحِلات. فالديار المقصود بها الدور، والمقصود بالدور المحلات، أي: المناطق والأحياء.

قوله: [ (ونصلح صنعتها) ].

أي أنهم يبنونها ويحسنون بناءها، لكن على وجه ليس فيه غلو وليس فيه زيادة عن قدر الحاجة، كما سبق الحديث في التشييد: (ما أُمرت بتشييد المساجد) أي: تشييدها على وجه زائد عن قدر الحاجة، أما بناؤها وإصلاحها على وجه يكون فيه بقاؤها وقوة بنائها وعدم تعرضها للتداعي والسقوط فإن هذا أمر مطلوب، ولكن المحذور أن يزاد على ذلك، وأن يُتجاوز الحد المطلوب، مثل أن تُزركش وتُزخرف ونحو ذلك مما جاء المنع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (ونطهرها) ].

تطهيرها المقصود به تنظيفها من الأوساخ، وعدم تعريضها للنجاسات، وما إلى ذلك، وكل ذلك يدخل تحت تطهيرها.

وهذا الحديث دالّ على ما دل عليه الحديث الذي قبله من بناء المساجد في الدُور والأمر بتطهيرها وتنظيفها، سواءٌ أكان من تطهيرها من الأنجاس أم من الأوساخ والأقذار التي ليست بنجاسة ولكنها مما يستقذر ويُكره النظر إليه وإن لم يكن نجساً.

تراجم رجال إسناد حديث: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا .. )

قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ].

محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج حديثه أبو داود .

[ حدثنا يحيى حدثنا -يعني ابن حسان -].

يحيى بن حسان ؟ أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .

[ حدثنا سليمان بن موسى ].

سليمان بن موسى فيه لين، أخرج له أبو داود وحده.

[ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة ].

جعفر بن سعد بن سمرة ليس بالقوي، أخرج له أبو داود وحده .

[ حدثني خبيب بن سليمان ].

خبيب بن سليمان مجهول، أخرج له أبو داود وحده .

[ عن أبيه سليمان بن سمرة ].

سليمان بن سمرة مقبول، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن أبيه سمرة ].

هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث فيه من هو مقبول، وفيه من هو مجهول، ولكن الحديث الأول يدل على ما دل عليه من حيث بناء المساجد في الدور والأمر بتطهيرها.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب اتخاذ المساجد في الدور.

حدثنا محمد بن العلاء حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدُّور، وأن تُنظَّف وتُطيَّب) ].

لما ذكر أبو داود رحمه الله في ترجمته السابقة ما يتعلق ببناء المسجد، وأورد الأحاديث في ذلك عقَّبه بهذه الترجمة، وهي: [ اتخاذ المساجد في الدور ].

والمقصود بالدُّور الأحياء والمحلات والمناطق من البلد، بمعنى أن كل حي أو كل محلة من البلد يكون فيها مسجد، ولا يلزم أن يكون في البلد الواحد مسجد واحد، ولو كان كبيراً، وإنما يمكن أن تتعدد المساجد، وأن تكون الأحياء والمحلات فيها مساجد، لكن لا تكون متقاربة تقارباً شديداً، وإنما يكون بينها مسافة، وهذا هو المقصود بالدور، وهي جمع دار، و(الدار) كما أنه يطلق على البيت الواحد ويطلق على المحلة وعلى الحي من المكان، فليس مقصوراً على المنازل، وهذا هو المقصود من أمره صلى الله عليه وسلم باتخاذ المساجد في المحلات والأحياء، حتى يتيسر لأهل تلك الأحياء شهود الجماعة وحضورها، بخلاف ما لو كان المسجد بعيداً، فقد يشق على بعض الناس شهود الجماعة لبُعد المسجد.

أما إذا كان المسجد قريباً، وكانت كل محلة فيها مسجد، فإن الإنسان يذهب إلى المسجد بسهولة ويرجع بسهولة، وذلك أدعى لعدم فوات الصلاة جماعة للرجال الذين يجب عليهم أن يصلوا جماعة في المساجد.

قوله: [ (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تُنظَّف وتُطَّيب) ] فيه ثلاثة أمور:

الأول: اتخاذ المساجد في الدور، وهي المحلات والأحياء من البلد، حتى يسهل للناس حضور صلاة الجماعة، ولئلا يشق عليهم الذهاب إليها في مكان بعيد من البلد.

الثاني: أن تُنظَّف، فيزال عنها الأوساخ والقذر، وتصان وتحفظ، وإذا وقع فيها شيء من الأوساخ فإنه يزال.

الثالث: أن تُطيَّب، أي: يؤتى بالطيب فيها، حتى يشمّ الناس فيها رائحة طيبة.

وقد جاء في التراجم لرجال الحديث اسم: نعيم المجمر ، ويسمى المجمر ؛ أخذاً من تجمير المسجد، وهو الاتيان بالجمر الذي يوضع عليه العود من الطيب، فتفوح الرائحة الطيبة في المسجد.

قوله: [ حدثنا محمد بن العلاء ].

هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حسين بن علي ].

هو حسين بن علي الجعفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زائدة ].

هو زائدة بن قدامة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن هشام بن عروة ].

هشام بن عروة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

أبوه هو عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والفقهاء السبعة هم: عروة بن الزبير بن العوام ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وسليمان بن يسار هؤلاء الستة متفق على عدّهم، وأما السابع ففيه ثلاثة أقوال: الأول: أنه أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، والثاني: أنه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، والثالث: أنه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .

وهؤلاء السبعة اشتهروا بهذا اللقب في المدينة النبوية المباركة في عصر التابعين، وكانوا في زمن متقارب، ويطلق عليهم هذا اللقب.

وأحياناً يأتي ذكرهم بهذا اللقب دون ذكر أسمائهم، كما إذا كان هناك مسألة اتفقوا عليها، فيقال: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة فبدل أن يقال: فلان وفلان وفلان وفلان يطلق عليهم هذا اللقب: (الفقهاء السبعة)، مثل مسألة (زكاة عروض التجارة)، فعندما يذكرونها يقولون: قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة. والأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء الذين سبق ذكرهم، فإنهم جميعاً يقولون بوجوب الزكاة في عروض التجارة.

[ عن عائشة ].

وهي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بن الصديق ، وهي أحد سبعة أشخاص عُرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم ستة رجال وامرأة واحدة, وهذه المرأة هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهي من أوعية السّنّة وحَفَظَتها، لاسيما في الأمور المتعلقة بما يجري في البيوت بين الرجل وأهل بيته، فإن هذا مما روي كثيراً من طريقها؛ لأنها روت الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان حدثنا يحيى -يعني ابن حسان - حدثنا سليمان بن موسى حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة أنه كتب إلى ابنه: (أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا، ونصلح صنعتها، ونطهرها)].

قوله: [ (فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بالمساجد أن نصنعها في ديارنا)].

أي: نبنيها في الديار، أي: في المَحِلات. فالديار المقصود بها الدور، والمقصود بالدور المحلات، أي: المناطق والأحياء.

قوله: [ (ونصلح صنعتها) ].

أي أنهم يبنونها ويحسنون بناءها، لكن على وجه ليس فيه غلو وليس فيه زيادة عن قدر الحاجة، كما سبق الحديث في التشييد: (ما أُمرت بتشييد المساجد) أي: تشييدها على وجه زائد عن قدر الحاجة، أما بناؤها وإصلاحها على وجه يكون فيه بقاؤها وقوة بنائها وعدم تعرضها للتداعي والسقوط فإن هذا أمر مطلوب، ولكن المحذور أن يزاد على ذلك، وأن يُتجاوز الحد المطلوب، مثل أن تُزركش وتُزخرف ونحو ذلك مما جاء المنع فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ (ونطهرها) ].

تطهيرها المقصود به تنظيفها من الأوساخ، وعدم تعريضها للنجاسات، وما إلى ذلك، وكل ذلك يدخل تحت تطهيرها.

وهذا الحديث دالّ على ما دل عليه الحديث الذي قبله من بناء المساجد في الدُور والأمر بتطهيرها وتنظيفها، سواءٌ أكان من تطهيرها من الأنجاس أم من الأوساخ والأقذار التي ليست بنجاسة ولكنها مما يستقذر ويُكره النظر إليه وإن لم يكن نجساً.

قوله: [ حدثنا محمد بن داود بن سفيان ].

محمد بن داود بن سفيان مقبول، أخرج حديثه أبو داود .

[ حدثنا يحيى حدثنا -يعني ابن حسان -].

يحيى بن حسان ؟ أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .

[ حدثنا سليمان بن موسى ].

سليمان بن موسى فيه لين، أخرج له أبو داود وحده.

[ حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة ].

جعفر بن سعد بن سمرة ليس بالقوي، أخرج له أبو داود وحده .

[ حدثني خبيب بن سليمان ].

خبيب بن سليمان مجهول، أخرج له أبو داود وحده .

[ عن أبيه سليمان بن سمرة ].

سليمان بن سمرة مقبول، أخرج له أبو داود وحده.

[ عن أبيه سمرة ].

هو سمرة بن جندب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

والحديث فيه من هو مقبول، وفيه من هو مجهول، ولكن الحديث الأول يدل على ما دل عليه من حيث بناء المساجد في الدور والأمر بتطهيرها.

شرح حديث: ( .. فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في السرج في المساجد.

حدثنا النفيلي حدثنا مسكين عن سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ فقال: ائتوه فصلوا فيه- وكانت البلاد إذ ذاك حرباً- فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله) ].

قوله: [ باب في السرج في المساجد.

يعني إضاءتها وإنارتها، وهذا أمر مطلوب في المساجد، والقيام بذلك من الأمور المطلوبة في المساجد؛ لأن كل ما فيه مصلحة ومنفعة في المسجد للناس أمر مطلوب، ومن قبل كانت تُتخذ السرج، ويستعملون الزيت لإيقادها.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: [يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ ] والمقصود: المسجد الأقصى.

قولها: [ فقال: (ائتوه وصلوا فيه) ]. أي: اذهبوا إليه فصلوا فيه. وهذا فيه شد الرحل إليه، وقد جاء في الحديث الصحيح: (لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) فالمسجد الأقصى هو أحد المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها.

فليس هناك مسجد أو بقعة من الأرض تشدّ الرحال إليها من أجل التعبد فيها إلا هذه المساجد الثلاثة، ولا يقال: إن المقصود هو النهي عن شد الرحال إلى المساجد الأخرى فقط، أما الذهاب إلى أماكن أخرى غير المساجد، كالمقابر أو غيرها للعبادة والتبرك جائز؛ لأن الحديث إنما جاء في النهي عن شد الرحال إلى المساجد! هذا الكلام باطل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشَدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) أي: لا تُشد إلى بقعة من أجل التقرب إلى الله عز وجل فيها، أو من أجل ميزتها وفضلها وشرفها إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، فهي التي تشد الرحال إليها.

ولهذا روى النسائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع أن فلاناً ذهب إلى مشاهدة الطور، فقال: لو كنت رأيته لما ذهب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).

قوله: [ (فإن لم تأتوه فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله) ] معناه: إضاءة القناديل بذلك الزيت؛ لأن الزيت هو مادة الإضاءة.

وإسراج المساجد وإضاؤتها من الطاعات والقربات، ولا شك في أن المسجد كلّما كان أفضل فإن العناية به تكون أهم، والإنفاق عليه يكون أكثر أجراً؛ لأن ذلك يتعلق بشيء فاضل، فالإنفاق عليه يكون له ميزة على غيره.

قولها: [ وكانت البلاد إذ ذاك حرباً ].

من المعلوم أن بيت المقدس لم يُفتح إلا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهذا يعني أنه كان في ذاك الوقت لم يدخل تحت البلاد الإسلامية؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصل إلى تبوك، وكان الشام لم يُفتح بعد، فهو في زمنه صلى الله عليه وسلم في بلاد حربٌ؛ لأن الذين فيها هم محاربون، ولم يكن تحت ولاية المسلمين، وإنما كانت بيد الكفار، ولم تفتح إلا في زمن عمر رضي الله عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث: ( .. فإن لم تأتوه وتصلوا فيه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله )

قوله: [ حدثنا النفيلي ].

هو عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل النفيلي ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا مسكين ].

هو مسكين بن بكير ، وهو صدوق يخطئ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن سعيد بن عبد العزيز ].

هو سعيد بن عبد العزيز الدمشقي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن زياد بن أبي سودة ].

زياد بن أبي سودة ثقة، أخرج له أبو داود وابن ماجه .

[ عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم ].

ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن.

والحديث ضعفه الألباني ، وفي إسناده مسكين بن بكير صدوق يخطئ.

ولا أدري هل فيه علة أخرى غير هذه، لكن اتخاذ السرج مطلقاً وإضاءة المساجد أمرٌ مطلوب، ولا إشكال فيه، وإنما الإشكال في كون ذلك الأمر صدر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبة لبيت المقدس أم لا.

والحديث عزاه المنذري إلى ابن ماجه من طريق زياد بن أبي سودة عن أخيه عثمان عن ميمونة ، وهو في الصحيح، كما قاله المزي في تهذيب الكمال، وتبعه تلميذه العلائي في جامع التحصيل وابن حجر في تهذيبه، ولفظ البوصيري في مصباح الزجاجة. إسناد طريق ابن ماجه صحيح رجاله ثقات، وهو أصح من طريق أبي داود ، وعلى هذا يكون فيه اتصال، ولكن إسناد ابن ماجه فيه عثمان .


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع