التوبة


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعــد:

فإن موضوع التوبة موضوع عظيم وكبير، لا يكفي فيه كلمات تسمعها، وتظن -أخي العزيز- أنك بعد ذلك سوف يقبل الله توبتك، وتكون من التائبين، إن التوبة أمر كبير وعظيم جداً.

أولاً: لا بد أن تعلم أن الذنب لا بد منه لا محالة، بل على الصحيح أن الأنبياء يذنبون وإن كانت صغائر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أنكم تذنبون، لذهب الله بكم ولأتى بقومٍ يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) فلا بد من الذنب، وأنا لا أدعوك إلى الذنب ولكن أدعوك إلى ما بعد الذنب، أي الصنفين أنت؟

الصنف الأول: من يبحث عن المعصية

الصنف الأول من الناس من يبحث عن المعصية، ويتظاهر بالصلاح، يخطط في قلبه للمعاصي والذنوب، إن أذنب فرح، وإن عصى ابتهج، إن فاتته معصية حزن وتضايق وندم، يخطط لها، يبحث عنها، يتجول خلفها، يركض وراءها، فإذا ظفر بها كانت سعادته وفرحته الكبرى أنه عصى الله.

الصنف الثاني: من يحاول الابتعاد عن المعاصي

الصنف الآخر من الناس: صنفٌ صالح يبتعد عن الذنوب والمعاصي وأسبابها، لكن شهوته تغلبه فيعصي الله، فيتحسر ويندم ويخاف ويطرح نفسه بين يدي الله، يبكي ويندم، ثم يتوب، وتمر الأيام والليالي فتغلبه الشهوة، وتغلبه نفسه فيعصي الله، وهو خائفٌ وجلٌ نادمٌ، يبكي ويتحسر فيرجع ويتوب، ثم تمر الأيام والليالي فتغلبه شهوته فيعصي الله.

أي الصنفين أنت؟

أما الصنف الآخر: فهو الصنف الذي قال الله عزَّ وجلَّ فيه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:135] فاحشة، أي: كبيرة، يظن المسكين أنه لا توبة له، وأن الله لن يتوب عليه، قال الله عزَّ وجلَّ عن صفات المتقين أفضل البشر: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

أخي العزيز: من أي الصنفين أنت؟

إن كنت من الصنف الأول: فالنجاة النجاة، والهروب الهروب، إن كنت من الذين يفرحون إذا عصوا، ويستبشرون إذا ارتكبوا الفواحش، بل يخططون لها، ويزحفون لها، فانقذ جلدك من النار، وفر إلى الله.

وإن كنت من الصنف الآخر الذي يطيع الله ويتقيه، ويخاف من الذنوب، فإذا أذنب وفي قلبه خوف من الله؛ خوفٌ أن يفضحه الله، خوف أن يعاقبه الله، خوف من الجليل أن يطلع عليه.. في قلبه شيءٌ من الحياة، فإذا ارتكب الذنب والمعصية فر إلى الله عزَّ وجلَّ وخرَّ بين يديه.

الصنف الأول من الناس من يبحث عن المعصية، ويتظاهر بالصلاح، يخطط في قلبه للمعاصي والذنوب، إن أذنب فرح، وإن عصى ابتهج، إن فاتته معصية حزن وتضايق وندم، يخطط لها، يبحث عنها، يتجول خلفها، يركض وراءها، فإذا ظفر بها كانت سعادته وفرحته الكبرى أنه عصى الله.

الصنف الآخر من الناس: صنفٌ صالح يبتعد عن الذنوب والمعاصي وأسبابها، لكن شهوته تغلبه فيعصي الله، فيتحسر ويندم ويخاف ويطرح نفسه بين يدي الله، يبكي ويندم، ثم يتوب، وتمر الأيام والليالي فتغلبه الشهوة، وتغلبه نفسه فيعصي الله، وهو خائفٌ وجلٌ نادمٌ، يبكي ويتحسر فيرجع ويتوب، ثم تمر الأيام والليالي فتغلبه شهوته فيعصي الله.

أي الصنفين أنت؟

أما الصنف الآخر: فهو الصنف الذي قال الله عزَّ وجلَّ فيه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [آل عمران:135] فاحشة، أي: كبيرة، يظن المسكين أنه لا توبة له، وأن الله لن يتوب عليه، قال الله عزَّ وجلَّ عن صفات المتقين أفضل البشر: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

أخي العزيز: من أي الصنفين أنت؟

إن كنت من الصنف الأول: فالنجاة النجاة، والهروب الهروب، إن كنت من الذين يفرحون إذا عصوا، ويستبشرون إذا ارتكبوا الفواحش، بل يخططون لها، ويزحفون لها، فانقذ جلدك من النار، وفر إلى الله.

وإن كنت من الصنف الآخر الذي يطيع الله ويتقيه، ويخاف من الذنوب، فإذا أذنب وفي قلبه خوف من الله؛ خوفٌ أن يفضحه الله، خوف أن يعاقبه الله، خوف من الجليل أن يطلع عليه.. في قلبه شيءٌ من الحياة، فإذا ارتكب الذنب والمعصية فر إلى الله عزَّ وجلَّ وخرَّ بين يديه.

اسأل نفسك وكن صريحاً معها.. ما الذي يدعوك إلى التوبة؟

من دواعي التوبة: الخوف من الله

أول أمرٍ يدعوك إلى التوبة: الخوف من الله.. هل حقاً أننا نخاف من الله؟ هل حقاً أن الواحد منا إن أذنب خاف من ذنبه وكأنه يلاحقه، يتفكره طوال حياته، ويبكي بسبب ذنب ارتكبه منذ سنوات؟

الحق أن يُخاف من الله، الحق أن الواحد عندما يفتح المصحف ويقرأ عن عذاب الله: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:21-22] الحق أن نخافه.

الحق أننا عندما نقرأ عن عذاب أهل النار، قوله تعالى: وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً [المزمل:13] يجب أن نخاف، إذا عرفت عن عذاب أهل النار أنهم يلبسون ثياباً من نار، ويأكلون طعاماً من نار، وينامون على فرش من نار، ويلتحفون بفرشٍ من نار، ويستظلون بظلل من النار: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:16] أتعرف ما العبرة؟ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16].

إن أول أمر يدعوك إلى التوبة: هو الخوف من الله.. خوفٌ من عذابه.. خوفٌ أن يعرض الله عنك، ألا تخاف -أخي العزيز- أن يعرض الحبيب عنك! وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] ألا تخاف أن تلقى في النار! كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] فأكبر عذابٍ لأهل النار أن يحجب العزيز عنهم، كما أن أفضل نعيمٍ لأهل الجنة أن يروا وجه الرحمن.

ألا تخاف -أخي العزيز- مكر الله! كمن يرتكب الذنوب والمعاصي.. يختلي بنفسه.. يفتح الجريدة فإذا هو يتلذذ.. يتمتع بالأغاني والمسلسلات.. يذهب إلى الأسواق فينظر يمنة ويسرة إلى النساء الكاسيات العاريات، ألا تخاف مكر الله؟ أما سمعت ذلك الذي تعلق قلبه بصبي، فلما اقتربت ساعة وفاته قال:

أَسَلْمُ يا راحة العليل      ويا شفاء المدنف النحيل

رضاك أشهى إلى فؤادي       من رحمة الخالق الجليل

قيل له: اتق الله! قال:

رضاك أشهى إلى فؤادي       من رحمة الخالق الجليل

اتق الله! فخرجوا من عنده، وصاح صيحة خرجت بها روحه، وقد كان يصلي ويصوم.

ألا تخاف مكر الله.. أأمنت مكره؟! فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

من دواعي التوبة: حب الله

أمرٌ ثانٍ يدعوك للتوبة إلى الله هو حب الله، قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] تحب الله وتعصيه؟!

......................     إن المحب لمن يحب مطيع

أخي العزيز: ينظر الله إليك يوم تفعل المنكر، ألا ترى أن الله عزَّ وجلَّ هدد المؤمنين أنهم إذا أفرطوا في المعاصي أن يستبدلهم بقوم آخرين، قال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54].

أخي العزيز! يدعوك للتوبة رجاء رحمة الله، فإذا أدركت، أظنك تقول في قلبك: إنني أرتكب ذنوباً كبيرة، ومعاصي عظيمة، لا أظن أن الله يغفرها لي؟!

نقول: لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرت الله لغفر لك (قال الله عزَّ وجلَّ: لو علم عبدي أني على مقدرة على مغفرة الذنوب غفرت له).

وأيضاً: لو أتيته بملء الأرض خطايا، ثم لقيته لا تشرك به شيئاً، لأتاك بقرابها مغفرة، فالله غفور رحيم، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].

يقول ابن عباس كما في صحيح مسلم: (إن أناساً من المشركين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! قد قتلنا فأكثرنا، وزنينا فأكثرنا -لم يسألوا إلا عن هذه الذنوب، سفك وقتل وزنا وإكثارٌ منه- وإن الذي تدعو إليه لحسن، فهل لنا من توبة؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ من فوق سبع سماوات: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ [الفرقان:68] -التوبة تقتضي الإقلاع- وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] -لعلها عشر دقائق ثم تنتهي اللذة، فماذا بعد هذا؟- وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68-69] فيقول الله بعد ذلك -وانظر هذا الصنف من الناس، ما أرحم الله! وما أكرمه!-: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]).

الله أكبر! امتلأت الأرض بذنوبهم وخطاياهم ومعاصيهم، وبلغت عنان السماء، فيبدلها الله حسنات.

أول أمرٍ يدعوك إلى التوبة: الخوف من الله.. هل حقاً أننا نخاف من الله؟ هل حقاً أن الواحد منا إن أذنب خاف من ذنبه وكأنه يلاحقه، يتفكره طوال حياته، ويبكي بسبب ذنب ارتكبه منذ سنوات؟

الحق أن يُخاف من الله، الحق أن الواحد عندما يفتح المصحف ويقرأ عن عذاب الله: إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً [النبأ:21-22] الحق أن نخافه.

الحق أننا عندما نقرأ عن عذاب أهل النار، قوله تعالى: وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً [المزمل:13] يجب أن نخاف، إذا عرفت عن عذاب أهل النار أنهم يلبسون ثياباً من نار، ويأكلون طعاماً من نار، وينامون على فرش من نار، ويلتحفون بفرشٍ من نار، ويستظلون بظلل من النار: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر:16] أتعرف ما العبرة؟ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ [الزمر:16].

إن أول أمر يدعوك إلى التوبة: هو الخوف من الله.. خوفٌ من عذابه.. خوفٌ أن يعرض الله عنك، ألا تخاف -أخي العزيز- أن يعرض الحبيب عنك! وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] ألا تخاف أن تلقى في النار! كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] فأكبر عذابٍ لأهل النار أن يحجب العزيز عنهم، كما أن أفضل نعيمٍ لأهل الجنة أن يروا وجه الرحمن.

ألا تخاف -أخي العزيز- مكر الله! كمن يرتكب الذنوب والمعاصي.. يختلي بنفسه.. يفتح الجريدة فإذا هو يتلذذ.. يتمتع بالأغاني والمسلسلات.. يذهب إلى الأسواق فينظر يمنة ويسرة إلى النساء الكاسيات العاريات، ألا تخاف مكر الله؟ أما سمعت ذلك الذي تعلق قلبه بصبي، فلما اقتربت ساعة وفاته قال:

أَسَلْمُ يا راحة العليل      ويا شفاء المدنف النحيل

رضاك أشهى إلى فؤادي       من رحمة الخالق الجليل

قيل له: اتق الله! قال:

رضاك أشهى إلى فؤادي       من رحمة الخالق الجليل

اتق الله! فخرجوا من عنده، وصاح صيحة خرجت بها روحه، وقد كان يصلي ويصوم.

ألا تخاف مكر الله.. أأمنت مكره؟! فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

أمرٌ ثانٍ يدعوك للتوبة إلى الله هو حب الله، قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] تحب الله وتعصيه؟!

......................     إن المحب لمن يحب مطيع

أخي العزيز: ينظر الله إليك يوم تفعل المنكر، ألا ترى أن الله عزَّ وجلَّ هدد المؤمنين أنهم إذا أفرطوا في المعاصي أن يستبدلهم بقوم آخرين، قال تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54].

أخي العزيز! يدعوك للتوبة رجاء رحمة الله، فإذا أدركت، أظنك تقول في قلبك: إنني أرتكب ذنوباً كبيرة، ومعاصي عظيمة، لا أظن أن الله يغفرها لي؟!

نقول: لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرت الله لغفر لك (قال الله عزَّ وجلَّ: لو علم عبدي أني على مقدرة على مغفرة الذنوب غفرت له).

وأيضاً: لو أتيته بملء الأرض خطايا، ثم لقيته لا تشرك به شيئاً، لأتاك بقرابها مغفرة، فالله غفور رحيم، قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82].

يقول ابن عباس كما في صحيح مسلم: (إن أناساً من المشركين أتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! قد قتلنا فأكثرنا، وزنينا فأكثرنا -لم يسألوا إلا عن هذه الذنوب، سفك وقتل وزنا وإكثارٌ منه- وإن الذي تدعو إليه لحسن، فهل لنا من توبة؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ من فوق سبع سماوات: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ [الفرقان:68] -التوبة تقتضي الإقلاع- وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68] -لعلها عشر دقائق ثم تنتهي اللذة، فماذا بعد هذا؟- وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68-69] فيقول الله بعد ذلك -وانظر هذا الصنف من الناس، ما أرحم الله! وما أكرمه!-: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70]).

الله أكبر! امتلأت الأرض بذنوبهم وخطاياهم ومعاصيهم، وبلغت عنان السماء، فيبدلها الله حسنات.

موقف ماعز الأسلمي

أتى ماعز بن مالك الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عنه، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني -كان يعلم أنه سوف تحفر له حفرة ويجتمع عليه المسلمون ويأخذون الحجارة يرجمونه بها، وأ، رأسه سوف يتشقق، ويسيل منه الدم، وأنه سوف يموت معذباً بالحجارة- فصد عنه عليه الصلاة والسلام، فجاءه في اليوم الثاني، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني، فصد عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه في اليوم الثالث، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني -يخاف من الذنب- فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فقال: هل تعلمون به بأساً؟ قالوا: لا نعلمه إلا وفي العقل من الصالحين، فذهب عليه الصلاة والسلام فجاءه في اليوم الرابع، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني -لا يتحمل الذنب، والمعصية تكاد تقتله، لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، وتلاحقه المعصية، كما قال ابن مسعود: [كجبل خاف أن يقع عليه]- فأمر الصحابة أن يحفروا له حفرة ثم وضع فيها، فرجمه الصحابة حتى مات.

موقف المرأة الغامدية

وبعد لحظات أتته امرأة غامدية، فتقول له: يا رسول الله! لعلك تردني كما رددت ماعزاً، إني زنيت فطهرني -أي جيلٍ هذا! أي أناس أولئك! أي قلب هذا!- وإني حبلى -عندي دليل، فبطني قد امتلأ- فصد عنها عليه الصلاة والسلام فقال لها: اذهبي حتى تضعي -لعلها ترجع إلى رشدها- فذهبت وأتت بعد شهور وفي يديها خرقه عليها جنينٌ صغير، فقالت: هو ذا يا رسول الله، زنيت فطهرني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبي حتى تفطميه -القلب الرحيم الشفيق على أصحابه لعلها ترجع، ما قال: نرجمها- قال: اذهبي حتى تفطميه، فأتت بعد شهور بيدها كسرة من خبز، فقالت: يا رسول الله! هو ذا يأكل، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطفل فدفعه إلى أحد الصحابة، وأمر لها بحفرة، فحفر لها، ثم وضعت فيها، فرجمت، ورجمها خالد فسقط رأسها وتطاير الدم عليه، فسبها خالد، فقال له عليه الصلاة والسلام: (مه يا خالد! لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مكس لتاب الله عليه، وفي رواية: لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم).

هل رأيت أنها جادت بنفسها لله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135].

أتدري ما الذي يدعوك إلى التوبة؟

إنه قربك من الله، ورجاؤك رحمة الله، ومحبتك لله عزَّ وجلَّ.

لعلك تتعجب ما بال بعذ أولئك الناس ينام على الفراش فيبكي ولا تشعر به زوجته! تتعجب ما الذي جعلهم يقومون من الليل! تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [السجدة:16] الواحد منا لا يستطيع أن يقوم لصلاة الفجر، بينما هم يقومون في منتصف الليل من الفراش، ما الذي أقامهم؟ الجواب في قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة:16].

تقول بنية صغيرة لأبيها: يا أبتاه! ما لي أراك لا تنام مثل الناس؟

قال: يا بنية! إن خوف أبيك من النار قد أذهب عنه النوم.

أتى ماعز بن مالك الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عنه، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني -كان يعلم أنه سوف تحفر له حفرة ويجتمع عليه المسلمون ويأخذون الحجارة يرجمونه بها، وأ، رأسه سوف يتشقق، ويسيل منه الدم، وأنه سوف يموت معذباً بالحجارة- فصد عنه عليه الصلاة والسلام، فجاءه في اليوم الثاني، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني، فصد عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاءه في اليوم الثالث، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني -يخاف من الذنب- فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومه، فقال: هل تعلمون به بأساً؟ قالوا: لا نعلمه إلا وفي العقل من الصالحين، فذهب عليه الصلاة والسلام فجاءه في اليوم الرابع، فقال: يا رسول الله! زنيت فطهرني -لا يتحمل الذنب، والمعصية تكاد تقتله، لا يهدأ له بال، ولا يقر له قرار، وتلاحقه المعصية، كما قال ابن مسعود: [كجبل خاف أن يقع عليه]- فأمر الصحابة أن يحفروا له حفرة ثم وضع فيها، فرجمه الصحابة حتى مات.

وبعد لحظات أتته امرأة غامدية، فتقول له: يا رسول الله! لعلك تردني كما رددت ماعزاً، إني زنيت فطهرني -أي جيلٍ هذا! أي أناس أولئك! أي قلب هذا!- وإني حبلى -عندي دليل، فبطني قد امتلأ- فصد عنها عليه الصلاة والسلام فقال لها: اذهبي حتى تضعي -لعلها ترجع إلى رشدها- فذهبت وأتت بعد شهور وفي يديها خرقه عليها جنينٌ صغير، فقالت: هو ذا يا رسول الله، زنيت فطهرني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبي حتى تفطميه -القلب الرحيم الشفيق على أصحابه لعلها ترجع، ما قال: نرجمها- قال: اذهبي حتى تفطميه، فأتت بعد شهور بيدها كسرة من خبز، فقالت: يا رسول الله! هو ذا يأكل، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطفل فدفعه إلى أحد الصحابة، وأمر لها بحفرة، فحفر لها، ثم وضعت فيها، فرجمت، ورجمها خالد فسقط رأسها وتطاير الدم عليه، فسبها خالد، فقال له عليه الصلاة والسلام: (مه يا خالد! لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مكس لتاب الله عليه، وفي رواية: لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم).

هل رأيت أنها جادت بنفسها لله عزَّ وجلَّ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران:135].

أتدري ما الذي يدعوك إلى التوبة؟

إنه قربك من الله، ورجاؤك رحمة الله، ومحبتك لله عزَّ وجلَّ.

لعلك تتعجب ما بال بعذ أولئك الناس ينام على الفراش فيبكي ولا تشعر به زوجته! تتعجب ما الذي جعلهم يقومون من الليل! تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [السجدة:16] الواحد منا لا يستطيع أن يقوم لصلاة الفجر، بينما هم يقومون في منتصف الليل من الفراش، ما الذي أقامهم؟ الجواب في قوله تعالى: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة:16].

تقول بنية صغيرة لأبيها: يا أبتاه! ما لي أراك لا تنام مثل الناس؟

قال: يا بنية! إن خوف أبيك من النار قد أذهب عنه النوم.