من أسعد الناس ؟


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فيا أيها الإخوة الكرام! قرأتم ما اختاره إخوانكم عنواناً في هذا اللقاء وهو: (مَن أسعدُ الناس؟).

إن هذا العنوان اشتمل إشارة إلى ما يسعى إليه الجميع، وما يتسابق إليه الناس جميعاً على اختلاف أصولهم وأجناسهم وجهاتهم وألوانهم وألسنتهم، فالكل يسعى ويسير سيراً حثيثاً لإدراك هذه الغاية، وهي السعادة التي يحصل بها للإنسان نعيم الدنيا، هذا هو حال كثيرٍ من الناس في سعيهم وراء هذا الأمر، فإن كثيراً من الناس يقصرون السعادة على هذه البرهة القصيرة، والفترة الوجيزة من مراحل العمر، ومن منازل الإنسان، وهي منزلته في هذه الدنيا، وهذه الدنيا وصفها الله جلَّ وعلا فقلل من شأنها في كتابه، وبيَّن أنها متاع قليل، فمهما حصل فيها من الصفاء والجودة والجمال فإنها مؤذنة بالزوال، وهي راحلة ينتقل منها الناس ويصيرون إلى دار يستقرون فيها؛ وهي الدار التي ينبغي لهم أن يسعوا إلى تحقيق السعادة فيها.

مفهوم السعادة لدى كثير من الناس

إن الناس في هذه الدنيا يفسرون السعادة بتفسيرات عديدة:

- فمنهم من يرى السعادة جمع المال.

- ومنهم من يرى السعادة جمال المنظر.

- ومنهم من يرى السعادة جمال المركب.

- ومنهم من يرى السعادة في الجاه والمنصب.

وكل هؤلاء أصابوا شيئاً وأخطئوا في أشياء، فإن هذه الأمور -وإن كانت من أسباب السعادة في هذه الدنيا- ليست هي السعادة الحقيقية التي ينبغي للمؤمن أن يسعى لها، وأن يحث الخطا في تحصيلها وإدراكها؛ ولذلك تجد أن كثيرين ممن لم يُمَكَّنوا من هذه الأمور أو من أكثرها يتلذذون ويجدون من الانشراح والطمأنينة، وسعة الصدر، والابتهاج والسرور، ما لا يجده مَن مَلَك هذه الأشياء جميعاً أو مَلَك أكثرها، وذلك يبرهن ويبين أن السعادة ليست في هذه الأشياء، إنما هذه وسائل وآلات ووسائط قد يدرك بها الإنسان بعض مقصوده؛ لكنها لا تكون مقصوداً وغرضاً على أي حال من الأحوال.

رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس سعادة

أيها الإخوة الكرام! إن أسعد الناس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك في هذا، فإن الله جلَّ وعلا قد بيَّن عظيم ما مَنَّ به على رسوله من السعادة والكمال وانشراح الصدر فقال في سورة من كتابه الكريم: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:1-3].

بهذه الأمور الثلاثة كمل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أسباب السعادة: شرح له صدره؛ فكان من أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلباً، وأقرهم عيناً، وأكملهم حياةً صلى الله عليه وسلم.

ثم إن هذه السعادة لم تكن مقتصرةً على انشراح الصدر، بل هي سعادةٌ موطئةٌ لسعادة عظيمة في الآخرة، فقال جلَّ وعلا: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4]، فخفف الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم الآثام والأوزار، فلم يكن محملاً بما يُحَمَّلُه كثيرٌ من الناس من الأوزار، التي هي من أعظم أسباب ضيق الصدر، ومن أعظم أسباب قلة السعادة، بل من آكد أسباب زوالها، فإن السعادات تذهب عند مقارفة السيئات؛ ولذلك ذكر الله جلَّ وعلا بعد شرح الصدر تخفيف الوزر عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر ثالث ما من به سبحانه وتعالى على رسوله فقال سبحانه وتعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]، ولا شك أن رفع الذكر من سعادة المرء؛ ولذلك خصه الله جلَّ وعلا بالذكر.

الأسباب التي أهلت النبي صلى الله عليه وسلم لسعادة الدنيا والآخرة

أيها الإخوة! إذا كان أكمل الناس سعادةً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صلى الله عليه وسلم قد حاز من ذلك السبق، وحصل على أعلى درجات الكمال، فلننظر ما الذي كان يتمتع به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أسباب السعادة لتحصُل لنا، فإن السعادة التي حصَّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لذاته، يعني: لم يكن أمراً مقترناً بذلك الشخص دون أسباب تؤهله لتحصيلها، وأسباب تؤدي إلى تلك النتيجة.

إن الله عز وجل قد ذكر في هذه السورة الكريمة السبب الذي حصَّل به رسول الله صلى الله عليه وسلم السعادة، فبعد أن ذكر تلك المنن الثلاث التي افتتح بها السورة، قال جلَّ وعلا في آخرها: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] هذا هو سبب السعادة، وسر ذلك الشرح، وسبب ذلك التخفيف، وسبب رفع الذكر الذي أدركه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

نيل السعادة بسلوك هدي النبي صلى الله عليه وسلم واتباع أمره

من أراد أن يأخذ من السعادة التي نالها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا نصيباً، فليحرص على سلوك هديه، فإنه بقدر التزام الإنسان بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقدر ما يكون معه من انشراح الصدر، وتخفيف الوزر، ورفع الذكر.

واستمع إلى ما قاله ابن القيم رحمه الله في هذا!

يقول رحمه الله: شرح الله صدر رسوله صلى الله عليه وسلم أتم الشرح، ووضع عنه وزره كل الوضع، ورفع ذكره كل الرفع، وجعل لأتباعه -أي: لمن اقتفى أثره، وآمن به، واهتدى بسنته- حظاً من ذلك -يعني: من شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر- إذ كل متبوع فلأتباعه حظٌ ونصيبٌ من حظ متبوعهم في الخير والشر على حسب اتباعهم له.

فأتبعُ الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرحُهم صدراً، وأوضعهم وزراً، وأرفعهم ذكراً، وهذا فضل الله الذي منَّ الله به على الأمة؛ أن جعل ما منَّ به على رسوله صلى الله عليه وسلم من تلك المنن ومن تلك المنح ومن تلك الفضائل يمكن للعبد أن يدركها بسلوك سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأن يفعل كما فعل، وأن يعتقد كما اعتقد، وأن يعمل كما عمل، فبقدر متابعة الإنسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم علماً وعملاً، حالاً واجتهاداً، بقدر ما يكون له نصيباً من السعادة التي نالها صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال ابن القيم رحمه الله: وكلما قويت متابعة العبد علماً وعملاً وحالاً واجتهاداً قويت هذه الثلاث التي هي: شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، حتى يصير صاحبها أشرح الناس صدراً وأرفعهم في العالمين ذكراً.

نسأل الله عز وجل من فضله!

أيها الإخوة الكرام! إن الله جلَّ وعلا قد أمرنا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبان لنا في كتابه الحكيم فوائد ذلك؛ حثاً لنا على المسابقة إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فمن جملة ما بينه سبحانه وتعالى لنا من فضائل اتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ما ذكره في قوله آمراً عموم الناس: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158].

إن الناس في هذه الدنيا يفسرون السعادة بتفسيرات عديدة:

- فمنهم من يرى السعادة جمع المال.

- ومنهم من يرى السعادة جمال المنظر.

- ومنهم من يرى السعادة جمال المركب.

- ومنهم من يرى السعادة في الجاه والمنصب.

وكل هؤلاء أصابوا شيئاً وأخطئوا في أشياء، فإن هذه الأمور -وإن كانت من أسباب السعادة في هذه الدنيا- ليست هي السعادة الحقيقية التي ينبغي للمؤمن أن يسعى لها، وأن يحث الخطا في تحصيلها وإدراكها؛ ولذلك تجد أن كثيرين ممن لم يُمَكَّنوا من هذه الأمور أو من أكثرها يتلذذون ويجدون من الانشراح والطمأنينة، وسعة الصدر، والابتهاج والسرور، ما لا يجده مَن مَلَك هذه الأشياء جميعاً أو مَلَك أكثرها، وذلك يبرهن ويبين أن السعادة ليست في هذه الأشياء، إنما هذه وسائل وآلات ووسائط قد يدرك بها الإنسان بعض مقصوده؛ لكنها لا تكون مقصوداً وغرضاً على أي حال من الأحوال.

أيها الإخوة الكرام! إن أسعد الناس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا شك في هذا، فإن الله جلَّ وعلا قد بيَّن عظيم ما مَنَّ به على رسوله من السعادة والكمال وانشراح الصدر فقال في سورة من كتابه الكريم: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح:1-3].

بهذه الأمور الثلاثة كمل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أسباب السعادة: شرح له صدره؛ فكان من أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلباً، وأقرهم عيناً، وأكملهم حياةً صلى الله عليه وسلم.

ثم إن هذه السعادة لم تكن مقتصرةً على انشراح الصدر، بل هي سعادةٌ موطئةٌ لسعادة عظيمة في الآخرة، فقال جلَّ وعلا: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4]، فخفف الله عن رسوله صلى الله عليه وسلم الآثام والأوزار، فلم يكن محملاً بما يُحَمَّلُه كثيرٌ من الناس من الأوزار، التي هي من أعظم أسباب ضيق الصدر، ومن أعظم أسباب قلة السعادة، بل من آكد أسباب زوالها، فإن السعادات تذهب عند مقارفة السيئات؛ ولذلك ذكر الله جلَّ وعلا بعد شرح الصدر تخفيف الوزر عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم ذكر ثالث ما من به سبحانه وتعالى على رسوله فقال سبحانه وتعالى: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]، ولا شك أن رفع الذكر من سعادة المرء؛ ولذلك خصه الله جلَّ وعلا بالذكر.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن عبد الله المصلح - عنوان الحلقة اسٌتمع
اليوم الصالح عاشوراء 2689 استماع
لا تفوتوا جود رمضان 2067 استماع
الحج 2018 استماع
الله أكبر 1979 استماع
كن في الدنيا كأنك غريب 1945 استماع
كيف نستقبل رمضان 1944 استماع
وكان أجود ما يكون في رمضان 1750 استماع
لماذا نتعلم ؟ 1624 استماع
درة الموسم 1595 استماع
دينك أمانة 1516 استماع