اللحية لماذا؟


الحلقة مفرغة

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الذين كان هواهم تبعاً لهداه.

أما بعد:

فإن من عادة الناس أنهم إذا تهيئوا لخطر فإنهم يستعدون له، ويأخذون له عدته ويتأهبون لمواجهته، فمثلاً: من أصابه سم أو لدغته عقرب أو حية فإنه يسارع إلى تناول ما يضاد هذا السم؛ كي يتلافى خطره، والناس في حالة الحروب إذا خشوا القذائف الكيماوية فإنهم يتأهبون بالأقنعة الواقية ضد هذه الغازات السامة وغير ذلك، ونحن في هذه الأيام نعيش في جو أشد تسمماً، فنحن نعيش في المحنة التي يمر بها الإسلام، والحملة الشيطانية الخبيثة التي تستهدف صد الناس عن دين ربهم تبارك وتعالى، والتي تطلق بين الحين والآخر قنابل الدخان كي يتم الزحف تحت هذه الستائر الدخانية، فإن كثيراً من الملاحدة والزنادقة الذين يخرجون من جحورهم في هذه المحن وفي ظل هذه الظروف الصعبة، ومن وراء هذا الشر؛ يتفوهون في وسط هذا الجو الملتهب بعبارات لا يمكن أبداً أن يجرءوا على أن ينطقوا بها في الجو العادي، لكن في وسط هذه الحملة المستعرة يستغلون ما يحصل من الفتن التي تجري في هذه الأيام، فهؤلاء من الملاحدة والزنادقة يسيرون بهذه السموم والشبهات، ويطعنون في الدين حتى صار الإسلام نفسه الآن في عرف القوم مرادفاً للإرهاب، وصار المسلمون هم الأصوليين والمتطرفين والإرهابيين فحسبهم الله ونعم الوكيل!

ونحن دائماً محتاجون إلى أن نتسلح بالأدلة؛ حتى نكون على بصيرة من ديننا وعلى يقين مما نحن عليه من الحق بإذن الله تبارك وتعالى.

ومن القضايا التي نحتاج إلى تجديد العهد بها، خاصة وقد مر زمان طويل دون أن نتكلم فيها، هي قضية حكم إعفاء اللحية، وأدلة ذلك.

نحن نتعرض لكثير من الضغوط في هذه الأيام من كل جانب، من الحملات الإعلامية، من الأسر في البيوت، من الآباء خوفاً على أبنائهم، وربما يستجيب كثير من الناس تحت وطأة هذه الضغوط إلى هذا الأمر، فيترخصون بدون عذر في مثل هذا الأمر.

إن قضية اللحية في الحقيقة ليست مجرد شعيرات، لكن اللحية هي شعيرة من شعائر الإسلام، وسوف نرى من خلال الأدلة التي نبسطها اليوم إن شاء الله تعالى باختصار أن هذه القضية ليست بالسهولة التي يتخيلها كثير من الناس بأنها مجرد شعيرات، وقد يتفلسف بعضهم فيقول: المهم مراعاة الشعور وليس تربية الشعور، وما إلى ذلك من العبارات المنمقة، التي يصدون بها الناس عن حكم الله تبارك وتعالى في هذه المسألة، فعلى غرار ما تكلمنا من قبل بشيء في موضوع الحجاب تحت عنوان: الحجاب لماذا؟ كذلك أيضاًنتناول هذه القضية على نفس هذا الغرار: اللحية لماذا؟ أو لماذا نعفي لحانا؟

إن إعفاء اللحية طاعة لله عز وجل وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ [الأحزاب:36]، وتأمل وصف الإيمان؛ لأن المؤمن هو الذي من شأنه أن يستجيب لحكم الله ورسوله فقوله: (وَمَا كَانَ) يعني: ما ينبغي أبداً لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

وقال عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63].

في الآية الأولى قال: إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا [الأحزاب:36]، وفي الآية الثانية: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] فمما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إعفاء اللحى.

فقد روى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحية) رواه مسلم . وهذا الأمر ورد بصيغ متعددة كلها تدل على ترك اللحية على حالها مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أعفوا اللحى..) (أوفوا اللحى..) (أرخوا اللحى..) (أرجوا اللحى..) (وفروا اللحى)، فهذه كلها أوامر متنوعة تؤدي إلى غرض واحد.

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس) رواه مسلم أيضاً. (جاء رجل من المجوس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد حلق لحيته وأطال شاربه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟! قال: هذا ديننا -يعني: هذا ديننا معشر المجوس- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن في ديننا أن نحفي الشوارب وأن نعفي اللحية).

وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن يحيى بن كثير قال: (أتى رجل من العجم المسجد وقد وفر شاربه وجز لحيته، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حملك على هذا؟! فقال: إن ربي أمرني بهذا -يعني: كسرى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني أن أوفر لحيتي وأحفي شاربي). .

(ولما كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابه إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام وبعث به عبد الله بن حذافة رضي الله عنه دفعه عبد الله إلى عظيم البحرين، ودفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه، فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق، وبعد أن شق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كسرى إلى باذان -وهو عامل كسرى على اليمن- أن ابعث إلى هذا الرجل الذي في الحجاز رجلين جلدين قويين يأتياني به -يعني: يأسران الرسول عليه الصلاة والسلام ويحضرانه إلى هذا الخبيث كسرى لعنه الله- فبعث باذان قهرمانه وهو بابويه مع رجل آخر من الفرس فجاءا حتى قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما دخلا عليه صلى الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إليهما وقال: ويلكما من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا بهذا ربنا -يريدان كسرى- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي، وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربي قتل ربكما الليلة -سلط عليه ابنه شيرويه فقتله- فرجعا حتى قدما على باذان) إلى آخر الحديث، وهذا الحديث رواه ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى، وحسنه الألباني .

فظهر من هذه القصة كيف كره النبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى ذينك الرجلين، ولا شك أن هذا يحمل كل مؤمن صادق في إيمانه واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يفعل فعلاً يتأذى منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ونحن إذا تأملنا أحوال الجماعات الوطنية والأحزاب السياسية والفرق الرياضية والفنية وغير ذلك من هذه التجمعات نرى كل واحد منهم يجتهد في إرضاء قائده وزعيمه، ويتبعه في سيرته ولباسه وهيئته، ولا يأتي بفعل يؤذيه، والعجب كل العجب ممن يحلقون لحاهم كيف ينتسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنهم يرتكبون فعلاً يتأذى منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دون أن يجدوا في أنفسهم أدنى حرج من ذلك؟!

هناك قصة حكيت عن رجل من الشعراء تأثر رجل فارسي بكلامه في الحكمة والمعرفة، واعتقد أن صاحب هذه الأشعار رجل عظيم في دينه، قد زكى روحه وجسده، فسافر من بلده إليه كي يراه، فلما وصل إلى باب هذا الشاعر المشهور رآه وهو واقف يحلق لحيته، فقال له مستنكراً ومتعجباً: يا سبحان الله! أتحلق لحيتك؟! فقال الشاعر متفلسفاً: نعم، أحلق لحيتي، ولكني لا أجرح قلب أحد.

يعني: أجرح وجهي بالموسى، لكن لا أجرح قلوب الناس، فرد عليه الرجل الفارسي بالبداهة: بل إنك تجرح قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع الشاعر ذلك غشي عليه، فلما أفاق قال بالفارسية شعراً معناه: جزاك الله خيراً لقد فتحت عيني، وأوصلتني إلى روح قلبي.

على أي الأحوال فإن إعفاء اللحية طاعة، والطاعة تكون لأمر، والأمر هو أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتينا بالأحاديث التي فيها: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية) ثم بالأحاديث التي فيها نفس الأمر: (اعفوا ..)، (أوفوا ..)، (أرخوا ..)، (أرجوا)، (وفروا).

ثم نقول: إن صيغة الأمر تدل على وجوب امتثال هذا الأمر، بحيث يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وعلى الجهة المقابلة فحلق اللحية يعد معصية محرمة، فقد قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، وقال عز وجل: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الجن:23].

وتقدم أمره صلى الله عليه وآله وسلم بإعفاء اللحى، ومخالفة هذا الأمر معصية محرمة يقول عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه) متفق عليه.

والأمر بإعفاء اللحى وتوفيرها يستلزم النهي عن حلقها، وعن تقصيرها حتى تكون أقرب إلى الحلق، وهذا أمر مهم جداً لابد أن نلحظه،

المعصية ليست فقط بحلق اللحية، بل تقصير اللحية في حد ذاته معصية؛ لأن هذا هو الذي كان يفعله المجوس، فقد كانوا يقصون لحاهم، ولذلك أتى الأمر بمخالفتهم، فمن يقصر لحيته ومن يحلقها فكلاهما مخالف لأمر النبي عليه السلام.

والقاعدة تقول: إن الأمر بالشيء نهي عن ضده، إذا أمرت بالسكوت فهو نهي عن الكلام، وإذا أمرت بالقيام فهو نهي عن القعود، فكذلك إذا أمرت بإعفاء اللحية فهو يتضمن أو يستلزم النهي عن ضده وهو حلقها أو تقصيرها.

يقول صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً في الحديث: (لا تنتفوا الشيب فإنه نور المسلم)، وهذا حديث حسن.

قوله: (لا تنتفوا الشيب) أي: الشعرات البيضاء، ولا فرق في نتف الشيب، سواء كان في اللحية أم في الرأس، ولذلك جاء عن أنس رضي الله عنه قال: (يكره أن ينتف الرجل الشعرة البيضاء من لحيته ورأسه) رواه مسلم .

فالذي يحلق لحيته قد أزال الشعر الأبيض والأسود، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى أن ينتف الرجل الشعرات البيضاء من لحيته أو من رأسه، فالذي يحلق لحيته قد أزال الشعر الأسود فضلاً عن الأبيض الذي هو نور المسلم، وقد روي أن عمر رضي الله تعالى عنه وابن أبي ليلى ردا شهادة من كان ينتف لحيته.

وقال الغزالي والنووي عليهما الرحمة: ونتفها -يعني: اللحية- في أول نباتها تشبه بالمرد، ومن المنكرات الكبار.

والمرد جمع أمرد، وهو الغلام الذي طر شاربه وبلغ بروز لحيته ولما تبد.

إن إعفاء اللحية سنة محمدية، فقد قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، وقال سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64].

وقال صلى الله عليه وسلم: (وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم .

وثبت في صفته الخلقية صلى الله عليه وسلم أنه كان كث اللحية عظيمها، فعن أنس رضي الله عنه قال: (كانت لحيته صلى الله عليه وسلم قد ملأت من هاهنا إلى هاهنا، وأمر يده على عارضيه).

وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعرفون أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر وفي العصر باضطراب لحيته، ينظرون إليه من الخلف وهو يصلي، وذلك عندما سئلوا (بم كنتم تعرفون قراءته؟ قالوا: باضطراب لحيته) يعني: باهتزازها، وهذا الحديث في صحيح البخاري.

(وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا توضأ أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته)، وهذا يدل على عظم لحيته عليه الصلاة والسلام بحيث أنه يحتاج إلى تخليلها.

والأحاديث في ذلك كثيرة كلها تؤكد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عظيم اللحية، فيا عجباً! ممن يدعون حبه صلى الله عليه وسلم ثم هم لا يحبون صورته، بل يفضلون عليه صورة أعدائه! والله تبارك وتعالى يقول: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].

تجد الناس يتناقلون كلاماً لا يفقهون معناه، ويقولون: اللحية سنة، نعم هي سنة لكن بالمعنى اللغوي: الطريقة، أي: طريقة النبي عليه الصلاة والسلام، كما تقول: صلاة الجمعة سنة، يعني: طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما حكمها من حيث الأحكام الخمسة التكليفية الخمسة؟

هي من حيث الأحكام الخمسة واجبة؛ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وللأدلة التي سوف نذكرها.

يقول عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31].

فالمحبة التي لا تضطر صاحبها إلى اتباع المحبوب والتشبه به ادعاء للمحبة، وليست بمحبة حقيقية، وقد قال بعض الصحابة رضي الله تعالى عنه: (بينما أنا أمشي بالمدينة إذا إنسان خلفي يقول: ارفع إزارك فإنه أتقى وأنقى، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: أتقى لربك وأنقى لثوبك حتى لا يتسخ- فقلت: يا رسول الله! إنما هي بردة ملحاء -يعني: هذه الثياب التي ألبسها ثياب رثة أو رخيصة، لا يخشى منها أن يكون هناك كبر أو خيلاء حتى يراعى فيها الاتقاء والإنقاء- فقال له عليه الصلاة والسلام: أما لك في أسوة؟! قال: فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الحديث حسن لغيره.

فيا حالق اللحية! ماذا يكون جوابك إذا أخذت تسرد المعاذير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لك: (أما لك في أسوة؟)؟!

إذا كان إعفاء اللحية سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطريقته فعلى هذا يكون حلق اللحية تطرفاً وانحرافاً عن هديه عليه الصلاة والسلام، وخير الهدي صلى الله عليه وآله وسلم.

ففي الحقيقة هؤلاء المحاربون لدين الله والصادون عن سبيل الله والمشنعون على أهل طاعة الله هم المتطرفون كما ذكرنا ذلك من قبل مراراً؛ لأن معنى التطرف: هو الأخذ بأطراف الأمور، إما إلى الإفراط أو التفريط، إما إلى الغلو وإما إلى الجفاء، فكلاهما انحراف عن القسط والوسط والاعتدال الذي هو خاصية هذه الأمة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143].

فهذا هو الاعتدال، فنحن اختلفنا معهم في حد الوسط، وحد الاعتدال، فنحن نرفع عقيدتنا دائماً بهذا الشعار المقدس: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم)، لا يمكن أن يكون هناك هدي أحسن وخير من هديه عليه الصلاة والسلام؛ لأن هدي محمد صلى الله عليه وسلم هو خير الهدي.

فكل ما شرعه رسول الله عليه الصلاة والسلام أو أمر به أو تكلم فيه من أمور الدين، فنجزم جزماً قاطعاً -ولو خالفنا من على ظهر الأرض قاطبة- أن هذا هو الاعتدال، وأن الانحراف عنه يمنة أو يسرة هو الانحراف وهو التطرف، يقول الشاعر:

وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.

إذاً: كل من حاد عن فعل أو أمر أو شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو المنحرف، سواء كان ذلك في الغلو أو في الجفاء، بالإفراط أو بالتفريط، فهؤلاء هم المتطرفون بحق، فنحن نقولها بكل يقين وبكل قوة: إن هؤلاء المجرمين هم المتطرفون حقيقة، وإن لم يعلموا في الدنيا من المتطرفون فسوف يعلمون حين يردون على ربهم تبارك وتعالى من هم المتطرفون؟!

والله تبارك وتعالى يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80] وهؤلاء يقولون: من يطع الرسول فقد صار متطرفاً، من يطع الرسول فهو إرهابي، من يطع الرسول فهو أصولي، إلى آخر هذه الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان.

فإذا كانت سنته صلى الله عليه وآله وسلم قولاً وفعلاً وصفة هي إعفاء اللحية، كان حلقها إعراضاً عن طريقته المنيفة، ورغبة عن سنته الشريفة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) كما في الحديث المتفق عليه.

وقال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه مسلم .

هل أحد من الصحابة أمرنا أن نحلق اللحية أو كان يحلقها؟ لا يعرف الصحابة ولا السلف ولا القرون الأولى حلق اللحية، حتى الخلف لا يعرفون حلق اللحية، وإنما هذه الظاهرة لم تعرف إلا مؤخراً منذ أجيال قريبة جداً؛ لما بدأ الاحتكاك بالإنكليز والفرنسيين الكافرين.

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الحسن: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا) وذكرنا آنفاً الحديث الذي فيه: (أن كسرى لما أرسل رجلين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودخلا عليه وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، كره رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إليهما، وقال: من أمركما بهذا؟ قالا: أمرنا بهذا ربنا -يعنيان كسرى-، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي)، وهذا حديث حسن كما ذكرنا.

كثير من الناس يفتش عن كلمتين: عن كلمة السنة، وكلمة المكروه، كلمة السنة حتى يضيع ويفرط ما يسميه سنة، وكلمة المكروه حتى يرتكب ما هو مكروه!

وهذا قلب للأمور في الحقيقة؛ لأن المكروه أحد قسمي الأشياء التي يطلب تركها؛ لأن الأحكام خمسة، وهي ثلاثة أقسام: ما يطلب فعله، وما يطلب تركه، والمخير بين فعله وتركه وهو المباح الذي لا ثواب فيه ولا عقاب.

فالمطلوب فعله هو ما أمر به على وجه الحث واللزوم، بحيث يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وهذا هو الواجب والفريضة.

أو ما أمر فعله لا على وجه الحث واللزوم، بحيث يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، وهذا هو السنة أو الإحسان أو النافلة أو المندوب.

والمطلوب تركه إما حرام وإما مكروه، والمكروه داخل في المطلوب تركه، لكن بعض الناس يقولون: إن بعض المشايخ قالوا: إن الدخان (السجاير) مكروه، إذن ندخن!

وبعض الناس يقولون: إن إعفاء اللحية سنة، إذن نحلقها!

نقول: إن هذا قلب للأمور، ومن علامات الخذلان؛ لأن التأسي به صلى الله عليه وآله وسلم هو المحبوب لله تبارك وتعالى في كل الشئون وإن لم يكن واجباً؛ لأن المحب الصادق في المحبة لا ينظر إلى الفرق بين الواجب وبين السنة، بل هو يتبع المحبوب لأجل حبه له، فما بالك إذا كان واجباً كإعفاء اللحية؟!

إن إعفاء اللحية فطرة إنسانية تقتضيها الفطرة السليمة؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30]، قوله: (فأقم وجهك) يعني: سدد وجهك واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام، وحافظ على فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، وهي معرفة الله عز وجل وتوحيده، وتوابع ذلك من خصال الفطرة التي يتجه إليها الإنسان حتى لو لم يرد بها الشرع.

لو أن إنساناً ترك بدون أن تؤثر عليه عوامل البيئة المحيطة به، فإنه سيهتدي بالسليقة وبالفطرة إلى الستر واللباس، ولا يتعرى إلا إذا تأثر ببيئة فاسدة، فتراه يستحسن العري، ولا يشعر تجاهه بأي نفور، فهذا دليل على فساد الفطرة، لكن الإنسان السوي حتى لو لم يعرف عن شرع منزل يأمر مثلاً بقص الأظافر، فإنه بفطرته كإنسان سوف يدرك أن الفرق بين الإنسان وبين الوحوش الكاسرة وذوات المخالب أن يهذب أظافره، وهكذا في سائر خصال الفطرة، سواء الاختتان، أو إعفاء اللحية أو غير ذلك من الخصال، فهذه كلها يهتدي إليها الإنسان بفطرته حتى لو لم يرد شرع، فكيف وقد جاء بها الشرع؟!

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء) قال أحد الرواة: (ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة) رواه مسلم .

فخصال الفطرة هي الهيئة التي ابتدأ الله خلق عباده عليها، وغرس في طباعهم فعلها والميل إليها واستحسانها، وجبلهم على النفور مما يضادها، بحيث لو ترك إنسان هذه الخصال لم تبق صورته على صورة الآدميين، وصاحب الفطرة السوية التي لم يطرأ عليها فساد بتأثير البيئة المحيطة يظل مدفوعاً بفطرته إلى كراهية ما في جسده مما ليس من زينته، ومحبة هذه الخصال الجبلية ولو لم يرد بها شرع منزل، فكيف وقد جاءت بها شرائع النبيين؟!

لذلك يقول الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى: وأحسن ما قيل في تفسير الفطرة: إنها السنة القديمة التي اختارها الأنبياء، واتفقت عليها الشرائع، فكأنها أمر جبلي فطروا عليه.

إذاً: إذا كان إعفاء اللحية من خصال الفطرة، فإن حلق اللحية تغيير لفطرة الله وتغيير لخلق الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم:30] قيل في تفسيرها: هي خبر بمعنى الطلب، يعني: لا تبدلوا خلق الله، ولا تغيروا خلق الله والهيئة التي فطركم الله عز وجل عليها، وهذه الهيئة هي معرفة الله عز وجل بتوحيده، وتوابع ذلك من خصال الفطرة.

ولذلك جاء ذكر بعض خصال الفطرة في تفسير قوله تبارك وتعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة:124]، فقد ذكروا أن من ضمن هذه الكلمات بعض خصال الفطرة، وقال الله عز وجل حاكياً عن إبليس لعنه الله قوله: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، فهذا ما توعد به إبليس بني آدم منذ البداية.

إذاً: هذا نص صريح في أن تغيير خلق الله عز وجل بدون إذن من الشرع إطاعة لأمر الشيطان، قال: (وَلَآمُرَنَّهُمْ) فالذي يأمر بحلق اللحية أو بتغيير خلق الله هو إبليس، فحالق اللحية مطيع لإبليس فيما يأمر به، فالله لم يأمر بذلك إنما أمر بإعفاء اللحية، وهكذا أمر الرسول أيضاً عليه الصلاة والسلام، أما الذي يأمر بتغيير خلق الله فهو إبليس.

وقولنا: بغير إذن من الشرع، هذا قيد نضعه حتى لا يعترض معترض ويقول: إن هناك تغييراً في خلق الله أمرنا به الشرع وأوجبه أو استحبه لنا، كالختان فهو تغيير لخلق الله، وكذلك قص الأظافر تغيير لخلق الله عز وجل، وكذلك حلق الرأس عند التحلل من الإحرام، وكذلك خصال الفطرة الأخرى،

فالتغيير الذي تعبدنا الله عز وجل به ليس من التغيير المذموم.

أيضاً يقول الله تبارك وتعالى: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر:64] إشارة إلى الأمر بتحسين الهيئة والتنظيم، كأنه قال: قد فطركم الله في أحسن صورة وأكمل هيئة فلا تضيعوها بما يقبحها ويشوهها، بل حافظوا على هذه الصورة ولا تغيروها عما جبلكم الله عليه، وحافظوا على ما يستمر به حسن هذه الصورة ولا تطيعوا الشيطان في أمره إياكم بتغيير خلق الله، وإذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قال: (لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله) متفق عليه، فذكر علة اللعن المستدل به على الحرمة في قوله: (المغيرات خلق الله عز وجل).

فالذي يحلق لحيته هل يحلقها للحسن أم لا يحلقها للحسن؟

بل يحلقها للحسن، فهو يريد أن تكون صورته أجمل، وفي الحقيقة هذا ينافي الفطرة؛ لأن زينة الرجل في اتجاه مخالف لزينة المرأة، المرأة يناسبها التزين بالذهب والأصباغ وغير ذلك من الأشياء، أما الرجل فلا يناسبه ذلك، بل الشيء المناسب لزينة الرجل هو أن يحافظ على رجولته.

ومن زينة المرأة ألا يكون لها لحية في وجهها، أما الرجل فزينته أن يكون ذا لحية، وألا يتزين ويلبس ملابس المرأة، والرجل يستقبح أن يلبس الملابس التي تختص بالنساء، فكما استقبح ذلك فليستقبح أيضاً التزين بحلق اللحية، للأسف الشديد وجد شيء لا يتخيله الإنسان، وهو أن بعض الشباب يتنمصون، وهذا شيء عجيب جداً!

إذاً: حالق لحيته للحسن هو أولى بأن يوصف بأنه مغير لخلق الله سبحانه وتعالى، ودخوله في الوعيد من باب أولى؛ لأن المرأة شرع لها من التزين أكثر مما شرع للرجل، وحلق اللحية في معنى النمص الذي هو إزالة شعر الوجه والحاجبين من المرأة للحسن، وهذا في حق الرجل أقبح.

إن إعفاء اللحية من سمت الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وذكرنا من قبل في تفسير فطرة الله أنها من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

يقول تبارك وتعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة:124]صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه فسر الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم عليه السلام بخصال الفطرة.

ودل القرآن العظيم على أن هارون عليه السلام كان موفراً شعر لحيته، قال تعالى حاكياً عنه قوله لموسى عليه السلام: قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي [طه:94] فلو كان حالقاً لما وقع الأخذ بلحيته.

وقال تبارك وتعالى بعدما ذكر في سورة الأنعام جملة من الأنبياء الكرام، ومنهم إبراهيم وهارون عليهما السلام: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90] أي: أمر الله الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقتدي بهؤلاء الأنبياء، ونحن مأمورون بالاقتداء بنبينا عليه الصلاة والسلام، فكما أن هارون عليه السلام كان ذا لحية، فقد أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام بأن يقتدي بهارون، وهو داخل في الائتساء به، وأمرنا نحن أن نقتدي بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم، قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].

إن إعفاء اللحية سبيل المؤمنين، يقول الله تبارك وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110].

وقال عز وجل: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15].

وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) متفق عليه.

وقال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) فقوله: (عضوا عليها بالنواجذ) كناية عن شدة التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.

ثم قال: (عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة) وهذا الحديث صحيح.

وقد ثبت عن الخلفاء الراشدين المهديين وغيرهم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنهم كانوا ذوي لحى كبيرة، فكان أبو بكر رضي الله عنه كث اللحية، وكان عمر كثير اللحية، وكان عثمان كبير اللحية، وكان علي رضي الله عنه عريض اللحية قد أخذت ما بين منكبيه، فهؤلاء أعقل الأمة كلها بإجماع علمائها، ثم بعدهم الأتباع المحسنون والمجاهدون الصادقون الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها، لم يكن فيهم حالق للحيته، وكل هؤلاء الذين فتحوا العالم ومصروا الأمصار ما عرفوا حلق اللحية.

إذاً: هذا هو سبيل المؤمنين.

ومن دعاء المؤمنين عباد الرحمن قولهم: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74] أي: اجعلنا مؤتمين بمن قبلنا؛ كي نصلح لأن يأتم بنا من بعدنا.

ولم ينقل عن أحد من السلف الصالح رحمهم الله أنه حلق لحيته؛ لعدم جوازه عندهم، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، ونحن نقول عكس ما قال المشركون، قالوا في القرآن: لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ [الأحقاف:11] قالوا احتقاراً للفقراء والضعفاء: لو كان القرآن والإسلام خيراً ما سبقنا إليه هؤلاء الضعفاء والفقراء والمساكين، أما نحن فنقول في كل أمر يعرض علينا: لو كان خيراً لسبقونا إليه، فلو كان في حلق اللحية خير لسبقنا إليه الصحابة والتابعون والمجاهدون والأئمة في كل زمان ومكان، فالصحابة والسلف لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها.

يقول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في مراتب الإجماع: واتفقوا أن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز.

وهذا إجماع يحكيه الإمام ابن حزم .

قوله: مثلة يعني: تشويه، لا تجوز.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : يحرم حلق اللحية ولم يبحه أحد.

فلو فتشت في طول صفحات التاريخ الإسلامي وعرضه لم تجد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى من كان يحلق لحيته، وإنما تسربت إلينا هذه الضلالة واستمرأها بعض المسلمين لما اتصلوا بالكفار، حين احتلوا بلادنا أو حين رحل بعضهم إلى بلاد الكفار، فاحتلوا عقولهم، فأعرضوا عن هدي سلفهم الصالح، واتبعوا غير سبيل المؤمنين حذو القذة بالقذة، واشتغلوا بتقليد اليهود والنصارى وعملوا شبراً بشبر وذراعاً بذراع.

والله تبارك وتعالى يقول: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية:18] ونحن إذا تتبعنا القرآن الكريم سنجد الشريعة والوحي الإلهي دائماً في مقابلة اتباع الهوى، يقول عز وجل: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50]، وقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4]، يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى [ص:26]

فقوله عز وجل: (وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) هم كل من خالف شريعته صلى الله عليه وسلم، وهم الذين اتبعوا ما عليه المشركون من هديهم الظاهر، الذي هو من موجبات دينهم الباطل، وتوابع ذلك.

ويقول عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد:16]، فقوله عز وجل: (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ) هذا نهي مطلق عن مشابهة الكفار.

وقال الحافظ ابن كثير: ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.

إن ترك التشبه بالكفار في أعمالهم وأقوالهم وأهوائهم من المقاصد والغايات التي أسسها القرآن الكريم، وبينها وفصلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحققها في أمور كثيرة من فروع الشريعة، في الصلاة والجنائز والصيام والأطعمة واللباس والزينة والآداب والعادات وغيرها.

قال عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من عمل بسنة غيرنا) حتى عرف اليهود أن من خصائص الملة الحنيفية أنهم يتعمدون مخالفة المشركين والكفار من اليهود والنصارى وغيرهم.

اليهود الذين كانوا في المدينة عرفوا ذلك ولاحظوه من أفعال وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: (ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه!) رواه مسلم .

والنبي عليه الصلاة والسلام يقول أيضاً في الحديث الصحيح: (ومن تشبه بقوم فهو منهم).

وعن الحسن قال: قلما تشبه رجل بقوم إلا لحق بهم.

يعني: في الدنيا والآخرة.

وقال بعض مشيخة الأنصار رضي الله عنهم: (يا رسول الله! إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم) عثانينهم: جمع عثنون وهي اللحية.

وتأملوا كلمة (يقصون) جيداً، ما قال: يحلقون وإنما قال: يقصون يعني: يقصرونها.

قال بعض مشيخة الأنصار: (يا رسول الله! إن أهل الكتاب يقصون عنانينهم -يعني: لحاهم- ويوفرون سبالهم -يعني: شواربهم- فقال عليه الصلاة والسلام: قصوا سبالكم، ووفروا عنانينكم، وخالفوا أهل الكتاب)، وهذا حديث حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المشركين أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) متفق عليه.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى وخالفوا المجوس) رواه مسلم .

ويقول الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى: وقد حدث قوم يحلقون لحاهم، وهو أشد مما نقل عن المجوس من أنهم كانوا يقصرونها.

فمما ينبغي أن نتنبه إليه جيداً أن المشركين الذي كانوا يعيشون في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا ذوي لحى، وهذه النقطة تسبب نوعاً من الاشتباه، وتلبس على بعض الناس هذا الأمر، والعرب ما عرفت حلق اللحية، ولعل هذا كان من بقايا دين إبراهيم عليه السلام الذي بقيت عليه العرب.

فالعرب لم تترك زينة اللحى لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فقد كان أبو جهل ملتحياً، وكان أبو لهب ملتحياً،... وهكذا.

إذاً: الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال: (خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى) يأتي بعض الناس ويتفلسفون ويقولون: الآن المشركون يعفون لحاهم! فنقول: هذا غير صحيح؛ لأن عامتهم يحلقونها، وهذه البلية ما جاءت إلا من قبلهم، لكن لو نسلم جدلاً أن المشركين يعفون اليوم لحاهم فهل نخالفهم بحلق لحانا؟! لا، فنقول لهؤلاء المغرر بهم: إنكم أسأتم فهم الحديث، والدليل على أنكم أسأتم فهمه أن المشركين الذين أمر الصحابة بمخالفتهم في هذه الأحاديث على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام كانوا ذوي لحى، إنما كانت المخالفة في التفاصيل وليس في أصل الفعل، والمعنى: أن اللحى تترك وتعفى لا تقص ولا تقصر مخالفةً للمجوس، فضلاً عمن يحلقها، والشوارب تقص ولا تترك مخالفة أيضاً لهؤلاء المشركين، حتى إن الغربيين كانوا يعفون لحاهم إلى أن أشاع الملك بطرس ملك روسيا حلق اللحية.

ومن الغربيين تسربت إلى المسلمين هذه السنة السيئة فيما بعد، فإذا حلقوا لحاهم فنحن نخالفهم في أصل الفعل؛ لأننا نفعل ذلك امتثالاً لأمر نبينا عليه الصلاة والسلام، وإذا أعفوا لحاهم نخالفهم في التفصيل وذلك بقص الشوارب.

نضيف إلى ذلك أن بعض الناس يلبسون في هذا الأمر بقولهم: إن هذا التعليل غير مستمر، أي: هم يقدحون في استمرار هذه العلة وهي مخالفة المشركين؛ لأن بعض المشركين اليوم لا يعفون لحاهم، فنقول: إن سنة أكثر المشركين اليوم هي حلق اللحية، بل ما تسربت هذه البدعة إلا من المشركين، وهم يستحسنون ذلك حتى تصبح وجوههم كوجوه النساء، وهم يعتبرون هذا من الزينة، وقد ذكرنا أن هذه زينة خاصة بالنساء، وآية ذلك أنك إذا تعودت أن ترى رجلاً معفياً لحيته، ثم رأيته فجأة قد حلق لحيته، فماذا يكون شعورك؟ تشمئز جداً، وتشعر كأنه مثل الأرنب الذي سلخ جلده، فأنت تنفر من المنظر؛ لأنك تعودت على رؤية الهيبة والوقار والزينة التي تليق بالرجال.

أما من أعفى لحيته من المشركين، فلماذا أعفاها؟ ربما يكون قد أعفاها اليهودي أو النصراني تديناً بذلك؛ اتباعاً لعيسى أو موسى، ولأن هذه سنة الأنبياء، ونحن نتفق معهم في هذه الفطرة.

وربما أعفى لحيته لأن إعفاء اللحية رجولة وفحولة، فنقول: بفعله هذا قد سلمت فطرته في هذه الجزئية، حيث رأى أن هذا من الرجولة، ففطرته سلمية في هذه الجزئية، وتوافقت شريعتنا فيها مع شريعتهم، ومثال ذلك: أن شريعتنا تأمر ببر الوالدين، وشريعتهم تأمر ببر الوالدين، فهل نترك بر الوالدين لأنهم يطيعون آباءهم؟!

ونحن لا نزال نخالفهم في سنة قص الشوارب وهو أخذ ما طال عن الشفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يأخذ من شاربه فليس منا)، فإذا كان بعض الكفار اليوم كاليهود مثلاً يعفون لحاهم والآخرون يحلقونها، فنحن مأمورون بمخالفة الحالقين والمقصرين لا بمخالفة من أعفاها، فاليهود كفار، وفيهم من يعفي اللحية، وفيهم من يحلقها أو يقصرها، فمن الذي نخالفه من الأصناف الثلاثة؟

نخالف فقط الذي يقصر أو يحلق، أما الذي يعفي فنحن نوافقه فيها، فلو كانت القاعدة أن ما يفعله الكفار يجب اجتنابه مطلقاً لوجب علينا ترك القتال؛ لأن اليهود يقاتلون!

فهل نخالف اليهود في ترك القتال، ونتمرد على الفطرة؟!

كلا، كذلك لا يقدح في استمرار التعليل بمخالفة المشركين أن أكثر المسلمين اليوم يحلقون لحاهم، ويقولون: أكثر المسلمين يحلقون لحاهم، وهم بذلك يتميزون عن المشركين، فنقول: إذا كان أكثر المسلمين يحلقون لحاهم فإن القرآن والسنة حجة عليهم، وليسوا هم حجة على القرآن والسنة، وقد دل القرآن على تحريم تغيير خلق الله وتحريم التشبه بالنساء، ودلت السنة على أن إعفاء اللحية من خصال الفطرة التي لا تتبدل بتبدل الأزمان، فانحراف البعض عنها لا يجعلنا نرفض ما شرعه الله لنا وفطرنا عليه لمجرد أن يفرط فيه بعض المنتسبين إليه؛ لأنهم مأمورون بامتثال هذا الأمر.

إن إعفاء اللحية رجولة وفحولة؛ فإن الله تبارك وتعالى خلق الذكر والأنثى، وجعل وجود الشعر سمة مشتركة بينهما في موضع من البدن، وليس من هذه المواضع المشتركة اللحية والشارب، بل ميز الله تبارك وتعالى بهما الرجل عن المرأة، ولأن يلبس الرجل ملابس المرأة أخف من أن يحلق لحيته تشبهاً بها؛ لأن لحية الرجل هي الفارق الظاهر والمميز الواضح بين الرجل والمرأة، وقد شرع الله لكل من الزينة ما يناسب فطرته، وأباح الشرع للنساء التزين بالذهب والحرير وحرمهما على الرجال؛ لأنهما لا يناسبان كمال الرجولة.

وكما أن من جمال المرأة أن تعدم اللحية والشارب في وجهها؛ فإن جمال الرجل وهيبته ووقاره في لحيته وشاربه.

أما من وجهة نظر الطب، فالطب محايد لا دين له للأسف الشديد، فلنسمع ما تقوله المصادر الطبية المحترمة في هذا المجال.

معلوم من الناحية الطبية أن نمو اللحية في وجه الرجل هو أثر من أثار هرمون الذكورة الذي يسمى (التستوستيرون)، ونزول هذا الهرمون ينبت شعر اللحية والشارب في وجه الرجل، وهناك أمراض تطرأ على بعض الرجال وينشأ عنها مرض نقص الذكورة، وهذا المرض يكون مصحوباً بسقوط شعر اللحية من الوجه.

ونفس هرمون الذكورة لو حقن في أنثى سيؤدي إلى مرض عند المرأة يسمى اضمحلال الأنوثة أو نقص الأنوثة أو بعبارة أخرى يؤدي إلى الاسترجال عند المرأة، ومن أهم وأوضح الأعراض الناتجة عن ذلك عرض مشهور جداً في الطب يسمى الشعرانية يعني: كثرة نمو الشعر في مناطق لم تكن مشعرة كاللحية والشارب، فتجد المرأة التي يحصل فيها أعراض الرجولة أنه لابد أن يظهر فيها الشعر في مواضع من البدن ومنها اللحية والشارب.

فهذا رأي الطب الذي هو علم محايد لا يتمسك بدين، وهذا الكلام في كل المراجع الطبية، وإن شئتم فراجعوها.

إذا كان إعفاء اللحية من جانب هو رجولة وفحولة فلا شك أن الجانب الآخر وهو حلق اللحية يعد تشبهاً بالنساء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) رواه البخاري .

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه رأى امرأة تمشي متقلدة قوساً وهي تمشي مشية الرجل فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليس منا من تشبه بالرجال من النساء، ولا من تشبه بالنساء من الرجال) وهذا حديث صحيح.

فلا شك أن مشابهة حالق لحيته للمرأة أوضح من مشابهة من تقلدت القوس ومشت مشية الرجال، كما أنا المرأة إذا اتخذت لحية مصنوعة في وجهها فهي متشبهة بالرجال، أو اتخذت الشارب الصناعي في وجهها فهي أيضاً متشبهة بالرجال، وكذلك الرجل الذي يحلق لحيته التي زينه الله بها يكون قد تشبه بالنساء, وأنت إذا سألت رجلاً أو حتى صبياً من عامة المسلمين الملتزمين بالدين عن وجه الحليق: من يشبه؟ لقال: يشبه وجه المرأة، ووجه الصبي، ووجه اليهودي والنصراني.

ولله الحمد تجد أولاد الملتزمين بإعفاء اللحية إذا رأوا حليق اللحية فإنهم يفزعون ويتغيرون؛ لأنهم محتكون بملتحين!

والعلماء أطلقوا على حالق اللحية لفظة بشعة، لكن نحن نعلم أن الإخوة الأفاضل الذين يحلقون لحاهم إنما هو نتيجة أنهم لا يعرفون حكم الله في هذه المسألة، فنعتذر عن وجود بعض الألفاظ الشديدة، لكن هذا يعكس مدى استبشاع السلف لهذا الفعل، ومن هذه الألفاظ الشديدة التي أطلقها العلماء على حالق اللحية لفظة: التخنث.

يقول الإمام حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى: ويحرم حلق اللحية، ولا يفعله إلا المخنثون من الرجال.

فلو أن رجلاً أتى فصبغ أطرافه بالحناء، ومعلوم أن الحناء زينة النساء، فيكون هذا الرجل الذي صبغ أطرافه بالحناء قد تشبه بالنساء، ولو كان ذا لحية وشارب وعمامة، فكذلك من حلق لحيته يكون قد تشبه بالنساء ولو كان ذا شارب وقميص وعمامة.

إذاً: لابد أن نلحظ أمراً مهماً جداً، وهو أن قضية التشبه لا يتوقف الاتصاف بها على القصد والنية كالإتلاف والقتل والضرب، فمن فعل ذلك اتصف به وإن لم يقصده؛ لأن قضية التشبه لا تفتقر إلى السؤال عن النية؟ بل يكفي في وصف الإنسان بأنه متشبه بالكفار أو بالنساء مجرد وقوعه في فعل التشبه، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أعمال لم يقصد فاعلها التشبه، ولا خطر التشبه على باله، كالنهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت الزوال ووقت الغروب؛ لكيلا نتشبه بالكفار الذين يسجدون للشمس في هذه الأوقات، مع أن المسلم لا يقصد بالسجود إلا الله تعالى، ومع ذلك يعتبر هذا تشبهاً، فإذا كان حلق اللحية تشبهاً بالنساء فعلى الجانب الآخر يكون إعفاء اللحية زينة وتكريماً.

يقول تبارك وتعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70] يقول بعض العلماء في تفسير الآية: من تكريمه إياهم: خلقه لهم على أكمل الهيئات وأحسنها.

وذكر بعض العلماء من أمثلة هذا التكريم: تزيين الرجال باللحى والنساء بالذوائب.

وقال عز وجل: صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة:138].

وقال عز وجل: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ [التين:4]

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8].

وقال سبحانه وتعالى: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل:88].

وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح: (كل خلق الله عز وجل حسن).

فلابد أن نوقن أن هذه الهيئة التي خلقنا الله عليها هي نعمة من الله سبحانه وتعالى وتكريم لنا، فوجود اللحية في الرجل نعمة، فحلق اللحية والإطاحة بها طعن في هذه الحكمة، وجحود لهذه النعمة، وكأنك تقول: الهيئة التي خلقتني عليها -يا رب- هيئة قبيحة! معاذ الله!

إذاً: هذا كفر بهذه النعمة العظيمة، وانتكاس عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وانحطاط إلى مستوى الكفرة الذين زين لهم سوء أعمالهم، فحلق اللحية ليس رقياً، بل يعتبر انحطاطاً عن هدي الرسول عليه الصلاة السلام، وانحطاطاً إلى مستوى الكفار الذين يحسبون أن التمدن والكمال إنما يكون في القضاء على أكثر الفوارق الظاهرة بين الرجل والمرأة، يقول الشاعر:

يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
قصتنا مع اليهود 2627 استماع
دعوى الجاهلية 2562 استماع
شروط الحجاب الشرعي 2560 استماع
التجديد في الإسلام 2514 استماع
تكفير المعين وتكفير الجنس 2505 استماع
محنة فلسطين [2] 2466 استماع
انتحار أم استشهاد 2438 استماع
تفسير آية الكرسي 2404 استماع
الموت خاتمتك أيها الإنسان 2396 استماع
وإن عدتم عدنا 2395 استماع