حكم المرابحة [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فسنتكلم عن موضوع متعلق بمسألة فقهية ظاهرة، شاعت بين الناس في المعاملات العامة، والمعارض والنقابات، وشاع القول بإباحتها مطلقاً، وهي مسألة حكم بيع المرابحة وهناك حاجة ماسة إلى تحقيق القول في حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء.

العلماء المعاصرون الذين صنفوا في هذا الموضوع يضطرون إلى ذكر هذا العنوان الطويل: (حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء) كما تجريه البنوك الإسلامية في هذا العصر، ولماذا احتاجوا إلى هذا؟ لأن هناك اشتراكاً في لفظ المرابحة بين المرابحة التي عرفها الفقهاء الأقدمون، وتداولوا هذا المصطلح في كتبهم، وبين المرابحة في الوضع الحالي، فلأجل هذا التمييز ولإزالة هذا الاشتراك اللفظي اضطر كل من كتب في هذا الموضوع إلى ذكر هذا العنوان الطويل حتى تتميز المرابحة التي ذكرها العلماء فيما مضى واصطلحوا عليها عما يجري الآن، فيقولون: (بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه البنوك الإسلامية المعاصرة).

نبدأ أولاً بتحقيق الاسم نفسه؛ لأن الأسماء هي قوالب المعاني، فالتساهل في الأسماء قد يترتب عليه تطبيق أحكام على غير حقيقتها، فاسم المرابحة قد يختلط على بعض الناس مع بيع المرابحة المحرر عند متقدمي الفقهاء في باب بيوع الأمان، فمن أجل هذا الاشتراك اللفظي لابد أن نبين معناه عند الأقدمين، وقبل ذلك نمهد للموضوع، بأن نجري عملية استقرائية لأنواع البيوع، وهي على ثلاثة أنواع: بيع المساومة، وبيع الأمانة أو الأمان، وبيع المزايدة.

النوع الأول: بيع المساومة

هو بيع عن طريق مساومة تحدث بين الطرفين، فيحصل نوع من المساومة في هذا النوع من البيع، ثم يتفق المتبايعان على ثمن البيع، بغض النظر عن الثمن الأول الذي كلف البائع لشراء السلعة أو إنتاجها. بغض النظر عن كثرة الربح أو قلته أو خسارة البائع.

النوع الثاني: بيع المزايدة

وهو بيع من يزيد، وهذا جائز في المزاد، لكن شرطه: ألا يكون هناك نجش، فللبائع أن يقول: من يزيد؟ فهذا يقول: أشتريها بعشرة، وآخر يقول: باثني عشر، وآخر يقول: بخمسة عشر، فيعطيها لمن يعرض أكثر ثمن، فهذا لا حرج فيه من الناحية الشرعية إلا إذا اتفق صاحب المزاد أن يأتي بمن يمارس النجش -بتسكين الجيم- فيحضر المجلس أو المزاد، ثم يرفع الأسعار بالتشاور المسبق والتواصل مع البائع حتى يرفع السعر على الناس وهو لا يريد الشراء.

النوع الثالث: بيع الأمانة

بيع الأمانة أو بيع الأمان: وسمي بيع الأمان لوجود الائتمان بين الطرفين على صحة خبر رفع السلعة بمقدار ما عن رأس المال، فهذا النوع من البيع مبني على الائتمان والثقة؛ فإن البائع إذا قال لك: هذه السلعة اشتريتها بمائة وأربحني فيها خمسين مثلاً أو عشرين مثلاً، فهذا النوع من البيع مبني على أنه صادق فيما يخبر به من أنه فعلاً اشترى السلعة بمائة.

وبيوع الأمانة كلها جائزة ما دامت بين متبايعين، وما دامت السلعة في ملك البائع، ويصرح البائع تصريحاً ويقول: اشتريتها بكذا، وقد يأتي بفواتير تبين أنه بالفعل اشترى هذه السلعة بمقدار الثمن الأول على وجه الأمانة، فيقول: أنا اشتريتها بكذا، ويحدد له مكسباً يربحه إياه؛ فيقول مثلاً: أنا اشتريتها بأربعمائة، وأبيعها لك بزيادة خمسين، والثاني قبل، فلا توجد حينها مشكلة؛ لأنه حدد له المبلغ الذي سيربحه إياه، فمجموع الربح خمسون، ولا يوجد غرر ولا جهالة، لأن الزيادة على رأس المال كانت مبلغاً مقطوعاً أو نسبة مئوية من الثمن الأول، فالمشتري يأتمن البائع على كلفة سلعته، ويصدقه فيما يخبره من الكلفة ومقدار ربحه؛ لأنه قد يخشى الغبن في المساومة لجهله بالسلع وأثمانها.

فالمشتري الذي ليس لديه خبرة يخدع بسهولة ويغبن، فلذلك جعل الشرع له هذا الباب؛ لأنه لو اشترى ببيع المساومة فالتاجر قد يخدعه، ويبيع له بسعر فيه غبن فاحش ويظلمه، فهذا له سعة في بيع المرابحة؛ حتى نحمي مثل هذا الرجل من أن يظلم بسبب جهله بمقدار الربح، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].

وهذا البيع مبني على أن البائع صادق فيما يخبر به من ثمن الأصل، فمثال المرابحة أن يقول البائع: أنا اشتريت هذه الدار بألف، وبعتكها بما اشتريتها به وزيادة مائتين، فيقول المشتري: قبلتها بذلك.

فهذا من بيوع الأمانة؛ لأن ما اشترى به البائع لم يعلم إلا من جهته، فإن تبين أنه كذب في الإخبار بالثمن، وأنه إنما اشتراها بتسعمائة فقط؛ وجب حط المائة عن المشتري، ولابد أنه إذا ظلمه أن يعطى حقه، ويخفض من ثمن السلعة.

هو بيع عن طريق مساومة تحدث بين الطرفين، فيحصل نوع من المساومة في هذا النوع من البيع، ثم يتفق المتبايعان على ثمن البيع، بغض النظر عن الثمن الأول الذي كلف البائع لشراء السلعة أو إنتاجها. بغض النظر عن كثرة الربح أو قلته أو خسارة البائع.

وهو بيع من يزيد، وهذا جائز في المزاد، لكن شرطه: ألا يكون هناك نجش، فللبائع أن يقول: من يزيد؟ فهذا يقول: أشتريها بعشرة، وآخر يقول: باثني عشر، وآخر يقول: بخمسة عشر، فيعطيها لمن يعرض أكثر ثمن، فهذا لا حرج فيه من الناحية الشرعية إلا إذا اتفق صاحب المزاد أن يأتي بمن يمارس النجش -بتسكين الجيم- فيحضر المجلس أو المزاد، ثم يرفع الأسعار بالتشاور المسبق والتواصل مع البائع حتى يرفع السعر على الناس وهو لا يريد الشراء.

بيع الأمانة أو بيع الأمان: وسمي بيع الأمان لوجود الائتمان بين الطرفين على صحة خبر رفع السلعة بمقدار ما عن رأس المال، فهذا النوع من البيع مبني على الائتمان والثقة؛ فإن البائع إذا قال لك: هذه السلعة اشتريتها بمائة وأربحني فيها خمسين مثلاً أو عشرين مثلاً، فهذا النوع من البيع مبني على أنه صادق فيما يخبر به من أنه فعلاً اشترى السلعة بمائة.

وبيوع الأمانة كلها جائزة ما دامت بين متبايعين، وما دامت السلعة في ملك البائع، ويصرح البائع تصريحاً ويقول: اشتريتها بكذا، وقد يأتي بفواتير تبين أنه بالفعل اشترى هذه السلعة بمقدار الثمن الأول على وجه الأمانة، فيقول: أنا اشتريتها بكذا، ويحدد له مكسباً يربحه إياه؛ فيقول مثلاً: أنا اشتريتها بأربعمائة، وأبيعها لك بزيادة خمسين، والثاني قبل، فلا توجد حينها مشكلة؛ لأنه حدد له المبلغ الذي سيربحه إياه، فمجموع الربح خمسون، ولا يوجد غرر ولا جهالة، لأن الزيادة على رأس المال كانت مبلغاً مقطوعاً أو نسبة مئوية من الثمن الأول، فالمشتري يأتمن البائع على كلفة سلعته، ويصدقه فيما يخبره من الكلفة ومقدار ربحه؛ لأنه قد يخشى الغبن في المساومة لجهله بالسلع وأثمانها.

فالمشتري الذي ليس لديه خبرة يخدع بسهولة ويغبن، فلذلك جعل الشرع له هذا الباب؛ لأنه لو اشترى ببيع المساومة فالتاجر قد يخدعه، ويبيع له بسعر فيه غبن فاحش ويظلمه، فهذا له سعة في بيع المرابحة؛ حتى نحمي مثل هذا الرجل من أن يظلم بسبب جهله بمقدار الربح، والله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].

وهذا البيع مبني على أن البائع صادق فيما يخبر به من ثمن الأصل، فمثال المرابحة أن يقول البائع: أنا اشتريت هذه الدار بألف، وبعتكها بما اشتريتها به وزيادة مائتين، فيقول المشتري: قبلتها بذلك.

فهذا من بيوع الأمانة؛ لأن ما اشترى به البائع لم يعلم إلا من جهته، فإن تبين أنه كذب في الإخبار بالثمن، وأنه إنما اشتراها بتسعمائة فقط؛ وجب حط المائة عن المشتري، ولابد أنه إذا ظلمه أن يعطى حقه، ويخفض من ثمن السلعة.

بيع الأمان أو الأمانة على أنواع ثلاثة:

الأول: بيع المرابحة، وهذا هو الذي يحصل اشتباه بينه وبين موضوعنا.

الثاني: بيع الوضيعة.

الثالث: بيع التولية.

البيع الأول: بيع المرابحة

هو البيع بأزيد من رأس المال، يقول: أنا اشتريت الدار بألف، وأبيعها لك على أن أكسب فيها مائتين.

إذاً: بيع المرابحة هو: البيع بأزيد من رأس المال بمثل الثمن الأول مع ربح مبلغ معلوم ومحدد.

البيع الثاني: بيع الوضيعة أو المحاطة

هو البيع بأنقص من رأس المال، يقول: أنا اشتريت هذه الدار بألف وأبيعها لك بتسعمائة، وهذا داخل في بيوع الأمان؛ لأنه مبني على تصديقه، وأنه أمين فيما يخبر به من الثمن الأصلي، فهو يحط عن رأس المال الأصلي.

البيع الثالث: بيع التولية

هو البيع برأس المال سواء بسواء، يعني يبيع بمثل الثمن الأول بلا ربح ولا خسارة.

إذاً: بيع المرابحة عند المتقدمين من العلماء هو بيع السلعة بربح معلوم بين المتعاقدين، وهو الذي يسمونه السلم الحال.

فيقول صاحب السلعة: رأس مالي مائة، وأبيعك إياها بمائة وعشرة، فهذا هو معنى قولهم: اشتريت السلعة مرابحة أو بعتها مرابحةً.

وما هو ركن هذا العقد؟

ركن عقد المرابحة الأساسي: العلم بين المتعاقدين، فيكون كلاهما سواء في العلم بمقدار الثمن، وبمقدار الربح، فحيث توافر العلم بالثمن وبالربح فالبيع صحيح وإلا فباطل.