العيش في الزمن الصعب[4،3،2،1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله أهل كل حمد وولي كل نعمة، وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه ومن سلك سبيلهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

وبعد:

فإني في هذا العمل أحاول أن أبذل جهدي في أن أشرح لإخوتي المسلمين وأخواتي المسلمات الصعوبات التي يلاقيها كل من يريد أن يعيش في هذا الزمان، محافظاً على مبادئه وأخلاقه، وعلى كرامته وحقوقه، وكل من يريد أن يكون على مستوى التحديات الجمَّة، التي تولدها الحياة الحديثة.

كما أحاول أن أشرح ما يستوجبه كل ذلك من مفاهيم وأخلاق، ومواقف، ومهاراتٍ، ومجاهدات، ومن الله تعالى الهداية والمعونة.

حين نسمع عنواناً من مثل: عصرنا، وزماننا، وحياتنا المعاصرة، يثور في أذهان كثيرين منا سؤالٌ مشروع، هو: هل الناس في الأرض يعيشون عصراً واحداً، وزماناً واحداً، حتى يحسن أن نوجه إليهم خطاباً واحداً؟

أقول في الجواب على ذلك: لا يمكن للناس أن يواجهوا تحديات واحدة، ولا أن يجدوا فرصاً موحدة، لكن يمكن أن أقول مطمئناً: إن كل الناس في الأرض باتوا يعيشون تحت هيمنة شروط ومتطلباتٍ واحدة، وتلك الشروط والمتطلبات يضعها العالم الصناعي الذي تقوم دوله بإنتاج المفاهيم، والنظم والآلات، التي تشكل مختلف جوانب الحياة المعاصرة. وثورة الاتصالات التي تأخذ في التعمق والانتشار في كل ساعة، قد عولمت تطلعات الناس وأحلامهم، ورفعت مستوى الحد الأدنى من الأهلية، والكفاءة، واللياقة، التي يحتاجها كل واحد منا للعيش في هذا الزمان.

كما عولمت الجرائم، والأزمات، وأصبح العالم أشبه بماء في قدر، يكفي أن تحرك أحد أطرافه ليتحرك الماء كله.

ولنا بعد أن نتساءل: هل هناك شعب لا يتطلع إلى أن تتوفر له إمدادات الماء، والكهرباء، وخطوط الهاتف، والطرق المعبدة، والخدمات الطبية، والبلدية المختلفة؟

هل هناك شعب لا يتطلع إلى الحصول على الأطعمة الوفيرة، والمساكن المكيفة الفسيحة، والمركبات المريحة؟

هل هناك شعب لا يتطلع إلى أن يؤسس في حياته علاقاتٍ تقوم على نيل الحقوق، وأداء الواجبات، إلى جانب التطلع إلى حياةٍ تسودها الاستقامة الإدارية، وتكافؤ الفرص؟

وهل هناك شعب لا يتطلع إلى أن يساهم في الحضارة الحديثة، بكفاءةٍ وقوة، من خلال العطاء الثقافي، والإنتاج المادي، والتفوق التقني؟

أعتقد -أيها الإخوان والأخوات- أن الجواب على كل هذه التساؤلات هو: لا. هذه التطلعات المتجانسة إذا لم تصبح جزءاً من حلم كل فرد، فإنها في الطريق إلى ذلك، والمسألة مسألة وقت، وهذا كله يعني أن الناس يعيشون -فعلاً- اليوم في عصرٍ واحد، وإن كان لأمة الإسلام خصوصيتها الثقافية التي تحتم عليها أن تتعامل مع كل ما يجد من تطلعاتٍ وفرصٍ وتحديات، من أفق عقيدتها، ورؤيتها العامة للحياة. وهذا ما سنوضحه في هذا العمل بعون الله تعالى وطَوله.

حين نقول إننا نعيش في زمانٍ صعب، كثير التكاليف، فإن كثيراً من الناس يستنكرون ذلك؛ لأنهم يرون أن المرفهات والكماليات المتوفرة الآن بلغت حداً لم يكن الآباء والأجداد قادرين حتى على الحلم به، فكيف يكون العيش في زمانناً صعباً، ونحن نتقلب في صنوف النعم والخيرات، كما أننا نرى المؤسسات التعليمية والصحية في كل مكان، وصار الاتصال والانتقال سهلاً إلى حدٍ لا يصدق.

أقول: هذا صحيح، لكن المسلم لا ينظر إلى أحوال العالم من خلال أحواله وأوضاعه الخاصة التي يعيش فيها، وإنما يستحضر دائماً أحوال الإنسان أينما كان، ولا سيما إخوانه الذين يشاركونه في العقيدة والمبدأ.

يفيد تقرير لإحدى منظمات الأمم المتحدة أن أكثر من مليار نسمة لا يحصلون على كفايتهم من الغذاء، وأفاد تقريرٌ آخر أن (63%) من سكان آسيا ، و(61%) من سكان أفريقيا و(36%) من سكان أمريكا اللاتينية ، (33%) من سكان منطقتنا يواجهون نوعاً من المجاعة.

في عصرنا لم يعد بالإمكان عزل السلوك اليومي للناس عن مستوى دخلهم المعيشي، وعما يحتاجه الواحد منهم من عنايةٍ وتربيةٍ وتوجيه، وهذا ما ينبغي أن يكون واضحاً، إذ أن معظم الناس لا يستطيعون أن يتقدموا في حالات الفقر الشديد، كما لا يستطيعون أن يهتموا بالجوانب الفكرية والروحية لديهم وهم يرزحون تحت وطأة ضغوط الحياة المعاصرة، وتكاليفها الباهظة.

إن محدودية الدخل، وعدم كفاية الموارد، قد حملت أعداداً غير قليلة من الناس على الاختلاس، وطلب الرشوة، والاحتيال، وتحمّل الجور والهوان.

وقد صار كثيرٌ من الناس في العالم الإسلامي يشعرون يوماً بعد يوم أن الحد الأدنى المطلوب لحياةٍ كريمة أو شبه كريمة صار مرهقاً، وفوق طاقتهم على الاحتمال، وذلك بسبب تعقد أساليب العيش، وتحول كثيرٍ من الكماليات إلى حاجيات وضروريات، وبسبب ما يتطلبه الإعداد التعليمي والمهني الذي يؤهل الشاب للحصول على فرصة عمل من أموال ليست متوفرة لدى كثيرٍ من الناس.

إن هذه الدنيا دار ابتلاء، ففي أي حالة كان الواحد منا، وحيث ما اتجه؛ سيجد نفسه ينتقل من اختبارٍ إلى اختبار، وسيظل الإنسان يواجه في هذه الحياة ما لا يشتهيه، وسيظل غير متأكد من الوضعية التي سيئول إليها على وجه التحديد.

إن بعض الناس -أيها الإخوة- يشعر أنه مضغوط تحت إلحاح المزيد من مطالب العيش، وبعضهم يبحث عن فرصة عمل، وبعضهم يشعر أن سلوك أولاده مغايرٌ لما كان يأمله، وبعضهم يشعر بأن مجتمعه ينهار دون أن يكون قادراً على أن يعمل له أي شيء، ومهما كان قسمٌ من الناس يشعرون بالرخاء والأمن والاستقرار، فإن في حياتهم أموراً غامضة تجعل لديهم نوعاً من المعاناة الشعورية.

وتلك الأمور الغامضة ربما كانت نابعة من الضجيج والزحام، وازدياد التحديات، وتعقيد النظم، وسرعة التغيرات، وانتشار روح التشاؤم والعدمية، وانخفاض المؤازرة الاجتماعية، وضعف التيار الروحي، والخوف من مفاجآت المستقبل، وضعف الإحساس بالهدف .... إلخ

إنك حين تتعمق في حياة الناس تجد أن لكل واحد منهم مشكلاته ومنغصاته ومزعجاته الخاصة. يقول أحدهم: تخرجت من قسم المحاسبة في إحدى الجامعات، ومع أنني من أسرة ريفية، وكان في إمكاني أن أجد عملاً مناسباً في قريتي، إلا أنه قيل لي: إذا أردت فرصةً جيدةً للعمل، ووظيفة مرموقة، فاذهب إلى العاصمة، وقد كان ذلك، ووجدت فعلاً ما كنت أبحث عنه، وقد التحقت بالوظيفة، وأنا أحمل القيم والأخلاق التي أشربتها من أساتذتي في الجامعة، وكان من أهمها خلق الأمانة، ولا سيما أن عمل المحاسبة والمراجعة لا يعني أي شيء من غير الصدق والأمانة، وقد أظهرت كفاءةً وجدارة في الشركة التي كنت أعمل فيها، وحصلت على ترقيات سريعة خلال فترةٍ قصيرة، وبدأت نفقاتي في البيت تتسع على مقدار تحسن راتبي، وكان رئيسي في العمل قد عين ابنه في الشركة، وبدأ ذلك الابن يستغل منصب أبيه إلى أن وصل إلى ممارسة التزوير، وأخذ الأموال من الشركة بغير وجه حق، وقد طلب مني في أحد الأيام أن أوقع على أحد المستندات فأبيت، فأستاء مني أشد الاستياء، ودبر لي مكيدة وساعده على ذلك بعض المتواطئين معه في الشركة، وقد أحلت إلى المحاكمة، ولولا إنصاف القاضي وشهادة بعض الزملاء لصالحي لكنت الآن في السجن.

وبعد ثبوت براءتي صار استمراري في العمل في تلك الشركة أشبه بالمستحيل، فتركت تلك الشركة وبحثت عن عملٍ آخر، فوجدت ولكن بعد مرور خمسة أشهر وبمرتب يقل بنسبة (40%) عن مرتبي الأول، وذلك بسبب أن تقرير الشركة التي كنت أعمل فيها لم يكن مشجعاً.

ولم يمض على عملي في المؤسسة الجديدة سوى شهرين، حتى اكتشفت سلوكاً مشيناً للجنة المشتريات، وطلب مني السكوت وإلا فقدت عملي، وقد دخلت في صراعٍ مع نفسي، حيث إن مبادئي، وطبيعة عملي، لا يسمحان لي بالسكوت على ذلك، ولكنني تذكرت أنني إلى ذلك الوقت لم أستطع تسديد الديون التي تراكمت عليَّ أثناء بطالتي عن العمل، وبعد شدٍ وجذب أعانني الله تعالى على نفسي، وانتصرت مبادئي وضميري، فأخبرت مدير الشركة، فقام بعزل تلك اللجنة، وطالبني بمراجعةٍ دقيقة لكل أعمالها، ففعلت، وكشفت الأموال الضخمة التي استولت عليها لجنة المناقصات، بسبب مناقصاتٍ وعروضٍ مزيفة.

ومن وقتها صرت العدو رقم (1) لأعضاء اللجنة، وقرروا التخلص مني وإبعادي عن الشركة، وقد حدث أن خسرت تلك الشركة في بعض مشروعاتها، فقررت تخفيض عدد موظفيها، وكنت أنا على رأس القائمة، وعدت إلى بيتي لأواجه بعاصفة احتجاجات من زوجتي التي اتهمتني بالعجز وقلة الحيلة، وكان مما قالته لي: فلان وفلان من أصدقائك لم يفصلوا من أعمالهم؛ لأنهم لم يتدخلوا في كل شاردةٍ وواردة، أما أنت فإنك لم تعد تنظر إلى نفسك على أنك محاسبٌ وكفى، بل استولى عليك الغرور حتى ظننت نفسك أنك أحد مصلحي العالم الكبار. أقول هذا وأنا ما زلت أبحث عن عمل، ولا أدري إذا وجدت عملاً كيف سيكون حالي فيه.

هذا -أيها الإخوة الكرام- لونٌ واحد من ألوانٍ كثيرة من المعاناة التي يلاقيها الإنسان المستقيم في زماننا الصعب.

قد ارتقى مستوى الحياة في كل بلاد العالم، لكن ذلك الارتقاء صار يشكل عبئاً ثقيلاً ومرهقاً على كثيرٍ من الناس، وسيعجب السامع الكريم إذا قلنا إنه في بلادٍ إسلاميةٍ كثيرة يحتاج الموظف المتوسط إلى أن يجمع كل مرتباته مدة عشرين عاماً حتى يستطيع شراء مسكنٍ صغير، يؤويه مع أولاده، وفي بعض الدول لا يستطيع الحصول عليه ولو جمع مرتبات نصف قرن!!

هناك إلى جانب هذا كابوس البطالة الذي يزعج كثيراً من الناس، فحين يكون كثيرٌ من العاملين عاجزين عن تسديد ثمن الحاجات اليومية، فكيف يكون شأن الذي يجلس السنة والسنتين دون أن يكسب أي شيء؟!

إن مشكلة البطالة ليست محصورةً في فقد المرء لمصدر قوته، وإنما يتولد عنها آثارٌ نفسية وسلوكية واجتماعية خطيرة، فحين يجلس المرء مدةً طويلة من غير أي عمل فإن ارتكاساتٍ كريهة تصيب شخصيته بوصفه إنساناً، وبوصفه عاملاً، ويمكن أن يفقد احترامه لنفسه، وثقته بذاته، وقد تؤدي به البطالة إلى انهيار حياته الأسرية، وتسمم الجو الذي يعيش فيه أطفاله، وهذا كله في كفة، وما يمكن أن يغمس فيه من اللهو مع قرناء السوء، وإدمان المخدرات في كفةٍ أخرى، ليصبح في النهاية أقرب إلى المشوه والمعوق.

لا أريد أن أمضي أكثر فأكثر في ذكر الأسباب التي جعلت الحياة صعبةً وشاقة بالنسبة لكثيرٍ من المسلمين، ولكن أحب أن أقول: إن وعي كثيرٍ من الناس بمصادر مشكلاتهم، ومصادر مزعجاتهم، ووعيهم بالأسباب غير المباشرة لانزلاقاتهم وانحرافاتهم وعيٌ محدودٌ وسطحي، ومن واجب المثقفين أن يساعدوا إخوانهم على امتلاك الوعي الجيد بذلك، وأن يدلوهم على سبل الفوز، وأطواق النجاة، وذلك جزءٌ من حقوق الأمة عليهم، وجزءٌ من تكاليف الريادة الثقافية والاجتماعية.

إن قولنا: إننا نعيش في عصرٍ واحد لا يعني أكثر من أننا نعيش في ظل أفكارٍ ومفاهيم، وتيارات واتجاهات، وتحدياتٍ ومتطلباتٍ واحدة أو متقاربة، وإلا فإن في زماننا هذا أشخاصاً كثيرين، ما زالوا يتمسكون برؤيتهم القديمة للأشياء، فالعولمة التي تخترق العالم اليوم بطوله وعرضه لم تحملهم على إعادة النظر والتفكير في شئونهم وأحوالهم، وذلك لسببٍ بسيط: هو أن العيش خارج العصر، بعيداً عن شئونه وشجونه، يشبه الجوع والظمأ، فهو لا يحتاج إلى جهد؛ لأنه الأصل والطبيعي، وأما الذي يحتاج إلى تخطيط وبذلٍ وعناء فهو العيش داخل العصر تماماً، كما هو شأن الري والشبع.

إن الذي لا يريد أن يصبح بطلاً في رياضةٍ من الرياضات، لا يجد نفسه مكلفاً بالقيام بأي تمارين من تمارين الأبطال.

العيش داخل العصر يحتاج إلى درجةٍ عالية من المعرفة والشفافية، وهي غير متوفرة لدى الأميين، ولدى كثيرٍ من متوسطي الثقافة، ولذا فإن أعداد الناس الذين يعيشون خارج العصر كبيرةٌ جداً، وكثيرٌ منهم ما زالوا يقفون على أبوابه دون أن يتمكنوا من الدخول إلى أفنيته وساحاته.

قد أكون أنا، وقد تكون أنت، من الذين يعيشون على هامش العصر، أو على أبوابه، أو داخل ساحاته دون أن يلجوا إلى قاعاته، ودون أن يدركوا طبيعة تحدياته وعطاءاته، ولذا فإن من المهم أن نستبين صفات الذين يعيشون خارج العصر، مع بعض المقارنة مع صفات الذين يعيشون زمانهم بجدارةٍ ووعي، حتى نعرف على أي أرضٍ نقف، وإلى أي فريقٍ ننحاز، ولعلي أوجز تلك الصفات في المفردات الست الآتية:

الفهم الضعيف للواقع

أولاً: يشترك الذين يعيشون خارج العصر في أن فهمهم للواقع ضعيف، إنهم قليلو القراءة، وضعيفو الممارسة، ولذا فإنهم يستسلمون بسهولة للأخيلة والأوهام، ويقعون في الأقيسة الفاسدة، ويعلقون آمالاً كبيرة على أشياء صغيرة.

هناك أشخاصٌ كثيرون يغلب عليهم حب الخير، يظنون أنه يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه، ولذا فإنهم يعتقدون أن المسلمين في أي بلد إذا بذلوا جهدهم في الدعوة والإصلاح، والتربية والتوجيه، فإنه يمكِن أن يمكَّن في ذلك البلد خلال ثلاث عشرة سنة كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث شرع بتشييد الكيان الإسلامي المستقل في المدينة بعد قيامه بالدعوة ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة .

وهذا لا يمكن قبوله في حالٍ من الأحوال، لماذا؟ لأنه جرت خلال هذه القرون المتطاولة تغييرات فكرية واجتماعية، وكيميائية وفيزيائية، تجعل عودة ذلك غير ممكنة.

بعض الناس تسيطر عليهم عقدة المؤامرة، فهم يرون أن كل سوءٍ يجري لهم، أو لأمتهم، قد حيك بإتقانٍ بالغ من قبل الأعداء والمنافسين، ومع أن العالم لا يخلو من التآمر في حقيقة الأمر، إلا أن القرآن الكريم يعلمنا أن ما يعانيه البشر -ومنهم المسلمون طبعاً- هو شيء من صنع أيديهم في المقام الأول، كما قال الله جل وعلا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] وكما قال: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117].

إن الذين يفسرون كل المصائب التي تحل بهم من أفق المؤامرة يوقعون أنفسهم في حالةٍ من الشلل التام، فهم دائماً يظهرون بمظهر الذي لا حول له ولا طَول، ويصبحون كأنهم جبريون، وهذا يشجعهم على التنصل من أخطائهم، وإلقاء تبعاتها على غيرهم.

هناك إلى جانب هذا الصنف أشخاصٌ مكبلون بأوهام المثالية، فهم يظنون أن الأفكار والقيم والعقائد هي من القوة بحيث لا يتصور إلا تطابق سلوك الناس معها، ولذا فإنهم دائماً غاضبون ساخطون على غيرهم، وكأنهم لا يدركون ما تحدثه الظروف الصعبة من الدخول في موازناتٍ دقيقة، ومن مراعاةٍ للمصالح، ومن انسياقٍ خلف الأهواء والشهوات، وسوء التقدير، وكأنهم لا يعرفون أن ما بين المبدأ والسلوك، وبين المثال والواقع، تصدعاتٍ ومفارقاتٍ أبدية، لأسبابٍ يعرفها أهل العلم والفكر.

وأنا لا أطالب هؤلاء إلا بفهم حقيقة ما يجري حتى يتخلصوا من التجرع المستمر للكئوس المرة.

الظن بأن هذا الزمان هو زمان التخفف من القيود الأخلاقية

ثانياً: يظن بعض الذين يعيشون خارج العصر أن زماننا هذا هو زمان التخفف من القيود الأخلاقية، وصمِّ الآذان عن صوت العقيدة والمبدأ، وأن مَن لم يفعل ذلك يُغلَب ويخسر الكثير من الفرص والصفقات.

ولهذا فإن النشاط اليومي لهؤلاء هو استخفافٌ مشين بالأخلاق والقيم، والمبادئ التي يتظاهرون أنهم من حملتها، وهذا منهم سوء فهم. إذ إن العيش باستقامة ليس واجباً، ولا خلقاً، ولا أدباً فحسب، ولكنه أحد أهم مصادر تكوين ذاتية الإنسان، وإن الذي يخرج عن مبادئه في أعماله وعلاقاته، قد يكسب على المدى القريب، لكنه على المدى البعيد يخسر ذاته وآخرته، كما أنه أيضاً في أمور الدنيا سوف يخسر؛ لأن كسب ثقة الناس ثروةٌ كبرى، ولكن لا يمكن كسب ثقتهم من غير مصداقية، ولا مصداقية من غير استقامةٍ والتزام.

الشركات الكبرى التي استطاعت المحافظة على أسعار منتجاتها، وعلى حصتها في الأسواق، يثق مستهلكو منتجاتها بها، بسبب التزامها بجودة ما تقدمه.

إن لدى الناس أموالاً طائلة، لا يدرون كيف يستفيدون منها، وهم دائماً يبحثون عن شخصٍ يجمع بين الأمانة والكفاءة، على المبدأ الوارد في قوله جل وعلا: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، وكثيرٌ من التجار الكبار كان رأس مالهم الحقيقي -وما زال- هو ما يمتلكون من نزاهةٍ وصدقٍ وأمانة.

التشتت بين الماضي والحاضر

ثالثاً: بعض الذين يعيشون خارج العصر موزعون بين الماضي والحاضر فهم على مستوى التصورات والمفاهيم أسرى لمقولاتٍ ماضية، يعجزون في الغالب عن التأكد من مدى صحتها، وهم على مستوى الحاضر أسرى الهموم والمشاغل، أما المستقبل فلا يستحوذ إلا على القليل من اهتماماتهم واستعداداتهم، مع أن طبيعة التدين الحق تجعل من المسلم الحق إنساناً مستقبلياً من الطراز الأول، لكن يبدو أن انتفاع الإنسان بمبادئه لا يتم بطريقةٍ عفويةٍ ساذجة، فهؤلاء الناس لا يدركون أن التغيرات السريعة توجب عليهم أن ينظروا إلى أبعد مدىً ممكن؛ لأن السرعة الهائلة تجعل البعيد قريباً.

قد علمتنا التجربة أن معظم الذين يعانون من مشكلات كبيرة، هم أشخاص مصابون أصلاً بقصر النظر، وضعف الاهتمام بالمستقبل.

وبعض هؤلاء يظن أن التخطيط للمستقبل لا ينسجم مع روح التوكل على الله تعالى، وبعضهم يجعل الاهتمام بما هو قادم نوعاً من الاشتغال بالتنظير عن الاستفادة مما هو موجود، وهذا يجعل الذين يعيشون خارج العصر ينفعلون بالأحداث، بدل أن يشاركوا في صناعتها، كما يجعلهم يأتون دائماً بعد الحدث.

فقدان روح المبادرة الشخصية

رابعاً: من سمات الذين يعيشون خارج العصر: أنهم يفقدون روح المبادرة الشخصية، فهم ما زالوا ينتظرون من غيرهم نوعاً من الرعاية لهم، إنهم في جوهر الأمر حملوا معهم إلى مرحلة الشباب والكهولة روح الطفولة، حيث إن الطفل يفضل عبارة: أنت لا تحبني، أنت ما أخذتني، أنت ما أعطيتني... إلخ

إذا حاولنا أن نعمق النظر في أحوال عصرنا، فإننا سنجد أن المبادرة الفردية قد أسهمت على نحوٍ فذ في تكوين النهضة الحديثة، وإن كثيراً من الأعمال الجليلة، ما كان لها أن تظهر إلى الوجود، لولا أن أصحابها آمنوا بالتجاوز والانطلاق.

وإني أعرف أشخاصاً كثيرين لديهم أفكارٌ رائعة، لكنهم ينتظرون غيرهم ليقوم بتنفيذها، أو ليساعدهم في ذلك، لكن ذلك المنتظر طال غيابه، وربما لن يحضر أبداً، ولو أنهم بدءوا بتنفيذ ما يقبل التنفيذ منها لوجدوا كثيرين ينظمون إليهم، ويساعدونهم على إكمالها.

إن التربية العامة لدينا ما زالت تركز على تنشئة الإنسان التابع، والمعتمد على غيره، مع أن الوضعية العامة للتكليف في الإسلام تؤكد على تنمية روح المبادرة، وروح تحمل المسئولية، وسلوك طرق الخير، مهما كانت مهجورةً وموحشة، على حد ما نلمسه في قول الله جل وعلا: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] وقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] وقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] وقوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم:39-41].

الاهتمام بالوقت شبه معدوم

خامساً: اهتمام الذين يعيشون خارج العصر بالوقت شبه معدوم، فالذي لا يتم إنجازه اليوم، يمكن أن ينجز غداً أو بعد غد، وهم على خبرة واسعة بقتل الوقت، وإنفاقه في أعمالٍ لا تعود عليهم أو على غيرهم بأي فائدة.

العالم المتقدم اخترع آلاتٍ لقياس أجزاء الثانية عنواناً على أهمية الوقت في الحياة المعاصرة، والذين يعيشون خارج العصر يستخدمون في التعامل مع الزمن الأيام والشهور، للدلالة على أنهم ينتمون إلى غير هذا العالم، وغير هذا الزمان، وبما أن القوم يعيشون من غير أهدافٍ واضحة، فإن مطالبتهم بالحرص على الوقت قد تكون غير ذات معنى.

الإهمال والفوضى

سادساً وأخيراً: الإهمال والفوضى سمتان ملازمتان لكثيرٍ ممن يعيشون خارج العصر، إهمال للصحة والمظهر، والعمل والأهل، والعلاقات الاجتماعية، الفوضى تضرب أطنابها في كل شئون حياتهم، حيث إن لديهم دائماً التزاماتٍ كثيرة، وإنجازاتٍ قليلة؛ لأنه ليس لديهم البرامج لتحقيقها، كل شيءٍ في حياتهم جائز، ويمكن أن تتوقع منهم أي شيء، هذا مع أن الذين قدَّموا إنجازات كبرى للبشرية في هذا الزمان، كانوا دائماً يبدون اهتماماً بكل شيء، حتى التفاصيل الصغيرة، وهم إلى جانب ذلك منظمون في حياتهم الشخصية والعامة، وفي أسلوب تفكيرهم وأعمالهم، كما أنهم يعتقدون أن التحلي بفضيلة الاهتمام شرطٌ للإنجاز العالي.

أولاً: يشترك الذين يعيشون خارج العصر في أن فهمهم للواقع ضعيف، إنهم قليلو القراءة، وضعيفو الممارسة، ولذا فإنهم يستسلمون بسهولة للأخيلة والأوهام، ويقعون في الأقيسة الفاسدة، ويعلقون آمالاً كبيرة على أشياء صغيرة.

هناك أشخاصٌ كثيرون يغلب عليهم حب الخير، يظنون أنه يمكن للتاريخ أن يعيد نفسه، ولذا فإنهم يعتقدون أن المسلمين في أي بلد إذا بذلوا جهدهم في الدعوة والإصلاح، والتربية والتوجيه، فإنه يمكِن أن يمكَّن في ذلك البلد خلال ثلاث عشرة سنة كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث شرع بتشييد الكيان الإسلامي المستقل في المدينة بعد قيامه بالدعوة ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة .

وهذا لا يمكن قبوله في حالٍ من الأحوال، لماذا؟ لأنه جرت خلال هذه القرون المتطاولة تغييرات فكرية واجتماعية، وكيميائية وفيزيائية، تجعل عودة ذلك غير ممكنة.

بعض الناس تسيطر عليهم عقدة المؤامرة، فهم يرون أن كل سوءٍ يجري لهم، أو لأمتهم، قد حيك بإتقانٍ بالغ من قبل الأعداء والمنافسين، ومع أن العالم لا يخلو من التآمر في حقيقة الأمر، إلا أن القرآن الكريم يعلمنا أن ما يعانيه البشر -ومنهم المسلمون طبعاً- هو شيء من صنع أيديهم في المقام الأول، كما قال الله جل وعلا: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] وكما قال: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [آل عمران:117].

إن الذين يفسرون كل المصائب التي تحل بهم من أفق المؤامرة يوقعون أنفسهم في حالةٍ من الشلل التام، فهم دائماً يظهرون بمظهر الذي لا حول له ولا طَول، ويصبحون كأنهم جبريون، وهذا يشجعهم على التنصل من أخطائهم، وإلقاء تبعاتها على غيرهم.

هناك إلى جانب هذا الصنف أشخاصٌ مكبلون بأوهام المثالية، فهم يظنون أن الأفكار والقيم والعقائد هي من القوة بحيث لا يتصور إلا تطابق سلوك الناس معها، ولذا فإنهم دائماً غاضبون ساخطون على غيرهم، وكأنهم لا يدركون ما تحدثه الظروف الصعبة من الدخول في موازناتٍ دقيقة، ومن مراعاةٍ للمصالح، ومن انسياقٍ خلف الأهواء والشهوات، وسوء التقدير، وكأنهم لا يعرفون أن ما بين المبدأ والسلوك، وبين المثال والواقع، تصدعاتٍ ومفارقاتٍ أبدية، لأسبابٍ يعرفها أهل العلم والفكر.

وأنا لا أطالب هؤلاء إلا بفهم حقيقة ما يجري حتى يتخلصوا من التجرع المستمر للكئوس المرة.

ثانياً: يظن بعض الذين يعيشون خارج العصر أن زماننا هذا هو زمان التخفف من القيود الأخلاقية، وصمِّ الآذان عن صوت العقيدة والمبدأ، وأن مَن لم يفعل ذلك يُغلَب ويخسر الكثير من الفرص والصفقات.

ولهذا فإن النشاط اليومي لهؤلاء هو استخفافٌ مشين بالأخلاق والقيم، والمبادئ التي يتظاهرون أنهم من حملتها، وهذا منهم سوء فهم. إذ إن العيش باستقامة ليس واجباً، ولا خلقاً، ولا أدباً فحسب، ولكنه أحد أهم مصادر تكوين ذاتية الإنسان، وإن الذي يخرج عن مبادئه في أعماله وعلاقاته، قد يكسب على المدى القريب، لكنه على المدى البعيد يخسر ذاته وآخرته، كما أنه أيضاً في أمور الدنيا سوف يخسر؛ لأن كسب ثقة الناس ثروةٌ كبرى، ولكن لا يمكن كسب ثقتهم من غير مصداقية، ولا مصداقية من غير استقامةٍ والتزام.

الشركات الكبرى التي استطاعت المحافظة على أسعار منتجاتها، وعلى حصتها في الأسواق، يثق مستهلكو منتجاتها بها، بسبب التزامها بجودة ما تقدمه.

إن لدى الناس أموالاً طائلة، لا يدرون كيف يستفيدون منها، وهم دائماً يبحثون عن شخصٍ يجمع بين الأمانة والكفاءة، على المبدأ الوارد في قوله جل وعلا: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص:26]، وكثيرٌ من التجار الكبار كان رأس مالهم الحقيقي -وما زال- هو ما يمتلكون من نزاهةٍ وصدقٍ وأمانة.

ثالثاً: بعض الذين يعيشون خارج العصر موزعون بين الماضي والحاضر فهم على مستوى التصورات والمفاهيم أسرى لمقولاتٍ ماضية، يعجزون في الغالب عن التأكد من مدى صحتها، وهم على مستوى الحاضر أسرى الهموم والمشاغل، أما المستقبل فلا يستحوذ إلا على القليل من اهتماماتهم واستعداداتهم، مع أن طبيعة التدين الحق تجعل من المسلم الحق إنساناً مستقبلياً من الطراز الأول، لكن يبدو أن انتفاع الإنسان بمبادئه لا يتم بطريقةٍ عفويةٍ ساذجة، فهؤلاء الناس لا يدركون أن التغيرات السريعة توجب عليهم أن ينظروا إلى أبعد مدىً ممكن؛ لأن السرعة الهائلة تجعل البعيد قريباً.

قد علمتنا التجربة أن معظم الذين يعانون من مشكلات كبيرة، هم أشخاص مصابون أصلاً بقصر النظر، وضعف الاهتمام بالمستقبل.

وبعض هؤلاء يظن أن التخطيط للمستقبل لا ينسجم مع روح التوكل على الله تعالى، وبعضهم يجعل الاهتمام بما هو قادم نوعاً من الاشتغال بالتنظير عن الاستفادة مما هو موجود، وهذا يجعل الذين يعيشون خارج العصر ينفعلون بالأحداث، بدل أن يشاركوا في صناعتها، كما يجعلهم يأتون دائماً بعد الحدث.

رابعاً: من سمات الذين يعيشون خارج العصر: أنهم يفقدون روح المبادرة الشخصية، فهم ما زالوا ينتظرون من غيرهم نوعاً من الرعاية لهم، إنهم في جوهر الأمر حملوا معهم إلى مرحلة الشباب والكهولة روح الطفولة، حيث إن الطفل يفضل عبارة: أنت لا تحبني، أنت ما أخذتني، أنت ما أعطيتني... إلخ

إذا حاولنا أن نعمق النظر في أحوال عصرنا، فإننا سنجد أن المبادرة الفردية قد أسهمت على نحوٍ فذ في تكوين النهضة الحديثة، وإن كثيراً من الأعمال الجليلة، ما كان لها أن تظهر إلى الوجود، لولا أن أصحابها آمنوا بالتجاوز والانطلاق.

وإني أعرف أشخاصاً كثيرين لديهم أفكارٌ رائعة، لكنهم ينتظرون غيرهم ليقوم بتنفيذها، أو ليساعدهم في ذلك، لكن ذلك المنتظر طال غيابه، وربما لن يحضر أبداً، ولو أنهم بدءوا بتنفيذ ما يقبل التنفيذ منها لوجدوا كثيرين ينظمون إليهم، ويساعدونهم على إكمالها.

إن التربية العامة لدينا ما زالت تركز على تنشئة الإنسان التابع، والمعتمد على غيره، مع أن الوضعية العامة للتكليف في الإسلام تؤكد على تنمية روح المبادرة، وروح تحمل المسئولية، وسلوك طرق الخير، مهما كانت مهجورةً وموحشة، على حد ما نلمسه في قول الله جل وعلا: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [البقرة:148] وقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] وقوله: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] وقوله: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم:39-41].

خامساً: اهتمام الذين يعيشون خارج العصر بالوقت شبه معدوم، فالذي لا يتم إنجازه اليوم، يمكن أن ينجز غداً أو بعد غد، وهم على خبرة واسعة بقتل الوقت، وإنفاقه في أعمالٍ لا تعود عليهم أو على غيرهم بأي فائدة.

العالم المتقدم اخترع آلاتٍ لقياس أجزاء الثانية عنواناً على أهمية الوقت في الحياة المعاصرة، والذين يعيشون خارج العصر يستخدمون في التعامل مع الزمن الأيام والشهور، للدلالة على أنهم ينتمون إلى غير هذا العالم، وغير هذا الزمان، وبما أن القوم يعيشون من غير أهدافٍ واضحة، فإن مطالبتهم بالحرص على الوقت قد تكون غير ذات معنى.

سادساً وأخيراً: الإهمال والفوضى سمتان ملازمتان لكثيرٍ ممن يعيشون خارج العصر، إهمال للصحة والمظهر، والعمل والأهل، والعلاقات الاجتماعية، الفوضى تضرب أطنابها في كل شئون حياتهم، حيث إن لديهم دائماً التزاماتٍ كثيرة، وإنجازاتٍ قليلة؛ لأنه ليس لديهم البرامج لتحقيقها، كل شيءٍ في حياتهم جائز، ويمكن أن تتوقع منهم أي شيء، هذا مع أن الذين قدَّموا إنجازات كبرى للبشرية في هذا الزمان، كانوا دائماً يبدون اهتماماً بكل شيء، حتى التفاصيل الصغيرة، وهم إلى جانب ذلك منظمون في حياتهم الشخصية والعامة، وفي أسلوب تفكيرهم وأعمالهم، كما أنهم يعتقدون أن التحلي بفضيلة الاهتمام شرطٌ للإنجاز العالي.




استمع المزيد من الدكتور عبد الكريم بكار - عنوان الحلقة اسٌتمع
العيش في الزمن الصعب ( 4 ) 2654 استماع
العيش في الزمن الصعب ( 1 ) 1759 استماع
العيش في الزمن الصعب ( 3 ) 1754 استماع
العيش في الزمن الصعب ( 2 ) 1725 استماع