ومن يتولهم منكم فإنه منهم


الحلقة مفرغة

الحمد لله، شرع الجهاد لحماية حوزة الإسلام، وجعله رفعة للمسلمين، هو للإسلام ذروة سنامه، أحمده سبحانه جعل النصر لحزبه، فأعظم بتأييد الملك العلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام، وعلى من تبعهم وسار على نهجهم ما ظهرت النجوم وتوالت الأيام وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعــد:

فاتقوا الله أيها المسلمون: واعلموا أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يدٌ الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم شذ في النار.

أيها الناس: قبل نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بعشرات السنين، كان الناس في هذه البسيطة على فترة من الرسل، منقطعين عن المدد الروحي من السماء الذي كانت تعاني فيه الأرض وأهلها على اجتياز ظلمات المادة، وفسق المادة، وجفاف المادة، تخبط الناس في مهام الحياة ودروبها خبط عشواء في ظلمات ثلاث:

ظلمة العقائد، وظلمة القوانين البشرية، وظلمة الأنفس.

ظلمة عقائدٍ لا يجد فيها الحاذق بصيص نورٍ يهتدي به إلى هداية، أو يخلص به من ضلالة، واستبد الأحبار والرهبان بقلوب الناس وعواطفهم.

وظلمة قوانين لا يجد فيها العاقل ما يعين على عدالة، أو ما يخرج من مظلمة، فاستعبد العظماء أموال الناس وظهورهم: فالظلم عندهم كما قيل:

والظلم من شيم النفوس وإن تجد     ذا عفة فلعله لا يظلم

وظلمة أنفس لا يجد فيها المتأمل مكاناً لرحله، أو نوراً يضيء ظلمةً، إلا من رحم الله.

فما زالت الإنسانية تتخبط في هذه الظلمات الثلاث، وتنحدر إلى هاوية سحيقة، حتى تنصبت عن أمم كان من قسوتها وفظاعتها أن تقتل بنيها شر قتله؛ مخافة أن يشاركوهم في مأكلهم أو ملبسهم، قال ابن عباس رضي الله عنه: [[إذا سرك أن تعلم جهل العرب، فاقرأ قول الله عز وجل: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:140] ]].

وكان من عقلها ودينها أن تصنع معبودها بأيديها، ومن مجدها الذي تتغنى به الحذق في انتزاع الأرواح، والمهارة في إيتام الأطفال، وإرمال النساء، وإثكال الأمهات والآباء، حتى لقد صدق قول الله فيهم: أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

بعد هذا التخبط المقيت، بعث الله الرسول الأمي: نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [المائدة:15-16] فانبهر الناس ودهشوا لهذا النور الوهاج، وتكاتف هذا النور واتسع نطاقه في الأرض؛ فهزمت أمامه كل من الظلمات الثلاث: ظلمة القوانين، وظلمة العقائد، وظلمة الأنفس، ولم تستطع ظلمةٌ من هذه الظلم الثلاث أن تساقطه أو تواقصه، حتى صار لهذا الدين أنصار وقادة يحملونه في إحدى اليدين، وفي الأخرى يحملون الحديد ذا البأس الشديد، يذودون عنه الإيذاء والاعتداء، ويخلّون له الطريق إلى القلوب والعقول.

فما أجمل الحق يعرضه القوي في لين! وما أجمل القوة تنصر الحق في شجاعة!

حمل هذا الدين رجالٌ وقادة، علمهم نبيهم صلى الله عليه وسلم ألا يخاف العبد إلا ربه، وألا يذل إلا لمن ذل له كل شيءٍ وخلق كل شيء، ومن بيده أسباب الخوف وأسباب الأمن، وحده قال الله: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175] وعلمهم نبيهم ألا يتأخر عن الموت إلا من طلب الحياة وأحبها، فإن من رغب في الموت ذلت له ناصية الحياة، ومن رغب في الحياة ذلت ناصيته للموت، قال أبو بكر رضي الله عنه: [[احرص على الموت؛ توهب لك الحياة ]].

كانوا يقدمون على الموت إقدام من ليس حياته ملكاً له، فأخذوا بنواصي الأكاسرة، وهامات القياصرة، وذروا التراب على جباه الطغاة الذين طالما جرعوا الإنسان الذل والهوان، وأذاقوه غصص الخسف والاستفزاز.

عباد الله: قال الله عز وجل: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران:140] وقال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:251] المدافعة بين الإسلام والكفر ضرورية لحياة الشعوب وبقائها، وكل شعبٍ فقد هذا الدواء على مر التاريخ؛ فقد الحياة ولا محالة؛ فأكلته شعوب الكفر، وطحنه تنازع البقاء، وذهب أقساماً بين أشتات المطامع والأهواء.

أيها الأحبة في الله: يخطئ كثيراً من يظن أن هزائم المسلمين في عصرهم الحاضر كانت بدعاً في تاريخهم الطويل، كلا. فالأمر ليس كذلك، بل إن أمر المسلمين قد يعلو تارة، ويهبط أخرى، بمقدار قربهم من ربهم وإحيائهم لسنة الجهاد في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير؛ أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة ) والقارعة: هي الداهية.

لذا فقد هبط أمر المسلمين في قرون النضج، حتى اغتصب الحجر الأسود، فما عاد إلى موضعه إلا بعد سنين عدة مؤن، ولكن هذا التاريخ الذي هبط سرعان ما علا وارتفع، وهكذا أصبح تاريخ المسلمين يتأرجح بين مد وجزر في صورةٍ حقيقة لا ينكرها إلا مكابر.

أيها المسلمون: إن الناظر في واقع العالم اليوم، إن كان ذا لبٍ وبصيرةٍ، فإنه لن يتمالك من قوة الفهم إلا أن يقول: ما أشبه الليلة بالبارحة، وما أشبه اليوم بالأمس، فهاهو التاريخ يعيد نفسه، تتغير مراكز القوى، وتنقلب معايير النفوذ والاتساع؛ حتى أصبحت متمركزةً في معسكرات الكفر، بحيث لا يفسر إلا بالقوة التي كان يمارسها الجاهليون ضد الإسلام، وإن كان دور أهل الكفر الذين سيطروا على المسلمين في قرونٍ مضت لا يتجاوز سيوفاً ضربوا بها هام المسلمين ففلقوها، واحتزوا الرقاب فقطعوها، وضربوا منهم كل بنان، حتى يقول الكافر للمسلم: قف مكانك حتى آتي بسيفي لأقتلك، فيقف المسكين مكانه لا يحرك ساكناً حتى يأتي ذلك الرجل فيقتله. إن كان ذلك هو أسلوب أهل الكفر في ذلك الحين، فإن أسلوبهم في هذا العصر ينطلق من محاور متعددة؛ أورثت لدى المسلمين جبناً وخوراً، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

وانطلقوا يغزونهم في عدة ميادين تمثلت في إنشاء التخلف العلمي، والتخلف الاقتصادي والصحي، والتحدي الثقافي في مجال الدراسات الإسلامية، والدراسات التاريخية والأدبية واللغوية، والتحديات الاجتماعية، والإعلامية، وإثارة الحروب الأهلية، والنعرات الطائفية، إنها حربٌ شعواء لا هوادة فيها!

إن أهل الكفر هم أبعد الناس عن العدالة، وأنأى الناس عن الرحمة وإن زعموا العدل في محاكمهم الدولية، أو مجالسهم ومقرراتهم الدستورية، لقد صار غبياً عندهم من يحاول أن ينال حقه باسم العدالة أو الرحمة الدولية، أو باسم القوانين الخاصة أو القوانين العامة، أو باسم المدنية والإنسانية، وصار المهزول حقاً هو ذلك الضعيف المهزول الجاثي على ركبتيه المهزولتين، أمام تلك القوى الكافرة الظالمة يستجديها حقه ويسألها إنصافه، ويطلب إليها بمجمعه لا بمدفعه أن يمسح الدم عن أظفاره الدامية، ويطهر دمه من لحوم الضعفاء الأبرياء، ويناديه باسم المدنية، وباسم الحقوق الإنسانية، وصار لا يوجد العدل إلا حيث يوجد الجور، ولا يوجد السلم إلا حيث توجد الحرب، وصارت القوى الكافرة الظالمة لا تذكر العدالة، ولا الحقوق الإنسانية إلا إذا تحدثوا إلى الأقوياء الباطشين أمثالهم، أما الضعيف العاجز عن المدافعة فماله عندهم إلا التنديد زعموا ومعناه: إفساد الأخلاق والأذواق والعقائد، والاستعمار ومعناه: الجوع والجهل، والتطبيع وسائر ما للبأس والشقاء من مظاهر ومعانٍ.

كل ذلك -أيها المسلمون- مصداق لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قيل: أومن قلةٍ نحن يا رسول الله؟! قال: لا. بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ) هجمت عليهم الدنيا فتنافسوها؛ فقلبت موازين الحياة عندهم ونسوا قول الله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال:60] ونسوا قول الله عز وجل: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران:175] ونسوا قول الله عز وجل: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ [آل عمران:160] ونسوا قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ) انقلبت موازين الحياة عندهم؛ فأخرجت سنة المدافعة، وظنوا أن الشجاع المقاتل يقتل دون الجبان المسالم، المقر للخصم في دينه وملته وأرضه، حسبوا أن الجبناء أطول آجالاً من الشجعان فقالوا:

يقرب حب الموت آجالنا لنا     وتكرهه آجالهم فتطول

ولأجل هذا تجد كل من يحرصون على الحياة يهرعون إلى السلم والمسالمة، والحقيقة الواضحة في هذا العصر -أيها المسلمون- على العكس من ذلك، فإنه لا يقتل غالباً إلا الجبان، ولا يقع في الحرب إلا الهارب إلى السلم، ولا ينال الشر إلا أهل الدعة واللين والخوف.

عباد الله: إن الإرهاصات المتتابعة التي أداها أهل الكفر والشرك لم تذهب أدراج الرياح، وإن تلك الجهود التي قاموا بها من اقتلاع لقوة الإسلام من جذورها لم تذهب سدىً، فنحن نرى بين الحينة والأخرى نفوساً ضعيفةً، وأقلاماً مريضةً ترعرعت في كنف الكفر، فأخذت تبث دعايات مضللة، مفادها هدم ركنٍ ركين وأصلٍ أصيل من أصول الإسلام ألا وهو ركن الولاء والبراء؛ الولاء للمؤمنين، والبراء من الكافرين، الولاء والبراء الذي هو من لوازم كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ذلك اللازم المؤكد في قول الله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:28] وفي مثل قوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، وفي مثل قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لـجرير بن عبد الله البجلي لما بايعه على الإسلام قال له: (أن تنصح لكل مسلم وتبرأ من الكافر ) رواه أحمد بسند حسن.

أيها المسلمون: قال الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] قال العالم المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : فأما صفة الكفر بالطاغوت أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم.

وذكر رحمه الله من نواقض الإسلام: من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو يصحح مذهبهم؛ كفر.

وقال رحمه الله: ومظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين كفر، والدليل قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .

هذا الركن الركين والحصن الحصين، مالت نفوسٌ ضعيفة اجتالتها الشياطين عن فطرة التوحيد، مالت بهم إلى نبذهم لواقع حياتهم، فيما يسمونه بالعالمية أو زمالة الأديان، أو التطبيع بين الكفر والإسلام، ومعنى تلك المسميات كلها: هو توسيع دائرة الولاء بحيث يدخل فيها كل الأقوام والأديان والأوطان، حتى يصبح المسلم لا يشعر بالفارق بينه وبين غيره من الكفار في بقاع الأرض، وقد يطبع على هذا المبدأ الباطل، شعارات براقةٌ خادعة، كالحرية والإخاء، والعدل والمساواة، وبذلك تطمس عقيدة الولاء والبراء، وذروة سنام الإسلام وهو الجهاد في سبيل الله، وقد ذم الله هذا الصنيع وحذر منه بقوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً [الأعراف:86].

فاتقوا الله -أيها المسلمون- وعودوا إلى دينكم عوداً حميداً، اتقوا الله والتفتوا إلى واقعكم، انظروا إلى دماء الأبرياء من بني ملتكم تصرخ ولا مغيث!

إن ضعف المسلمين واستكانتهم؛ جعلت من دم المسلم عملة رائدة في سوقٍ سوداء، لا تخضع لنظام، ولا يحميها قرار.

أيها المسلمون: استمعوا إلى نصح ربكم في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران:118-120].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعـد:

أيها المسلمون: اتقوا الله واعلموا أن معركة الإسلام مع الكفر ليست وليدة اليوم، وإنما هي فصول يقصها القرآن وترويها السنة في أجواء مختلفة، ولن يخلو زمان أو مكان من تلك المعركة الضارية، غير أن النور الذي حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيء للدنيا لن ينطفئ أبداً، بل هو باقٍ خالص في أيدي المسلمين، يحملونه إلى البشرية ليضيء الدنيا مرةً أخرى بأمر من الله، ويوحد الكلمة ويجمع الشتات، وإن للمسلمين في وعد ربهم ما يشد عزائمهم للثبات على دينهم قال تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) وقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33] قال ابن جرير رحمه الله: أي: ليعلي الإسلام على الملل كلها، ولو كره المشركون بالله ظهوره عليها.

وقال ابن كثير رحمه الله: أي: ليظهره على سائر الأديان كما ثبت في صحيح مسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها ).

إن شعوباً لا تعرف إلا الله لن يغلبها من لا يعرف الله، وإن من لا يعرف إلا الحق لن يغلبه من لا يعرف إلا الباطل، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان؛ غير أن الأمر قد بات من الخطورة بحيث يوجب البحث عن الأسباب المفضية إلى ضعف المسلمين وخسائرهم الفادحة وإلى مصدرها، هل هو غش ثقافي؟ أو عوجٌ خلقي؟ أو خلل سياسي أو اجتماعي؟ وما الذي أفقد الأمة كيانها ثم جعلها تتلقى الضربات وتصرع أمامها؟

فاتقوا الله أيها المسلمون! وانظروا إلى نصوص الشرع برضاً وطواعية، تصحوا بين الاستسلام لله ولشرعه، وليعلم الذين يخالفون شرع الله بواقع حياتهم، أو يخرجون جانباً من جوانب الإسلام في سياسةٍ أو حكم أو اقتصاد أو ما شابه ذلك؛ ليعلموا أن ركب الإسلام سائرٌ بإذن الله والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وأن الله سيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولن يدع الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر ).

فالأولى بالمقصرين من أهل الإسلام، والمعادين له من أهل الكفر والشرك، أن يستسلموا لشرع الله بعودة صادقة إلى الله وإخلاء الطريق للشعوب المسلمة لتسعد بشرع الله:

ليت الذي لم يقم بالحق مقتنعاً     يخلي الطريق ولا يؤذي من اقتنعا

هذا وصلوا -رحمكم الله- على خير البرية، وأفضل البشرية، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صحاب الحوض والشفاعة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وراض اللهم عن الأئمة الأربعة: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة لك فيها رضا ولنا فيها صلاح، إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا بلاءٍ ولا غرق، اللهم لتسقي به العباد، وتحيي به البلاد وتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى.

اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

عباد الله: اذكروا الله العظيم؛ يذكركم، واشكروه على نعمه؛ يزدكم، ولذكر الله أكبر؛ والله يعلم ما تصنعون.


استمع المزيد من الشيخ سعود الشريم - عنوان الحلقة اسٌتمع
ربما تصح الأجسام بالعلل 2770 استماع
السياحة من منظور إسلامي 2558 استماع
لا أمن إلا في الإيمان!! 2473 استماع
حاسبوا أنفسكم 2427 استماع
العين حق 2386 استماع
كيف نفرح؟ 2353 استماع
مفهوم السياحة ومخاطرها [1] 2301 استماع
رحيل رمضان 2247 استماع
مخاصمة السنة 2175 استماع
مفاهيم رمضانية 2172 استماع